مسيرة مكر وخداع:
إن ما نعيشه اليوم هو نتيجة للمكر الصهيوني الذي أراد
للشعوب العربية أن تشتغل ببعضها ، وأن تفقد مصداقيتها ، وأن تشكك في ثوابتها بأيدي
أبنائها ؛ فقد جند اليهود أناساً من بني جلدتنا .. يتكلمون بألسنتنا .. ويتسمون
بأسماء المسلمين وليس لهم عمل ولا همّ إلا النخر في جسد الأمة، وتبني أدوات أعداء
الأمة لضرب أمتنا من الداخل ، ويبقى أن هذه الفئة من الحاقدين والمرجفين فئة قليلة
- ولله الحمد والمنة – ولكنها تدفع وتوجّه لتكتب وتتكلم بما يفتّ في عضد الأمة،
ولذلك كشفوا عن أنيابهم وأظهروا عداءهم .
ولكنها طائفة كثرت أدبياتها ومقالاتها في الصحف
والمجلات وانتشرت في الفضائيات والإنترنت لأنها فئة تسيطر على الإعلام .
على خطى المنافقين:
إننا أمام فئة من الناس لا مثيل لها في كل مراحل
التاريخ .. بعد أن تنكروا لأمتهم وأوطانهم، ووقفوا مع أعداء الأمة المحتلين لأرضهم
ومقدساتهم !!
هؤلاء ليسوا يهودًا ولكنهم مع اليهود !! بل يرون أنهم
هم الشرفاء !! وعلى الرغم من ذلك فإننا على يقين بأن صوت هؤلاء يزول ويتلاشى حين
تكون الأمة في قوتها ومكانتها التي كانت عليها، وظهورهم مرهون بضعف الأمة وتكالب
أعدائها عليها، وهذا هو حال المنافقين منذ عهد النبوة إلى قيام الساعة.
إننا نعيش أجواء حرب بين طرفين: طرف يشكك في ثوابت
الأمة ويشيع بأن المسجد الأقصى ليس هو مسجد القدس وليس مسرى النبي صلى الله عليه
وسلم!! وأنه مسجد في الطائف!! وليس له أي فضل عن بقية المساجد، وأن المسلمين خدعوا
بإعطاء القداسة لمسجد القدس على مر العهود والأزمان !! ويخون الشعب الفلسطيني بأنه
باع أرضه ومقدساته!!
وفريق آخر يرد بتخوين الحكام وتكفير المحكومين وسبهم
ولعنهم، ويدعي عمالة الجميع ؛ بل ويزعم أن الحرمين الشريفين تحت الاحتلال كما
المسجد الأقصى، ويدعو للبدء بتحرير الحرمين أولا !!!
أي جهل هذا الذي نعيش؟! وأي تحريف للحقائق والثوابت ؟!
الأيادي الخفية :
إن المتابع لمواقع الإعلام الحديث التي تديرها مؤسسات
الاحتلال الصهيوني رسميا يرى بوضوح كيف يتم تأجيج الخلاف، وتعمّد نشر مادة التنازع
بين الشعوب؛ فاليهود مُصرّون على بث الشبهات والأكاذيب، ويتحدون بذلك العالم
الإسلامي -للأسف-؛ والذي لا ينهض للتصدي أو لدحض تلك الادعاءات الباطلة، حيث نجح
إعلامهم بأكاذيبه في تشويه الحقائق التاريخية والوقائع السياسية، واستطاع أن يشغل
الناس بتلك الأقاويل عن إجرامه ومذابحه التي ترتكبها عصاباته، فكان سرد الأحداث
صنيعهم؛ حتى صدقهم الغرب وأيدهم، وصدقهم بعض المخدوعين من أبناء جلدتنا وإن تسمّوا
بأسماء المسلمين!!.
