لله ..
للحقيقة .. للتاريخ ..
حفاظ
الدولة العثمانية على فلسطين وغيرها ..
السلطان عبد
الحميد الثاني كان يملك رؤية ثاقبة سليمة لخفايا تآمر وأطماع الحركة الصهيونية من
المنطلق الإسلامي .. الذي اتصف به .. السلطان عبد الحميد طرد هرتزل الصحفي
النمساوي ورفض كل إغراءات الأموال والذهب .. رحم الله السلطان عبد الحميد الثاني
شهيد فلسطين الأول بحق في العصر الحديث ...
عروبة
فلسطين:
( .. تلك الدولة
العثمانية التي كانت فلسطين إحدى الأقاليم المهمة التابعة لها , ولابد لكل منصف ,
ان يعتر ف بان العثمانيين قد حافظوا على عروبة فلسطين كبلد أسلامي يتبع الدولة
الإسلامية العثمانية لمدة 400 عام منذ حكمها عام 1517م حتى سقوطها بيد الانكليز
عام 1918م الذين سلموها للعصابات الصهيونية .. )
رفيق
شاكر النتشة :
السلطان
عبد الحميد وفلسطين: ص: (37)
إن من متطلبات
البحث العلمي النزيه الموضوعي الجاد والمنصف , أن نقف وقفة حق وعدل وإنصاف , وقفة
لله تعالى , وقفة للتاريخ , وقفة للأمة العربية والإسلامية ولكل الاجيال الحاضرة
والقادمة حول الموقف العثماني الإسلامي البطولي والمشرف في مجابهة اطماع و لصوصية
الحركة الصهيونية في فلسطين والعراق وسيناء.. واغتصاب فلسطين .. و رفض كل مشاريع
واقتراحات الصهاينة جملة وتفصيلاً ..
لقد وقف آخر سلاطين بني عثمان الا
وهو السلطان عبد الحميد عبد المجيد الثاني
رحمه الله وقف وقفة ابية صريحة شجاعة ضد المطالب الصهيونية ورفض اهدافها ورفض كل
مطالبها واموالها وخداعها .. وقف هذا السلطان الشجاع موقفا مشرفا خالدا في حماية
كل اراضي فلسطين ومنها القدس والمسجد الاقصى . حينما رد الصهاينة ورد كيدهم الى
نحرهم برفضه الحدّي القاطع لكل مشاريعهم الاستيطانية في فلسطين او حتى في العالم
العربي والاسلامي , حينما قال لهم ورد عليهم بكل شجاعة ووضوح دون لبس او مواربة :
( ان بيت المقدس الشريف قد افتتحه للإسلام اول
مرة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولست مستعدا ان اتحمل في التاريخ وصمة بيعها
لليهود وخيانة الامانة التي كلفني المسلمون بحمايتها .
ليحتفظ اليهود بأموالهم , فالدولة العليا لا
يمكن ان تحتمي وراء حصون بأموال اعداء الاسلام .).[1]
لله درك .. ايها السلطان الصادق المجاهد ..
في هذا الكتاب ( قرية اجزم ..) التي هي جزء
لا يتجزأ من قضاء حيفا , وحيفا جزء لا يتجزأ من فلسطين وكل بلاد الشام والتي كانت
لفترة قرون تحت الحكم العثماني , وبعد ما رأت الأمة كلها ما جرّته عليها بريطانيا
وفرنسا والصهيونية من ويلات وكوارث ومآسي ومظالم على الامة العربية والاسلامية ,
كان لزاما على كل مؤرخ, بل كل مثقف منصف في العالم ان يعري موقف الاستعمار
والصهيونية , ثم يبين موقف العثمانيين
العادل من الامة العربية والاسلامية طيلة قرون عديدة ..
بعد الحرب
العالمية الثانية طغت موجات الغزو الفكري بتياراتها العلمانية و الطورانية
والقومية والإلحادية , طغت بتصوراتها وأفكارها وأدبياتها على الشارع العربي خاصة ,
ومن هذه التصورات ان السلطان عبد الحميد حاكم ظالم ومستبد , وان الخلافة العثمانية
سيئة.
(2)
ومرفوضة والطعن
بالدولة العثمانية وبخلفائها وتشويه سيرتهم و مسيرتهم ومواقفهم على غير الحقيقة
والعدل والإنصاف .. واول من قاد هذه الحملة المسعورة والظالمة الكاذبة السفير
الأمريكي في اسطنبول الذي اول من الف كتابا عن السلطان عبد الحميد[2]
ملئه دس وكذب وتزوير وتشويه الحقائق , ثم اتى من بعده اصحاب بعض الاقلام المشبوهة
امثال الماسوني الحاقد جرجي زيدان[3] وغيره.
وبقيت ركام التزوير والتشويه والاباطيل سارية مقبولة .. لا نها لم تجد من يرد
عليها بحقائق ووثائق وشجاعة . ويقوم بدحضها .. في ضل الاخطبوط الصهيوني في فلسطين
واعلامه المظلل , وفي ظل الاستعمار البريطاني والفرنسي للمنطقة , وفي ظل اعلامهم
المزيف وحروبهم النفسية ضد الامة ووجود المظالم هنا .. وهناك .. فضلا عن الغزو
التركي ولكن الله سبحانه وتعالى ابى الا ان تظهر الحقيقة المشرفة ولو بعد عشرات
السنين على ايدي علماء ومؤرخو الامة .. ففي الستينات استمعت الى محاضرة في كلية
الادارة والاقتصاد ببغداد باب المعظم او هي حاليا كلية الآداب استمعت الى محاضرة
قيمة للدكتور الأستاذ حسن العطار ( عراقي ) كشف بها لأول مرة عن جوانب خفية هامة
عن السلطان عبد الحميد وموقفه المشرف والثابت والواضح في فلسطين وعدم التنازل عن
شبر واحد منها .. ورفضه مطالب الحركة الصهيونية الباطلة جملة وتفصيلا..
في السبعينات نشرت مجلة العربي الكويتية ( طبعت
آنذاك ربع مليون نسخة ) بقلم المؤرخ الدكتور سعيد الافغاني رسالة وثيقة بقلم
السلطان عبد الحميد الثاني معنونه الى شيخه شيخ الطريقة الشاذلية محمود ابو
الشامات يكشف له حقيقة المؤامرة الصهيونية الغربية على الخلافة العثمانية لأجل
اضعافها وتمزيقها وسرقة فلسطين منها وان موقفه العنيد من المشاريع الصهيونية هي
التي ادت الى ان يدفع عرشه وحكمه ثمنا لهذا الموقف الاخلاقي .. وهذا الذي برهنته
الاحداث فعلا .. كما ظهر مؤخرا .. عبر الوثائق .. والدراسات .. والمؤلفات ...
وفي الثمانينات الف الدكتور حسان حلاق مؤلفه
الموسوم القيم (موقف الخلافة العثمانية من الحركة الصهيونية) وقد نال فيه درجة
الماجستير وطبع في لبنان .. الكتاب اشتمل وضم معلومات قيّمة هامة وجديده وعشرات
الوثائق النادرة يضم قرابة 420 صفحة ..من القطع الكبير ..
