ج4: دور أهل حيفا وقراها في المقاومة والصمود
كان لأهل حيفا و قراها دوراً تاريخيأ مشرفأ رائدأ في صد هجمات عصابات الصهاينة المسلحة و مقاومة المشروع الصهيوني في فلسطين . بعد ان رفع لواء المقاومة عالياً اهل حيفا و قراها العديدة منها قرى اجزم جبع عين غزال كفر لام الطيرة و المزار و الصرفند و الطنطورة و صفورية و أم الزينات و عين حوض وغيرها .. قرى عربية فلسطينية مقاومة سجلها التاريخ باحرف من نور .. أنها قرى الساحل الفلسطيني .. أنها قرى الوطن كله ..
( .. عين غزال و اجزم و جبع و الطيرة و طنطورة و عين حوض ابتدأ الجهاد في هذه المنطقة منذ اليوم الأول لقرار التقسيم ، إذ رابط المجاهد الشجاع عبد الرحمن احمد عبد الله و عدد من إخوانه البواسل ، على شارع حيفا – يافا و اطلقوا النار ظهراً على سيارة باص صهيونية قادمة من تل ابيب قرب مفرق الطنطورة و قتلوا ثلاثة و جرحوا عدداً أخر من الركاب الصهاينة ثم استمر الهجوم على قوافل العدو و طيلة فترة القتال و كان من ابرز الأعمال التي قامت بها قوات المقاومة الشعبية الهجوم على قافلة صهيونية قادمة من تل ابيب الى حيفا قرب موقع السوامر اذ تم قتل العشرات من المستوطنين... و غنم المجاهدون 3 سيارات و مؤن ، و هجوم أخر استبسل فيه مجاهدو عين غزال و اجزم وقتلوا معظم ركاب القافلة و غنموا أسلحة و سيارات و ذخائر .)[1]
يضيف المجاهد صبحي ياسين ( رحمه الله ) عن دور قرى حيفا :
( .. كما قام المسلحون من قرية جبع بتطويق النجدات الصهيونية و قتلوا منهم 15 جندياً و استولى اهالي جبع على مصفحتين للعدو في معركة سابقة ، و استمر القتال سجالاً يقوده اهل قرى عين غزال و اجزم و جبع مع العدو يوميا الى ان سقطت القرى الباسلة الثلاث في يوم الثلاثاء 27/07/1948م اثناء الهدنة الثانية بعد ان عجز العدو عن احتلالها في فترة القتال لصلابة رجال المقاومة الشعبية و استبسالهم ذوداً عن الوطن و الدين و الكرامة ذوداً عن الارض والعرض .. ولمصلحة البلاد والعباد ... لطلب مرضاة الله سبحانة وتعالى في الدفاع عن مقدسات الامة ولسان حالهم يقول : ( وعجلت اليك ربي لترضى).
اما ابطال طيرة حيفا البواسل فقد هاجموا قوافل و مستعمرات العدو عشرات المرات وغنموا ( 8) مصفحات من الانكليز و قاوموا اعتداءات العدو مقاومة مستمرة عنيفة حتى يوم 17/07/1948م حيث سقطت البلدة بعد نفاذ الذخيرة من المجاهدين .
و إذا ذكرت قرى حيفا و الساحل فسيكون لأبطالها البواسل سجلاً تاريخياً ناصعاً حافلاً بالجرأة و الإقدام و الشجاعة إذ أنهم استطاعوا قتل اكثر من 400 صهيوني مسلح و جرح عدد مماثل في هذه المعارك . و من ابرز المجاهدين البطل عبد الله زيدان من قرية اجزم و البطل عبد الرحمن عبد الله من قرية عين غزال و البطل محمد شعيب الشعبان من قرية جبع و البطل قاسم الريان من قرية الطيرة ... و غيرهم ..)[2] .. بالإضافة الى مئات المقاتلين و قادة الفصائل الذين قاموا بواجبهم خير قيام ..
