كشفت مصادر حكومية عراقية، أمس الأربعاء، عن اتخاذ عدد
من الدوائر والمؤسسات العراقية، من أبرزها دائرة التقاعد العامة ووزارة التجارة،
إجراءات جديدة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العراق، اعتبرت خطيرة وغير إنسانية
وتتنافى مع شعارات وتصريحات القادة الجدد للبلاد حيال القضية الفلسطينية، فيما أكد
السفير الفلسطيني ببغداد، أحمد عقل، أنّ هناك حراكاً من قبل السفارة تجاه الجانب
العراقي لحلّ القضية.
من بين الإجراءات الجديدة، بحسب ما أكدته المصادر
لـ"العربي الجديد"، حجب البطاقة الغذائية الشهرية عن الفلسطينيين والتي
تمثل عصب معيشة العائلة في العراق، وكذلك منع الحقوق التقاعدية للفلسطيني الميت،
وحرمان ورثته من امتيازاته، فضلاً عن قرارات أخرى تتعلق بالطلاب، والتنافس على
الوظائف والخدمات، وإعادة فرض رسوم الصحة والتعليم والخدمات المختلفة على
الفلسطينيين، بعدما كانوا معفيين منها، فضلاً عن حرمانهم من التقدم بطلبات للحصول
على سكن ضمن المشاريع الحكومية، وحرمانهم من القانون "21" الخاص بتعويض
ضحايا العمليات الإرهابية والأخطاء العسكرية التي ارتكبتها القوات الأميركية خلال
احتلالها للعراق أو القوات العراقية، وهو ما يعني ضياع حقوق آلاف الفلسطينيين في
العراق اليوم.
يأتي ذلك بعد نحو عام فقط من إقرار البرلمان العراقي
نهاية عام 2017، القانون رقم "76" الذي ألغى القانون رقم
"202"، والأخير نظم وضع الفلسطينيين في العراق، إذ كان ينص على أنّ
الفلسطيني يتساوى مع العراقي بأيّ شيء وكلّ شيء إلى حين تحرير كامل التراب
الفلسطيني وعودته إلى وطنه، واستثنى القانون من ذلك حصوله على الجنسية أو تأديته
خدمة العلم العسكرية. وهكذا جاء القانون الجديد ليحرم المواطنين الفلسطينيين في
العراق من كلّ الامتيازات الممنوحة لهم سابقاً.
من جهتها، نفت الحكومة العراقية في حينه سلب
الفلسطينيين حقوقهم، إذ أصدرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي بياناً في
تاريخ 24 ديسمبر/ كانون الأول 2017، قالت فيه: "قانون إقامة الأجانب الذي صوت
عليه البرلمان رقم 76 لسنة 2017 جاء لينظم إقامة الأجانب ولم يتطرق إلى وضع
الفلسطينيين من قريب أو بعيد". لكنّ رئيس البرلمان آنذاك سليم الجبوري، خرج
ببيان بعد أيام وعد فيه بتشريع قانون جديد وخاص للفلسطينيين بدلاً من السابق (202)
الملغى، وهو ما اعتبر تأكيداً على سحب كلّ الامتيازات من الفلسطينيين في العراق.
سابقاً، بلغ عدد الفلسطينيين في العراق نحو 40 ألفاً،
غالبيتهم لجأوا إلى البلاد عام 1948، لكن بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 قتل منهم
مئات على يد القوات الأميركية ومليشيات عراقية، كما اعتقل مئات آخرون على يد
القوات الأميركية والحكومية العراقية تحت ذرائع مختلفة، ومات عدد غير قليل منهم
داخل السجون. لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ أُخطر الآلاف منهم بالرحيل من
العراق برسائل تهديد أرسلتها المليشيات، وحوصر الآلاف منهم، وغالبيتهم من النساء
والأطفال بين عامي 2005 و2007 عند الحدود العراقية - السورية والحدود العراقية -
الأردنية، إذ رفضت دمشق وعمّان استقبالهم، كما رفضت بغداد إعادتهم مجدداً إليها.
مات عدد كبير منهم قبل أن تتبرع دول أجنبية، غالبيتها من أميركا اللاتينية،
باستقبالهم برعاية من الأمم المتحدة، ما أدى إلى تراجع عددهم إلى نحو 6 آلاف لاجئ
فقط كعدد كلي من أصل 40 ألفاً.
