الفلسطينيـون في العــراق: رؤيــة عراقيــة - عبد الحسين شعبان

بواسطة قراءة 2051
الفلسطينيـون في العــراق: رؤيــة عراقيــة - عبد الحسين شعبان
الفلسطينيـون في العــراق: رؤيــة عراقيــة - عبد الحسين شعبان

2/5/2008

بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق نحو اربعين ألف لاجئ، وكان السبب الأساس لتشردهم هو طردهم من ديارهم بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 وممارستها عمليات إجلاء وتهجير قسريين وعقوبات جماعية. ويشمل هذا الرقم القسم الاكبر من اللاجئين الفلسطينيين. أما القسم الثاني، فقد وصل الى العراق بعد عدوان حزيران 1967، والقسم الثالث بعد غزو القوات العراقية للكويت عام 1990 وما تبعها من اضطرار الفلسطينيين للهجرة من الكويت.

منذ احتلال القوات الاميركية - البريطانية العراق في 9 نيسان 2003 وأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق في تدهور مستمر، فإضافة الى ما عانوه مثل اشقائهم العراقيين من ويلات الحروب والحصار والارهاب والاحتلال، فقد تعرضوا لهجمات منظّمة ومستمرة لدوافع شتى سياسية ومذهبية وطائفية وعرقية واقتصادية واجتماعية، ومن جانب دوائر مختلفة دولية واقليمية وجهات أخرى من داخل الحكومة العراقية ومن خارجها، دون توفير أية حماية لهم، وفقاً لقواعد القانون الدولي الانساني واتفاقات جنيف لعام 1949 وملحَقْيها بروتوكولَيْ جنيف لعام 1977 حول حماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، وضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية.

واستهدفت الجماعات المسلحة الرسمية أو شبه الرسمية، وبعضها يرتدي زيّ وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع ويستخدم آلياتهم، وبمساعدة القوات المحتلة، إذلال الفلسطينيين في العراق والسعي لإخراجهم من بيوتهم وملاحقتهم بتهم شتى، بعضها جاهز لكونهم كانوا يعيشون في العراق، فالاستنتاج المنطقي اذاً انهم من المحسوبين على النظام السابق او يتعاطفون معه، والاّ لماذا يحصلون على بيوت وامتيازات. ولم تخلُ تلك النزعات من تحقير للعروبة، بإعتبارها أمراً مرذولاً وصفة منبوذة!.

وبثأر وكيدية وانتقام تعرّض نحو 250 فلسطينياً للاغتيال المنهجي، واضطرت أعداد كبيرة منهم الى الهجرة من العراق في ظروف بالغة القسوة والسوء بعد عشرات السنين عاشوها هناك معززين مكرّمين، وساهموا مع أشقائهم في بناء العراق ونهضته وتقدمه، سواء في العهد الملكي أو العهد الجمهوري الأول (بزعامة عبد الكريم قاسم) الذي ساهم في تأسيس جيش التحرير الفلسطيني، أو في العهود الجمهورية التي أعقبته سواء عهد الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف أو عهد حكومتي البعث، مشاطرين العراقيين أفراحهم وأتراحهم، وكدحهم وعطائهم، متلازمين ومتآخين في السرّاء والضرّاء.
لقد تبدّلت ويا للاسف المعاملة الرسمية للفلسطينيين بعد الاحتلال، وجرت حملات إعلامية منظمة ضدهم وضد أي وجود عربي سواء كان من السوريين أو اللبنانيين أو غيرهم. ولعل الضجيج الاعلامي والهوس العدائي وصل الى حد مساواة كل عربي بالارهاب. وكأن العرب مرتع خصب لذلك بتعميمات ساذجة، ودون تمييز بين حالة وأخرى. فالولايات المتحدة هي التي فتحت أبواب العراق على مصراعيها مستقدمة أنواعاً مختلفة من "الارهابيين" والمرتزقة، والضالعين في أعمال الجريمة المنظمة، بمن فيهم من داخل العراق، بما جعل العراق بؤرة جاذبة لكل أشكال العنف والقتل والجريمة، وكان الفلسطينيون ضحية من الضحايا المستهدفة.

