إيهاب سليم – السويد
ألا تَبتَهجُ عُيونُكُم عِندما تَرون المُروج والرّوابي المُوشاة بِالأعشاب والأزهار الزاهِية ؟! ألا تَفتنكُم خَيوط الشَمس الذّهبية وهي تَنسلُ مِن خِلال السُحب الفِضّية ؟! ألا تَسُركُم رُؤيَة فَراشَة تَخفِقُ فَوقَ رَوضَةٍ مُزهِرَة ؟! ألا تَطرَبُ اذانُكم لِخَرِير الماءِ وتَغريد العَصافير وحَفيفِ أوراقِ الأشجار ؟! ألا يَنشرِحُ صَدرُكُم لِرَوائِح التُربَة النّدِيّة وشَذا الأعشاب وأريج الأزهار ؟! لا شَكّ في ذلِك .
أذاً أين هذه البَهَجةُ والعالمُ ملآن حُروباً وكَراهيِة ومُنازَعات؟! فالفِتنة تَتَفشّى حَولَنا كالوّباء ولا يَتَردّدُ البَعضَ في استخدام أشنَع الأسَاليب لِتعذيب وخَطِف واعتقال وقَتل النَاس دون رَحمة حَتى يُمزق الهِجرُ العَائلات لِتَطوف الكون الفسيح مِن مَشرِقه إلى مَغرِبه كالأسَماك التي تَسبح في المُحيطات والطيور التي تُحلق في أسَراب .
ألا يَبدو تَناقُضاً أن تَكونَ الحَياةُ في الغالِب مأساوية جِداً فيما يَرغَب المَرء طَبيعياً في التَمتُع بِها ؟! لقد جاهَدَ العَرّب الفَلسَطينيين والعِراقيين طَوال السَنوات المَاضِية لِيَتَغلّبوا على العَقَبات التي غَالباً ما تُنَكدُ عَيَشَهُم ولكِن دُون جَدوى , فما هو السَبب يا تُرى ؟! .
الإيمان .. الإيمان الحَقيقي عِندّما نَتَسلّمُ رَسائِلَ مِن أحِبائِنا نَشتاقُ إلى قِراءَتِها لأنها مُرسَلةً بِاللغة العَرّبية , الإيمان الحَقيقي عِندّما نُخاطِب أحِبائِنا ونَشعُر بِالسَعادة معهم لأن لِسانهُم عَرّبياً , الإيمان الحَقيقي عِندما نَدرِك بِأن القُرآن الكريم جَاءَ بلغة عَرّبية .
في سَنة 2009 ميلاّدية , طَلبت أجنبية نُسخةً مِن كِتاب القُرآن الكريم فأهديتها الكِتاب بِلغتها الأم , وإذ أتفاجئ بَعد مُدة بِأن الكِتاب لا يصلُح لها لِتعدد فِهم مَعنى تَرجمات الكلمة العَرّبية في لُغتها الأصلية , فأدركتُ حَينها سِر الكِنز الذّي وهبه الخَالق إلى العَرّب والأمة الإنسانية فيما لو أجدّنا اللغة العَرّبية والانتماء لها .
في العِرّاق هُنالِك عَرّب شيعّة وسُنة وحَتى مِن أهلنا الكُرد والتُركمان يَجيدّون قِراءة وفَهِم القُرآن الكُريم بِاللغة العَرّبية , في العِرّاق أيضاً هُنالِك كِلدانيون وأشوريون وأرمن ومِندّائيون يَجيدّون قِراءة وفَهم القُران الكَريم بِاللغة العَرّبية إلى جَانب قرائتهم "الإنجيل" و"كنزا ربا" , وجَميع هؤلاء تَعايشوا وتَصاهروا مَع العَرّب مِن النَازحين الفَلسَطينيين في بَغدّاد ونينوّى والبَصرة مُنذُ نَكبة فَلسطين سَنة 1948 ميلاّدية ولِغاية اليوم .
بل أن الكثيرين مِنهُم تزاوجوا مع القَضية الفَلسَطينية ولم يُفرقوا بين لوّن ولا عِرق ولا حِدود , بل لم يَجمعهُم فقط الطَعام الطّيب والشّراب اللذيذ في التَجمُع السَكني الفَلسَطيني بِمَنطقة البلدّيات في بَغدّاد وإنما مَا جَمعهم فيه روح القُدّس الشَريف وشَغفهُم لِتقبيلهُ مِنذُ الطِفولة , وهو مَا دعى أحَد الحَاخَامات "الإسرائيليين" بِأن يقوّل السَنة المَاضية أن " السَيطرة اليَهوّدية على العِراق لن تتم الأ بَعدّ استئصال اللاجئين الفَلسَطينيين في البِلاّد فَخِبرتهم كافية لِيقضَة العِراقيين" .
عَن أي يَقضة يَتحدّث هذا الحَاخام ؟! إذا لَم يَفهم المرء ما يَعنيه الحَاخام فَعليه أن يَسكُب المَاء البَارِد على رأسهِ حينها سَيفهم ويَدرِك بِأن فَلسَطينيو العِرّاق أشَجار وأزهَار وأنَهار تَجري في البِحار الواسِعة .
إيهاب سليم
23/1/2012
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"