وبذلك انتشرت كثير من الأكاذيب التي أشاعها اليهود، ومن
قبلهم البريطانيون الممهدون للوجود اليهودي على أرض فلسطين، وعن مصدر تلك الأكاذيب
– منذ نشأتها - صرح الشيخ «محمد أمين الحسيني» z -مفتي فلسطين ورئيس الهيئة
العربية العليا- في كتابه «حقائق عن قضية فلسطين»، (ص59): «بأن المخابرات
البريطانية وبالتعاون مع اليهود أنشأوا عدة مراكز دعاية ضد الفلسطينيين، ومن جملة
ما أنشأوه من مراكز الاستخبارات والدعاية في الأقطار العربية، وكان يرأس بعضها
بريطانيون، وجندوا معهم عملاء وجواسيس؛ كان من مهامهم بث الدعاية المعروفة بدعاية
الهمس، بالإضافة إلى نواحي الدعاية الأخرى».
ويضيف الحسيني: «ولقيت تلك الأكاذيب نجاحاً ورواجاً
كبيراً في أول سنين كارثة فلسطين، وأصبحت أقلاماً عابثة وكائدة وعميلة تبث
الإشاعات عبر صحف عربية، فتحت لهم ليكتبوا وينشروا الأباطيل؛ شوهوا من خلالها صورة
الفلسطيني».
فقالوا: «إن الفلسطينيين يبيعون ضباط الجيوش العربية
وجنودها لليهود»، «وإن الفلسطينيين لم يدافعوا عن أرضهم؛ بل باعوها وسلموها
تسليماً لليهود»!! «ولولا معارضة الفلسطينيين للحلول التي عرضتها بريطانيا لحل
القضية؛ لما وصلت الحالة إلى ما وصلت إليه»!! حتى كتب بعضهم: «لماذا تطالبوننا
بتحرير أرض قبض ثمنها؟!» ماذا نعمل لكم كلما نحررها تبيعونها...!! ».
ويقول الشيخ الحسيني: «مع ذلك لم تكن تسمح تلك الصحف أن
تنشر في حينها ما يدفع التهم، ويرد تلك الأباطيل».
أهداف خبيثة :
ولعلنا نتساءل لماذا تتكرر على مسامعنا تلك الأكاذيب
والشبهات بين فترة وأخرى؟! وما هدف من يتبناها من وسائل إعلامية وفضائية ؟! وما
السبب في نشر هذا التشكيك في مكان ومكانة المسجد الأقصى؟! ولماذا المحاولات حثيثة
من هؤلاء – وهم ليسوا يهوداً - لإدخالها في بعض النفوس ؟!
وعلى الرغم من أن ما يقوله هؤلاء العرب ممن - أسموهم
أدباء ومفكرين!!- لم يضف جديداً على الدراسات اليهودية والاستشراقية ، فإنها جميعا
تعمل على تقليل أهمية المصادر الإسلامية المتعلقة ببيت المقدس بعد أن فتحها أمير
المؤمنين عمر رضي الله عنه ، والتقليل من أهميتها ومكانتها في الإسلام، والتشكيك
في النصوص التي جاءت في الكتاب والسنة وكتب السير والفقه؛ وذلك بهدف إلغاء الحقائق
والتشكيك في الثوابت لكتابة تاريخ جديد لبيت المقدس من وجهة نظر أحادية متعصبة
وغير موضوعية.
ولا شك أننا نعرف دوافع مراكز الدراسات والباحثين من
اليهود في نشر تلك الشبهات والأكاذيب لإكساب احتلالهم بيت المقدس شرعية دينية
وتاريخية وواقعية وأثرية وقانونية ،بل وإنسانية في بعض الأحيان!!
ولكن العجب – كل العجب- من هؤلاء الكتاب العرب ومنظريهم
الذين يرددون ما قاله المستشرقون اليهود، ولم يأتوا بجديد ولكنهم نقلوا ما نشرت
تلك المراكز البحثية في الجامعات العبرية من شبهات وأكاذيب، والتي تعمل وفق مشروع
منهجي لطمس مكانة المسجد الأقصى في نفوس العرب والمسلمين، ومنح اليهود حقا في
القدس ومكانا مقدسا لهم في المسجد الأقصى وما حوله، والتشكيك في المقابل بقداسته
عند المسلمين وجعلها موضع شك وليست محلّ إجماع.
