بقلم : محمد السودي
من ينقذ فلسطينيو العراق من بطش المليشيات الفئوية وقوات مغاوير وزارة الداخلية العراقية الذين استمرئت أهوائهم استباحة الدم الفلسطيني تحت ذرائع ومبررات وهمية لا وجود لها ، اقلها تهمة الانتماء إلى مجموعات إرهابية أو البحث عن أسلحة مزعومة سرعان ما يتبين أن الغرض من وراءها الابتزاز المالي والتفتيش عن غنائم مفترضة تكون نتيجتها ترويع الأطفال والنساء والشيوخ والتنكيل بالرجال على الملأ دون رحمة أو وجه حق ، والقيام بحملات الاعتقال لا يعلم احد وجهتها إلا بعد عناء طويل ، حين يتم اكتشاف الجثث ملقاة في مشرحة الطب العدلي تحمل آثار التعذيب الهمجية بأبشع صورها .
لا يدري الفلسطيني المغلوب على أمره الذي حطت به الأقدار ارض الرافدين برفقة الجيش العراقي عام 1948 إلى أين سيذهب بعد أن انقطعت به السبل المرة تلو الأخرى منذ النكبة وخاصة ان هذه الفئة من اللاجئين لم يتم تسجيلها في سجلات الاونروا نتيجة رفض الحكومة العراقية آنذاك للأمر أسوة بباقي اللاجئين الذين توجهوا إلى العديد من الدول العربية الأخرى ، حيث أخذت على عاتقها بناء تجمع سكني لهم في بغداد وبقاء العديد من العوائل سكنت الملاجئ في ضواحي العاصمة العراقية بمدينة الحرية والزعفرانية والدورة كما تم إسكان العديد من العائلات في مدينة البصرة جنوبا وأخرى بالموصل شمالا ، والحق يقال ان الحكومات العراقية تعاملت مع الفلسطينيين معاملة المواطن العراقي باستثناء منحه الجنسية وسمح لهم بامتلاك منزل أو قطعة ارض محددة خارج هذه التجمعات الأمر الذي جعل الفئة المقتدرة على شراء منازل في أماكن متفرقة ، واستمر الحال حتى عام 1990 بعد احتلال دولة الكويت ثم صدرت العديد من القوانين والإجراءات ألغيت بموجبها كافة الامتيازات المعمول بها لغير المواطن العراقي نظرا للظروف الاستثنائية التي فرضتها هذه الأحداث بما في ذلك عدم إمكانية تسجيل المركبات الخاصة والعامة أو فتح متاجر وأمور أخرى أكثر تفصيلية ...
منذ أن وطأت قوات الغزو الأمريكي والمتحالفة معها ارض العراق أستهدف الفلسطينيين بشكل خاص على اعتبار انهم " عملاء للنظام " يتمتعوا بامتيازات وثروات لا يستحقونها على حساب المواطن العراقي حسب رواية القادمين الجدد برفقة قوات التحالف الذين تسلموا زمام الحكم فيما بعد ، وتحولت حياة الفلسطيني إلى جحيم لا يطاق حيث تم طردهم من بيوتهم وممتلكاتهم وتفجر الحقد الأعمى ضدهم إلى أن تم بناء مخيمات إيواء على ارض ملعب نادي حيفا المحاذي للتجمع السكاني في البلديات الذي أنشأته اللجنة الاولمبية الفلسطينية كجزء من فعاليات منظمة التحرير الفلسطينية في الشتات ، كما قدمت المنظمات الدولية والإنسانية يد العون في توفير بعض المستلزمات التي ترتبت على ذلك الوضع الناشئ بما فيها زيارات شبه يومية للقوات الأمريكية ، والغريب في الأمر ان هذه القوات قامت باقتحام مقر النادي شاركت به الدبابات والطائرات العمودية وقوات المشاة ثم داهمت مجمع البلديات السكني تحت ذريعة وجود إرهابيين ومخازن للأسلحة وحين اكتشفت هذه القوات عدم وجود أي شيء من هذا القبيل إلا السكان المدنيين الآمنين حاولت إصلاح ذات البين ووعدت بإطلاق سراح من تم اعتقاله داخل نادي حيفا وترميمه بعد التدمير الذي لحق به ، ثم قاموا بتوزيع المواد الغذائية والتجهيزات في بادرة حسن نوايا قابلها رد فعل المواطنين بأن تم جمع هذه المواد وإحراقها أمام مرأى القوات الأمريكية الأمر الذي أثار حفيظتهم وغيظهم وبالتالي أسندت مهمة التنكيل بالفلسطينيين إلى المليشيات المتحالفة معها والحاقدة على كل ما هو عربي وفلسطيني يتقدمهم جيش المهدي وقوات بدر ، الذين سخروا كافة طاقاتهم للحصول على الغنائم كما يقولوا هم أنفسهم بأنهم الورثة الحقيقيين للنظام السابق وكل شيء مستباح لهم وعلى الفلسطينيين الرحيل إلى جهنم ...
