الفقيد اللواء الركن سامي العيسى بين المحنة والمنحة – أيمن الشعبان

بواسطة قراءة 12833
الفقيد اللواء الركن سامي العيسى بين المحنة والمنحة – أيمن الشعبان
الفقيد اللواء الركن سامي العيسى بين المحنة والمنحة – أيمن الشعبان

هنالك أسماء لامعة وشخصيات بارزة سيرتها محفوظة في الذاكرة ، فمهما فارقنا الخِّلان وباعدتنا الأوطان وفرقتنا الأزمان تبقى ذكراهم محفورة في الأذهان، لكن يا ترى هل أُعطوا حقهم في حياتهم ؟! وربنا يقول ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) أم ضاعت جهودهم وما قدموا من خدمات جليلة لهذه الأمة في مهب الريح ، حتى ابتعدنا عن أصالتنا العربية وما عاد يُضرب بنا المثل في المواقف النبيلة.

http://www.paliraq.com/images/wafiyat/sami-esa/sami-alesa01.jpg

إلا أنني أرى من الواجب الحتمي علي إظهار سيرة بعض هؤلاء الأبطال .. نِعم الرجال .. الذين صدقوا في أداء واجبهم .. وأخلصوا في عملهم .. وثبتوا حتى مماتهم .. نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة والعلى من الجنة .

ما سأسطره عبارة عن مقتطفات وبعض الفوائد والعَبرات، من صفحة طويت فيما مضى من السجلات، بما فيها من محنة ومنحة وعِبرة وآهات، بما رأيته وعاصرته ووقفت عليه من المشاهدات.

المولود سامي محمد عيسى الحامدي ولد في قرية جبع إحدى قرى قضاء حيفا شمال فلسطين الحبيبة المحتلة عام 1942 ، وفي السادسة من عمره فقد والده المجاهد محمد عيسى إذ استشهد بإذن الله وهو يقاتل العصابات اليهودية في قرية جبع دفاعا عن أرضهم، لينتقل الطفل سامي إلى العراق مع ذويه في عام النكبة.

نشأ كسائر الفلسطينيين في العراق وأتم دراسته والتحق بفوج التحرير الفلسطيني الأول ببغداد عام 1962 في عهد عبد الكريم قاسم، وبعدها بعام تخرج من الكلية العسكرية الثانية في بغداد، وفي عام 1966 التحق بجيش التحرير الفلسطيني في القيادة العامة في مدينة نصر بالقاهرة، بعد ذلك تم تعيينه قائدا لسرية مدفعية مقاومة الدبابات في كتيبة المشاة (23) من لواء المشاة 108 في رفح، وفي حرب عام 1967 تم تكليف وحدته بالدفاع عن مدينة خانيونس، وفي عام 1968 انتقل إلى قوات تابعة لجيش التحرير في الأردن، وفي عام 1970 انتقل لعدة مناطق في سوريا وشارك أيضا بحرب تشرين عام 1973 ، بعدها تم انتدابه للعمل مع جبهة التحرير العربية ضمن منظمة التحرير في بيروت وبقي للفترة بين عام 1975 لغاية عام 1981 ليعود بعدها ليخدم بالجيش العراقي وتخرج من كلية الأركان في بغداد.

http://www.paliraq.com/images/wafiyat/sami-esa/sami-alesa02.jpg

استمر في الترقية بحسب الرتب العسكرية حتى وصل عام 1987 إلى رتبة عميد ركن، وبتاريخ 30/10/1988 تعرض لحادث أثناء الخدمة العسكرية أدى لكسر أسفل عنق عظم الفخذ الأيمن، وتعرض قبلها لإصابة أخف، ومن هنا بدأت محنته المرضية، ثم أحيل على التقاعد عام 1989 وأعيد عام 1990 ثم أعيد للتقاعد عام 1991 ثم نال رتبة لواء ركن بتاريخ 15/7/1995.

