لك أن تذكر أي شخص كان باسمه في أمريكا، بدءا من رئيسها وانتهاء ببائع الأيس كريم وهو يقود عربته المتواضعة بين المجمعات السكنية وكأنه في (درابين بغداد القديمة)، تناديه بدون ألقاب والتكلم معه مباشرة من غير مقدمات، ولك أن تقول له أو تطلب منه أي شيء وذلك من حقك مثلما هو من حقه أن لا يجيبك أو يلبي لك أي شيء أيضا، ولكن بدون عصبية أو تشنج أو صوت مرتفع أو تلويح بيديك أو جحوظ عينيك وكأنها ستخرج من محجريها، واعلم أن حريتك بذلك مكفولة قانونا مثلما هي محفوظة عرفا لك ولغيرك، ولا يحق لأي كان مساسها، ولكن انتبه أن حريتك تتوقف عندما تبدأ حرية الآخرين وأنه في أمريكا وليس في اليابان ينطبق المثل القائل ( خالف تعرف)، لأنه لا شأن لك بأحد مثلما أنه لا شأن لأحد بك فيما تفعل أو تلبس أو تقول ما دمت لا تتعدى على حريته أو حقوقه، وإن كنت مسلما، مسيحيا، يهوديا، بوذيا، ملحدا، أبيضا، أسودا، أوروبيا، أفريقيا،أو أسيويا، والبس ما شئت وإن أخفيت كامل جسدك وتعرى مثلما ما تشاء دون كشف عورتك فذلك من المحرمات قانونا أن كنت ذكرا أو أنثى.
لقد ذهبت بعيدا عن العنوان الرئيسي وأطلت الشرح ونسيت الرئيس الأمريكي لا ضير فيما أطلت فهو الرئيس الأمريكي وليس شرطيا في بلاد العربان وإلا كنت الآن في خبر كان،لأني لم أحترم شخصه المهيب وقد خرقت القانون ولم أصن قدسية هذا الشرطي في بلاد العربان؟؟
عندما تطأ قدمك أرض أمريكا وقبل أن تخطو خطوة واحدة يقال لك (( ول كام )) لغة تعني أهلا وسهلا، وتطبيقا تعني مكرمة الرئيس أوباما البالغة 1100 دولارا لكل فرد من أفراد أسرتك كان عمره مائة عام أو بضع دقائق، ولا يحتاج منك أن تقدم طلبا أو تبذل جهدا أو توقع على أوراق أو تقدم آيات الشكر والعرفان بالجميل، أو إطلاق لسانك للثناء له وكما اعتدت عليه سابقا ولا إطناب لصاحب الجلالة والسمو والفخامة أو أن تقبل يده، ما عليك سوى توقيع الشيك بكامل المبلغ دون أن ينقص منه سنتا واحدا.
يا للندامة لقد عشت وعاش آبائي وأجدادي من قبلي في بلاد العربان ولم يكرموا يوما، بل كانوا وكنت معهم أهان وحين أكرم وأي كرم يأتي من الرئيس أوباما ترى إن قلت له شكرا وذلك من أخلاقنا هل أكون متهما بموالاتي للغرب والانحياز للأمريكان من الآن؟ أم يا ترى بت أكتب لهم أعلانا ومدفوع الثمن مسبقا يا أيها الإنسان..
منظمات . نقابات . اتحادات . جمعيات: لا وجود لها، وذلك سيوفر عليك الإسهاب بالإطناب على مسؤوليها أو جلب الهدايا والعطايا وباقات الورد وقناني (؟؟؟) وقوارير العطر شريطة أن تكن غالية الثمن، لكي تحظى بشرف مقابلتهم وهم ينظرون إليك من تحت طرف عدسات نظارتهم ليروا على وجهك صورة للتوسل والترجي والذل والخوف من الرفض في الانتماء لهم أو عدم القبول عندهم، إنما هناك ثلاث منظمات إنسانية مكلفة من قبل الحكومة الأمريكية تعمل على احتضانك ورعايتك للأخذ بيدك لانجاز كل ما جاء ذكره في الجزء الرابع، وتلك المنظمات هي:
1- INTERNATIONAL RESCUE COMMITTEE ويطلق عليها اختصارا أي أر سي..