أبلغ مسؤول عراقي رفيع في بغداد "العربي
الجديد"، بأنّ عدداً من الوزارات والمؤسسات الحكومية اجتهدت بناء على القانون
رقم "76" فأوقفت الحصة الغذائية الشهرية للفلسطينيين، وهذا الشهر، ذهب
فلسطينيون الى وكلاء المواد الغذائية ووكلاء الطحين (الدقيق) فأُبلغوا بأن لا حصة
لهم"، مبيناً أنّ الوضع نفسه كان في دائرة التقاعد العامة ببغداد "حيث
أوقفت المرتبات التقاعدية للفلسطينيين الميتين وحُرم ذووهم من حقوق وامتيازات
الميت، بالرغم من كونهم موظفين خدموا الدولة العراقية لعشرين أو حتى ثلاثين
عاماً، ولهم فضل في وزارات ومؤسسات عراقية مهمة، كالتربية والتعليم والتخطيط
والنفط".
يؤكد المسؤول أنّ هناك جهات أخرى نفذت الأمر نفسه،
ورئيس الوزراء الجديد، عادل عبد المهدي، "لا يعي خطورة تلك المواقف سياسياً
أو أخلاقياً وإنسانياً، فتجويع عائلة أو التضييق عليها ليس من أخلاق العرب والإسلام،
أو حتى الفطرة الآدمية بشيء"، على حد قوله.
من جهتهم، تحدث لاجئون فلسطينيون في العراق، إلى
"العربي الجديد"، حول ما وصفوه بمحنتهم الحالية هناك. يقول أحمد حاتم
(42 عاماً)، وأصله من حيفا، إنّهم يشعرون لأول مرة بالغربة في العراق بهذا الشكل،
مضيفاً: "المنظمات المدنية والإنسانية لا تعتبرنا في حاجة إلى مساعدة، لكنّنا
في أمسّ الحاجة". يؤكد أنّه بمجرد قبول بعثة الأمم المتحدة طلبات إعادة
توطينهم في دولة أخرى فإنّهم سيغادرون العراق.
ويقول سفير دولة فلسطين في العراق، أحمد عقل،
لـ"العربي الجديد"، إنّه تمّ فعلاً إيقاف البطاقة الغذائية عن
الفلسطينيين باعتبارهم باتوا جزءاً من العرب والأجانب المقيمين في العراق وفق
القانون الجديد. يؤكد عقل عبر الهاتف من بغداد: "نعم جرى إيقاف البطاقة
التموينية عن الفلسطينيين، وقد قابلنا وزير التجارة السابق سلمان الجميلي، وأثناء
وجودنا اتصل بالمديرة العامة التي أصدرت القرار وطالبها بوقف ذلك بالنسبة
للفلسطينيين باعتبارهم يعاملون كالعراقيين، لكن يبدو أنّ هذه المديرة لم يعجبها
الأمر، فرفعت القضية إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء. كان رد وزير التجارة أنّ
وزارته أخذت القرار، وأنّ الأمانة العامة لمجلس الوزراء لا دخل لها بذلك، ولأنّ
هذا كان في الفترة الأخيرة من عمر الوزارة (أواخر الشهر الماضي) لم تُطرح القضية
على جدول أعمال مجلس الوزراء، مع العلم أنّ جميع من طرحت أمامهم أكدوا على ضرورة
إعادة الأمور إلى نصابها، وأعتقد أنّنا سننهي الموضوع مع الوزارة الحالية".
يتابع عقل: "أما في مسألة ورثة المتقاعدين، فهي
كما يبدو اجتهاد من المدير العام للتقاعد اعتبر فيه أنّ الفلسطينيين من ضمن العرب
والأجانب، وهذا يشمل الجميع". يختم عقل: "راجعنا كثيراً حول المسألة،
والجميع يقول لنا إنّه يدعم تمتع الفلسطيني المقيم في العراق منذ أكثر من سبعين
عاماً بحقوق العراقيين".
تجمعات
يعيش الفلسطينيون الذين بقوا في العراق حتى اليوم،
وعددهم نحو ستة آلاف، في العاصمة بغداد بنسبتهم الأكبر، ثم في البصرة جنوباً
والموصل شمالاً. في بغداد تجمعات يسكنها اللاجئون الفلسطينيون مثل مجمع البلديات،
وحي السلام، والزعفرانية، ومدينة الحرية، والدورة، وعادلة خاتون، وتل محمد،
والأمين، وبغداد الجديدة.
المصدر : العربي الجديد
21/3/1440
29/11/2018
مواضيع ذات صلة :