إذاً اللواء الركن الفلسطيني سامي العيسى هكذا عرف بين الناس، هذه خلاصة حياته العسكرية التي كانت عامرة بالمواقف والثبات على المبادئ والإقدام في أحرج وأصعب الظروف، فكما قرأتم شارك في معظم المعارك التي دافع فيها عن فلسطين وقضايا الأمة العربية، في مصر وسوريا والأردن والعراق وغزة، إلا أن هذه الشخصية كان لها دور إيجابي في الوسط الفلسطيني في العراق بحسب قربي منه إذ يكون ابن عمتي وصهري في نفس الوقت، حيث كان يعتبرني بمثابة أحد أبناءه، وأنا في ريعان شبابي ومطلع عمري وجدته أمامي كأحد أشقائي الكبار وكانت له معزة خاصة في قلبي، وكنت أناديه بالعم سامي، بل كنت في كثير من الأحيان أصحبه في سيارته العسكرية برفقة السائق أو المرافق، خصوصا وقد كان له دور وشأن في الحرب العراقية-الإيرانية، وحينها لم نكن ندرك كنه وحقيقة هذه الحرب إذ كان عمري لا يتجاوز الثانية عشر، لكن بعد احتلال العراق عام 2003 من قبل الأمريكان ومن حالفهم فيها تكشفت الأمور وبان المستور وكان دور إيران واضح في الاحتلال المشؤوم.

http://www.paliraq.com/images/wafiyat/sami-esa/sami-alesa03.jpg

لذلك وبكل صراحة أفتخر بدور الفقيد سامي العيسى ضد المد الفارسي الصفوي في المنطقة في تلك الحرب مع أنه لم يكن طائفيا ولم يفرق بين شيعي وسني بل كثير من مرافقيه ومراسليه وسواقه كانوا من الطائفة الشيعية وأنا أعرف عددا منهم، حيث كان يعاملهم معاملة الأخ متواضعا معهم محابيا إليهم ولم يكن يقبل الهدية منهم كما هو سائد آنذاك لدى العديد من الضباط، فكان الضابط العراقي في الثمانينات له صولات وجولات وكان يدخل الوزارة والمؤسسة التي يريد ويفعل ما يشاء، لأن الحرب هي من أتاحت لهم هذا، ناهيك عن الهدايا التي تصلهم من الجنود للحصول على إجازة أو مكان جيد في أرض المعركة، ومزايا عديدة إلا أن الفقيد سامي العيسى رحمه الله كان مبدئيا يعين الجميع ولا يقبل الهدية ولا يحابي في الحق ولم تأخذه لومة لائم، ومثال لذلك إذ كنت في منزلهم ذات يوم وجاءه أحد الجنود بمجموعة من الأسماك كهدية يبدو كان يريد في وقتها إجازة أو أمر ما ، والسمك العراقي خصوصا في المناطق التي كان فيها الفقيد سامي رحمه الله شهير ولذيذ ومعروف إلا أنه قال للجندي: من أين أتيت ارجع بالهدية ، ومواقف عديدة بهذا الشكل.

http://www.paliraq.com/images/wafiyat/sami-esa/sami-alesa04.jpg

كانت له مواقف عديدة في خدمة أبناء شعبه في العراق فالكثير منهم ممن لديهم معاملات أو قبول في الجامعات أو حل بعض الاشكالات كانوا يأتون إليه، وقدم الكثير من الخدمات من غير أي مقابل لما له من مكانة ، وكان كثيرا ما يسمع ويستشير ولو الأصغر منه إذا كان في ذلك مصلحة ومنفعة فنسأل الله تعالى أن يشمله قول ربنا ( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ) .

وبعد تعرضه للإصابة وإحالته على التقاعد تم إهمال هكذا شخصية سواء على المستوى الرسمي الفلسطيني أو العراقي أو العربي، ومر بأزمات مالية في ظل الحصار الخانق في عقد التسعينات، وبعد احتلال العراق عام 2003 بدأ العد التنازلي لأقلية كاملة ولم يكن هو بمعزل عن الضنك والمعاناة التي تعرضت لها الجالية الفلسطينية في العراق، إذ كان يسكن في منطقة السيدية وتعرضوا للتهديد في مننتصف عام 2006 وألقي إليهم ظرف فيه إطلاقات خمسة بعددهم اضطروا على اثرها لترك المنزل والانتقال بشكل مؤقت إلى منطقة أخرى في بغداد لدى أحد أقربائه، وقد رأيت بنفسي هذا الظرف الذي فيه التهديد، ليضطر بعدها لمغادرة العراق إلى الأردن وحده رغم وضعه الصحي المتأزم، وبقية العائلة اضطروا للمغادرة أيضا إلى سوريا، وبعد طول مكث عند ابنته في الأردن وفراق العائلة وتدهور في حالته الصحية اضطر محاولا الدخول إلى سوريا إلا أنه تم ترحيله إلى الحدود العراقية في مخيم الوليد، وبعد عدة وساطات وتدخلات من بعض معارفه القدامى سمح له بالدخول أواخر عام 2008 لكن هذه المرة تم ترحيل زوجته أم محمد ( 56 عاما ) إلى العراق ليضطر بعدها الالتحاق بزوجته ومكثوا في مجمع البلديات إلى أن توفاه الله تعالى ظهر الخميس الموافق 1/5/2008 عن عمر ( 66 عاما ) في مجمع البلديات وتم دفنه في مقبرة الغزالي وسط بغداد فرحمه الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته ورزقه العلى من الجنة .