2- CHATHOLIC CHAIRITIES كاثوليك جيريتي .
3- AFRICAN ALIANCE أفريكان أيلاينس.
يقع على عاتق هذه المنظمات مسؤولية النقل والترجمة و إملاء كافة الاستمارات والأوراق، وبالمناسبة ما أكثرها لأن((أمريكا)) تعشق الاستمارات والأوراق لأن كل شيء فيها يجب أن يوثق ويوقع مسبقا، وهي تقوم بـتأجير سكن لك ودفع إيجاره وتأميناته وتأثيثه وتجهيز مطبخك وثلاجتك بما تحتاجه لبضعة أيام، ولكن ليس من جيبها الخاص أو لزرقة في عيونك، إنما تخصم من إجمالي مبلغ المكرمة التي أشرت إليها أعلاه، وما تبقى منها يصرف لك نقدا كي تقوم أنت بعد ذلك بتسيير شؤونك بنفسك ووفق حاجتك ورغبتك.
لا غرابة إن بدا عليك وعلى أفراد عائلتك الإحساس بالضجر والكآبة والانطواء، وعدم الرغبة بالأكل والنوم والتكلم، والشعور بمرارة الغربة والإحساس بالوحدة والوحشة في شهرك الأول والحنين للعودة من حيث أتيت، ولكن ليس خيمة في صحراء العرب إنما بيتا وإن كان على ظهر القمر، ويعد ذلك شعورا إنسانيا طبيعيا لدى العارفين في علم النفس لتشابه التركيبة النفسية والبدنية لدى جميع البشر عند الانتقال من بيت إلى آخر، فكيف حالك وقد تسابق عليك كل من في الأرض جميعا وخاصة أبناء عمومتك من العربان، وأبناء جلدتك من الأحبة والخلان بنفيك إلى قارة لم ولن تحلم بها في يوم من الأيام، وبعد أن أذاقوك طعم العيش في الخيام لسنين وليس لأيام.
التقاعد في أمريكا: إن كان سنك قد تجاوز الخامسة والستين عاما بيوم واحد ولم يمضي على وجودك فيها يوما واحدا يحق لك التقاعد ويصرف لك راتبا شهريا وبطاقة ضمان صحي وبطاقة تموينية وسكن بأجر شهري رمزي ولمدى الحياة، ولن يلقى بك على قارعة الطريق، ولن يدعو أحد أن يمن عليك، ولم يسمحوا لعاديات الزمن وأسباب الشيخوخة أن تهين شيبتك فيما تبقى من عمرك، تماما كما معمول به في بلاد العربان فإن لي بهذا بدل العجب عجبين؟؟.. عجب على ما كنا نعيشه، وعجب على ما نحن عليه الآن، كما كل من يثبت لديه إعاقة خلقية أو من جراء حادث قد تعرض له في السابق أو خلل في السلسلة الفقرية أو تفاقم أمراض العظام أو تعاني من أمراض لا يمكن شفائها وتحول دون قدرتك على العمل أو الدراسة، يحق لك التقاعد ذاته مع كافة الحقوق وليس الامتيازات كما عودونا أيام زمان.
فهم السؤال هو نصف الجواب ...
1- كل طفل تصرف له مخصصات شهرية مع كافة الحقوق أعلاه حتى بلوغه سن الثامنة عشر من عمره، ويصرف لوالديه نفس الشيء لمدة خمس سنوات شريطة مواصلة تعلمهم للغة وتوقف عنهما إن انقطعا عن الدراسة أو حال حصولهم على عمل يدر عليهم دخلا شهريا أكثر من المبالغ التي تصرف لهم من الحكومة.
