فالسنوات
الثلاث مرت بحلوها ومرها، ولكن من دون ان تسمح لهم "إسرائيل" بالعودة
الى أوطانهم التي فيها الأهل والأحبة. الشعور بالسجن والقيد لم يغادر هؤلاء برغم
خروجهم من بين جدرانه، وبرغم احتضانهم من قبل الفلسطينيين في قطاع غزة الذي
اعتبروه سجناً أكبر .
أسر
وإصابة
من إقليم
دارفور في السودان كانت البداية بالنسبة للأسير المحرر موسى عبدالرحمن خميس نور
(41 عاماً) .. يومها كان في الثامنة عشرة من عمره عندما قرر أن يرتحل إلى فلسطين
عبر لبنان مروراً بسوريا للمشاركة في معركة الدفاع عن قضية العرب والمسلمين .
أتم موسى
تدريبه وعَبَرَ الحدود برفقة فدائيين آخرين نحو "كفر يوفال" في الشمال،
حيث وقع الاشتباك مع دورية "إسرائيلية"، فكان الموت بانتظار رفيقيه، أما
السجن المؤبد فكان بانتظار موسى الذي أصيب بجراح .
موسى نور
قال: "شعرت بأنه لا بد من تقديم شيء لفلسطين في ظل مشاهد القتل التي كانت تتم
خلال الانتفاضة الأولى، فقررت الانضمام الى الثورة وتنفيذ عملية فدائية، لكني أصبت
و"استشهد" رفيقاي، ودخلت السجن ولم يعرف أهلي بمصيري إلا بعد سبع سنوات،
كانوا يعتقدون خلالها أنني في عداد "الشهداء" .. فجيش الاحتلال كان يلقي
برسائلنا إلى القمامة ولا يوصلها لذوينا" .
تم
الإفراج عن موسى بعد ثلاثة عشرة عاما خلف القضبان سنة 1996م على أثر اتفاقيات
أوسلو، ويعاقب من جديد بإقامة جبرية في غزة، وبعد اخفاق محاولاته للعودة لوطنه
الأم في السودان تزوج بفتاة من سكان غزة أحبت فيه إيمانه أن فلسطين تستحق كل شيء،
وإصراره بأن هذه القضية تستحق الروح قبل الجسد .
ويضيف
موسى أنه مر بظروف صعبة جداً، فأمّه ماتت وهو في غزة، وأبوه في حالة صحية حرجة،
ولا يملك إلا الهاتف وسيلةً لإطفاء نار الشوق ولا يستطيع السفر للالتقاء بذويه .
قصص
متشابهة
قصص أسرى
الدوريات تكاد تكون متشابهة، غير أن المصري سلامة جيهامة لم يكن بحاجة إلى السفر
بعيداً كي يصل إلى فلسطين .. وباعتباره واحداً ممن يقطنون صحراء سيناء، فقد خبر
المكان وحفظ تضاريسه، ما مهد الطريق أمامه لعبور الحدود المصرية الفلسطينية ..
سلامة وقع في قبضة الجيش "الإسرائيلي" بعد تنفيذ المهمة التي أوكلت
إليه، وهي زراعة عبوات ناسفة، وحكم بالسجن اثنين وعشرين عاماً، أمضى منها خمسة عشر
عاماً وخرج بعدها إلى القطاع ليجد نفسه على حدود وطنه، ولكن من دون أن يتمكن من
زيارته .
سلامة
قال إنه حاول السفر ثلاث مرات الى مصر من دون أن ينجح، فتوجه بعدها الى السفارة
المصرية في غزة، فكانت إجاباتها أنها تنظم العلاقة مع السلطة الفلسطينية ولا علاقة
لها بالمشاكل مع الجانب "الإسرائيلي" .
وأضاف
سلامة: "شعوري صعب جداً، فأهلي لا يبعدون عني كثيراً، بل أنا قبل الانتفاضة
كنت أقف على الحدود وأتبادل معهم الكلمات، فالمسافة لا تزيد عن مئة متر، ولكني لم
أتمكن من لمس يد أمي أو تقبيل أبي .. لقد أصبح ارتباطي بالوطن عبر الصور
والتلفزيون" .
الباحث
بشؤون الأسرى عبدالناصر فروانة أكد على أن أسرى الدوريات هم جزء من الحركة الأسيرة
الذين جاؤوا من البلاد العربية للانضمام والوقوف بجانب إخوانهم الفلسطينيين على
مدار العقود الماضية حيث كان ألاف من هؤلاء الأسرى في سجون الاحتلال .