(3)
ثم الف الملحق
الثقافي السوري في الكويت موفق بني المرجة مؤلفه الموسوم الضخم ( صحوة الرجل
المريض او السلطان عبد الحميد ) الذي نال به في القاهرة درجة الماجستير وقد اثنى
رجال اساتذة التاريخ في القاهرة على اهمية الكتاب وقالوا عن صاحب الرسالة انه يستحق ان ينال اكثر من
مرتبة ودرجة (ماجستير) الماجستير والذي ضم حوالي اكثر من 450صفحة من القطع الكبير
( فلسكاب ) ثم ظهرت مئات الكتب والبحوث التي تناولت هذا الموضوع معظم هذه المصادر
والمراجع اكد اصحابها موقف السلطان عبد الحميد الثاني المبدئي والمشرف ضد الحركة
الصهيونية وتمسكه بفلسطين .. اعتمادا على وثائق عثمانية ومذكرات الاتراك وشهادات تاريخية..
ومؤلفات موضعية منصفة .. عديدة ..
مؤلف هذا الكتاب ابن فلسطين اليس من حق
السلطان عبد الحميد (رحمه الله)عليه ان يكتب بضعة صفحات لكشف الحقائق , وخدمة
للتاريخ والحقيقة و الانصاف والعدل والحق .. ولتعرف الاجيال الحقيقة كاملة .. خاصة
فيما يتعلق بفلسطين ..
اثبتت النصوص التاريخية والوقائع والمصادر
والمراجع العثمانية والاسلامية والعربية ان الدولة والخلافة العثمانية في تاريخها
الطويل لم تعمل على اي تغيير سكاني ( ديمغرافي ) في اي مكان , ولم تكن قومية ولا
عنصرية ولا طائفية ولا طورانية .. ولا حكامها سفاكون للدماء ولا تجار للحروب ..
ولا اكالون للسحت ..
ان العثمانيين الذين حكموا , وحافظوا على
كيانهم ستة قرون وربع القرن , قد حافظوا على الاسلام الذين آمنوا به , واستعملوا
اللغة العربية في مرافق البلاد والادارة والتراث وهي لغة القران , واستعمال
العربية في الأذان والمساجد , والذين دافعوا عن كيان ووحدة الاسلام والمسلمين ,
عرب وغيرهم , حافظوا وحموا البلاد العربية والاسلامية ضد الاطماع والهجمات الغربية
بداية , واستمرارا , ثم صمدوا في وجه مؤامرات وتحديات الغرب والصهيونية نهاية
ولاحقاً ,ونشر
الإسلام بعيدا وعاليا في أسيا وإفريقيا وقلب أوربا .. حتى مشارف فينا انطلاقا من
المجر العثمانيه . (ان العثمانيين مفترى عليهم , هل يمكن أن تحافظ دولة , على
كيانها طوال 6ستة قرون وهي بغير حضارة ؟
قصور العثمانيين عرفت (الحرم) أما (
الحريم) فهي قصه ابتدعها الأوربيون واليهود. حتى عام 170م ملك العثمانيون أقوى
مدفعيه والطوب خانة كان يحملها 1200 جمل.
لماذا لا نحاول فهم حضارة العثمانيين من وثائقهم
قبل القاء الاتهامات جزافاً؟)[4]
(4)
ان الحكم العثماني , لم يؤثر على شخصية
وكيان العرب , او نوع السكان , وجعلهم اخوة شركاء مع الاتراك في الحكم , وفي
البرلمان , والمجالس البلدية , وقد قرب العرب بدون سائر الاقليات , وكان منهم حتى
رئيس الوزراء وغيرها من المناصب الادارية
والبرلمانية والدينية الرفيعة ..
( اما الحكم العثماني في البلاد العربية الذي
دام 400 سنة , فلم يؤثر مطلقاً على عروبة البلد ونوع السكان , اذ بقوا عرباً شركاء
في الحكم مع الاتراك والحكم العثماني لم يكن حكماً استعمارياً بما في هذا الاصطلاح
من معنى , ولكنه كان شراكه بين الاتراك والعرب لحكم الدولة العثمانية .., وخلاله
بقي العرب في بلادهم اسياداً , وكان الاتراك في بلادهم اسيا الصغرى , وكان من
رؤساء الوزراء في الحكومة العثمانية عرب ,
وفي مجلس النواب , ممثلون عرب عن بلادهم .. والمهم في بحثنا ان سكان فلسطين كانوا
عنصراً عربياً صرفاً .)[5].
اجل , نعم كان العرب في ظل الحكم العثماني يعيشون حالة واحدة من الأمن
والامان والسلام و الاستقرار النفسي والروحي والثقة بالنفس , وحدتهم موفورة ,
كرامتهم محفوظة , مقدساتهم مصانة غير مدنسة ,ثقافتهم متقاربة .. الاماكن والمقدسات
الاسلامية والنصرانية مصانة ومحفوظة من كل تغيير او تدخل او تلاعب او طائفية .. في
وحدة جغرافية وتاريخية واجتماعية متماسكه واحدة .
( لقد كان العرب تضللهم راية واحدة تسود
فيهم وحالة اقتصادية واحدة وثقافة واحدة وقوانين واحدة وكانت تجارتهم موصولة,
ووحدتهم موفورة وفي كل وقت ميسوره ثقافتهم متقاربة واتجاهاتهم متناسقة وما كان
يشعر العراقي بأنه غريب في سورية ولا السوري بعيد عن الفلسطيني ولا الفلسطيني
اجنبي في نظر الحجازي لم تكن تعريفات كمركية متعددة ولا جوازات سفر مختلفة ولا
حدود متباينة ومصطنعة ان حزبهم خطب كان الاجتماع ببعضهم هينا لينا وان دهمتهم
داهية كان تعاونهم ميسوراً وتظافرهم مكفولا وفوق ذلك كانت تحكمهم دولة واحدة
متضعضعة الاركان متداعية الجوانب ما كانت لديها قوة تكم افواههم ولا سلطان يعرض
كيانهم وحياتهم الى الخطر ولكن الحلفاء المنتصرين بعد ان فازوا قسموا العرب
واقطارهم كما يقتسم الغزاة الغنائم ولعبوا بهم وبمصالحهم وبحريتهم وبكراماتهم كما
يلعب اللاعبون بالبوكر..!؟
ففرّوقهم الى مناطق وحبسوهم فيها , حددوا
لهم الحدود . وعدّدوا لهم الجنسيات وخضوعهم الى قوانين مختلفة وثقافات متباينة ..)[6]
(5)
وفي الرد على اكاذيب وتضليل ساسة الانكليز من ان
لهم الفضل علينا بانهم حررونا من نير العثمانيين ليمنحونا العدل والاستقلال .. انه
التزوير المكشوف .. والغدر والتآمر والكذب . وقلب الحقائق ..
