فضائل الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه والرد على شبهات الطاعنين
حلقة (2)
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم :
أما بعد : فهذه الحلقة الثانية من سلسلة الدفاع عن معاوية رضي الله عنه ونبدأها بـ :
حكم من سب الصحابة :
اختلف أهل العلم في الحكم والعقوبة التي يستحقها من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جرحهم ، هل يكفر بذلك وتكون عقوبته القتل ، أو أنه يفسق بذلك و يعاقب بالتعزير .
القول الأول : ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة رضي الله عنهم أو انتقصهم وطعن في عدالتهم وصرح ببغضهم وأن من كانت هذه صفته فقد أباح دم نفسه وحل قتله ، إلا أن يتوب من ذلك ويترحم عليهم .
وممن ذهب إلى هذا القول من السلف :-
1 - الصحابي عبدالرحمن بن أبزى ، كما في كتاب النهي عن سب الأصحاب (ص 23) .
2 - عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي ، في شرح الإبانة لابن بطة (ص 162) .
3 - أبو بكر بن عياش ، كما في شرح الإبانة ( ص 160) .
4 - سفيان بن عيينة ، كما في كتاب النهي عن سب الأصحاب (ص 24-25) .
5 - محمد بن يوسف الفريابي ، كما في شرح الإبانة (ص 160) .
6 - بشر بن الحارث المروزي ، كما في شرح الإبانة ( ص 162) .
7 - محمد بن بشار العبدي ، كما في شرح الإبانة ( ص 160) .
وغيرهم كثير ، فهؤلاء الأئمة صرحوا بكفر من سب الصحابة وبعضهم صرح مع ذلك أنه يعاقب بالقتل ، وإلى هذا القول ذهب بعض العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية .
القول الثاني : ذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم بل يفسق ويضلل ولا يعاقب بالقتل بل يكتفى بتأديبه وتعزيره تعزيراً شديداً يردعه ويزجره حتى يرجع عن ارتكاب هذا الجرم الذي يعتبر من كبائر الذنوب وفواحش المحرمات ، وإن لم يرجع تكرر عليه العقوبة حتى يظهر التوبة ، و ممن يرى بذلك من الأئمة :-
1 - عمر بن عبدالعزيز ، كما في الصارم المسلول (ص 569) .
2 - عاصم الأحول ، كما ذكره ابن تيمية في الصارم المسلول (ص 569) .
3 - الإمام مالك ، كما في الشفاء (2/267) .
4 - إسحاق بن راهوية ، كما في الصارم المسلول (ص 568) .
يقول العبد الفقير : إتفق العلماء على عقوبة من يتعرض للصحابة بسوء , فهم بين مكفر أو مفسق له .
الأحاديث النبوية في فضل معاوية رضي الله عنه :
1- قوله صلى الله عليه وسلم : "اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب"[1] .
2- عن عبدالرحمن بن أبي عميرة الصحابي المدني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية : "اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به الناس" [2] .
3- حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول جيش من أمتي يركبون البحر قد أوجبوا وأول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم [3] .
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله : أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت : نام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحكك ؟ قال: « أناس من أمتي عرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة » . قالت : فادع الله أن يجعلني منهم. فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها، فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: أدع الله أن يجعلني منهم، فقال: « أنت من الأولين ». فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين، فنزلوا الشام، فَقُرِّبت إليها دابة لتركبها، فصرعتها فماتت. (البخاري مع الفتح (6|22)) .
يعنى جيش معاوية حين غزا قبرص ففتحها في سنة سبع و عشرين أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه ، و كانت معهم أم حرام فماتت هنالك بقبرص .
قال ابن حجر معلقاً على رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قوله: " ناس من أمتي عرضوا علي .. " يشعر بأن ضحكه كان إعجاباً بهم، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة » .
وأخرج البخاري أيضاً من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنه قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا » . قالت أم حرام : قلت : يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: «أنت فيهم». ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر (أي القسطنطينية) مغفور لهم». فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال : «لا». البخاري مع الفتح (6|22). ومسلم (13|57) .
ومعنى أوجبوا : أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة. قاله ابن حجر في الفتح (6|121) . قال المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي (ت 435هـ) معلقاً على هذا الحديث: «في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر». انظر الفتح (6|120). قلت ومن المتفق عليه بين المؤرخين أن غزو البحر وفتح جزيرة قبرص كان في سنة (27هـ) في إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام، أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر تاريخ الطبري (4|258) و تاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء الراشدين (ص317). وكذلك غزو القسطنطنية كان في منتصف عهده .
4- إنه كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذكر الإمام مفتي الحرمين أحمد بن عبدالله بن محمد الطبري في خلاصة السير أن كُتابه صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر، الخلفاء الأربعة وعامر بن فهيرة وعبدالله بن أرقم وأبي بن كعب وثابت بن قيس بن شماس وخالد بن سعيد بن العاص وحنظلة بن الربيع الأسلمي وزيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، وكان معاوية وزيد ألزمهم لذلك وأخصهم به . انتهى .
