ولذلك لابد لنا من السؤال والبحث والتفتيش عن المسؤول
الفعلي والمباشر عن هذه الظاهرة المُنَّظمَّة الخطيرة ؟! وخصوصاً أنَّ الجميع يعرف
، أنَّه هناك هجرة متظمة إلى تركيا واليونان وبلجيكا وأسبانيا وألمانيا والدانمرك
والنرويج والسويد وكندا والولايات المتحدة ، وأميركا اللاتينية واستراليا ، وغيرها
من البلاد الأجنبية ، وهناك حتى لحظة كتابة هذه السطور عشرات العائلات الفلسطينية
الغزية العالقة على الحدود بين الدول في صحارى أفريقيا ، وقد تقطعت بها السبل في
طريقها إلى جنة أوروبا المزعومة ، وغيرهم من العالقين على الحدود بين العديد من
الدول بأميركا اللاتينية ، ومئات العالقين في العديد من مطارات العالم !!! إنتبهوا
أيها القوم ، إنتبهوا ياقادة شعبنا في الضفة والقطاع والخارج ، يا كل الفلسطينيين
، ويا كل الفصائل والأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية ، ويا منظمات وهيئات ومؤسسات
المجتمع المدني ، والشخصيات الرسمية والإعتبارية والوجهاء والمخاتير وزعماء
العائلات ، نحن أمام مآساة حقيقية ، خطيرة ومنظمة تتشكل أمام أعيننا ، بينما ما
زال البعض منا يمارس هوايته اللعينة في تبادل الشتائم وتكريس خطاب البُغض
والكراهية ، والانقسام البغيض والدمار السياسي والاجتماعي والثقافي والفكري
والإعلامي ..
كل هذا يحدث ، بينما جثمان آخر الضحايا ، شهيد الظلم
والغربة والظلم والفقر والبطالك والحصار ، بحاجة إلى توفير عدة آلاف من الدولارات
، وهي قيمة تكاليف نقله من اليونان إلى القاهرة ، فغزة ، حتى يدفن فيها ، بينما
عائلته لاتملك توفير المبلغ المطلوب ، وسفارتنا باليونان ، تقول أنه لاتوجد لديها
الإمكانيات المالية من أجل نقله إلى غزة ، مما اضطر رفاق هجرته وغربته ووجعه من
الفلسطينيين والعرب والمسلمين ، إلى مواراة جثمانه في تراب تلك الجزيرة اليونانية
النائية ، التي أُستُشهد مرتطماً بصخور بحرها ، على بعد خمسة أمتار من شاطئها...!!!
وبكل الأحوال نحن أمام مأساة اجتماعية وإنسانية ووطنية
خطيرة ومتكررة بشكل شبه يومي ، ولا أحد يرغب أويريد تحمُّل المسؤولية عما يحدث ،
بينما في الحقيقة الجميع يتحمل المسؤولية عن هذه المصيبقة والكارثة الوطنية
والإنسانية ، ورحم الله الخليفة العادل عمر بن خطاب ، حينما خاف أن يحاسبه الله
على عدم تمهيد الطريق لبغلة قد تتعثر وهي تمشي في العراق ، ومما جاء في الأثر عن
أمير المؤمني عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ، قوله الشهير : ( ويلك يا عمر، لو
أنَّ بغلة تعثرت في العراق لسُئل عنها عمر : لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق؟ ) ...
