فلسطينيو العراق بعد ست سنوات من الاحتلال – أيمن الشعبان

بواسطة قراءة 2250
فلسطينيو العراق بعد ست سنوات من الاحتلال – أيمن الشعبان
فلسطينيو العراق بعد ست سنوات من الاحتلال – أيمن الشعبان

ست سنوات عجاف مضت مليئة بالأحداث والتقلبات لم يشهد تاريخ الوجود الفلسطيني في العراق لها مثيل ، حيث لا نبالغ إذا قلنا بأنه أوشك القضاء على تلك الأقلية إلا أن يقضي الله أمرا كان مفعولا بفعل الضربات المتوالية والضغوطات المتكررة التي لا يمكن تحملها مقارنة مع ضعف العدة والعدد .

ولو أردنا أخذ لمحات سريعة وعاجلة نتذكر فيها أبرز وأهم المآسي ونقاط التحول ، وكيف انحدرت الأمور وبلغت بنا مبالغ طيلة تلك السنوات وما آلت إليه من نتائج لا تحمد عقباها لرأينا العجب العجاب حيث :

1-    أكثر من ( 300 شهيد ) بإذن الله طيلة تلك السنوات غالبيتهم سقطوا بفعل الميليشيات الصفوية الطائفية ذات الأحقاد على الوجود العربي السني في العراق .

2-    أكثر من ( 100 جريح ومصاب ) جراء العديد من حالات القصف والاعتداء والاختطاف ، مع إهمال في علاج العديد منهم .

3-    عشرات الحالات المرضية التي تنتظر العلاج في أماكن خارج العراق لصعوبتها وعدم إمكانية علاجها ، مع بطئ في التعامل مع تلك المآسي سواء من قبل مفوضية اللاجئين أو غيرهم من المؤسسات .

4-    كنا عند احتلال العراق قرابة ( 25000 فلسطيني ) والآن لا يتجاوز الوجود الفعلي للفلسطينيين في العراق ( 10000 فلسطيني ) وهذا مؤشر واضح لحقيقة المراحل التي تعرضوا لها طيلة سنوات الاحتلال .

5-    أنشأت سبعة مخيمات خلال تلك السنوات المنصرمة أغلقت أربعة وبقي ثلاثة وهي :

-         مخيم العودة : حيث تكون في ساحة كرة القدم في نادي حيفا الرياضي مباشرة بعد احتلال العراق ، أثر تعرض قرابة ( 400 عائلة فلسطينية ) للطرد والتهديدات والمبررات مختلفة وتم إغلاقه في منتصف عام 2005 .

-         مخيم رويشد : داخل الحدود الأردنية ( 70 كم تقريبا ) وانضم إليه مئات من العوائل الفلسطينية الفارة من العراق نتيجة للاحتلال وخشية تعرضهم للملاحقة ، قرابة 350 فلسطيني منهم تم إدخالهم بعد موافقة السلطات الأردنية لأن الزوجات يحملن جوازات سفر أردنية ، ليضطر عدد منهم الرجوع إلى العراق وترحيل من فيه إلى البرازيل وكندا وأميركا ونيوزيلندا وإغلاقه أواخر عام 2007 .

-         مخيم الكرامة : المقام أصلا للعديد من الجنسيات الفارة من العراق بين الحدين ( الأردني – العراقي ) ليضطر الانضمام إليه عدد من العوائل الفلسطينية والجلوس فيه قبل انضمامهم لمخيم الرويشد .

-         مخيم طريبيل : خرج ( 89 فلسطينيا ) بتاريخ 18/3/2006 باتجاه الحدود الأردنية على أمل الالتحاق بمخيم الرويشد ، بعد أن اشتدت عليهم وكثر استهدافهم لا سيما بعد أحداث المساجد بتاريخ 22/2/2006 ، وتم منعهم من دخول الأردن ليكون لهم مخيم في منطقة طريبيل الحدودية داخل الأراضي العراقية ليصبح عددهم لاحقا ( 178 فلسطيني ) ليغلق المخيم بعد موافقة السلطات السورية استضافتهم داخل أراضيها لينتقلوا إلى سوريا بتاريخ 12/5/2006 .

