فبعد أن ارتفعت الأصوات ، ونطقت الألسنة التي طالما صمتت ، وتكلم الشرفاء بضرورة إيجاد حل ووقف لنزيف الدم الفلسطيني في العراق واستهدافه على هويته الفلسطينية ( قتل ، خطف ، تعذيب ، خنق ، اعتقالات عشوائية ، تهديدات مستمرة ، وعيد شديد ، عمليات تهجير قسري ، شتائم وسباب ، استفزازات غير منقطة ، حصار دائم ، إهانة وإذلال ، تنكيل وترويع ، وغيرها من شتى حالات الاضطهاد ) نجد بالمقابل غلظة في التعامل وتشديد في الإجراءات وإجحاف متزايد في شتى مجالات الحياة وقهر منقطع النظير ، وكأن الفلسطيني لا يحق له أن يحس بالألم عندما يذبح !! ، ولا أن يصرخ عندما يسفك دمه !! وكأن الوجود الفلسطيني في العراق أصبح الخطر الأول على البلاد رغم قلة عددهم وعدتهم وحيلتهم ، وقد تناسوا أو غضوا الطرف عن كل الإجرام والإرهاب وعمليات الإبادة التي تقوم بها جهات شعوبية عنصرية بحق الوجود الفلسطيني فلم يسمع أحدنا يوما أي تصريح يدين هذه الجهات أو يتعاطف مع المستضعفين من الفلسطينيين ولو بكلمة أو فتوى أو مجاملة أو غيرها ، حتى هذه يحرم منها الفلسطيني إلا بعض المواقف من الشرفاء طبعا ولا ينقطعون في العراق وخارجه .والمتأمل للمشهد والمدقق في مجريات الأحداث يجد العجب العجاب ، وأن الأمور انقلبت رأسا على عقب وانعكست الموازين ، وكأننا في غابة يأكل القوي فيها الضعيف .ففي تمام الساعة الرابعة والنصف من عصر الأثنين الموافق 10/4/2006 طوقت قوة كبيرة من القوات الخاصة اللواء الثاني المسمى ( لواء الذيب ) جميع مداخل وأركان أكبر تجمع سكني للفلسطينيين في منطقة البلديات جنوب شرق بغداد ، تقدر هذه القوة بأكثر من خمسين سيارة ومدعومة بقوة صغيرة من القوات الأمريكية تقدر بخمسة همرات ، وبعد ربع ساعة تقريبا تم تطويق المنطقة بالكامل ومنع الدخول والخروج منها ، وتوجيه الأسلحة المتوسطة من على السيارات صوب بنايات المجمع ، وانهالت الشتائم من قبل بعض الجنود وتم الاعتداء على بعض الأطفال بالضرب وساد المنطقة جو من الرعب والقلق والفزع ، وتم الاعتداء على أحد الفلسطينيين بالضرب ومحاولة اعتقاله إلا أنه تركوه بعد عدة دقائق ، وفلسطيني آخر بينما يسير هو وزوجته وبعض النساء من عائلته حاولوا الاعتداء عليه واعتقاله وحصلت مشادة بينه وبين أحد الجنود ثم تركوه ، ومنعوا بعض المصلين من أداء صلاة العصر في مسجد المنطقة مما أدى لمشادة بينهم وبين أحد المصلين وسحله وضربه ، وبعد انتهاء صلاة العصر تم تفتيش جامع القدس تفتيشا دقيقا وبشكل ملفت للنظر وكأنه ثكنة عسكرية وليس مكان للعبادة ، والجدير بالذكر أن الجامع قد تعرض لاعتداء واقتحام واحتلال من قبل ذوو الزي الأسود بتاريخ 22/2/2006 ونفس هذه القوة من لواء الذيب بدلا من أن تقف من الجهة المظلومة المعتدى عليها جاءت في اليوم التالي عند صلاة الظهر لتطوق المسجد وتقوم بتفتيشه بشكل دقيق جدا ولم يعثروا على أي شيء يذكر وكأن الأمر حدث بالعكس وتلك المرة تعتبر هي الأولى التي يداهم ويفتش فيها هذا المسجد ، والآن تأتي نفس الجهة لتفتش المسجد وللمرة الثانية ويستفسروا عن أسلحة ثقيلة ومتوسطة مما يشير إلى أن هنالك تقارير ووشايات كبيرة ومتكررة ومستمرة وحقد أعمى على المسجد والمجمع لمحاولة النيل من الوجود الفلسطيني وبأي طريقة علما بأن الجهات التي قامت بالاعتداء على المسجد والمجمع وباشرت عمليات القتل والتعذيب والاستفزاز المتكرر لم تتعرض لأي مساءلة وهي تسرح وتمرح وكأن الدم الفلسطيني غير مشمول بحقوق الإنسان وغير محسوب على البشرية ؟!! مع العلم لا يوجد أي دليل أو إثبات يشير إلى وجود أي شيء مما يفترونه على أبناء المجمع ، وما أدل على ذلك من أنهم لم يجدوا في المسجد غير أسلحة الحراس المسموح بها قانونيا ، وكذلك عندما تم تفتيش جميع الشقق في المجمع لم يعثروا على أي شيء مما يدعونه أو قامت عليه النكايات والوشايات ؟!!.