فكيف بكل مّنْ كان سبباً في دفع شبابنا وأطفالنا وبناتنا للموت على سواحل تركيا
واليونان وأوربا ، وفي بحار وصحارى المنافي الجديدة؟! وقد كشفت آخر استطلاعات
للرأي أُجريت في قطاع غزة ، أنَّ عدد الراغبين بالهجرة من القطاع غزة المحاصر
المنكوب ، وصل إلى 40% ، رغم كافة المخاطر التي يدركها جيدأً الغزيون ، والتي
انتهت في كثير من الأحيان بالموت أو السجن، وبثت ( هيئة البث الصهيونية باللغة
العبرية / كان ) تقريراً متلفزاً لها يوم الأحد14/1/2019 ، سلطت فيه الأضوء على
هجرة الفلسطينيين من القطاع المنكوب ، وقالت أنَّ :(40 ألف شخص غادروا القطاع في
النصف سنة الأخيرة) ، والتقى المراسل الصهيوني غال برغر ، في أسطنبول بتركيا ، مع
العديد من الشبان الفلسطينيين هاجروا من غزة إلى تركيا ، والتي هي محطة انتقالية
من أجل العبور إلى أوروبا، بحثاً عن حياة أفضل لهم ولأطفالهم. وقال المهاجرون
الفلسطينيون الذين تحدث معهم مراسل (كان )، إنهم : ( تغربوا عن غزة من أجل العثور
على مستقبلٍ أفضلٍ ، رغم البعد عن عائلاتهم ومعاناة الحنين إلى الوطن ( ، وقال شاب
فلسطيني من غزة اسمه إسكندر، غادر القطاع قبل 3 أشهر ونصف الشهر، مخلّفاً وراءه 3
أطفال وزوجة ، لمراسل هيئة البث الصهيونية للشؤون الفلسطينية، غال برغر، في تقريره
الذي أعده من إسطنبول : ( لا مستقبل في غزة،أبسط الأمور غير موجودة ). وكشفت
المعطيات التي نشرتها الأمم المتحدة، ، أنَّ : ( عدد المهاجرين من القطاع في النصف
السنة الماضية ، بلغ نحو 20 ألف شخص ) ، بينما تتحدث المعطيات الصهيونية عن ضعف
هذا الرقم ، وتقول أنهم (40 ألف مهاجر )!!. وقال التقرير التلفزيوني الصهيوني ،
إنَّ : (50% من سكان غزة يرغبون في الهجرة منها. والسبب الرئيس هو الوضع الاقتصادي
القاسي في القطاع ، ومن بين المعطيات التي تدفع الغزيين إلى الهجرة، أنَّ نسبة
البطالة في غزة تبلغ 55%، وأن المياه غير صالحة للشرب، والكهرباء متاحة من 4ــــــ
8 ساعات يومياً ). وخلال الساعات والأيام اخيرة ، وعلى ضوء تكرار المآسي والكوراث
والمصائب ، فقد تصدرت قضية الهجرة من قطاع غزة ، وماينتج عنها من مآسٍ وكوارث
ومصائب للعائلات الفلسطينية ، اهتمامات وأحاديث المجتمع الفلسطيني ، وارتفعت
الأصوات من شتى الأشخاص والهيئات والجهات تتحدث عن الوضع الكارثي والمزري الذي
إضطر أبناء القطاع للفرار منه ، بحثاً عن طاقة أمل ورزق في مكانٍ بعيد ، ولكن
أصبحت رحلة البحث عن الأمل ، هي نفسها رحلة الذهاب إلى الموت والمجهول والقسوة
وجحيم الغربة ، وبالتأكيد هذه النتيجة الكارثية يتحمل مسؤوليتها الجميع ، وخصوصاً
، من تسببوا في صناعة مصيبة الانقسام ، ويصرون على استمراره مهما كانت النتائج
والكوارث الجماعية ، ولقد حان الوقت الذي يصرخ فيه الكل الفلسطيني : كفى إستهتاراً
بأرواح ومستقبل أبنائنا ، وكفى تدميراً وتمزيقاً وتشتيتا ًلمجتمعنا الفلسطيني ،
توقفوا عن صناعة الكراهية والبغضاء والبؤس واليأس ، ولنعمل جميعاً من أجل إنقاذ
مجتمعنا من المآسي التي تلاحقه ، ومن التفكك والتمزق ، وكذلك إنقاذ أبناءنا من
الضياع والموت والغربة والهجرة والمجهول .
المصدر : أمد للإعلام
13/5/1440
19/1/2019