في ظل هذه الفوضى العارمة وتفكك مؤسسات الدولة توصل فلسطينيو العراق إلى قناعة مفادها أن لا مكان آمن لهم في العراق الجديد ثم بدأت عمليات نزوح العائلات إلى المجهول هربا من الموت المحتوم واستطاع من لديه القدرة والإمكانية على مغادرة سكناهم باتجاه الحدود الأردنية والسورية ولكن شريحة ممن لم يتمكنوا من الرحيل بسبب قلة الحيلة من جهة وبيع ممتلكاتهم لسد رمق أطفالهم وعوائلهم من جهة أخرى آثروا البقاء مسلمين أمرهم للقدر وهؤلاء تقدر أعدادهم حوالي ستة آلاف شخص من أصل ما يربو على أربعة وثلاثين ألف فلسطيني عام2003 يضاف إليهم بضعة آلاف غادروا الكويت عامي 1990 و1991 حطت بهم الرحال في العراق وبات حالهم حال الآخرين ، وهكذا بدأت رحلة التيه الجديدة وافترشت الغالبية العظمى الأراضي الصحراوية على جانبي الحدود الأردنية والسورية في مخيمات إيواء تنقصها كافة مقومات الحياة الإنسانية ، ثم انتقل جزء منهم بشكل منظم أو فرادى إلى العديد من الدول منها أيسلندا البرازيل ، ايطاليا ، الأرجنتين ، أمريكا ، قبرص ، تركيا ، السويد ، اليمن ، وبقي حوالي ثلاثة آلاف مازالوا في مخيم الحسكة السورية ودمشق ، والحديث يطول عن المعاناة التي واجهها المهاجرين إلى هذه الدول ، أما ما تبقى منهم داخل العراق موضوع المقال الذين يستقبلون الموت بصمت من قبل الأجهزة الحكومية المنفلتة من عقالها تتمثل بقوات مكافحة الإرهاب ، ومغاوير الداخلية ، وجهاز الاستخبارات يضاف إليها وحشية المليشيات المتمركزة في مدينة الصدر " الثورة سابقا " شرق بغداد ، والعصابات الإرهابية المنتشرة في كل مكان التي تقوم بعمليات اختطاف الأطفال والرجال مقابل فدية مالية كبيرة ، ومع ذلك لا يوجد أي ضمانات لسلامتهم والحقيقة ان هناك توثيق لكل هذه الحالات بالأسماء ممن تعرضوا إلى القتل أو التشويه الجسدي خلال الإفراج عنهم ، وكذا الأمر ينطبق على الأجهزة الحكومية التي تطلب الأموال الطائلة لقاء معلومات عن المفقودين ، وفي كثير من الأحيان تكون عملية احتيال ممنهجة ...
لا شك ان هذه المأساة المستمرة لازالت تلقي بظلالها على القيادة الفلسطينية أولا ، وللإنصاف فان القيادة بذلت جهودا استثنائية لمعالجة الموضوع على أكثر من اتجاه من خلال اللقاءات الرسمية مع القيادة العراقية الجديدة أو ما تقوم به السفارة الفلسطينية من جهود لا تلقى اذانا صاغية لأسباب عدم قدرة هذه الجهات على فعل شيء ، وللعلم فقط ان السفارة كانت قد تعرضت للهجوم والاقتحام من قبل القوات الأمريكية عام 2003 ، واعتقلت القائم بالأعمال وعدد آخر من العاملين فيها ، أرادت ان توجه رسالة من خلالها إلى الآخرين بأنه لا توجد حصانة لأحد ، كما اعتقلت يوم 16 /4 / 2003 الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية محمد عباس " أبو العباس " في عملية استعراضية على الطريقة الهوليودية دون أي مسوغ قانوني ، اللهم إلا إذا كانت القوات الأمريكية بحاجة إلى تسجيل انتصارات وهمية تبرر فيه احتلالها لبلد عريق عضو في الأمم المتحدة بعد أن اتضح فشلها في العثور على أسلحة الدمار الشامل المبرر الوحيد لغزوها العراق ثم قامت بتصفية القائد أبو العباس بتاريخ 7 / 3 / 2004 في سجونها ، كما قامت باعتقال المئات من الشباب الفلسطيني ومنهم لازال داخل السجون أو في عداد المفقودين لدى القوات العراقية ...
إن المناشدات والاستغاثات التي يرسلها أبناء شعبنا في العراق تؤكد من جديد ضرورة بذل أقصى الجهود لإنقاذهم من جحيم الموت الصامت وتأمين ملاذ آمن لهم أو توفير الحماية الحقيقية بالرغم من كل الوعود فلا زالوا يواجهون لقتل الصامت والقهر والحرمان لا لشيء سوى انهم فلسطينيون يعاملون معاملة الدونية عن باقي بني البشر ، إلى حين عودتهم إلى أرضهم ووطنهم هؤلاء ضحايا ذلك الظلم التاريخي المركب لأبناء شعبنا ينبغي إنهاؤه بالشكل الذي يحفظ لهم حياتهم وكرامتهم الإنسانية ... فهل من مجيب ؟ .
محمد السودي
عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية
4/2/2012
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"