أقوال الصحابة والتابعين وأهل العلم في معاوية رضي الله عنه :
1- لقد أمًرَ عمر رضي الله عنه معاوية على الشام وحسبك بتشدد عمر مع الولاة فقد عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة لأدني شكوى وكان فيها مظلوم رضي الله عنه .
وكذلك بقي واليا في زمن عثمان رضي الله عنه .
قال الإمام الذهبي رحمه الله : "حسبك بمن يُؤمِر عمر ثم عثمان على إقليم فيضبطه، ويقوم به أتمّ قيام، ويَرضى الناس بسخائه وحلمه، وإن كان بعضهم قد تألم مرة منه، وكذلك فليكن الملك".
وقال أيضاً: "ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم، وما هو ببريء من الهَنَات، والله يعفو عنه".
يقول العبد الفقير : بالنسبة لكاتب مقال الطعن في معاوية هل هو أفضل من عمر في تقدير الصالح من الطالح .
2- عن قبيصة بن جابر قال : صحبت معاوية فما رأيت رجلاً أثقل حلماً، ولا أبطأ جهلاً، ولا أبعد أناةً منه .
3- إن شخصية معاوية رضي الله عنه شخصية عملاقة فذة في الحكم والإدارة والسياسة، وقد شهد له التاريخ بذلك، فقد ورد على لسان ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "ما رأيت بعد رسول الله أسْوَدَ من معاوية" أي في السيادة. قيل له: ولا أبو بكر وعمر؟ فقال: "كان أبو بكر وعمر خيراً منه، وما رأيت بعد رسول الله أسود من معاوية .
4- والثالثة عن ابن أبي مليكة قال : قيل لابن عباس رضي الله عنهما : هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال : أصاب إنه فقيه . (رواه البخاري). قال الشراح : أي مجتهد . وفي رواية أخرى للبخاري عن ابن أبي مليكة قال : أوتر معاوية رضي الله عنه بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس رضي الله عنهما فأتى ابن عباس رضي الله عنهما قال : دعه فإنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان ابن عباس رضي الله عنهما من فضلاء الصحابة ويلقب البحر لسعة علمه وحبر الأمة وترجمان القرآن . وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم والحكمة والتأويل فاستجيب، وكان من خواص أصحاب علي كرم الله وجهه وشديد الإنكار على أعدائه، وأرسله علي رضي الله عنه ليحاج الحرورية فحاجهم حتى لم يبق لهم حجة . فإذا شهد مثله لمعاوية بأنه مجتهد وكف مولاه عن الإنكار مستدلا بأنه من الصحابة ، قال شيخ الإسلام ابن حجر : هذا شهادة من حبر الأمة بفضله .
5- مبايعة الحسن والحسين له ولولا أنه أهل لهذا لما سلماه رقاب المسلمين :
عن أبي بكرة الثقفي قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: « إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين » .
قال إبراهيم النخعي : لما سلم الحسن رضي الله عنه الأمر إلى معاوية سميت سنة الجماعة.
يقول العبد الفقير : هل أنت أحكم من الحسن والحسين فتنعت أن معاوية سبب بلاء على الأمة .
6- عبد الله بن المبارك سئل أن عمر بن عبد العزيز أفضل أم معاوية فقال : غبار دخل في أنف فرس معاوية حين غزا في ركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من كذا من عمر بن عبدالعزيز .
فتأمل في هذه المنقبة وإنما يظهر عليك فضيلة هذه الكلمة إذا عرفت فضائل عبد الله بن المبارك وعمر بن عبد العزيز وهي لا تحصى، ومحل بسطها كتب تواريخ المحدثين، وعمر يسمى إمام الهدى وخامس الخلفاء الراشدين .
ثم إن عبد الله بن المبارك لم يقول أنه ورث الملك بل ذكر حسناته رضي الله عنه .
7- وقال الإمام القسطلاني في شرح البخاري : معاوية ذو المناقب الجمة . وفي شرح مسلم : هو من عدول الفضلاء والصحابة الخيار، قال الإمام اليافعي كان حليما كريما سائسا عاقلا كامل السؤدد ذا دهاء ورأي كأنما خلق للملك. ويكتب المحدثون بعد اسمه رضي الله عنه كسائر الصحابة بلا فرق .
8- قال إمام الأئمة مالك: من شتم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال كانوا على ضلال أو كفر قتل، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نُكل نكالا .
هذا قليل من كثير في ثناء أئمة الدين لمعاوية رضي الله عنه وأرضاه ولو أردنا التقصي لطال بنا المقام .
تكملة الموضوع في الحلقات التالية بإذن الله
جمع وترتب أخوكم : وليد ملحم
18/3/2012
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"