قال المحامي
والكاتب حسن صدقي الدجاني(من فلسطين) :
( اقرأ واسمع
كثيرا من البريطانيين – كما قرأت اخيراً تصريحاً للمستر جورج – ان العرب يجب ان
يكونوا مدينين لإنكلترا , لا نها حررتهم من عبودية الاتراك , وقد يظن من يسمع او
يقرأ مثل هذه الاقوال , ان العرب كانوا محرومين من التمتع بالحكم في زمن الاتراك
بل كانوا مستعبدين , مستعمرين لهم .[7]
مع ان الحقيقة غير ذلك) . يضيف المحامي الفلسطيني :
( فقد كان العرب
يتمتعون بحرية تامة في بلادهم , وكانت لغتهم العربية هي اللغة الرسمية في البلاد ,
وكان منهم الوزراء , والحكام , وكان لهم مجالس ألوية , ومجالس بلديات , ومجالس
ادارة , وكان الاتراك يكرمون سادات العرب وعلماءهم , وكان العرب على اتم وئام مع
الاتراك , حتى اعلن ما يسمى الدستور العثماني في 23 تموز عام 1908 م .
وقد يستغرب القراء اذا علموا ان مجلس
النواب العثماني كان يتألف في دورته الاولى من 273 نائباً وكان للعرب فيه 70
نائباً اي اكثر من 25% .).[8]
اثبتت حقائق
التاريخ ووقائع الاحداث ومن خلال الوثائق العثمانية وبحوث المؤرخين المنصفين ان
السلطان عبد الحميد كان بحق رجل دولة ونظام , نزيه , عفيف , سياسي محنك مخلصاً
للخلافة العثمانية , مخلصاً للإسلام واحترام العرب .
قال المؤرخ التركي
المعروف اسماعيل حامي رانشماند:
( كان السلطان عبد
الحميد مثال العفة والاحترام والوقار )[9]
قال عنه رشيد بك
من وزراء داخلية السلطان عبد الحميد في مذكراته :
( كان عفيفاً بكل معنى الكلمة , اذ لم يكن يمد
عينه الى عرض او مال احد , واضاف : ( كان حليماً , صبوراً , رحيماً )[10]
(6)
وعن حياة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ,
تدينه وصوفيته قالت عنه ابنته عائشة :
( كان والدي يؤدي
الصلوات الخمس في اوقاتها ويقرأ القران الكريم , وفي شبابه سلك مسلك الشاذلية ,
وكان كثير الارتياد للجوامع لاسيما في اثناء شهر رمضان , اذ كان يذهب الى جامع
السليمانية , وفي احد الايام عندما كان يؤدي الصلاة في هذا الجامع التقى شيخاً فاضلاً
يدعى ( حمزة رافر) وتصادق معه , وانتسب
عن طريقه الى الشاذلية[11]
ثم انتسب الى الطريقة القادرية بوساطة عبد الله افندي الشيخ الاكبر لتكية
يحيى افندي .[12]
[13]
هناك استاذ جامعة
ومؤرخ وبروفسور غربي مجري (هنغاري ) استطاع ان يصف لنا اخلاقية ورزانة وبساطة وعدل
السلطان عبد الحميد الثاني بعد ان تعرف عليه وصادقة وعرفه عن قرب , ان استاذ اللغة
المشهور ورئيس جامعة بو دابست البروفسور ( ارمينيوس وامبري )يملك معلومات قيمة عن
السلطان عبد الحميد وقالت الكاتبة الامريكية ( اليزابيث ورملي ليتمر )ان هذا
البروفسور يملك معلومات تاريخية اكثر مني حول السلطان عبد الحميد , فقد زار تركية
هذا البروفسور المؤرخ المنصف عام 1890م وبفضل المامه الجيد باللغة التركية تمكن من
كسب ثقة السلطان , وهو يصف السلطان بهذه الاسطر في كتابه :
( ارادة حديدية , عقل سليم , عيون معبرة
ومؤثرة , شخصية وخلق وأدب رفيع جداً يعكس التربية العثمانية الاصيلة .... هذا هو
السلطان عبد الحميد . ولا تحسبوا معلوماته الواسعة تخص الامبراطورية العثمانية
المنهكة , فمعلوماته حول اوربا واسيا وافريقيا , بل حتى حول امريكا معلومات واسعة
وهو يراقب عن كثب جميع الحوادث في هذه الاماكن ... والسلطان متواضع ورزين الى درجة
حيرتني شخصياً , وهو لا يجعل جليسه يحس بانه امام حاكم وسلطان كما يفعل كل الملوك
الاوربيين في كل مناسبة , يلبس ببساطة ولا يحب الفخفخة , افكاره عن الدين والسياسة
والتعليم ليست رجعية , ومع ذلك فانه متمسك بدينه غاية التمسك , ويرعى العلماء
ورجال الدين , ولا ينسى بطريك الروم وبطريك الارمن من عطاءاته الجزيلة ,
(7)
ان بعض ساسة اوربا
يريدون ان يصوروا السلطان عبد الحميد عدواً متعصباً ضد المسيحيين , وليس هناك
ادعاء فارغ اكثر من هذا الإدعاء لان القول بان السلطان الذي يختار لوزارة مالية
الامبراطورية[14]
ولرئاسة اطباء القصر السلطاني اشخاصا مسيحيين من رعاياه , ويعطي مثل هذه
المناصب المهمة لغير المسلمين من الروم والارمن , هو شخص متعصب ضد المسيحيين هو
كذب وتصرف لا أخلاقي وبعيد عن الحقيقة .[15]
قالت الكاتبة الامريكية ( اليزابيث ورملي
ليتمر ) في كتابها ( روسيا وتركيا في القرن التاسع عشر ) المؤلف عام 1894م ( قسم
14 صفحة 343-356) ما يلي :
(.. ان السلطان عبد الحميد الذي جعله سوء حظه
يرقى العرش في اكثر العهود حساسية , كان مجد غاية الجد , اذ يعمل بطاقة تسبق جميع
وزرائه بعدة مراحل , وهو مثل الملكة فكتوريا يجمع كل السلطات في يديه , ولا يوقع
على اي شيء دون قراءته , ويأمر بترجمة الجرائد الاوربية ويقرأها , وهكذا اثبت هذا
السلطان في مدة قصيرة انه سياسي من الدرجة الممتازة حيث ادار الامبراطورية
العثمانية الواسعة التي كانت مشرفة على الزوال ادارة ممتازة وبدأ بإصلاحها
وترقيتها .)[16]
هذا السلطان
العثماني العادل النزيه السياسي المحنك والذي له فراسة المؤمن المسلم والنظرة
الثاقبة يقف بالمرصاد ويحذر امام النشاطات الصهيونية والدفاع عن فلسطين طيلة عهده
وحياته .. ومجابهة مؤامرات بعض دول الغرب المستمرة ..
( ففي 13 آب 1899م
ارسل هرتزل الى السلطان عبد الحميد بمناسبة انعقاد المؤتمر التخريبي الصهيوني
الاول , ارسل رسالة يطلب فيها السماح لليهود بالهجرة الى فلسطين , ولكن السلطان
المسلم رفض الرد على الرسالة .
