الباحث محمد ياسر
النكبات تتوالى على اللاجئين الفلسطينيين وتهمتهم : صدّاميون !! * فتوى مليشياوية تهدر دم اللاجئين الفلسطينيين وتستبيح دورهم وأموالهم ! * لاجئ فلسطيني: الإحتلال والحكومة والمليشيات إرتكبت بحقنا مجازر يندى لها الجبين ! * وآخر يؤكد: الطب العدلي مصيدة المليشيات الحكومية لقتل اللاجئين الفلسطينيين ! * هكذا تحولت مخيمات اللجوء الفلسطيني داخل العراق الى سجون كبيرة لسكانها ! مهدور دمهم في زمن الظلم، ولأنهم صداميون، حسب زعم القتلة، ولأنهم قِلة، كانوا من أبرز المستهدفين بالتهجير والقتل والتعذيب باكثر الطرق وحشية، وجرّبوا (الدريل) و(التيزاب) وتقطيع الأوصال. منكوبون في زمن الإحتلال، نكبة تلو نكبة، منذ عام 1948 الى عام 2008 لافرق سوى تغير اسماء القًتَلة والمجرمين، من يهود محتلين، الى شعوبيين غادرين، والمَعْلَم الأبرز في حياتهم هو.. المخيمات. جولة سجل تفاصيلها: محمد ياسر (صبر أيوب)، هكذا يصفون صبرهم، فمعاناتهم بدأت منذ اللحظات الأولى للاحتلال الأميركي، وكأنما القدر ينتظر ذلك اليوم لتبدأ معاناتهم، من طرد من بيوتهم وأماكن سكناهم وعملهم، فكانت الهجرة الأولى الى مخيم (نادي حيفا) في بغداد، تبعتها هجرات الى حدود الدول المجاورة، يبحثون عن الأمن والإستقرار، ذهبوا الى المجهول، فمنهم من وصل، ومنهم من فارق الحياة، وعيناه شاخصتان نحو بلاد الأمان، وفي بلدهم الثاني اعتقال وقتل وتعذيب، ومكانهم المفضل بات (الطب العدلي)!؟ ولأنهم من عمق العروبة والإسلام، وبلادهم أسيرة محتلة على يد الصهاينة الغزاة، تابعت (الصوت) معاناتهم، ووثقت الآمهم من داخل العراق وعلى حدوده المترامية، وصولا الى دول لجوؤهم . اول زيارة لنا كانت للمجمع الفلسطيني في حي البلديات ببغدا، فاستطلعنا عن أحوالهم، وسألناهم عن أبرز ما يعانون منه، أجاب ( علي أحمد): تتلخص مشاكلنا في عدم مقدرتنا على الخروج من المجمّع، فالسيطرات تحيط بالمجمع، وتعتقل كل خارج منه، على الهوية، وتم إعتقال الكثير من الشباب أثناء توجههم إلى عملهم .. منهم من قتل بعد التعذيب، ووجدت جثته بعد أيام في الطب العدلي، ومنهم من عذِّب تعذيبا شديداً، ومنهم من تم الإفراج عنه، ومنهم من لايزال في السجن منذ سنوات، ولا أدري إلى متى سنتحمل هذا الوضع، نحن في سجن كبير، وسجاننا المليشيات الطائفية و(المغاوير) و(الحرس الوطني). أما (أبو كمال)، فكان رأيه أن لا حلَّ لهم، إلا بتغيير الحكومة الطائفية،حسب قوله، لأن المليشيات تسيطر عليها، وهم من يقوم باستهدافنا.. ابن أخي، يضيف ابوكمال، تم إعتقاله من قبل أحد السيطرات المحيطة بالمجمّع، وبعد يومين تم التعرف على جثته في برادات الطب العدلي، وتم دفنها دون أن نستطيع إستلامها، فغيرنا ذهب هناك ولم يرجع، فتوقفنا عن البحث عمن يُعتقل أو يختطف لأننا نرى أن خسارة واحد أفضل من خسارة الجميع!! وعن سبب استهدافهم يروي لنا أحد الأشخاص ذلك، إذ يقول هذا الشخص الذي خشي الإفصاح عن إسمه: تهمتنا الأولى أننا (صدّاميون)، وأننا كنا من المؤيدين لصدام، ولحزب البعث قبل الاحتلال ، وهناك سبب آخر، هو أننا واجهنا الأميركان أيام الغزو الأولى، بل نحن الوحيدون في المنطقة الذين قاتلوا القوات الأمريكية، وهذا صحيح وأمر نعتز به، أما قولهم بأننا صداميون وبعثيون، فالعراق كله كان بعثياً، حتى هم أنفسهم كانوا بعثيين، وهو أمر لايستطيع أحد إنكاره! أما (سلام)، فقد كان له رأي آخر، حيث يقول: إنهم يستهدفوننا لأننا عرب، وهم يكرهون