مع آخر آية من سورة السجدة، تلك السورة التي
تبعث الطمأنينة، وتحقق اليقين في القلب، وتدفع إلى الخضوع للعزيز الحكيم، إذ
يختمها الله سبحانه وتعالى بخاتمة قوية، بتوجيه رباني فيه تسلية وزيادة يقين وثقة
بموعود الله ونصره، قال تعالى( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ
مُنْتَظِرُونَ ).
الفاء هنا سببية، أي بسبب تعنتهم واستكبارهم
وعدم خضوعهم وانتفاعهم، من الآيات البيات والحجج الدامغات، سيحل عليهم العذاب
فانتظر ذلك كما هم يتربصون بك الدوائر، واترك جدالهم وابتعد عنهم.
لا تحزن يا محمد – عليه الصلاة والسلام-،
مهما قالوا وفعلوا وأعرضوا وكذبوا واستكبروا؛ فإنا سنظهرك وننصرك عليهم، فانتظر
النصرة عليهم والقضاء والفتح وهلاكهم لصدق وعدي، في الدنيا والآخرة، فهم ينتظرون
الغلبة عليك، وحوادث الزمان بك، من موت أو قتل فيستريحوا منك، وأنى لهم ذلك فأنت مؤيد
ومنصور ومحفوظ بحفظ الله، والله لا يخلف الميعاد.
هذا الإعراض مؤقت وليس دائم، فلابد من البلاغ
وإقامة الحجة ودعوة الناس لدين الله، وهذه من أعظم الوظائف والمهام.
من هداية الآية:
الاشتغال بما ينفع وترك ما ليس فيه فائدة أو
من وراءه نفع.
ترك الجدال والمراء لمن هذه صفات لازمة له
ولا يريد الحق ولا يطلبه.
وفى الآية حث على الانتظار والصبر.[1]
على المسلم أن يعرض عن المشركين والجاهلين
والمعاندين والمستهزئين، الذين لا يرجى انتفاعهم ولا استجابتهم.
ما مضى معنا من خواطر، هي تأملات في سورة
السجدة ترسخ العديد من الحقائق وقد اشتملت على عدة موضوعات من أبرزها:
اليقين بالقرآن، ( لا ريب فيه ).
تأملوا كيف رجعت السورة إلى أولها لما قال(
وانتظر إنهم منتظرون )، لأن هذا الوعد جاء بهذا الكتاب الذي لا ريب فيه.
إثبات رسالة النبي عليه الصلاة والسلام.
إثبات وحدانية الله تعالى، وأنه المتصرف في
الكون، المدبر له على أتم نظام وأحكم وجه.
إثبات البعث والنشور والمعاد.
تفصيل خلق الإنسان في النشأة الأولى، وبيان
الأطوار التي مرت به، حتى صار بشرا سويا.
وصف الذلة والمهانة التي يكون عليها المجرمون
يوم القيامة، وطلبهم الرجوع إلى الدنيا لإصلاح أحوالهم، ورفض ذلك لأنهم لو ردوا
لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون.
تفصيل أحوال المؤمنين في الدنيا، وما أعده
الله لهم من الثواب العظيم والنعيم المقيم في الآخرة.
استعجال الكفار لمجيء يوم القيامة، استبعادا
منهم لحصوله.
كم نحن بحاجة لتدبر كلام ربنا، والوقوف على
فرائده وفوائده ومواعظه، كي ننتفع عمليا وينعكس ذلك في سلوكنا، ( أفلا يتدبرون
القرآن أم على قلوب أقفالها )، فالقلب الذي لا يتدبر كلام الله فهو مقفل مؤصد مغلق
عياذا بالله.
فمن أراد الرفعة والعزة والمكانة والعلو
والسؤدد، فعليه بالقرآن، فهو نور الله المبين وحبله المتين، من حكم به عدل، ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم.
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن،
واجعله شفيعنا يوم نلقاك.
11/10/2015