وتوجه هرتزل في 13 ايار الى استنبول في زيارة
ثالثة للاجتماع بالسلطان العثماني بصفته صحافي صهيوني , وقد تم له ذلك عن طريق
مستشرق هنغاري اسمه ( فامبري ) الذي حذر هرتزل قبل الاجتماع بالسلطان من الانجراف
في اراء مضادة لما يفكر فيه السلطان , وقال له : اياك ان تحدثه عن الصهيونية ,
القدس مقدسة لهؤلاء الناس مثل مكة .
وفي 18 ايار 1901م قال هرتزل للسلطان وكان قد
اصطحب معه حاخام تركي هو( موسى ليفي )وعرض على السلطان تصفية الديون العثمانية ,
واصلاح الاقتصاد المتدهور , ووقف
(8)
حملات صحف ( تركيا
الفتاة ) في اوربا , و ذلك مقابل ( ايجاد ملجأ ) لليهود في الاراضي المقدسة (
فلسطين ) ..؟!
فأمتعض وغضب السلطان عبد الحميد لما سمع هذا
الكلام الغير معقول وتوجه بالكلام الى الحاخام قائلاً : ( اننا نظن بان قومكم
يعيشون بعدالة وامن ورفاه , وانكم تعاملون نفس المعاملة الجيدة الحسنة , المعاملة
الممتازة التي يعامل بها كافة تبعتنا , دون تفريق او دون تمييز , فهل لكم شكاية ,
او هناك معاملة غير عادلة ولانعرفها نحن ؟ فأجاب الحاخام بأدب وحياء واحترام :
استغفر الله سيدي بفضل شاهاتكم , نعيش
بكمال ورفاه , حاشا لا توجد لنا شكاية .
فأجاب السلطان : انكم تستفيدون من خيرات
بلادنا كمواطنينا الاخرين , بل انتم تنعمون اكثر من سواكم , فأضنكم نسيتم .
الاضطرابات
والعذاب الذي كنتم ترونه في انحاء الدنيا وانتم في احضان أمتي ثم وقف السلطان بعز
وشموخ وثقة عالية بالنفس و أدار نظره الى هرتزل وقال :
-
اننا لن نفرط بشبر واحد من بلادنا دون ان
نبذل اكثر مما بذلناه من دماء في سبيلها , انني احب تطبيق العدالة والمساواة
على جميع المواطنين , ولكن اقامة دولة يهودية في فلسطين التي فتحناها بدماء اجدادنا
( المسلمين )العظام فلا.)[17]
ولقد كان عرب فلسطين ( بصفتهم مواطنين
عثمانيين ) يتمتعون بحق المواطنة والمواطنين في الدولة العثمانية ويمارسون حقوقهم
شأنهم شأن اخوانهم المواطنين الاخرين , وذلك قبل نشوء الحركات القومية التي ادت
الى تفجير الامبراطورية العثمانية .
( كان عرب فلسطين شأنهم شأن سائر الشعوب التي
كانت تتألف منها الامبراطورية العثمانية – يتمتعون بحق انتخاب ممثليهم في البرلمان
العثماني وانتخاب مجالس الادارة والبلديات , وتولي العرب معظم مراكز الادارة
الرئيسية في فلسطين وكان من ابنائهم من تولى مراكز ادارية عالية في عاصمة الدولة
العثمانية وسائر انحاء الامبراطورية , كما شغل عدد من ابناء الامة العربية مناصب
في الوزارات العثمانية المتوالية , بينما تولى رئاسة الوزارة العثمانية رجل عربي
محمود شوكت من العراق ) في سنة 1908م فماذا كان مصير تلك
(9)
الحقوق التي كان
يتمتع بها عرب فلسطين في العهد العثماني .. وسائر حقوقهم الطبيعية والمكتسبة من
عهود الانكليز ووعود الحلفاء وميثاق عصبة الامم ومبادئها ).[18]
ان كل انسان حر مخلص شريف نزيه , مدعو لانصاف السلطان المسلم عبد الحميد
الثاني الذي بذهابه ذهبت واغتصبت فلسطين .. وصدور وعد بلفور هو اغتصاب فلسطين وما
مرور ثلاثون عاما حتى ايار 1948 الا لمقاومة اهل فلسطين البواسل النجباء مقاومتهم
لهذا الظلم المشترك .. الظلم البريطاني .. والظلم و العدوان الصهيوني ..؟!
( .. تلك الدولة العثمانية التي كانت فلسطين
احدى الاقاليم المهمة التابعة لها , ولابد لكل منصف , ان يعترف ان العثمانيين قد
حافظوا على عروبة فلسطين كبلد اسلامي يتبع الدولة الاسلامية العثمانية لمدة
اربعمائة عام منذ حكمها عام 1517م حتى سقوطها بيد الانكليز عام 1918م .).[19]
هناك كلمة لها مغزاها قالها احد مجرمي قادة المجازر والابادة الجماعية الصهيونية الا
وهو المجرم ( اريل شارون ) والتي تعبر كلمته عن حقيقة التلاحم العثماني العربي الاسلامي .. فماذا قال
؟
قال شارون :
( .. الفلسطينيون
طارئون فوق ارضنا .. وكان يجب ان يخرجوا منها بمجرد خروج اخر الجنود العثمانيين
..)[20]
اذن هذا اعتراف ضمني و صريح بان فلسطين محميّة ومحروسة من قبل العثمانيين .. وهم
اخوة لنا في حياة مصيرية مشتركة ..
( .. ان من
الحقائق العلمية التاريخية المسلم بها ان القضية الفلسطينية هي القضية المحورية
والاساسية للعالمين العربي والاسلامي . ومنذ وقوع البلاد العربية تحت الحكم
العثماني , ظلت وبقيت فلسطين اربعمائة سنة بعيدة عن السيطرة الاستعمارية الاوربية
, ولم يستطع الاستعمار الغربي الوصول الى فلسطين الا بعد سقوط الدولة العثمانية ,
وعند ذلك فقط امكن وضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ .).[21]
(10)
والا سوف كانت احلام اليهود الصهاينة , ,
ستبقى احلاماً في احلام , ستبقى سراباً وخيالاً بعيدة المنال على اغتصاب وسرقة
الارض الفلسطينية وعليها الحارس الامين العملاق العثماني , وقد هيأ الله سبحانه
لفلسطين وللشعوب العربية والمسلمين , هيأ لهم آخر خليفة عثماني هو السلطان عبد
الحميد عبد المجيد الثاني , هيأ لهم هذا السلطان المطلع على مؤامرات دول الغرب
الاستعمارية ومطلعاً على خفايا واسرار الحركة الصهيونية وعلى نشاطها الهدام
واهدافها التخريبية فكان كالطود الاشم صامداً صريحاً عنيداً رافضاً كل اطماع
الصهاينة .. لكن الاخطبوط الصهيوني مستغلاً حسن الضيافة والمواطنة كان منذ عشرات
السنين ينخر في جسم وكيان الخلافة العثمانية , لكن هذا النخر والنفوذ والتغلغل
والتخريب السري لم تقم به الحركة الصهيونية بمفردها ولم تقم به وحدها ولن تستطيع
ذلك لولا تدخلات وتغلغلات ومساعدة الدول الاستعمارية وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا
وروسيا وغيرها من دول الغرب المناصرة للصهيونية.