العرب ويحقدون عليهم لأنهم صفويون، يريدون تصفية كل مايمت إلى العروبة بصلة، ولا يخفى على أحد أطماع الجهات الإقليمية في بلدنا، ولكننا مع كل ذلك باقون صامدون لن نترك اماكننا فهي في عهدتنا، ولن نسلمها لهم، فنحن عشنا وترعرعنا هنا، فهذا بلدنا وسنصبر ونتحمل من أجله. تعرضّنا، يواصل سلام، إلى عدة هجمات من قبل الميليشيات، إلى جانب حملات المداهمة والإعتقال المستمرة على أيدي العناصر الأمنية الحكومية والقوات الأميركية.. كلام يدل على حب لهذه الأرض التي إحتضنتهم طيلة فترة مضت، وأيام جميلة عاشوها هنا، وهاهو (أبو محمد) يؤكد ذلك بقوله: كنا نعيش بسلام وعز وكرامة قبل إحتلال بغدادنا بيد الإحتلال الصهيو - أميركي، وكانت الأمور ميّسرة لنا، كنا أحراراَ نعمل ونتجول دون أن يتعرض لنا أحد.. يتنهد( أبو محمد)، وهو يختم حديثه قائلاً: آه، كم كانت تلك الأيام جميلة، وها نحن نتمنى عودتها بشغفً. (عز الدين محمد) كاتب فلسطيني قضى عمره في بغداد لاجئا، تحدث عن الأسباب التي دفعتهم للجوء الى بغداد قبل أن يتم تهجيرهم على أيدي الميليشيات فيؤكد: إنّ موجة اللجوء الفلسطيني العام والتي حدثت بعد نكبة 1948، أدت إلى وصول 5 آلاف لاجيء فلسطيني إلى العراق يومها، حيث تم نقلهم من قبل قوات الجيش العراقي، التي انسحبت من فلسطين، ليأتي بهم الجيش العراقي من قرى جنوب شرق مدينة حيفا (عين حوض، جبع، عين غزال، اجزم، الفريديس، أم الزينات، الصرفند، كفرلام، الطنطورة، طيرة حيفا، دالية الروحا، المزار …) باتجاه البصرة جنوب العراق، وتحديداً إلى معسكر الشعيبة، وارتأت قيادة الجيش العراقي العاملة في فلسطين آنذاك بإمرة الفريق نور الدين محمود، اخراجهم نحو العراق، باعتبار أن أبناء القرى، المشار إليها، كانوا في عداد قوات فوج الكرمل التابعة لقوات الإنقاذ التي كان يقودها الضابطالعراقي عامر حسن، ومن ثم الانتقال إلى بغداد وباقي المدن العراقية، حيث تم توزيع اللاجئين الفلسطينيين على مناطق عدة، بما في ذلك السكن في ملاجيء، مازال بعضها قائماً إلى الآن، وقطن فيها أعداد من اللاجئين الفلسطينيين، في مناطق مختلفة، كالزعفرانية وغيرها.. وتناول الكاتب(عز الدين محمد) أوضاع الفلسطينيين بعد الاحتلال الأميركي، مشيراً بالوقائع والمعطيات إلى التغيرات التي طرأت على الساحة العراقية، وارتفاع حدة الأصوات التي اتهمت الفلسطينيين بـ(العمالة!) للنظام الذي أسقطه المحتل، وارتكبت العشرات من عمليات القتل التي طالت المواطنين الفلسطينيين، حيث سقط منهم منذ بداية الغزو وحتى منتصف عام 2007 أكثر من (199) شهيداً مع (16) مفقوداً ،إضافة إلى (11) شهيداً في المخيمات التي لجؤوا إليها في مخيمات الوليد والتنف والرويشد. إن عمليات القتل والإبادة التي مورست ومازالت بحق الفلسطينيين على يد بعض الميليشيات السوداء، ومن حملات منظمة تديرها أطراف مختلفة، وتفاقم معاناتهم، وتدهور أوضاعهم القانونية، والأمنية، والصحية، والتعليمية والاقتصادية، نتيجة لحملات التهجير والاعتقالات والخطف، دفعت بأعداد كبيرة للبحث عن طريق الخلاص، بالرغم من الظروف المادية الصعبة لغالبية الفلسطينيين في العراق. وعليه، لم يبقَّ لكثير من اللاجئين الفلسطينيين في العراق، سوى الهجرة القسرية من جديد، خارج حدوده، بعد عقود من النكبة، ومن الإقامة التي طالت في بلاد الرافدين، حتى بتنا نسمع عن أسماء لمخيمات وتجمعات فلسطينية جديدة، تضاف إلى قائمة مخيمات وتجمعات الشتات الفلسطيني الممتدة في