وبالرغم من عدم اعتقالهم لأي من الفلسطينيين لكن هذا الأمر والمشهد وكثرة تكراره يؤدي إلى زيادة القلق والخوف ، حيث هنالك عدد كبير من الأطفال أصيبوا بالفزع والخوف الشديد لتكرار ذلك ، ولا نبالغ إذا قلنا أن هذا المجمع أصبح حقل تجارب لجميع القوى والأجهزة الأمنية ، فالقوات الأمريكية داهمته وفتشته ثلاث مرات ، والحرس الوطني كذلك قوات حفظ النظام ولواء الذيب هذه المرة الثانية لهم في ذلك ، بمعنى آخر أن هذا الإجراء ليس بالعموم ، والدليل على ذلك أن المساكن والمنازل القريبة من المجمع لم تفتش ولا مرة واحدة مع أن الذين اعتدوا على المجمع من ذوي الزي الأسود قد انسحبوا وتراجعوا في بعض البيوت القريبة ، لكن الأمر انتهى بذلك ولم يتعرضوا لأي مساءلة ، وكأن الكلام والإعلام الذي يقال على الفلسطيني بغض النظر عن مصداقيته وما خلفه من أهداف يكون حقيقيا ويؤخذ بنظر الاعتبار !!! وغير لابد من التريث وعدم الاستعجال والتثبت ، وهذه قسمة ضيزى والله المستعان .وأثناء التفتيش حدثت عدة أشياء مريبة وتحتاج لوقفة وهي أن إحدى النساء قد سرق من شقتها جهاز الاتصال ( النقال ) ، وعندما أكملوا من تفتيش إحدى الشقق كان هنالك فلسطيني اسمه عمر ضمن هذه العائلة فناداه أحد أقرباءه باسمه وقال له ( افسح الطريق يا عمر ؟!!!!!! ) فانتبه بعض الجنود وعادوا ليفتشوا الشقة مرة أخرى ووجدوا سكينا كبيرا فقالوا له : هذا تذبحون به العراقيين ؟!!! وحاولوا اعتقاله إلا أن صراخ النساء القريبات من الحالة منع ذلك ، والغريب بالأمر أنهم لم يسألوا أو يستفسروا عن قطع السلاح المسموح بها بالقانون للحماية الشخصية وشاهدوها وما أخذوها ، وهنا تكون التهمة سكينا لكون صاحبها اسمه عمر !! وحالة أخرى كما أفاد وذكر شهود العيان أن أحد الجنود شاهد طفلا جميلا فقال له ما اسمك : فأجابه الطفل : عمر ، فقال له الجندي بالعامية :( روح مو خوش اسم !!!؟؟؟ ) على الرغم من أن عموم الفلسطينيين لا يريدون الاقحام أو الدخول في المعركة الطائفية أو العرقية لأنهم ليسوا طرفا لأحد على الآخر ، لكن تأبى بعض النفوس المريضة والعقول الحاقدة إلا أن تحسبهم على جهة دون الأخرى وبالتالي لتبرير قتلهم والتنكيل بهم .وبعد قرابة الساعتين والنصف من إقفال المجمع وتطويقه وتفتيشه انسحبت هذه القوة ليتحرر الناس من هذا الطوق ويعودوا في الحصار الدائم الذي تفرضه عليهم الأوضاع الأمنية المتردية وكثرة استهدافهم أينما حلوا وارتحلوا ، وهذه تضاف إلى حقبة المعاناة اليومية ولسان الحال يقول : أهكذا يعامل الفلسطينيون المحاصرون المستضعفون ؟!!ومن جانب آخر لم تنته القضية والابتلاء متواصل ، فسرعان ما تغرب الشمس تبدأ السيارات المريبة والتي بدون لوحات تسجيل وفيها مسلحون تتجول في المنطقة لإثارة القلق والرعب وارتكاب انتهاكات جديدة في المجمع ، فالسيارة الأولى مدنية ومن نوع غير معروف فيها شخصين ويقفون قرب تجمع للناس على الشارع ، وعندما تم سؤالهم لأن وجودهم مريب قالوا نحن نريد أحد الأصدقاء هنا ، وبعد الساعة التاسعة والنصف ليلا توقفت سيارة نوع بيكب على الشارع لساعة تقريبا في وسط المجمع وفيها اثنين من غير أن ينزلوا منها أو يتحدثوا مع أي أحد ثم استعملوا جهاز النقال وتحركوا خارج المنطقة لتأتي سيارة نوع مرسيدس وبدون أرقام كذلك لتقف في نفس المكان وبعد دقائق عادت السيارة الأولى لتقف خلفها ، مما انتاب أبناء المجمع الريب والشك واحتجزوا هاذين الشخصين لحين مرور دورية للقوات الأمريكية واعتقلتهما وكان بحوزتهم مسدس ، وهما من غير المنطقة وهذه ليست المرة الأولى التي يتواجدون فيها ، وبعد ذلك كانت هنالك سيارة أخرى رابعة من غير أرقام تتفقد المنطقة .فمتى يتخذ إجراء بحق هؤلاء ؟!! أم أن هؤلاء منزهون عن الإرهاب !! ، ومن هي الجهة التي ستنصف الفلسطيني في محنته ؟! وهل سيبقى الفلسطيني عرضة للقتل والاضطهاد المستمر ؟!! وهل أرض الله الواسعة باتت لا تستوعب الفلسطيني لفلسطينيته ؟!! وغيرها من الأسئلة التي تُترَك الإجابة عليها لأصحاب الضمائر الحية وجميع الشرفاء في العالم .