اجل .. ( .. ايقنت
الصهيونية العالمية بعد فشل محاولاتها المتكررة للحصول على موافقة السلطان عبد
الحميد الثاني بالسماح لليهود بالهجرة المحددة فقط وليس اقامة وطن قومي في فلسطين
.
- ان وجوده ( اي
السلطان عبد الحميد ) يشكل عقبة كأداء في سبيل تحقيق مقررات المؤتمر الصهيوني
الاول , ولم يملك هرتزل – بعد فشل محاولته الاخيرة – الا ان يلجأ الى سلاح التهديد
والوعيد صراحةً .
ولم يكن السلطان عبد الحميد بغافل عن مدى نفوذ
وتأثير وتغلغل الصهيونية العالمية على اتجاهات السياسة العالمية من خلال ممارساتها
في الدول الكبرى ولكنه في الوقت نفسه لم يملك الا ان يرفض العروض والوعود
الصهيونية التي اخذت تقايض ديار المسلمين المقدسة باحوال اليهود الملوثة .)[22]
ان شخصية السلطان
عبد الحميد الثاني تستوقف كل باحث ومنصف للوقوف على هذه الشخصية المحنكة وسبر
غورها وللمزيد من معرفة خفايا تآمر الصهاينة ..
ان الباحث والمؤرخ والكاتب الفلسطيني والتركي
والعربي والاسلامي والانساني , مدعو اليوم لدراسة شخصية هذا السلطان وصموده امام
اعتى المؤامرات وتثمين دوره البارز
والايجابي المشرف
في البقاء والوقوف سداً منيعاً ضد الغزو الصهيوني لفلسطين ولأجل صموده ضحى وخسر
عرشه وملكه ونفسه وماله .. (11)
المبحث
الثاني
ان رفض السلطان عبد
اللحميدالبطولي المشرف للمشروع الصليوني الذي لا ينسى كلفه سقوط الخلافة العثمانية ..
اذا كم كانت مؤامرة الحركة الصهيونية خطيرة ومدمرة ووحشية وباطلة وظالمة .. وكبيرة
.. ودولية ..
( .. لعل الموقف
الذي وقفه السلطان عبد الحميد من فلسطين والصمود الذي ابداه تجاه جميع المحاولات
التي بذلها زعماء الصهيونية العالمية كافيان في نظر الباحث العربي والمسلم لتثمين
دور السلطان عبد الحميد في الحفاظ على وحدة الاراضي الاسلامية وعدم التفريط بشبر
واحد منها , رغم المتاعب السياسية والاقتصادية والعسكرية والمالية التي كانت تعاني
منها الدولة العثمانية ابان تلك الفترة , والتي استغلتها الصهيونية ابشع استغلال
لتنفيذ وعيدها له باسقاطه عن عرشه , عندما لم يتجاوب مع الوعود والاغراءات
اليهودية – الصهيونية ).[23]
ان طيلة حكم السلطان عبد الحميد وهو يدير سدة
الحكم بدهاء وذكاء وحنكة وإخلاص امام اعتى المؤامرات العاصفة . الكثيرة ..
والمتواصلة من اساطين الحركة الصهيونية وعملاءها الدونمه والماسون والطوران في
الداخل ودول الغرب الاستعمارية في الخارج طيلة ثلاثون عاماً او اكثر ..
( لقد امضى السلطان عبد الحميد الثاني 33
عاماً صمد خلالها لاعتى المؤامرات , واذكر المناورات ,وتمكن بدهائه ان يحفظ توازن
السفينة العثمانية وسط الموج الهادر المتلاطم في بحر السياسة والمؤامرات الدولية
حتى استسلم لخصومه ظناً بإراقة المزيد من الدماء التركية .)[24]
اثبتت وقائع التاريخ ووثائق الدولة العثمانية
ان السلطان عبد الحميد الثاني الذي امضى بالحكم 33 عاماً , قضاها في مجابهة التآمر
الدولي الغربي الصهيوني الماسوني الطوراني .. وسار بالسفينة العثمانية الى بر
الآمان والكرامة والنجاة .. ولكن المؤامرة كانت كبيرة جداً .. مؤامرة خسيسة جداً
.. حاكت خيوطها الحركة الصهيونية مع صهاينة مدينة سلانيك ودعم السياسة البريطانية
للمشروع الصهيوني المعادي .. وبعض اوساط الغرب .
(12)
( شخصية السلطان عبد الحميد خان الثاني بن
السلطان عبد المجيد خان وشقيق السلطان مراد الخامس , يحلو للباحث ان يتوقف عندها
طويلا , لكونها تتمتع بكل المواصفات التاريخية , فلقد أمضى طفولة عجيبة , ثم تسلم
مقاليد الخلافة في دولة مترامية الاطراف , لكنها اشبه بمركب كبير تتقاذفه الامواج
, وسط بحر السياسه الدولية, المضطربة انذاك , وحينما تربع على عرشه في قصر ( يلدز
) لم ينزل عنه قبل ان امضى ثلاثة عقود ونيف , ملأى بالاحداث والمؤامرات والخطوب
الجسام , وزاخرة بقصص الحروب والثورات والحركات , ثم سقط بعد طول صمود وكفاح ليمضى
فترة من الزمن , كانت كافية ليكتب فيها
مذكراته وردوده على خصومه ونقاده , وقبل ان يواريه الثرى كانت الاقلام مشرعة لتكتب
عن عبد الحميد متعاطفة معه حتى الاستشهاد , او متصدية له حتى الموت ولا وسط بينهما
.[25]
يضيف
الباحث المرجه :
( ومات عبد الحميد خان الثاني , قبل نحو ستين
عاماً , كما مات قبله , وبعده , سلاطين آل عثمان , ولكنه مازال وحده , يستوقف
بشخصيته وسيرته , عشرات بل مئات من المؤرخين والمستشرقين والباحثين , في محاولة
تلو محاولة , بهدف سبر غور تلك الشخصية والولوج الى اعماق تلك السيرة وتجربة فهم
ومتابعة سير الاحداث , عبر ذلك , فما هو الزمن , فما هو الجديد , الذي عسانا ان
نأتي به .. )[26]
حدثت هزات اقتصادية خانقة في العالم والخلافة
العثمانية لم تنجو او لم تسلم من هذه الهزات , وتعرض سلطنة ملايين الليرات الذهبية
والفضية والامكانيات الاقتصادية الا ان السلطان العثماني المسلم رفضها , لان
كيانات وحصون المسلمين لاتبنى بأموال اعدائهم ابداً...
( وهنا نجد السلطان عبد الحميد يواجه مشكلة
جديدة حينما تلقى عروض هرتزل ممثل الصهيونية العالمية , حيث كرر اغراءاتها لانقاذ
الدولة من ديونها , وتقوية جيوشها , وتدعيم اقتصادها واسناد عملتها التي بدأت
ازمتها منذ اكتشاف الاسبان لمناجم الذهب والفضة الامريكية مما احدث هزة شملت سائر
العملات انذاك , وكان عبد الحميد الثاني ما زال يعاني من آثار تلك الهزة
الاقتصادية التي واكبها ضعف آخر في طبيعة المعالجات للاوضاع المحلية , وتختلف عن
مواكبة ركب التصنيع والمدنية الحديثة .