بلدان الطوق المحيط بفلسطين، فأصبحنا نسمع عن مخيم فلسطيني جديد أسمه ( مخيم نيقوسيا ) على مقربة من العاصمة القبرصية، يقيم فيه بضع عشرات من العائلات الفلسطينية التي هربت من جحيم القتل في العراق، وبتنا نسمع أيضاً عن مخيم أسمه (نيودلهي) على مقربة من العاصمة الهندية ، تقيم فيه بحدود (300) عائلة فلسطينية، من العائلات الميسورة، التي أسعفها حظها في الذهاب هناك، هرباً من عمليات القتل والتنكيل التي مازالت تمارس على أرض العرق ضد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين، كما بتنا نسمع عن هجرات قسرية إلى البرازيل والسويد والصين والسودان وغيرها. (أيمن الشعبان) الباحث المتخصص في شؤون اللاجئين الفلسطينيين، تحدث إلينا عن أعداد اللاجئين الفلسطينيين في العراق فأكد أنًّ: العدد الحقيقي والفعلي لهم، بحسب آخر إحصائية للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين عام 2003، هو 23 ألف فلسطيني ، بخلاف ما يتم ذكره في كثير من المناسبات والمؤتمرات ، والآن يوجد في العراق قرابة ال10 ألاف بعد تهجير ونزوح وتشريد وشتات، وليس هذا فقط، يقول(الشعبان): النكبة التي حلت بالفلسطينيين في العراق مؤخراً فاقت ما تعرض له آباؤنا وأجدادنا بالنكبة الأولى عام 1948، وإن الاحتلال الأميركي، يتحمل المسؤولية الأساسية إزاء كل ما حصل، وهذا لا يعني براءة ما تسمى بالحكومة العراقية، والميليشيات الطائفية، بل كان دورها أشد وأنكى..وعن أسباب إستهداف اللاجئين الفلسطينيين في بغداد يقول أنه: بحسب ما قمنا به من عدة دراسات ميدانية، ومعاصرتنا للأحداث، وإذ وجدنا حسب الاستنتاجات الواقعية أن هنالك دوافع طائفية وفئوية وعرقية، وراء أغلب عمليات الاستهداف، ولدينا من الشواهد والوثائق والبراهين الشيء الكثير، وكلها تؤكد وجود نوايا سيئة ومبيّتة للإستهداف الوجود الفلسطيني على الهوية واستئصال الفلسطينين، نحن على استعداد لتقديمها لمن يطلب! يقوا دعني أحدثك عن أمر غاية في الأهمية، ذلك هو أن تعرض اللاجئين الفلسطينيين في العراق، إلى ممارسات ومضايقات، ومضاعفة للمعاناة، وعدم وجود بصيص أمل في حل المشكلة، جعل الغالبية تختار الهجرة والشتات، بحثا عن حلول فردية، مع أن نسبة منهم أجبرت على المغادرة بعد الطرد من مساكنها فمخيم الوليد على الحدود العراقية،مثلاً، يحوي الف و800 إنسان فلسطيني، فيما يحوي مخيم التنف على الحدود السورية العراقية أكثر من 700 إنسان، وهذا مخيم الهول داخل الأراضي السورية فيه 310 أفراد، وفي الهند 237 فرداً، وفي قبرص قرابة ألفي فرد، و100 اتجهوا إلى كندا، و100 إلى البرازيل، و125 إلى تشيلي، وهنالك قرابة ألف منهم اتجه إلى السويد، وقرابة ألفين توزعوا على دول عربية بشق الأنفس وبصعوبة كبيرة، وعدد غير قليل وصل تركيا واليونان وبعض دول أوروبا، وفنزويلا وأندونيسيا وماليزيا وتايلند ونيجيريا وجنوب أفريقيا، فكان للاجئين الفلسطينيين، النصيب الأكبر من الشتات في دول العالم بفعل الاحتلال الأميركي للعراق، ومن قبله الاحتلال الصهيوني لبلدنا الأم (فلسطين) . تركنا بغداد، لنتجه صوب مخيم التنف، فكان حديثنا مع ساكنيه، هذا الحديث الذي يحمل بين طياته شجوناً و شجوناً، فأغلبهم يحن إلى بغداد، ويأمل بيوم عودته ألى وطن آمن مستقر، بعيداً عن الميليشيات وممارسات القتل والتعذيب.. أول الذين حدثنا عن مأساتهم وحنينهم الى بغداد، كان (سالم) الذي قال بحزن: لقد هربنا من الموت، رغم أننا لا نريد ترك بلدنا الثاني العراق، لكن الحياة باتت هناك مستحيلة، مع تكالب الشعوبيين وطغاة الميليشيا الطائفية علينا، ولا عاصم لنا إلا الله، فنحن قلة ومستضعفون، والميليشيات لا تتركنا لحالنا.. نحن لم نتدخل في أي شأن عراقي، ذلك لأننا أناس مسالمون، ولم نؤذ أحداً.. إستنجدنا بالمرجعيات وبالحكومة وبالأميركان أنفسهم، ولكن دون جدوى.. فالجميع تآمر على قتلنا، وكأنهم يتسلمون أوامرهم من الصهاينة، الذين يريدون قتلنا جميعاً!؟ ويواصل، نحن هنا في حالة يرثى لها صحراء قاحلة.. حر شديد، برد قارص، وأفاع ٍ وثعابين، فيما يفتقر المخيم الى الخدمات الأساسية، والصحية، والتربوية، وقد مات عدد كبير من أطفالنا وشيوخنا بسبب هذه الظروف القاسية، والكثير منا لا يزال الموت يترقبه! ( رائد) أحد الذين تأثر بهذا الوضع، إذ ماتت طفلته نتيجة إحتراق الخيمة بنار الطبخ، حدثنا عن مأساته بحزن شديد: نتيجة قيامنا بالطبخ داخل الخيم، إلى جانب إستخدامنا المدافئ أيضا،ً فقدنا العديد من الأطفال وحتى الكبار بسبب الحرائق، فقبل عام شب حريق، هو الثاني في مخيمنا، أدى إلى إحتراق أكثر من 14 خيمة أصيب أكثر من 70 لاجئا بحروق مختلفة لا يزال البعض منهم يعاني من تأثيراتها حتى هذه الساعة.. ويضيف (رائد) الى جانب هذه المعاناة، فثمة مضايقات من نوع آخر، حيث تقوم ما تسمى بالشرطة الحكومية ومعها القوات الأميركية المحتلة، بمداهمة مخيمنا بين الحين والآخر، ليتم إعتقال الكثير من سكانه، إلى جانب قيامهم بضرب النساء وإهانة الشيوخ، وترويع الأطفال، حتى أن أحد سكان المخيم، ويدعى (أبو وحيد)، مات بالسكتة القلبية أثناء إحدى المداهمات، والتي تم فيها إعتقال أحد أبنائه.. أما (سعيد) فطرح علينا تساؤلات عديدة، طالباً نشرها عبر (الصوت)، فقال متسائلاً: أين نذهب، أين المفر، لا أحد يريدنا، (توسلنا) بالدول العربية أن يدخلونا أراضيهم، ولا من مجيب.. فقط الحكومة السورية استجابت مشكورة فسمحت لعددًٍ منا بالدخول الى أراضيها، أما باقي الدول، فرفضت رفضاً قاطعاً، حتى أن بعض الدول الأجنبية، مثل تشيلي والبرازيل (حنّت) علينا، في وقت لم تحرك دواخل أبناء العروبة ما حل فينا. حالهم تصعب على العدو قبل الصديق، ومستقبل مجهول لهم ولأولادهم، يأملون في الخروج من هذا السجن الصحرواي الكبير، وعيونهم ترقب ذلك اليوم الذي يأملون أن يكون قريب. أما في دول المهجر واللجوء، فالحال ليس بأفضل، ففي مخيم (نيودلهي) القريب من العاصمة الهندية، ما تزال المعاناة مستمرة، والإنتظار بات طويلاً، في بلد يعاني أهله الكثير من المشاكل الإقتصادية لا يرحم أهله أي غريب.. هذا ما أكده لنا ( أبو أحمد) الذي أوصل لنا شكواه عبر الهاتف، فوصف حاله وحال أبناء جلدته من المهجرين من بلاد الرافدين قائلاً: لقد جئت الى هنا هرباً من القتل والإعتقال، فقد تم اعتقالي من قبل الأميركان، وبعد خروجي من المعتقل الأميركي، راحت ميليشيات جيش مقتدى تلاحقني، إذ تقوم هذه الميليشيات بملاحقة كل من يفرج عنه من سجون الاحتلال والحكومة، فنجوت بنفسي وأهلي وهربت إلى هنا، وكنت أتأمل أن لا يطول بقائي هنا، ولكن جرت الرياح بما لا أشتهي، فقد نفد ما أملك من مال، ولا أعلم ما الحل، ولاشيء يلوح في الأفق!؟ جزء يسير نقلناه من معاناة اللاجئين الفلسطينين المقيمين في العراق، والذين شُردوا يوم نكبتهم وهجّروا، واليوم تتواصل مأساة تشريدهم وتهجيرهم، لتصبح من جديد علامة فارقة، تميزهم عن غيرهم، تماماً مثل إخوانهم من المهجرّين العراقيين!؟ .