اللاجئون الفلسطينيون في سورية محنة مضاعفة - عامر راشد

بواسطة قراءة 1996
اللاجئون الفلسطينيون في سورية محنة مضاعفة - عامر راشد
اللاجئون الفلسطينيون في سورية محنة مضاعفة - عامر راشد

كتب – عامر راشد

بادئ ذي بدء، إن محنة اللاجئين الفلسطينيين في سورية هي  جزء لا يتجزأ من محنة المدنيين السوريين، الذين يعانون من آثار الحرب الطاحنة التي تدور رحاها في سورية منذ أكثر من عامين، لكن معاناة اللاجئين الفلسطينيين في الكثير من جوانبها أشد قسوة من معاناة السوريين بخصوص الفرص المتاحة لهم للبحث عن ملجأ آمن من العمليات القتالية، وذلك بتضييق إمكانية الانتقال إلى دول الجوار، وتوفير حماية لهم من الإجراءات التعسفية التي ترتكب بحقهم.

منذ اندلاع أعمال العنف في الأزمة السورية، وتحولها من طابع الاحتجاجات الشعبية السلمية إلى طابع مواجهات عسكرية مفتوحة، وتعرض المخيمات الفلسطينية على الأراضي السورية لعمليات قصف وتهجير، اتخذت السلطات الأردنية قراراً بمنع اللاجئين الفلسطينيين في سورية من دخول الأراضي الأردنية، وقامت بحجز الأعداد القليلة من الذين استطاعوا الوصول إلى الأراضي الأردنية عبر الحدود في شكل غير رسمي، شأنهم شأن عشرات الألوف من المواطنين السوريين. والطريف أن الحكومة الأردنية بررت الإجراءات التمييزية التعسفية ضد اللاجئين الفلسطينيين، على لسان كبار المسؤولين الأردنيين، بأنها من أجل حماية حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم في فلسطين.

وتطبيقاً للإجراءات المشددة بحق اللاجئين الفلسطينيين، الفارين من الحرب في سورية إلى الأردن، جرى احتجاز معظمهم داخل مجمع "سايبر ستي" في مدينة الرمثا الحدودية مع سورية، في ظروف تتنافى مع أبسط الحقوق الإنسانية، وأقرب إلى الاعتقال، حيث تعيش كل أسرة في غرفة لا تتجاوز مساحتها أربعة أمتار مربعة، ويحظر على أفرادها الابتعاد أكثر من خمسين متر عن المبنى. ولم تفسر الحكومة الأردنية حينها دواعي مثل هكذا إجراءات تمييزية ضد اللاجئين الفلسطينيين وعدم مساواتهم مع المهجرين السوريين، في مخالفة للقوانين والمعاهدات الدولية.

لكن بعض الكتاب والمعلقين السياسيين الأردنيين المقربين من السلطات الأردنية زعموا أن نزوح بضع مئات من اللاجئين الفلسطينيين، من سورية إلى الأردن، "سيكون مفصلاً خطيراً على أمن البلد"، في محاولة مكشوفة للعب على النعرة بين المواطنين من أصول فلسطينية وأصول شرق أردنية، التي تحاول أن تبثها جهات مستفيدة من قسمة المجتمع الأردني على هذا الأساس المسيء للأردنيين في حاضرهم ومستقبلهم لجهة وحدتهم الوطنية.

وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الأردن ليس وجهة محبذة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في سورية، بل كانت بحكم الضرورة وانعدام البدائل الأخرى بالنسبة لأبناء المخيمات الفلسطينية في محافظة درعا المتاخمة للحدود الأردنية. وعموماً فإن عدد من نزحوا من الفلسطينيين للأردن لا يتجاوز العشرات، وعدم تفضيل الغالبية منهم النزوح إلى هناك طلباً لملاذ آمن من الحرب يعود إلى إجراءات تمييزية بحقهم منذ عام 1970.