اما حيفا فلقد اشتعلت ثورة و ناراً و غضباً ضد العصابات الصهيونية و ضد التآمر .. و استمر عشرات المجاهدون يقومون بالعمليات ، و يقاومون الاحتلال الصهيوني داخل حيفا .. حتى نفدت ذخيرتهم .. و هناك الوجهاء الوطنيون الذين لا سلاح لديهم طلبوا نجدات أخوية سريعة و ملحة من قرى حيفا المجاورة ، طلبوا من هذه القرى السلاح والذخيره و الرجال و المعونة مهما كانت ضئيلة و محدودة فاستجاب لهم ابناء هذه القرى النشامى و تمكنوا من دخول مدينة حيفا عنوة .. و اشتبكوا مع قوات الانكليز في معركة حامية في منطقة شارع حيفا – الكرمل قرب – اخوذا – ثم اضطروا بعدها للانسحاب .
انظر .. تأمل الانكليز ما زالوا يقاتلون دفاعاً عن اسيادهم اليهود لانهم عملاء اذلاء و عبيداً لهم .. اجل الانكليز عبيداً لليهود .. عبيداً للصهيونية و الدولار و الشر .. قال احد اعضاء البرلمان الصهيوني بعد الهجوم على اسطول الحرية وطرد بريطانية لدبلوماسي صهيوني في الموساد،، قال: اننا نعلم ان الانكليز كلاب لنا ولكنهم كلاب غير اوفياء .
في صباح 22/04/1948م اخذ الانكليز و معهم الصهاينة يضيقون الخناق على اهل حيفا بإدخال الرعب و الإرهاب في نفوس السكان ، مع قتل المدنيين و معظمهم من الشيوخ و النساء و الاطفال .. و استمرار القصف الانكليزي العشوائي المقنع بالقناع الصهيوني .. و ارتكاب المجازر .. ونهب الممتلكات .. و إشعال الحرائق .. و تدمير البيوت .. و قتل السكان .. بدون تمييز .. بدون وازع ...
وقد اعترف الارهابي ( منا حيم بيغن )مدبر وقائد مذبحة قرية دير ياسيين المأساوية ، اعترف بأنسحاب الادارة البريطانية مبكراً من حيفا وقال انهم انسحبوا في اواخر نيسان 1948م والحقيقة انهم انسحبوا ليلة 21/22 نيسان 1948م والاهم من ذلك هو الانسحاب بالتنسيق مع العصابات الصهيونية بأعلامها بموعد الانسحاب المبكر وتسليم الصهاينة الاماكن الاستراتيجية والمحصنة في حيفا .. قال بيغن :
(فقد اعلن القائد البريطاني لمنطقة حيفا انسحاب الجيش في اواخر نيسان فعرفت الهاغانا ذلك وعبأت جميع قواها وآمرت ايضاً فرق الارغون في حيفا في التقدم واحتلال بناية محصنة للاعداء تشرف على شوارع (الهادار هاكرمل ) واحتلوا الحي بأكمله . في نفس الوقت كانت قوات الهاغانا تقوم بالهجوم في المناطق الاخرى في حيفا . وتقدمت جميع القوات اليهودية في هجومها على حيفا بينما كان العرب مذعورين صائحين – دير ياسين ــ .. ) (1)
من جهة ثانية رست في البحر على شاطئ حيفا عشرات البواخر البريطانية مختلفة الأحجام و زوارق و قوارب و أخذت تستقبل الفلسطينيين المعذبين الحائرين على الشاطئ و تنقلهم من حيفا الى جنوب لبنان .. نساء .. و أطفال .. مسنين .. و شيوخ .. جرحى ثم رجال عزل من السلاح .. مطاردين .. تنقل هؤلاء الى شمال فلسطين الى عكا ... ومن عكا الى لبنان وهذا ما تريده الادارة البريطانية لتفريغ البلاد من اهلها..