-         مخيم الهول : أسس هذا المخيم في المثلث السوري التركي العراقي على بعد ( 50 كم ) من محافظة الحسكة شمال سوريا يقرب مسافة ( 1 كم ) من قرية الهول انضمت فيه العوائل التي كانت في مخيم طريبيل بالإضافة إلى عوائل أخرى انضمت إليهم وكان عددهم ( 304 فلسطيني ) ومن قبلهم استقبل هذا المخيم ( 18 فلسطيني ) أيضا نقلوا إلى كندا لاحقا ، والآن يضم المخيم قرابة ( 400 فلسطيني ) ولايزال مفتوحا لحد الآن .

-         مخيم التنف : في المنطقة العازلة بين الحدود السورية العراقية وقرب مركز التنف الحدودي ، أنشأ بتاريخ 12/5/2006 بعد تدفق أعداد من الفلسطينيين على أمل الالتحاق بمخيم الهول إلا أن السلطات السورية منعتهم من ذلك وقررت عمل مخيم في هذه المنطقة القاحلة ، وصل عددهم مع نهاية عام 2007 ( 354 فلسطيني ) ومع تدفق المزيد من الفلسطينيين لاسيما من يتم ترحيله القسري إليه ليصبح الآن عددهم قرابة ( 850 فلسطيني ) استضافت تشيلي من أهالي المخيم ( 116 فلسطيني ) والسويد ( 150 فلسطيني ) وسويسرا ( 12 فلسطيني ) ولازال المخيم موجود لهذه اللحظات ومن المؤمل إغلاقه أواخر هذا العام بعد نقل العوائل إلى السويد وإيطاليا ودول أخرى لم تحدد بعد .

-         مخيم الوليد : يقع في غرب العراق الصحراوي عند مركز الوليد الحدودي داخل الأراضي العراقية ، بعد استمرار تدفق العوائل الفلسطينية النازحة من بغداد بسبب استمرار الاستهداف الطائفي والإعلان عن إغلاق مخيم التنف وعدم السماح لمزيد من العوائل من الالتحاق به أنشأ مخيم الوليد أواخر عام 2006 لا سيما بعد الاعتقال التعسفي الكبير في عمارة شارع النضال ، لتبدأ معاناة جديدة لعدد من العوائل ليتجاوز العدد الكلي فيه لأكثر من 2000 فلسطيني ، قبلت بعض الدول الأوربية بعضهم كحالات إنسانية وهذه الأيام سيغادر قرابة 57 شخص إلى بريطانيا وأميركا على أمل التحاق آخرين أيضا بعد مرورهم لفترة معينة في رومانيا ، وكان من المرجح استضافة السودان لقرابة 2000 فلسطيني غالبيتهم من مخيم الوليد إلا أن الأمر قيد التنفيذ ، ويتواجد حاليا في المخيم قرابة 1500 فلسطيني ، وقد فارق الحياة فيه قرابة ( 20 فلسطينيا ) .  

6-    قرابة ( 3000 عائلة ) تعيش في غربة كبيرة بعد اضطرارها لمغادرة العراق غالبيتهم في دول أجنبية بعد منع الدول العربية استضافتهم ، وينتظر ( 2000 فلسطيني ) الانتقال إلى السودان بعد موافقة الأخيرة على ذلك في شهر أيلول عام 2007 .

7-    أكثر من ( 2000 فلسطيني ) الآن في السويد وهذا الرقم قابل للزيادة يعيشون بوضع قانوني أفضل من بقية العوائل وهنالك أعداد منهم لازال مصيرهم مجهول من حيث قبول لجوئهم لكن لا تخلو حياتهم من غربة عن الأوطان وأشدها غربة البعد عن الأهل والأقرباء ، ويتواجد قرابة ( 1700 فلسطيني ) في جزيرة قبرص ينتظرون مصيرهم المجهول .

8-    هنالك تواجد لفلسطينيين في تشيلي والبرازيل كانوا يتوقعون الراحة والاستقرار بعد نقلهم من المخيمات الصحراوية إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن ، حيث تضاعفت المعاناة نتيجة فقر تلك الدول والاختلال الكبير في ثقافتهم والبون الشاسع في حياتهم الاجتماعية ، كل ذلك انعكس سلبا عليهم .

9-    هنالك عدة عوائل في ماليزيا يعانون أيضا من عدم تمكنهم من العمل أو اكتسابهم الحماية القانونية هناك وحصلت حالات اعتقال لعدد منهم ، ولازال مصيرهم مجهولا باستثناء عدد قليل منهم سوف يتم نقلهم إلى الولايات المتحدة ، والعجيب بالأمر أن المحتل الأمريكي المتسبب الأول بكل ما حصل لنا من انتهاكات وتشريد بدأ باستقبال عدد من العوائل من المخيمات وماليزيا وتركيا والهند وغيرها ، مع أن معظم من ذهب إلى هناك ممن نعرفهم من العراقيين والفلسطينيين يشتكون من هذا اللجوء وما يترتب عليه .