2-كل من كان في سن الثامنة عشر من عمره تصرف له كافة الحقوق أعلاه ولمدة ستة أشهر أو ثمانية أشهر ( كلا حسب ولايته ) شرط أن يواصل التعلم للغة وبواقع 140 ساعة شهريا، وتقطع عنه في حال عدم مواصلة التعلم أو الحصول على عمل أو انقضاء الأشهر الستة أو الثمانية.
3-خطأك الأول حسابه مثل حساب خطأك الأخير، إن كان ذلك عن قصد أو من دون قصد ولا يشفع لك عدم معرفتك للقانون أو جهلك بالنظام أو أنك حديث العهد بأمريكا، لأن العقوبة المالية تقدر حسب ما ينص عليه القانون وليس وفق مزاج من يقوم بتحريرها، ولا أغالي إن قلت قد يصل الأمر بمبالغ تقصم الظهر أو تعرض نفسك للحبس.
التسلسل الهرمي الاجتماعي في أمريكا ...
1-الطفل: له من القدسية غير القابلة للمناقشة مع الجاهل قبل العالم في المجتمع الأمريكي، إياك أن تمد يدك عليه لإيذائه أو إثارة خوفه أو تنظر له بعينين مفتوحة بغية إخافته، أو تصرخ به أو تفكر بزجره، فتلك جرائم عقوباتها لا تحمد عقباها ومن الأفضل معرفة ذلك مباشرة من قبلك دون الخوض فيها من قبلي؟؟ وأعلم أنه يصبح لزاما على الجار والطبيب والمعلم وحتى المارين بالطرقات إن شاهدوك أو سمعوك تقوم بأي من ذلك إخبار الشرطة، وبمجرد الضغط على الرقم 911 وخلال دقائق تجد نفسك وكأن أمة الثقلين فوق رأسك، وإلا يكونون هم أنفسهم معرضين للمسائلة القانونية في حال عدم الإسراع في الإخبار عن هذا التجاوز كبيرا كان أو صغيرا، كما لا يجوز أن تجلس الطفل بالسيارة دون مقعد مخصص له حتى بلوغه سن السابعة ومن المستحيل أن يجلس بقرب السائق دون أن يبلغ سن الثانية عشر.
2-المرأة: تعتبر في المجتمع الأمريكي كائن ملائكي (وهي كذلك)، ولا يجوز التعرض لها بأي شيء، ولا تفكر يوما بضربها لإلحاق الأذى الجسدي أو النفسي بها، وإن تركت أثرا عليها فأبشر بعقوبة السجن والانفصال عنها وقد يفضي ذلك حد ترحيلك من أمريكا كلها وبدون رجعة..
3-الحيوانات جميعها وبدون استثناء كان طائرا بالسماء أو كلبا يسير على أربعة تعتبر جريمة كبرى أن حاولت أن تلحق به الأذى أو تسخر منه أو من صاحبه لقباحة شكله أو صغر أو كبر حجمه، لان هناك كلابا" , ستراها أجزم بأنك لم ترى مثلها طوال عمرك..
4- بعد الساعة العاشرة ليلا لا يحق لك رفع صوتك أو صوت تلفازك أو أي صوت كان مصدره أنت وزوجتك أو أطفالك، لأن ذلك يسبب ذروة الإزعاج لجيرانك ولن يترددوا لحظة للإبلاغ عنك لتقع تحت طائلة القانون، وإن كانوا أو كنت قبل دقائق تسهرون معا.