(13)
ولم يكن امام السلطان الصوفي المجاهد الا ان
يرفض اغراءات العروض الصهيونية ويصمم على الحفاظ على سائر الديار الاسلامية وفي
طليعتها الديار المقدسة فلسطين العزيزة , اما الازمة الاقتصادية فليست عيباً وشأنه
فيها شأن فرنسا الاوربية .[27]
لذلك قال الصهيوني
الماسوني متشفياً وهو احد اركان هدم الخلافة الاسلامية المدعو (مزراحي قرصو ) او (
عمانوئيل قرصو ) :
( ان الاتحاديين نفذوا باربعمائة الف ليرة
انكليزية مالم ينفذه عبد الحميد بخمسة ملايين.)[28]
اي الخمسة ملايين التي عرضها كرشوة للسلطان وتم رفضها بشكل قاطع..
ان التاريخ لايزوّر , والحقيقة لابد وان تبان
وتظهر ولو بعد حين , وان الموقف الاخلاقي المبدئي والثابت الذي وقفه السلطان عبد
الحميد , هو موقف مشرف عال , موقف يثمن , موقف اخلاقي عال لاينسى , اخذت الاجيال
تعي الحقيقة , وتدرك ابعاد التآمر الصهيوني المكشوف والتزييف وقواعد اللعبة
الصهيونية .. وسوف يبقى التاريخ يسجل هذا الموقف المشرف الخلاق , الموقف السامي
النبيل بأحرف من نور .. وكل يوم تظهر حقائق لاحقة , وتظهر وثائق ناطقة .. تزيد
السلطان عبد الحميد فخراً ومجداً وزهواً .. اسأل الله سبحانه ان تسجل في ميزان
حسناته ..
( .. وهكذا سجل
التاريخ موقف السلطان عبد الحميد الذي رفض بيع فلسطين لقاء اغراءات وعروض واموال ,
وانقذ شرفه من معرة ولعنة الاجيال اللاحقة , بل العكس تذكره الأجيال بالخير وتدعو
له بنسمات الرحمة الالهية على روضة قبره . وتفرد له صفحة مكللة بالاعتزاز والاكبار
لهذا الموقف الجليل الذي لاينساه له التاريخ كمسلم لم يبع اخرته بدنياه الحقيرة
الزائلة . ).[29]
يضيف الاستاذ المؤرخ جميل ابراهيم حبيب في
المؤلف المخطوط اعلاه في الصفحة (275) مشيدا بالدولة العثمانية وشخصية السلطان
العثماني القوية السلطان عبد الحميد بالوقوف بقوة وشجاعة امام اطماع الصهاينة
واحلامهم اذ ذكر بعنوان :
( حنق اليهود على
السلطان عبد الحميد والدولة العثمانية ) قال :
( فلما استيقنت الدولة العثمانية من مطامع
اليهود في فلسطين اتخذت الوسائل الفعالة لمنعهم من الوصول لفلسطين , فوضعت قانون (
الجواز الاحمر ) وكان خاصاً بكل يهودي يدخل
(14)
فلسطين بحجة
الزيارة او السياحة او التسول ومنعت استملاكهم للارض واستيطانهم فيها , وكان
اليهود في ذلك الحين جالية ضئيلة جداً في فلسطين , وقد هاجر اليها منذ اجيال بعض اليهود
, فحنق اليهود على السلطان عبد الحميد خاصة وعلى الدولة العثمانية عامة لوقوفهما
حجر عثرة في سبيل مطامعهم في فلسطين وشرعوا بالعمل على مناواة السلطان شخصياً وعلى
تقويض اركان الدولة العثمانية بالتعاون مع الدول الاستعمارية التي كانت تتآمر
عليها وتعمل على تمزيقها .
واتخذ اليهود
الصهاينة في مدينة ( سلانيك ) الوكر الرئيسي لدسائسهم ومؤامراتهم لانها تضم اكبر
عدد من اليهود في السلطنة العثمانية , وفيهم عدد كبير من (الدونمة ) وهي طائفة من
اليهود انتحل افرادها الاسلام وتظاهروا باعتناقه للتمكن من السيطرة على زمام الامور
في الدولة العثمانية واستطاع اليهود بتعاونهم مع الاستعمار الاجنبي وحزب ( تركيا
الفتاة ) الذي كان يتآمر على السلطان , ان يحدثوا انقلابا ماسونياً صهيونيا ويخلعوا السلطان ويزدادوا تغلغلاً في الدولة
بعد اعلان مايسمى بالدستور العثماني.)[30]
ان السلطان العثماني
عبد الحميد الثاني لم تمنعه طورانيته , او تركيته او عجميته من ان يكون ولاءه
الاول والاخير للاسلام وللعقيدة الاسلامية وان رعايا الخلافة كلهم سواسية في
الانصاف والحقوق , وان الرابطة المعلنة والمبتغاة هي رابطة الاسلام , وهي التي
حافظت على المقدسات الاسلامية وعلى المقدسات النصرانية من العبث والتغيير
والامتهان , ومع هذا كان بعض العرب – وهم في غفلة دون تروي – ينضمون بسلاحهم الى
خندق الافرنجة البريطاني بمجرد وفقط وعدهم بالسيادة والحرية والاستقلال , وعدهم
بالاحلام والوهم , فكانت المؤامرة على هذه الخلافة .. لهدمها .. وازالتها ..
وتفكيك اوصالها اربا اربا ..ثم الاجهاز على الاسلام والمسلمين .. منها البلاد
العربية واغتصاب قلب الوطن الاسلامي والعالم العربي فلسطين العزيزة .. والمسجد
الاقصى ..
