الفنتازيا الفلسطينية – خليل قنديل

بواسطة قراءة 2112
الفنتازيا الفلسطينية – خليل قنديل
الفنتازيا الفلسطينية – خليل قنديل

في الوقت الذي يستعد فيه المفاوض الفلسطيني إلى خوض معركته التفاوضية مع سدنة المطبخ التفاوضي الاسرائيلي ، لمناقشة الوضع النهائي للقضية الفلسطينية من حدود وعاصمة وحق عودة للاجئين. في هذا الوقت التفاوضي المريض عربيا ودوليا ، والمشتت بين العمل على تسريع إقامة مؤتمر الخريف ، أو تأجيله ، نلحظ بأن بعض فلسطينيي الشتات بدأوا يتعرضون إلى ما يُمكن تسميته بفنتازيا المنفى ، أو إلى المنفى المُركب الذي يستدعي حضور هذه الفنتازيا وإعادة عقلنتها وتسويقها في رأس المُهجّر الفلسطيني.

فالفلسطينيون الذين زُرعوا قهرا خلال أكثر من خمسين عاما في مخيم نهر البارد ، وأقاموا طوال هذه العقود في منطقة الحلم الشعاري والخطابي المجلجل بانتظار تحرير فلسطين ، وانقاذهم من البيوت الضيقة المتلاصقة والازقة النحيلة المليئة بالمكاره الصحية ، والتضخم الفصائلي الفلسطيني على تنوع مرجعياته الثورية.

فلسطينيو مخيم نهر البارد وفي لحظة ثورية حمقاء اضطروا إلى خلال الاشتباكات بين الجيش اللبناني وأتباع شاكر العبسي ، إلى الدخول في هجرة جديدة ، إلى مخيمات فلسطينية شقيقة في الأراضي اللبنانية ، والى اللجوء إلى مدارس لبنانية ، بانتظار نهاية معركة مخيمهم.

والغريب أن مهجري مخيم نهر البارد ، صاروا يحلمون بالعودة الى مخيمهم ، حتى قيل بان رغبتهم بالعودة ، أخذت تتشابه مع رغبتهم في العودة إلى فلسطين. وفكاهة فانتازيا النفي والمنافي عند الفلسطينيين لم تتوقف عند هذه المفارقة ، بل ذهبت إلى طرح التهجير الفلسطيني عربيا وعالميا ، إلى ما يُشبه المزاد في قبول الفلسطينين أو رفض استقبالهم. هذا ما حدث بالضبط مع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في العراق ، والذين تتوازى أعمار اقاماتهم في العراق مع عمر النكبة الفلسطينية ذاتها. وقد اضطر هؤلاء وتحت وطأة الاحتلال الأمريكي للعراق ، والذبح المذهبي الدموي ، وقسوة فكرة الثأر من هذا الفلسطيني الذي يظل يُذكر بالفواتير القومية التي دفعها العراق ، إلى اقتراح هجرتهم ومنافيهم الجديدة على العرب والعالم.

وكان إن وافق السودان على استضافة دفعات من فلسطينيي العراق ، بينما أعلنت البرازيل مؤخرا عن وصول آخر دفعة من فلسطينيي العراق إلى أراضيها. وسيكون على فلسطينيي السودان والبرازيل إذن التدرب على منفى جديد ، بحيثيات مكانية جديدة وبواصفات مناخية جديدة أيضا ، ولهجات جديدة ولغات جديدة أيضا. وسيكون على رأس الفلسطيني المثقل بحلم العودة ، أن ينفتح على أفق جديد ، هو فانتازيا المنفى وفكاهاته التي يبدو أنها ستكون أكثر قسوة وإيلاما في السنوات المُقبلة.

[email protected]

22/10/2007