يبدو أن صفحة “سقوط” بغداد أمام غزو القوات الأمريكية ستبقى مفتوحة لسنوات، وربما لعقود طويلة قادمة بغرض معرفة كيف ولماذا كان هذا السقوط غير المتوقع وغير المنتظر على النحو الذي حدث. هل هو التقصير أم هو التواطؤ أم هي الخيانة؟ أسئلة كثيرة تفرض أن تظل هذه الصفحة مفتوحة رغم كثرة ما يطرح من إجابات وما يكشف عنه من أسرار ومعلومات. لكن إضافة إلى هذا كله يبقى ملف المآسي والجرائم الإنسانية التي ارتكبت بحق الأبرياء من الناس الذين قتلوا أو عذبوا أو شردوا من دون أي ذنب أو جريمة سواء بأيدي وأسلحة قوات الغزو أو بأيدي أشقاء عراقيين.
فالقتل الأعمى الذي فُرض على العراقيين لم يستطع التمييز بين الهويات والأعراق، لأن الحقد الأسود الذي أعمى القلوب وطغى عليها لم يترك مكاناً لرحمة أو لرأفة أو لمشاعر إنسانية.
سيبقى يوم التاسع من إبريل/نيسان يوماً للحزن ويوماً للتقصير والشعور بالذنب لمن هو على قيد الحياة من أبناء العروبة الذين عايشوا ذلك اليوم ولم يستطع أن يفعل شيئاً لإنقاذ بريء أو مظلوم، ناهيك عن الوطن والشرف والعرض والكرامة والأمة والدين ولكها تعرضت للانتهاك والظلم والاعتداء.
أكثر من أربعة ملايين نازح ومهجر عراقي، يعيشون الآن داخل العراق وخارجه وأكثر من مليون ونصف مليون معاق معظمهم أضحوا عاجزين عن إعالة أنفسهم وأسرهم، وأكثر من ثلاثة ملايين أرملة، إضافة إلى مليون قتيل راحوا ضحايا للقصف الأمريكي والاقتتال الطائفي بين الميليشيات وعلى أيدي منظمات القتل الأسود المأجورة والمرتزقة التي قامت بأسوأ عمليات القتل الجماعي وأبغضها.
بين كل هؤلاء العراقيين الأبرياء من قتلى وجرحى ونازحين وأرامل كان الفلسطينيون في العراق جزءاً أصيلاً منهم. فقد تعرض الفلسطينيون المقيمون في العراق، والذين يحملون منذ سنوات طويلة وثائق عراقية باعتبارهم لاجئين، إلى عمليات تنكيل متعمدة على أيدي ميليشيات وقوات أمن حكومية باعتبارهم من بقايا النظام “الصدامي” البائد، ومن استطاع منهم النجاة واتجه صوب الحدود أملاً في لجوء بديل لم يجد منفذاً، ولم يجد مسؤولاً فلسطينياً أو عربياً يتوسط لحماية كل هؤلاء الفلسطينيين الذين افترشوا العراء لسنوات ست مضت.
لقد كُتب على الفلسطينيين أن يدفعوا دائماً أثمان سياسات قادتهم، حدث ذلك في الكويت بعيد غزوه، وحدث مثله كثيراً في معظم الدول العربية حيث تحول الفلسطينيون إلى مطاردين من الأجهزة الأمنية ومحاصرين في أرزاقهم، أما الذي حدث لهم في العراق، فهو شيء آخر يفوق كل الجرائم التي ارتكبت بحقهم.
والآن وبعد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن للعاصمة العراقية، للمرة الأولى منذ الغزو والاحتلال، ولقائه بالرئيس العراقي جلال الطالباني ورئيس الحكومة نوري المالكي، أمكن فتح ملف الجالية الفلسطينية في العراق، وسمع الكثير من الوعود، لكنه ربما قرأ ما جاء على لسان مسؤولين ونواب عراقيين منهم من قال إن “قسماً كبيراً منهم (الفلسطينيين) انخرطوا في مشاريع بهدف تهديم العراق، والبعض الآخر انخرط في حزب البعث المنحل، وعلى من تثبت إدانته فإن القانون سوف يأخذ مجراه”، من قال هذا؟ إنه نائب عن الائتلاف الموحد لم يقل شيئاً عمن ارتكبت بحقهم جرائم واعتداءات لمجرد كونهم فلسطينيين، من سيعوض هؤلاء ومن سيأخذ بثأر من قتل منهم غدراً.
لقد تزامن مع زيارة أبو مازن للعراق عقد اجتماع مشترك في بغداد جمع كبار وزارة المهجرين العراقية مع ممثلين لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بهدف التخطيط لاستراتيجية عامة لإعادة المهجرين والنازحين والبدء بمشاريع إعادة دمجهم بمناطقهم، وتأمين العمل لهم، وإعانتهم على ترميم دورهم وتمكينهم من العيش الكريم في أسرع وقت ممكن.
فهل يمكن للسلطة الفلسطينية وللجامعة العربية ودول عربية شقيقة أن تتدخل لدمج اللاجئين الفلسطينيين المقيمين والمطاردين في العراق ضمن هذه الجهود كحد أدنى من التعويض عن بعض المآسي والتكفير عن بعض التقصير؟
14/4/2009
محمد السعيد إدريس