( .. كان تعاطفنا
اكيد مع السلطان عبد الحميد الثاني الذي لم تمنعه ( طورانيته ) من الحفاظ على
مقدسات المسلمين بفلسطين وغيرها رغم معرفته الاكيدة بخطورة القرارات التي يتخذها
وضراوة القوى التي يجابهها , وكان موقفه ذاك اكثر مراعاة لاحترامنا من مواقف
الشباب العربي الذين تورطوا في الاستعانة على الحاكم المسلم – حتى لو كان ظالما –
بالاجنبي الطامع الذي غرر بهم ونكث بعهودهم وسام اولادهم واحفادهم مرارة الاحتلال
والاستعمار والاستعمار
(15)
(والذي لمسناه ان
عبد الحميد , التركي , اتخذ من العرب حاشيه , ومن الاكراد انصارا , ومن الشراكسة
حراساً , بينما كان (الطورانيون) يتامرون مع الدونمة والانكليز للاطاحة بعرشه ,
ولقد احصى المؤرخون مئات من الضباط العرب في الجيش العثماني , بل ان قائد الجيش
الذي اطاح بعبد الحميد نفسه محمود شوكت كان من العرب , وتولى شقيقه فيما بعد – حكمت
سليمان – رئاسة الوزراء في العراق.)[31]
حتى في مجال
التعليم وشمول العرب بهذه الحقوق قبل في هذا الصدد :
(ان الاحصائيات تشير الى ان عدد المتعلمين
العرب كان يفوق بكثير المتعلمين الاتراك , ويعزو بعضهم هذه الظاهرة الى نشاط
الارساليات التبشيرية رغم ان المبشرين لم يمنعوا اولم يمنعهم احد من ممارسة النشاط
في استانبول نفسها .)[32]
ان العربي والمسلم
الغيور الواع والحضاري اليوم , لا بد له من التدبر والتأمل في الفرق بين حالنا تحت
حكم العثمانيين , او حالنا ومصيرنا القلق والمجهول والمأساوي كفلسطينين وعرب
ومسلمين في ظل الهجمة الافرنجية على امتنا بعد مؤامرة سايكس – بيكو في ايار 1916 ,
واصدار وعد بلفور المشؤوم في 2/11/1917
وفرض الانتداب البريطاني الظالم على فلسطين في 24/7/1922 بعد احتلالها في 9/1/1917
وجعلها وطناً قومياً للحركة الصهيونية بالقوة الغاشمة والذي شن هذه الهجمة الشرسه
الهوجاء الظالمة قوات الانكليز والفرنسيين ومعهم الحركة الصهيونية بكل ثقلها
الاقتصادي والسياسي والاستخباري والاعلامي ... ولا زلنا الى اليوم نعاني من اثار
هذه الهجمة وفصولها السوداء .. وندفع الثمن .. غاليا .. جدا ..
( .. يجب ان ندرس
حالنا واوضاعنا كما كانت عليه قبل الانتداب البريطاني على فلسطين يوم كانت فلسطين
جزء لا يتجزأ من سورية والعراق لا حدود بينها وبين بغداد ودمشق ولا فواصل بين
اهلها واهل بردى والفرات .. ويوم كان الفلسطيني هو السوري .. بل هو العراقي ..
يذهب الى كلية الحقوق في استنبول جنباً الى جنب مع اهل الشام واهل العراق , ويدخل
المدرسة الحربية التركية فيزامل اخوة له من حلب والموصل ودمشق والبصرة وكركوك ..
ويشعر انه مثلهم , من نفس بلادهم من ارض لايفصلها عن ارضهم حد ولا قيد , واسر
عربية متصلة بعضها ببعض اتصال القرابة والتراحم , ومشاعر عربية واحدة تنبع من ماض
عربي واحد .
(16)
وحاضر عربي واحد،
وهدف عربي واحد , فالعربي القادم الى استنبول من ( فلسطين ) كان يعلم ان فلسطين لا
وجود لها كدولة ذات كيان مستقل , انها جزء من بلاد الشام..).[33]
انها شهادات التاريخ .. شهادات الانصاف اننا كنا
في الخلافة العثمانية كنا جسد واحد وكيان واحد , كنا بخير , كنا بأمان , كنا
بوطننا , كنا بكرامتنا وكم هناك من شهادات اثبات وانصاف من الشخصيات العربية
والفلسطينية التي عاصرت الاحداث او عاشت الحدث التاريخ الذي لايحابي احد .. او
الذين قاموا بالدراسات العلمية الجادة الرصينة..
هذه بعض نصوص من
شهادة الزعيم الفلسطيني المناضل المعروف محمد امين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس
الهيئة العربية العليا (رحمه الله), قالها امام لجنة التحقيق الملكية في سنة 1937
م :
( لقد كان العرب
يؤلفون جزءاً مهما في كيان الدولة العثمانية ومن الخطأ ان يقال ان العرب كانوا تحت
نير عبودية الاتراك .. فقد تمتع العرب في كيان الدولة بجميع انواع الحقوق التي كان
يتمتع بها الاتراك سياسية او غير سياسية وذلك بحكم الدستور الذي وضع اساس حكم واحد
لجميع البلاد والعناصر التي يتألف منها كيان الدولة . وكان العرب يشاطرون الاتراك
في جميع مناصب الدولة المدنية والعسكرية وكان منهم وزراء و قادة فيالق وفرق وسفراء
وولاة ومتصرفون . كما ان مجلس النواب والاعيان يضمان عدداً كبيراً من الاعضاء
العرب بنسبة عددهم وفقاً للدستور وقانون الانتخاب العثماني وفوق ذلك كانت البلاد
العربية تدار بحكم يستند على مجالس إدارية ومجالس عمومية منتخبة في الاقضية
والالوية والولايات وكان لهذه المجالس صلاحيات واسعه في الادارة المالية والعمران
والتعليم .)[34]
وفي شهادة تاريخية
دامغة اخرى للمؤرخ الفلسطيني قال محمد عزة دروزة في شهادة له امام اللجنة الملكية
عام 1937م :
( ومع ان الدولة
العثمانية فتحت فلسطين ضمن مافتحته من الولايات العربية فان صبغتها العربية ظلت
ثابته , وكانت في الجزء الاكبر من الجزء الاكبر من الحكم العثماني تدار من قبل
امرائها وحكامها الوطنيين وحتى في الفترة الاخيرة من الحكم العثماني فقد كانت اكثرية
موظفيها وحكامها عرباً وكان الموظفون العثمانيون لا ينظرون اليهم كموظفي دولة
استعمارية
بل كعثمانيين
لافرق بينهم وبين العرب ..
(17)
كما كان موظفو
العرب يستخدمون كعثمانيين في الولايات التركية لا فرق بينهم وبين الترك كما كانت
الصبغة العربية هي الصبغة العربية الشاملة في هذا العهد.)[35] [36].
ابن قرية إجزم
الكاتب
رشيد جبر الأسعد
2012م
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو
العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"
[1] راجع حسان علي حلاق : موقف الدولة العثمانية من الحركة
الصهيونية 1897م-1909م ,ط2 , 1400هـ - 1980م بيروت الدار الجامعية
للطباعة والنشر ص10.
[2] طبع هذا الكتاب بالعشرينات .. بعد وفاة السلطان عبد
الحميد بسنوات قلائل .. وقبله وبعده كانت نشرات وكتب ومؤلفات الاتحاد والترقي التي
شوهت سمعة عبد الحميد بدافع صهيوني طوراني.
[3] من اكاذيب اعداء العروبة والاسلام وصفهم عبد الحميد
بالسلطان الاحمر .. وبأنه كان كل يوم يرمي من قصره الى بحر مرمره الاحرار .. في
حين اثبت التاريخ والمؤرخون انه طيلة حكمه البالغ 33 عاما لم يعدم في كل هذه
الفترة سوى شخصين اثنين فقط , واحد قتل والديه , والثاني ثبت عليه باعمال
الجاسوسية ضد الدولة و الاسلام والامة .. راجع : اورخان محمد علي : السلطان عبد
الحميد , صفحة : (155-156) .
[4] احمد عبد الرحيم مصطفى ( الدكتور) : العثمانيون المفترى
عليهم , مجلة (العربي ) الكويتية , العدد (244), ربيع الثاني 1399هـ آذار
1979م , الكويت , صفحة : (37-48).