بعد كل هذا قد تراني غاليت كثيرا، وبالغت أكثر فيما بينته أعلاه وذلك سيبعث في نفسك الضجر والملل والمزيد من الخوف والريبة، ولا غرابة عندما لا تستسيغ كل هذا ولسان حالك يردد لم أنا هنا أصلا، ويا ليتنا لم نأتي وتتمنى أن ترجع فورا من حيث أتيت، ولكن عليك أن تتذكر أن كثيرا من أبناء جلدتك سبقوك إلى هنا منذ عشرات السنين وكانت أحوالهم أسوء من أحوالك أكثر بكثير مما تتصور لكنهم شقوا طريقهم في أمريكا وأفلحوا، وهم الآن في وضع يحسدهم عليه ذوو القربى، ويشار إليهم بالبنان لذلك اسأل نفسك دوما بم هم يتميزون عنك؟؟ فإن لم تكن أفضل منهم ؟؟ أعمل جاهدا لتكون مثلهم، إن لم يكن خزينك من الإيمان بالله الواحد الأحد كما يجب عليك قبل المجيء إلى أمريكا أن تجهد نفسك بالتقرب من الله، وأن تجعل قلبك يعتمر به لأن في أمريكا مثلما توجد دور للعبادة وأناس مؤمنون على قلتها وقلتهم يوجد الكثير من دور الفسق والمجون والرذيلة والدمار، قد تجعل الإنسان بعد ارتيادها بفترة بسيطة من سكان الشوارع والحدائق العامة وقوت يومه هو ما يلقي الناس من نفايات في الحاويات، لذا عليك أن تحذر من كل شيء ولا تخف من أي شيء، وتمسك بما تؤمن ولا تجعل للشيطان عليك من سبيل وتكون من رواد هذه الأماكن يوما ولو ( بحجة ) من باب العلم بالشيء وحب الاستطلاع لأنك ستعرف بعد فوات الأوان أن ابنك في اليوم التالي سيكون قد سبقك إلى هناك، وعندها تقعد لتسب أمريكا لأنها هي السبب ولسانك يقع باللوم على من كان السبب بمجيئك هنا والحقيقة أنك أنت من كنت السبب والمسبب معا"؟؟ وبحق يقع اللوم عليك أنت في الأول والأخر لأن الأبناء على خطى آبائهم، وشبيه الشيء منجذب إليه ومن أكثر قربا من أولادنا وشبيها لنا..
الخاتمة: بعدما فرغت من كتابة هذه المقالة ( إن كانت حقا تسمى مقالة ) تنبهت لزوجتي التي كانت تجلس بقربي طيلة كل هذا الوقت، قد اغرورقت عيناها بالدمع، ورحت من خلف نظارتي أسترق النظر إليها والدمع منها يتساقط كحبات مطر في نهاية فصل خريف ينذر بقدوم شتاء ماطر، ولكن هالتني ابتسامتها التي اختلطت مع دموعها وصرت أتساءل في نفسي أهي ابتسامة كريح تسبق العاصفة أم ابتسامة لتمدني بسبب للحياة، عاودت النظر إليها بعدما رفعت نظارتي لأراها بكلتا عيني، فإذا بها وبحذر ووجل كبير تقلب ميدالية معلقة بسلسة على رقبتها كنت قد اشتريتها لها منذ سنوات ولها وجهين، في الوجه الأول صورة للوطن السليب وفي الآخر صورة لي عندما تقدمت لخطبتها، تنبهت إلي وأنا أنظر إليها لتبادرني بصوت يفيض حنانا وثقة: "لا عليك ( يا أبن عمتي ) سنبني لأولادنا ها هنا جنة، وسنزرع فيها شجرة زيتون، ونفرشها عشبا و سنسورها بحب ..الوطن.. وطنا بديلا لأمريكا التي لا يوجد لنا غيرها الآن بديلا؟؟..."
لم يتبقى بعد هذا الحديث بقية.. نعم سنبني جنتنا .. رغم عاديات الزمن، وكل هذا الألم وسنتجاوز كل المحن، فالله كان وسيبقى معنا ما دام في القلب إيمان به وحب كبير للوطن، وسنسمو بذكرياتنا ونداوي جراحنا، ونزرع بسمة ونطبع بصمة وألف قبلة على جدار الزمن، ولن تضيع منا الهوية مادمنا أصحاب قضية ولن أقول لكم وداعا بل أقول لكم إلى اللقاء، هذا إن كان هنالك في أعمارنا جميعا بقية...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
بقلم / جمال أبو النسب
9/2/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"