http://www.paliraq.com/images/wafiyat/sami-esa/sami-alesa05.jpg

كانت لي العديد من الذكريات معه رغم الفارق الكبير في السن إلا أنني كنت لا أحس بهذا الفارق لأن العديد من الهموم لاسيما المتعلقة بقضيتنا الأم القضية الفلسطينية وما وصل بنا الحال من تهجير وغربة ونكبة جديدة، إذ كان مهتما بتوثيق كل ما يخص تاريخ الفلسطينيين في العراق، حتى كنا كثيرا ما نتناقش ونتحاور في العديد من القضايا وكان لديه أرشيف نادر مع العديد من الوثائق، وكان قد زودني بها وكان يأمل بعمل كتاب عن الوجود الفلسطيني في العراق، وأنا أخذت عهدا على نفسي بإذن الله أن أرتب تلك المادة وأكملها بالإضافة لما لدي من وثائق ومعلومات في هذا المجال وسيتم إصدار كتاب بجهد مشترك بيني وبينه كجزء من رد الجميل لهذه الشخصية الفذة التي أهملت وما عُرف حقها ، وكنت قد عرضت عليه بعض أعمالي وجهودي في زيارتي الأخيرة له في شهر كانون الثاني من عام 2008 في الشام وقد أثنى على هذه الجهود وشجعني على الاستمرار بهذا المشروع التوثيقي الهام، وكان في آخر حياته كثيرا ما يسأل عن أشياء تخص الصلاة وغيرها من العبادات فرحمه الله وأحسن مثواه .

الفقيد اللواء الركن سامي العيسى نموذج للمعاناة إذ تعرضت عائلته للشتات والفرقة كسائر العوائل، فبعد هذه الرحلة المرة من العناء ومشقة الترحيل والتهجير وصراعه مع المرض أضيفت معاناة أخرى من خلال بُعد أبناءه عنه في آخر حياته، إذ لديه ابنتين في الأردن وابنتين في سوريا، وابن في السويد " محمد " منذ أكثر من سنتين، وأصغر أبناءه " أحمد " مجهول المصير في ظل ظروف صعبة للغاية، ولا تزال زوجته تعاني الوحدة والبعد عن ذوي القربى في المهجر.

http://www.paliraq.com/images/wafiyat/sami-esa/sami-alesa06.jpg

رحل سامي العيسى عن هذه الدنيا الفانية على فراش الموت بعد صراع مع المرض ولسان حاله يقول ( لا نامت أعين الجبناء ) فهل أنصفناه ميتا إذ لم ننصفه حيا ؟؟ وهل ستبقى ذكراه ومواقفه الشجاعة تاريخا يسطر أم أن الجولة الآن للمتخاذلين الذين يلهجون ويركضون وراء المناصب والقصور والمزارع والعمارات والعقارات أصحاب العروش والكروش والفروش ، هل بقيت ثورة حتى النصر أم أصبحت ثورة حتى القصر في ظل تخلي الجميع عن أمثال هؤلاء الأبطال ؟! وهل لازال طريق المقاومة - الذي يرفعه الكثير – حقيقيا إذ لم يحفظوا رموزهم وشجعانهم وقادتهم ومقاوميهم - أمثال سامي العيسى – أم بات طريق المقاولة ؟! نعوذ بالله من الخذلان ونسأله الثبات ودوام الإيمان ، ورحمك الله يا سامي العيسى وتقبلك في عداد الشهداء إذ كنت من الشجعان.

 

19/10/2009

أيمن الشعبان

باحث متخصص بشأن الفلسطينيين في العراق

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"