الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :-
قال تعالى في كتابه الحكيم : ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون ) القصص – 68 ، فإن الآية دلت على أن الله تعالى يختار ما يشاء ويفضل ما يشاء على ما يشاء من الأزمنة والأمكنة لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فله أن يختار من الأشخاص ويفضل بعضهم على بعض كما فضل الأنبياء على جميع البشر وفضل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء وكما فضل من السموات السماء السابعة وجعل فيها جنة المأوى وفضل بعض الملائكة على بعض ففضل إسرافيل وميكائيل وحملة العرش وغيرهم وفضل جبريل على الملائكة أجمعين كذلك الله تعالى فضل بعض الأمكنة على بعض كما فضل المساجد على جميع بقاع الأرض وفضل بعض المساجد على بعض كفضل الكعبة المكرمة والمسجد النبوي وبيت المقدس على باقي المساجد كذلك الله تعالى فضل بعض الأزمنة على بعض فجعل خير الشهور شهر رمضان المبارك وجعل خير الأيام يوم عرفة وخير الليالي ليلة القدر وجعل أجر من صامها وقامها كأجر ألف شهر أي ما يعادل ثلاث وثمانون سنة , فإذا علمنا هذا الاختيار وهذا التفضيل فعلى الإنسان المؤمن أن يستغل تفضيل هذه الأمكنة والأزمنة إذا مرت عليه لأن الأجور فيها تتضاعف وكما قال عليه الصلاة والسلام ( فتعرضوا لنفحات ربكم ) (حسنه الألباني) فعلى الإنسان المسلم المسارعة لاستغلال الفرص ، فكما أن الإنسان يسارع لاستغلال الفرص التي تتاح له في هذه الدنيا الفانية كذلك علينا المسارعة لاستغلال الفرص التي تقربنا من جنة الله تعالى الخالدة وتجيرنا من ناره وعذابه قال تعالى : ( فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) .
انظروا أيها الأخوة كيف كان يفكر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , جاء بعض من فقراء الصحابة يشتكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ( يا رسول ذهب أهل الدثور بالأجور ) ( أهل الدثور – الأغنياء ) إنهم يصلون مثلنا ويصومون مثلنا ويجاهدون مثلنا وهم يتصدقون ونحن ليس عندنا مال نتصدق فقال لهم عليه الصلاة والسلام ولماذا تشتكون منهم فقالوا نريد عمل نسابقهم فيه فقال لهم عليه الصلاة والسلام إن لكم في كل تسبيحة صدقة وبكل تحميدة صدقة وبكل تهليلية صدقة فذهب الفقراء من الصحابة يسبحون ويحمدون ويذكرون الله تعالى ففعل الأغنياء مثلهم فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء - هكذا كانت همتهم وفكرهم وشغلهم الشاغل فأين نحن من هؤلاء رضي الله عنهم !! .
وفي احد الغزوات حث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة على الإنفاق والصدقة فما كان من عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إلا فكر أن يسبق أبا بكر الصديق رضي الله عنه في هذا اليوم فذهب واتى بالمال فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا أبقيت لأهلك يا عمر قال أبقيت لهم نصف مالي فجاء أبا بكر الصديق رضي الله عنه بماله فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت لأهلك فقال رضي الله عنه تركت لهم الله ورسوله فقال عمر والله لا أسابقك أبداً ، أيها الأخوة سيهل علينا ضيف عزيز فلنفتح له قلوبنا وصدورنا ولنفرش له الفرش ولنستعد له أيما استعداد ولا نضيع الأوقات الثمينة فيه فيما لا ينفعنا فهو فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى فعلينا أن نستغل كل دقيقة فيه ونملئها بذكر الله وقراءة قرآن وصلاة وصلة رحم وحفظ لسان وكل عمل يقربنا من الله تعالى , أيها الأخوة المؤمن يفرح عندما يهل عليه هذا الشهر الكريم ويستبشر خيراً ويشكر الله تعالى أن بلغه هذا الشهر الكريم لأن هذا الشهر تصفد فيه الشياطين وتتضاعف فيه الحسنات وتكفر فيه السيئات قال تعالى { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون } ذكر من قصص الصحابة أن رجلان من بلي من قضاعة أسلما مع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - واستشهد أحدهما وأخر الآخر سنة قال طلحة بن عبيدالله فأريت الجنة فرأيت فيها المؤخر منهما أدخل قبل الشهيد فعجبت لذلك فأصبحت فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أليس قد صام بعده رمضان وصلى كذا ركعة ( رواه احمد في مسنده وحسنه الألباني ) .
انظروا أيها الأخوة فضل من يطول الله بعمره ويدرك رمضان ويحسن فيه عمله لذلك نحن بحاجة أيها الأخوة إلى تهيئة وإعداد أنفسنا قبل رمضان وان نرتب أنفسنا من الآن ماذا أعددنا في هذا الشهر الفضيل كيف سنقسم وقتنا كم مرة سأختم القرآن هل سأقرأ معه تفسير للقران الكريم هل سأتعلم شيء من حديث النبي صلى الله عليه وسلم هل نويت من الآن أن لا تفوتني صلاة جماعة هل سأجلس مع عائلتي بعض الوقت ونتعلم شيئاً من ديننا أليس الذي يذهب للسوق يأخذ معه المال ليشتري فان لم يأخذ المال معه سيكون متفرجا فقط على الناس وهم يشترون فلا تكن كحال المفلس في السوق يخرج منك رمضان دون أن تخرج منه بأحسن البضاعة وهذا لا يكون إلا إذا اعددنا العدة له , وكذلك علينا أن نعزم أن لا يكون هذا الشهر كمثل الأيام العادية إنما هو شهر فضله الله تعالى , قال جابر بن عبد الله ( رضي الله عنهما ) : ( إذا صمت فليصم سمعك ، وبصرك ، ولسانك ، عن الكذب ، والمحارم ، ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم صومك ، ويوم فطرك سواء ) هكذا يجب أن يكون صيامنا إن شاء الله فلنعقد العزم أيها الأخوة على المداومة على الطاعات وخصوصا صلاة الجماعة في كل الأوقات يقول عليه الصلاة والسلام ( إنما تأكل الذئب من الغنم القاصية ) وهذا إشارة أن الذي يصلي لوحده يكن فريسة سهلة للشيطان وكذلك أخي الحبيب يجب أن تحاول أن تتعلم أمر دينك بشكل صحيح من صلاة وصيام وزكاة وغيره مما افترضه الله عليك يقول صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقا إلى الجنة ) وقال تعالى ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ) سورة الملك ، وهنا الله تعالى يختبرنا أينا أحسن عمل بحيث يكن عملنا موافقا لكتابه وسنة نبيه ولم يقل تعالى أيكم أكثر عملاً فعلينا أيها الأخوة أن نتعلم كيف يكون صيامنا وسائر عباداتنا صحيحة وحسنة ولا نجعل ديننا تبعا لأهوائنا لذلك علينا أن ننظم أنفسنا من الآن ونقسم أوقاتنا ونحرص على استغلال هذه الأوقات أحسن استغلال ونفوز بالجائزة العظيمة التي اخبرنا عنها نبينا الصادق الأمين قال صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه .
أسأل الله العظيم أن يبارك لنا ولكم في هذا الشهر الفضيل وأن يجعل أعمالنا فيه خالصة لوجهه الكريم .
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وأعنا اللهم على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ياسر الماضي
28/7/2011
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"