ولعل التبريرات التي كانت تقال همساً أو علناً، وعلى لسان مسؤولين حكوميين، هي أن الفلسطينيين لم يكونوا "معنا" أيام النظام السابق، وأن العرب "خذلونا"، وأننا لا نريد مساعدتهم ولا نريد تدّخلهم بما فيهم جامعة الدول العربية، خصوصاً في الفترة الأولى، وكأنهم هم المسؤولون عمّا حصل للعراق، وليس الاحتلال. والذريعة الأخرى أن العرب، والفلسطينيين بشكل خاص، هم من يرفد "المقاومة" بالمسلحين، الذين يأتون من خارج الحدود، ويقومون بالتفجير وتفخيخ السيارات والعمليات الانتحارية، الى غير ذلك من التبريرات والذرائع التي كانت تقال بدم بارد، ولكن بفعل عنيف ودموي ضد الفلسطينيين والعرب، منذ اليوم الاول للاحتلال، وكأن الأمر لا علاقة له بوجود إحتلال مرفوض من جانب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وشعب عراقي توّاق الى الحرية والاستقلال واستعادة السيادة كاملة وغير منقوصة وتالياً استخدام جميع الوسائل السلمية والعنفية لطرد المحتلين، سواء كان هناك وجود لفلسطينيين في العراق أم لا.

إن التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في العراق هي:

1-    تحدي الاحتلال، الذي لم يوّفر لهم الحماية، ناهيكم عن كونه لم يوفرها للعراقيين. فقد دخل العراق بوابة جهنم بالانفلات الامني وغياب مؤسسات الدولة وبخاصة حلّ القوات المسلحة والقوى الامنية، تلك التي تركت الحبل على الغارب لتفشي الارهاب واستفحال الجريمة المنظمة والفلتان الامني.

2-    صعود تيار طائفي ومذهبي وعرقي مناوئ للعرب والعروبة وللفلسطينيين بشكل خاص، وهؤلاء الطائفيون يحسبون الفلسطينيين على مذهب معين، فيذهبون ضحية الطائفية المقيتة، خصوصاً في ظل التوتر والاحتقان والعنف المذهبي وغياب الهوية العراقية الجامعة.وفي هذا الاطار يصنَّف هؤلاء الطائفيون الفلسطينيين كطابور خامس لانهم يرفضون الاحتلال الذي عانوا منه في فلسطين وفي العراق اليوم. والأكثر من ذلك تستبطن تلك الدعوات المناوئة للفلسطينيين فكرة كانت قد راجت منذ سنوات حول رفض "توطينهم" في العراق، لكي لا يؤثروا على تغيير التركيب الديموغرافي والسكاني المذهبي والطائفي، وليس لدوافع واعتبارات مبدئية، والدعوة الى عودتهم الى وطنهم طبقاً للقرار194.

 3-    تفشي ظاهرة الارهاب المنظم، الذي تقوم به جماعات مسلّحة بشكل روتيني، ولا يستبعد أن يكون بينها بعض الجماعات المأجورة، أو التي تعمل لمصلحة جهات خارجية ليس بعيدا عنها "الموساد" الاسرائيلي. وقد نشطت جماعات عراقية في زيارات خاصة لاسرائيل وأقامت مكاتب لها في العديد من المدن العراقية بأسماء تجارية أو مكاتب مهنية.

وجاء قسم منها عبر بعض منظمات المجتمع المدني أو الجمعيات الخيرية والانسانية، إضافة الى أن بعضها عمل في شركات الحماية الخاصة للأفراد أو لحماية المنشآت النفطية والكهربائية. وقسم كبير منهم يحمل جنسية اميركية او جنسيات أخرى. وهناك طابور إعلامي ومراكز أبحاث تحاول، بما تبثه من سموم، النيل من الفلسطينيين، ويُذكر أن الذي وضع مسودة قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية هو نوح فيلدمن الذي هو من أصل يهودي وتوجهه صهيوني. 