[5] يوسف هيكل ( الدكتور ) – ( دكتوراه فلسفة في العلوم الاسلامية
) من جامعة لندن : كتاب فلسطين قبل وبعد , نشر دار العلم للملايين , بيروت , 1971م
, صفحة : (65).
[6] علي محمود الشيخ علي ( وزير العدل في حكومة رشيد
الكيلاني 1941م ) : كتاب من وحي سجن ابي غريب , الجزء الاول , 1966م , بغداد ,
صفحة (38/39) .
[7] يقول ويردد هذا الكلام ساسة الانكليز المستعمرين حلفاء
الصهيونية والماسونية , هدفهم غدرنا وإذلالنا وإضعافنا وخداعنا وتضليلنا وتقسيم
بلادنا .. وهذا هو الذي حدث ..!؟ وليست اغتصاب فلسطين الا ثمرة لهذا العدوان وهذا
التآمر .. والنشاط الهدام.
[8] المحامي حسن صدقي الدجاني : تفصيل ظلامة فلسطين ( حقائق
ارقام تقارير ووثائق هامة ) , القدس , 1355هـ - 1936م , صفحة (11) .
[9] Izahli
osmanli tarihi kronoloisi الجزء الرابع , صفحة (287).
[10] المصدر السابق , صفحة : (287-288).
[11] وهي طريقة صوفية مشهورة منتشرة في آسيا وفي افريقية ,
وفي الرسالة التي بعثها من سجنه السلطان عبد الحميد الى شيخه محمود ابو الشامات
كان من اهل الطريقه الصوفية الشاذلية او رئيسها , وان مما يذكر عن حياة القائد
الرمز الشيخ عز الدين القسام انه سبق ان انتسب الى الطريقة الشاذلية وغيره.
[12] هناك عدة طرق وحركات اسلامية صوفية , منها الشاذلية
والقادرية والتيجانية والسنوسية وغيرها انها في نهاية القرن التاسع عشر واوائل
القرن العشرين قد حمل رجالها السلاح وقارعوا الاستعمار الفرنسي والطلياني وغيره ..
وليس البطل القائد عمر المختار الا عضوا بسيطاً في الحركة السنوسية.
[13] انظر : Babam abdul hamid , صفحة : (22).
[14] جاء في نص فتوى شرعية في عدم جواز استعمال مصطلح
الامبراطورية الاسلامية : (.. وبهذا نعلم ان اطلاق اسم امبراطورية على الدولة
الاسلامية ليست اطلاقا من البيئة الاسلامية كما ان الكلمة نفسها ليست عربية وان
خلفاء المسلمين او ملوكهم او سلاطينهم في اوج عظمتهم واتساع دولتهم لم يختاروا
لانفسهم لقب امبراطور ولا لدولتهم اسم امبراطورية , وعدم تقليد غير المسلمين ,
فالاسلام نظام خاص منفرد بسمته وشريعته وديمومته وسموه وكماله ) مجلة ( الهدى
الاسلامي) الصادرة عن جامعة السيد محمد بن علي السنوسي الاسلامي , عدد/3 سنة /2 ,
رمضان المبارك 1383هـ , ليبية , صفحة : (80) .
[15] انظر :Babam abdnl hamid ,
صفحة :(22) . وكذلك انظر الى: 31 Mari Faciasi , صفحة : (61-63).
[16] اورخان محمد علي : السلطان عبد الحميد الثاني , حياته
واحداث عهده , نشر مكتبة الانبار , 1407هـ , 1987م , الطبعة الاولى , العراق الرمادي
, صفحة : (151) .
[17] رفيق شاكر النتشه : السلطان عبد الحميد الثاني وفلسطين –
السلطان الذي خسر عرشه من اجل فلسطين , دار الكرمل للنشر والتوزيع , عمان الاردن ,
1984م , الطبعة الاولى , صفحة (9) .
[18] اميل الغوري : اغتيال فلسطين , نشر دار النيل للطباعة ,
القاهرة الطبعة الاولى , 1955 , صفحة : (23) , والنص عن رفيق شاكر النتشه :
السلطان عبد الحميد الثاني وفلسطين , صفحة : (29) , المرجع السابق .
[19] رفيق شاكر النتشه: السلطان عبد الحميد الثاني وفلسطين ,
صفحة : (37) المرجع السابق .
[20] عن مجلة ( الاسبوع العربي ) العدد (1531) , يوم 13 شباط
1989م من تصريحات مجرم الحرب الارهابي ومنظم مذبحة صبرا وشاتيلا الغادرة للمدنيين
الفلسطينيين في بيروت المدعو (اريك شارون) في اجتماع عقد مساء الخميس 2 شباط 1989
فرنسا , باريس , رقم الصفحة (30) .
[21] رفيق شاكر النتشة : السلطان عبد الحميد الثاني وفلسطين ,
صفحة : (7) مرجع سبق ذكره .
[22] موفق بني المرجه : صحوة الرجل المريض او السلطان عبد
الحميد والخلافة الاسلامية , صفحة : (227) .
[23] موفق بني المرجه : صحوة الرجل المريض او السلطان عبد
الحميد والخلافة الاسلامية , صفحة : (227) .
[24] موفق بني المرجه : صحوة الرجل المريض , صفحة : (26) .
[25] موفق بني المرجه : صحوة الرجل المريض , صفحة : (53) .
[26] موفق بني المرجة : صحوة الرجل المريض , صفحة : (53) .
[27] موفق بني المرجة : صحوة الرجل المريض , صفحة : (28).
[28] موفق بني المرجة : صحوة الرجل المريض , صفحة : (228).
[29] تأليف جميل ابراهيم حبيب : صفوة البيان في مختصر تراجم
سلاطين بني عثمان , 1415هـ ، 1994م , ( مخطوط ) , صفحة : ( 274 ) .
[30] تأليف جميل ابراهيم حبيب : صفوة البيان في مختصر تراجم
سلاطين بني عثمان , صفحة ( 274) , المرجع السابق .
[31] موفق بني المرجة : صحوة الرجل المريض , صفحة : (32) ,
المرجع السابق .
[32] موفق بني المرجة : صحوة الرجل المريض , صفحة : (32) ,
المرجع السابق .
[33] ناصر الدين النشا شيبي ( كاتب وصحفي من فلسطين ) : تذكرة
عودة , نشر المكتب التجاري , بيروت , ط1 , تموز 1962م , صفحة : (97).
[34] مصطفى مراد الدباغ : بيت المقدس (22) , صفحة : (136).
[35] مثال لبعض الموظفين العرب الكبار في الولايات العثمانية
: الشيخ العلامة والشاعر يوسف النبهاني من قرية اجزم بفلسطين والمناضل موسى كاظم
باشا الحسيني وكامل الحسيني من القدس وغيرهم كثير ..
[36] عبد الوهاب الكيالي : وثائق المقاومة الفلسطينية العربية
ضد الاحتلال والصهيونية (1918-1948) – سلسلة الوثائق الفلسطينية العامة – مؤسسة
الدراسات الفلسطينية , بيروت , 1969م , صفحة : (553) .