ولم يكن من الممكن للاجئين الفلسطينيين في سورية أن يفكروا بالنزوح إلى العراق رغم قسوة الأزمة السورية عليهم، ففي الذاكرة أعمال القتل والتهجير التي مورست ضد اللاجئين الفلسطينيين في العراق من قبل ميليشيات طائفية تحت الاحتلال الأميركي. فاتجهت أنظارهم إلى لبنان ومصر كملجأين متاحين بصرف النظر عن المعوقات والظروف والإمكانيات والإجراءات المطبقة عليهم.

وكلا الخيارين لا يمكن اعتبارهما مناسبين، ففي مصر يواجه اللاجئون الفلسطينيون من سورية حملة إعلامية شرسة من وسائل الإعلام المصرية الخاصة، كجزء من حملة شاملة على كل الفلسطينيين. وهم غير مشمولين بأي برامج دولية أو إقليمية لمساعدة النازحين من سورية، ومن الصعب عليهم تأمين فرص عمل تؤمن لهم سبل عيش كريم، وبقاء غالبيتهم في مصر بات يفرضه عدم وجود خيارات أخرى، في ظل حالة من القلق والخوف من العوز.

الوضع لا يختلف كثيراً بالنسبة لهم في لبنان، حيث تطبق السلطات اللبنانية إجراءات تمييزية إزاء الحصول على الإقامة المؤقتة وتمديدها. في البداية كان الفلسطيني يمنح إقامة لمدة أسبوعين فقط، وعلى ضوء تطورات الأزمة السورية سمح لهم بتمديد إقامتهم بسقف ثلاثة شهور يطلب بعدها منهم مغادرة الأراضي اللبنانية. واتخذت السلطات قراراً يمنع دخولهم من سورية، ومنح القادمين منهم من مصر عبر مطار بيروت مهلة 48 ساعة فقط لمغادرة البلاد.

ويعيش اللاجئون الفلسطينيون الذين نزحوا من سورية إلى لبنان ظروفاً حياتية قاسية جداً، أسوة باللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، المحرومين من الحقوق الإنسانية والمدنية والاجتماعية والسياسية. إذ ليس من حق اللاجئ الفلسطيني في لبنان تملك شقة للسكن، ويحظر عليه العمل في العديد من المهن مثل الطب والهندسة والقانون وإدارة العقارات والمحاسبة.. الخ.

ومنحت التعديلات الأخيرة على قانون العمل اللبناني، آب/أغسطس 2010، تصاريح عمل في القطاع الخاص للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بالإضافة إلى بعض مزايا الرعاية الاجتماعية، غير أن التعديلات أبقت على معاملتهم كأجانب. بينما يتمتع اللاجئون الفلسطينيون في سورية بنفس الحقوق والواجبات التي يتمتع بها المواطن السوري باستثناء الحقوق السياسية.

ودون إغفال ما تتسبب فيه أعداد المهجرين من سورية إلى لبنان من ضغوط على الاقتصاد والمرافق العامة، وكون الحملات التحريضية تشمل كل المهجرين سوريين أو فلسطينيين، إلا أن الإجراءات المطبقة على الفلسطينيين تتسم بالتمييز ضدهم، ويلاقي هذا إدانات خجولة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، لكنها لا تفضي إلى تغير ملموس في توجهات السلطات اللبنانية.

إن كل ما يطالب به اللاجئون الفلسطينيون الذين اضطروا للنزوح مؤقتاً، من سورية إلى لبنان والبلدان العربية الأخرى، هو مساواتهم بالمثل مع النازحين السوريين الذي اضطروا للنزوح للأسباب ذاتها، وإلغاء الإجراءات التمييزية بحقهم، وهذا من أبسط حقوق الإنسان في شرعة الأمم المتحدة والوثائق والقوانين الدولية، ناهيك عن حقوق الأخوة العربية التي تتغنى بها كل الحكومات العربية.. فهل ما يطالب به المهجرون الفلسطينيون من سورية صعب التحقيق والمنال وحرام عليهم؟!.

 

المصدر : وكالة أنباء موسكو

11/8/2013