أذناب المرجفين:
فأتى من هؤلاء المتخاذلين من الإعلاميين والمفكرين من
يستهويهم النقل عن اليهود وأكاذيبهم، ويرفضون النقل عن علماء المسلمين الموثوقين
الذين أجمعوا على مكان ومكانة المسجد الأقصى في القدس ، ليقولوا بأن بعض المفسرين
يذكر أن المسجد الأقصى هو مسجد قريب من مكة أو بين مكة والمدينة وبعضهم قال في
الجعرانة وبعضهم قال إنه في الطائف وبعضهم أراح نفسه وقال هو ليس في الأرض بل في
السماء!! وأن كل ما في فلسطين من مقدسات هي حق خالص لليهود وليس للعرب والمسلمين
وأهل فلسطين شأن فيها!!! وأن النزاع حول القدس والمسجد الأقصى هو نزاع سياسي وليس
نزاعا دينيا!! متجاهلا كون قادة الاحتلال عملوا وما زالوا لتثبيت يهودية دولتهم
المزعومة..
واجب الأمة :
إن الأمة الإسلامية والعربية مطالبة بنبذ الخلاف وحفظ
اللسان ، وتوحيد الرّأي، والوقوفُ صفّاً واحداً في مواجهَة أعداء الأمة، والثبات
على نهجِ الوَحدة القائم على الشريعة الإسلامية؛ الوحدة التي لا يذّل فيها مظلوم،
ولا يشقى معها مَحروم، ولا يعبَث في أرضِها باغ، ولا يتلاعب بحقوقِها ظالم؛
فالأزمات والأحداثُ تحتاج أوّل ما تحتاج إلى رصّ الصّفّ، وصِدق الموقِف والتّلاحم
حتّى يفوتَ على الأعداء والعُملاء سعيهم في البلبَلة، وبثّ الفُرقة وذهاب ريح
الأمّة؛ قال تعالى: {وَلاَ تَنَـازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
وأصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّـابِرِينَ}. وقال سبحانه: {وَأَصْلِحُواْ
ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
وختاما نقول:
1. إن ما يُقال ويكتب الآن هو امتداد للشبهات والأكاذيب
التي ترادفت مع مشروع إقامة وطن قومي لليهود؛ والتي أسهمت في تشويه صورة
الفلسطينيين أمام امتدادهم العربي والإسلامي حتى لا يتعاطفوا معهم، أو يساندوهم في
استرداد أرضهم المسلوبة، وليُفقِدوا الشعوب العربية والإسلامية الحماس لنصرة
فلسطين وأهلها.
2. من المستفيد في النهاية من تلك الشبهات والأكاذيب
التي ينطق بها ويكررها من أسموهم أدباء ومفكرين وفلاسفة من العرب!! ليصل الفحش إلى
أن يكتب أحدهم: "لا أعلم دليلاً من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
يؤكد ضرورة امتلاك العرب القدس؟!!.
3. لماذا أصبحت تلك الكتابات والأقاويل موضع اهتمام من
الإعلام الصهيوني، ولماذا تسلط عليه الأضواء ، ويُمدح أصحابه وتفتح لهم القنوات
والفضائيات، وتعقد لهم الندوات لإبراز آرائهم ؟!.
4. من المؤسف حقا أن نرى إعلاما فاسدا وأبواقاً يُسمح
بإشاعة الكذب والتدليس، وهم أناس جندوا أفواههم لخدمات يعجز عنها المتحدث الرسمي
لجيش العدو الصهيوني، بل وكتّاب الصحف العبرية!... لقد أعطوا لليهود الحق في قصف
أرضنا وتدنيس مقدساتنا وقتل أطفالنا وعجائزنا !!.
5. لا بد أن توقف الحكومات هذا الهراء والتلاسن وهذا
الفحش في الألفاظ والأقوال والافتراء والتخوين، فأين الجهات المسؤولة عن وقف هؤلاء
الذين يعملون على إشعال الفتن والخلاف بين الشعوب الإسلامية؟!.
6. لا شك بأن المستقبل والنصر والتمكين لهذه الأمة بإذن
الله تعالى ؛ كما قال تعالى : (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها
عبادي الصالحون ، إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين) .
المصدر :
مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية
7/12/1440
8/8/2019