وأوضح أن
الغالبية العظمي منهم تحرروا بعدما عاشوا في نفس الظروف التي يعيشها الأسرى
الفلسطينيين بل كانت معاناتهم مضاعفة بسبب عدم مقدرتهم من رؤية الأهل والتواصل
معهم عبر الزيارات التي منعها الاحتلال "الإسرائيلي" امتدت لأكثر من 10
سنوات مشددا على أن هناك أسرى دوريات داخل السجون "الإسرائيلية" يعانون
من الإهمال الطبي كالأسرى الفلسطينيين .
وأضاف
فروانة أن وزارة الأسرى وجمعيات الأسرى لم تكن تميز بين أسير فلسطيني والأسرى
العرب فحملات التضامن كانت تشمل جميع الأسرى والدليل على ذلك اتفاقية شرم الشيخ
عام 1995 وتم الافراج عن 41 أسير من الاسرى العرب .
لكنة
عراقية
"جئنا
فلسطين عام 1967، طالبين النصر أو الشهادة، ولم نتوقع أن يكون مصيرنا الاعتقال،
وأنه بعد الأسر المُضني سنحرمُ من أهلنا وذوينا، ونفقد الأوراق الرسمية التي تؤكد
انتسابنا لدولنا الأم، وسيتعين علينا بعدَ ذلك التخلي عن هوية نضالنا مقابل
انتماءاتنا لأوطاننا" .
قال علي
البياتي الأسير العراقي المُحرر، تلكَ العبارة وصوته الأجش ينطقُ ألما لما
أفضى له حالُ الأسرى العرب المفُرج عنهم والمُرحلين إلى غزة، وأولئك الذين يقبعون
حتى الآن في السجون "الإسرائيلية" وسطَ تخاذل عربي ودولي واضح.
وأضاف في
حوارٍ هاتفي ميزته لكنةُ الرجل العراقية: "فلسطين قدمت لنا ما تستطيعه، وحانَ الوقت
لتتحرك الدول العربية وتُبيض السجون "الإسرائيلية"، وتجمع شمل أسراها
بأهلهم" .
البياتي
نطق بلسان حال الأسرى العرب المُفرج عنهم والمرحلين إلى غزة، وأولئك القابعين حتى
الآن في السجون "الإسرائيلية" والذين قارب عددهم 35 أسيراً، بعد أن
تجاوز 1555 شخصاً منذ عام 1967م.
البياتي
الذي اعتقل في عرض البحر قبالة شواطئ نهاريا على خلفية عملية فدائية كان بصدد
تنفيذها عام 1979 بعد انتمائه للثورة الفلسطينية بعد النكسة، وحوكم مدى الحياة،
كانَ يتوقع أن يموت في سبيل تحرير فلسطين، ولما اعتقل فقدَ هويته العراقية وبذلك صارَ سجينا عراقيا بالإسم فقط.
قال:
"في السجن تعرضنا لانتهاك كرامتنا كأي أسير فلسطيني آخر، وتنقلنا بين السجون "الإسرائيلية"،
ومورست بحقنا أفعال معينة، وعندما أفرج عنا فقدنا حقنا بالرجوع لبلادنا، وزاد همنا
إهمال حكوماتنا لنا" .
إبعاد
وزواج
أطلق
سراح البياتي المحكوم عليه بمدى الحياة في 15 أكتوبر عام 1999م، وأبعد إلى قطاع
غزة، وتزوج منه، وحصلَ على الهوية والجنسية الفلسطينية .
وقال:
"كنت على أمل أن أخرج من أسري للعيش في فلسطين، وتحقق أملي، خاصة وأني فقدت
هويتي العراقية وأوراقي الثبوتية نهائيا، لذا وافقت على
الاستقرار في غزة، وتزوجت فيها، وأنجبت أربعة أبناء "محمد وليلى وسندس وجمال"
.
مرض
وذكرى عالقة
مرضَ
البياتي، وسافر إلى الأردن للعلاج، وهناك يسرد البياتي قصة لا تزال عالقة في
مخيلته إذ يتذكر أن شقيقته حضرت إلى المستشفى ومرت بجواره وسألت طبيباً هل وصل علي
البياتي من فلسطين، فنادى عليها شقيقها وقال "أنا هو" .
ويضيف
البياتي "ظننت أنها والدتي في البداية، لكنها كانت شقيقتي .. والله لم أعرفها
لأني غبت عنهم كثيراً" وأثناء تواجده فى الأردن توجه للسفارة العراقية ليعيد جنسيته السابقة، فاشترطوا عليه الاستغناء
عن هويته الفلسطينية مقابل العراقية، ورفض لأن "الهوية الفلسطينية هوية نضال لأكثر من
أربعين سنة، لا أستغني عنها"، هكذا رد عليهم.