هذه لمحات سريعة ووقفات عاجلة لما آل إليه حالنا كأقلية مستضعفة تحملت الكثير من المظالم والمآسي من القريب قبل البعيد ، ولو أردنا الاستطراد في ذلك لطال بنا المقام لكن أحببنا التذكير بها ، لكن لن ننسى أن الاحتلال الأمريكي هو السبب الرئيسي في تهجيرنا وكل ما تعرضنا له من مظالم طيلة تلك الحقبة كما أننا لن ننسى أن المحتل البريطاني هو السبب الأساسي في نكبة الآباء والأجداد عام 1948 عندما سلم أرضنا إلى العصابات اليهودية .

إلا أن الحقيقية التي لا شك فيها أن الدوافع العنصرية الطائفية التي مورست بحقنا من قبل ميليشيا ما تسمى بجيش المهدي وقوات بدر وبتواطؤ حكومي معهم وصمت أمريكي وضعف في الموقف الفلسطيني الرسمي والفصائلي وخذلان ما يسمى بالمجتمع الدولي ؛ كل تلك كانت عوائل ظاهرة ولا مراء فيها ، كما أن أحقاد ترجع لأكثر من أربعة عشر قرنا لعبت دورا بارزا في الاستهداف ، والذي يحاول طمس هذه الحقائق واعتبار القضية ضمن المشهد العام لا غير فقد أبعد النجعة ، مع أننا نقر أن المهد العام من الفوضى والاضطراب في الوضع الأمني انعكس على الوجود الفلسطيني لكن بنسبة أكبر من القياس العام فلينتبه لذلك .

إن الإعلام العراقي الطائفي الموجه ضد العرب عموما والفلسطينيين خصوصا لعب دورا بارزا في تذكية النار التي أحرقت الأخضر واليابس ، وأكلت كل من في طريقها دون توقف لاسيما في ظل حقبة جديدة على العراق وانقلاب الموازين وظهور شخصيات تملك زمام الأمور ذات ولاءات خارجية متمثلة بتقديم مصالح إيران على المصالح الوطنية للبلاد .

لقد وصل حال الفلسطيني من التشرذم والشتات والغربة بفعل الإكراه والاضطرار والاضطهاد الذي مروا به طيلة تلك الحقبة المظلمة على العراق خصوصا والأمة الإسلامية عموما ؛ ما الله به عليم حيث لا تجد عائلة واحد ملتئم شملها في بلد واحد إلا ما ندر ، فأكثر من ثلاثين دولة تهجر إليها الفلسطينيين في العراق أثر احتلال العراق ، وهذه وحدها تكفي لدحض الدعاوى والشعارات التي واكبت الاحتلال بأنهم جاؤا محررين لا محتلين ، فهذه بينة واضحة لكشف زيف ما ادعوه ، ولن ننسى أكثر من ست ملايين عراقي أيضا تعرضوا للشتات وبعدهم عن أرضهم بسبب هذا الاحتلال المقيت الذي لا يأتي بخير على الإطلاق .

فماذا عسانا أن نتذكر بعد دخول الاحتلال عامه السابع ، فكم لنا ذكريات هناك من أحباب وأصدقاء وأقارب اضطررنا لفراقهم ، بل بعضهم فارقنا برصاص الغدر والطائفية سواء من الفلسطينيين أو حتى أهلنا وأحبائنا العراقيين الذين لن ننسى أيامهم الحلوة أيام الدراسة وفي العمل ومن أجملها أيام المساجد عندما كانت عامرة ، وكيف ننسى أقرباء لنا وجيران فقدناهم بلمحة بصر وكل ذلك من آثار المحتل الأمريكي ومن عاونه أو صفق له ووزع الحلوى عند دخوله ، فنسأل الله العظيم أن يحفظ جميع أهلنا أينما تواجدوا ويحفظ ويثبت إخواننا العراقيين الأصلاء الكرماء الشرفاء أصحاب المواقف والبطولة .

13/4/2009

أيمن الشعبان

باحث متخصص بشأن الفلسطينيين في العراق

المصدر : موقع " قاوم "