ومما يذكر عن حالة مأساة الفلسطينيين نساء و أطفال و شيوخ و حالة الهلع القلق و الذهول التي أصابتهم و حالة الهرج و المرج ان امرأة فلسطينية شابة كانت راكبة بالزورق و من شدة ذهولها أرادت رمي المخدة في البحر تخلصاً من وزنها فرمت طفلها الرضيع .. و كانت حالة مأساوية حلت بها فخرت مغشياً عليها و في قول اخر إنها رمت نفسها بالبحر لإنقاذ رضيعها .. وغرقت .. إنها هول الفجيعة و المأساة .. و حلت في غيرها و حسبنا الله و نعم الوكيل .. فهاجروا .. بداية تجمع و كمحطة في عكا ثم الى لبنان و المعارك حامية الوطيس و اخذ الانتداب البريطاني يعمل على ترحيل الفلسطينيين ويشجعهم على الرحيل و الهجرة هرباً من الموت و الدمار .. عمل الانكليز على ترحيل العرب في سوء نية و في خبث لإفراغ مدينة حيفا من اهلها ليقدمها على طبق من ذهب هدية للصهيونية تطبيقاً لسياسة الانكليز الهادفة لجعل فلسطين يهودية كما أن انكلترا انكليزية .. استناداً لعداء الطرفين للأمة العربية و الإسلامية .. استناداً لقرار حزب العمال البريطاني الحاكم اثناء الانتخابات في عام 1946م في لندن .. و تطبيقاً لوعد بلفور المشئوم و سيء الصيت عام 1917م .. شجع الانكليز بعض المشردين والمدنيين العزل العرب على الهجرة .. و وفروا لهم الزوارق .. ثم يتهمون الحاج امين الحسيني و الهيئة العربية يتهمونها بهتاناً و زوراً بأنها هي التي تدعو للهجرة و من خلال استقراء الأحداث و قراءة عدد من الوثائق تبين ان الهيئة كانت تحث الفلسطينيين على الصمود و الثبات و البقاء .. و عدم الرحيل .. عدم الهجرة تحت اي ظروف .. و أية ذريعة .. مهما كانت ..
وهكذا تمت المؤامرة .. و حلت الفاجعة و المأساة .. و تم الرحيل لا بل الترحيل القسري الجماعي الذي نظمه و الذي أمنه و شجعه الانتداب الانكليزي .. هجرة جماعية اضطرارية قسريه فرضها الانكليز .. و فرضها الصهاينة و عصاباتهم الإرهابية المسلحة ..على مجتمع مدني امن اعزل ... والانفراد به
دخلت الجيوش العربية السبعة فلسطين .. و دخلت قوات الجيش العراقي اما العديد من قرى حيفا فقد بقيت تشاغل العدو و تقاوم المشروع العدواني .. الاستيطاني .. من تلك القرى على سبيل المثال – لا الحصر – قرى اجزم جبع عين غزال الطيرة الطنطورة كفر لام .. و قرى عديدة اخرى بقيت تقاوم .. و تقاتل حتى اخر رمق واخر رصاصة .. و شاغلت العدو و قطعت عليه طرق إمداداته .. و قد اعترف العدو الصهيوني بهذه الحقيقة بعد ان حل يوم 15/05/1948م بإعلان الصهاينة و قيام كيانهم الغاصب و دخول جيوش العرب السبعة، حين اعترف العدو بمقاومة هذه القرى في روايته (الرسمية ) :
( و ينبغي هنا التنويه ، من الناحية العسكرية بصمود قرى الطيرة ، و عين غزال ، و اجزم ، و جبع في منطقة الكرمل جنوب حيفا ، فقد صمدت هذه القرى لمدة طويلة بعد سقوط حيفا .. و لم يقتصر الأمر على هذا فحسب و إنما استمر رجالها ايضاً في إزعاج و مضايقة وسائل النقل اليهودية المتجهة الى حيفا و أرغموها على المرور عبر وادي الملح )[3]
رشيد جبر الأسعد
كاتب فلسطيني
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"
[1] -المجاهد صبحي ياسين : طريق العودة لفلسطين ، ص (20 ) ، و مجلة ( فلسطين ) الصادرة عن الهيئة العربية العليا ، العدد 167 شهر صفر 1395هـ الموافق شباط 1975م بيروت صفحات ( 4 -10 ) .
1 ترجمة وتقديم معين احمد محمود : يوميات الارهابي منا حيم بيغن ، نشر دار المسيرة بيروت ، 1403هـ 1983م ، صفحة : (63).
2 المجاهد صبحي ياسين : طريق العودة لفلسطين ، صفحة (21).
[3] - حرب فلسطين 1947 -1948 ( الرواية الإسرائيلية الرسمية ) ، ترجمه عن العبرية احمد خليفة قدم له وليد الخالدي ، طبعة أولى قبرص صفحة ( 218 / 219 )