معانقة
الوطن بعد الغربة
حصل
البياتي على الجنسية العراقية بعد غيابه عن العراق لأكثر من
35 عاما أمضى منها 20 عاما في سجون الاحتلال، وبموجب قرار من رئيس الوزراء العراقي نور المالكي ووزارة الخارجية العراقية مُنح الأسير المحرر البياتي بتاريخ 12 كانون
الاول 2012 الجنسية العراقية وأصبح بمقدوره الإقامة في العراق موطنه
الأصلي وقت ما شاء، كما وشارك في مؤتمر العراق لنصرة
الأسرى المنعقد في العاصمة العراقية بغداد .
وقد عبر
المحرر البياتي عن بالغ سعادته بهذا الإجراء مؤكدا علي عمق العلاقات الفلسطينية العراقية وبأن قضية فلسطين ستبقى قضية العرب الأولى آملا
في أن يحصل أولاده كذلك على الجنسية العراقية في القريب العاجل .
أبطال
القصص السابقة كانوا محظوظين، إن انتهى الأمر بهم بإبعاد أو اصابة ولكن بطل حكايتى
التالية إنتهى به المطاف محررا أولًا "فشهيدا" ثانياً .
فؤاد
حسين عبدالله الشرع 54 عاما من اربد – الأردن، اعذروني ان لم أمتلك المعلومات
الكافية عن الاسير "الشهيد"، فإهمال السجان "الإسرائيلي"
لصحته الحق به مرضا اختطف روحه من بين احبابه، فلم يسعفني الوقت لألتقيه وأسرد
عليكم "بطولته"، وجل ما يحكى عن "الشهيد" الشرع أنه إعتقل عام
1991 على اثر تخطيطه لأعمال تفجير داخل "إسرائيل"، حيث خطف من قبل جهاز
الموساد "الإسرائيلي" أثناء وجوده على سفينة قبرصية، وأفرج عنه في عام
1998، وانتمى الشرع إلى حركة فتح في وقت مبكر من عمره وخاض معها نضالا ضد الاحتلال
"الإسرائيلي" .
توفي
المحرر الشرع فجر يوم الثامن من شهر أكتوبر للعام 2010، وعانى الشرع في الشهرين
الأخيرين من تشمع في الكبد ومكث في مستشفى الملك عبدالله الثاني بإربد شهرين .
وحمل
مركز الأسرى للدراسات المسؤولية لإدارة مصلحة السجون "الإسرائيلية" على
كل ما يحدث للأسرى المرضى من مضاعفات وكذلك ما يحدث للأسرى المحررين بعد الافراج
عنهم نتيجة الاهمال الطبي .
وأكد
رأفت حمدونة مدير مركز الأسرى للدراسات وعضو لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية
أن الأسير المحرر "الشهيد" الشرع أمضى في سجون الاحتلال عشر سنوات
متتالية وتم الافراج عنه ضمن الافراج عن أسرى الدوريات في العام 1999 م وفق
اتفاقية أوسلو .
وأضاف
حمدونة أن "الشهيد" الشرع عاش في قطاع غزة منذ الافراج عنه حتى ما قبل
عام وانتقاله للأردن لتلقى العلاج، وقد تزوج في غزة وهو أب لطفل وطفلة.
وأضاف
حمدونة أن الأسير المحرر الشرع حوكم 25 عام لاتهامه بالتخطيط لتفجير طائرة تابعة
لشركة العال "الإسرائيلية"، وتم اعتقاله في عرض البحر بعملية "إسرائيلية"
خاصة وهو في طريقه من لبنان إلى قبرص.
وأشار
حمدونة أن الاوضاع الصحية السيئة للاسرى وسياسة الاهمال الطبي المتعمد التي
تمارسها إداراة مصلحة السجون "الإسرائيلية" أصبحت خطرا حقيقيا يهدد حياة
الاسر والاسيرات المريضات مما يتطلب اللجوء إلى المحكمة الدولية لمقاضاة "إسرائيل"
على سياساتها التي تسببت في "استشهاد" العشرات من الأسرى فى السجون وبعد
الافراج عنهم، لا سيما وأن هناك العشرات ممن يعيش حالات مرضية مزمنة تحتاج لعمليات
ومتابعة منها ما يقارب من 40 حالة تقيم بشكل متواصل في مستشفى سجن الرملة وتعاني
من أمراض مستعصية ومزمنة.
وطالب
حمدونة بلجنة تحقيق دولية بالتعاون مع جهات حقوقية فلسطينية للنظر فى استهتار
الاحتلال الأسرى المرضى في سجون الاحتلال للوقوف عن كثب على أسباب "استشهادهم".
ووجه
نداءه لوزارة الصحة الفلسطينية لإجراء فحوصات شاملة ودقيقة لكل الأسرى المحررين
منذ الافراج عنهم لمعرفة حالتهم الصحية وعلاجهم فى حال المرض .
المصدر : وكالة معا الإخبارية
29/4/2013