4-    استهداف المؤسسات الفلسطينية في العراق، بما فيها السفارة الفلسطينية وإشعار الفلسطينيين بأنهم غير مرغوب بهم. ورغم محاولات السفارة الفلسطينية في بغداد الاتصال بالمسؤولين ومناشدة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، الاّ ان محنتهم تعاظمت وازدادت، ولم تستطع الجهات الرسمية توفير أي حد، ولو أدنى، من الحماية لهم. وجاءت زيارة أسعد عبد الرحمن مسؤول ملف اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية لبغداد والمسؤول الامني الفلسطيني جبريل الرجوب لكردستان لتصبا في هذا الاتجاه، خصوصاً إرتفاع المطالبة بتوفير حماية دولية للاجئين الفلسطينيين في العراق. ولا يزال العديد من الفلسطينيين مغيبين أو مختفين قسرياً وتحتفظ السلطات المحتلة أو العراقية بقسم منهم في السجون.

وفي الوقت الذي يتطلب الامر وضع حد عاجل وسريع وانساني لمأساة اللاجئين الفلسطينيين في العراق، فان الواجب يقتضي الضغط على منظمة "الاونروا" ووكالة الغوث لتحمل مسؤولياتهما، إضافة الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وإن كانت "الاونروا" هي الجهة المنوط بها متابعة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين طبقا للقرار 194 لعام 1948 والخاص بحق العودة. والامر يقتضي أيضاً أن يتحمل مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة مسؤوليته إضافة الى جميع المنظمات الدولية للسلام، مع لفت نظر مؤسسات حقوق الانسان العربية والدولية والمجتمع المدني العالمي، الى خطورة الوضع الفلسطيني في العراق، الذي وصل الى حد المأساة الخطيرة.وفي هذه المناسبة فإن الامم المتحدة تتحمل مسؤولياتها، لوقف القمع والاضطهاد والاعتقال والتنكيل الجماعي والقتل اليومي، خصوصاً ان قوات الاحتلال طبقاً للقرار الاممي 1546 الصادر في 8 حزيران 2004 والمؤسس على القرار 1483 الصادر في 22 ايار 2003 الذي "شرعن" الاحتلال، ووفقاً لقواعد القانون الدولي، تتحمل مسؤولية ما يحصل للفلسطينيين، الذين يحق لهم رفع شكاوى دولية لملاحقة المرتكبين والمسؤولين عن مأساتهم.

كما تتحمّل الجهات الرسمية العراقية ما يتعرض له الفلسطينيون من تنكيل جماعي، فهي مسؤولة عن حماية أرواح الفلسطينيين وممتلكاتهم وفي الوقت نفسه فإنها مسؤولة أيضا عن ملاحقة المرتكبين وتقديمهم الى القضاء لينالوا جزاءهم العادل. وتشير المعلومات المتوافرة الى أن هناك جماعات وميليشيات وقوات حكومية وشبه حكومية قامت بمساعدة القوات المحتلة بعمليات دهم واسعة وطرد المئات من الفلسطينيين من بيوتهم والاستيلاء عليها دون وجه حق، إضافة الى قتلهم "على الهوية".

ان العدد المتبقي من اللاجئين الفلسطينيين حالياً في العراق هو نحو 15 ألفاً فقط، والغالبية هاجروا وقسم كبير منهم موجود على الحدود العراقية - الاردنية (منطقة الروشيد والمنطقة العازلة) أو الحدود العراقية - السورية في منطقة طريبيل العراقية، ومخيمي الهول والتنف السوريين وهؤلاء جميعاً يحتاجون الى مدّ يد العون وتوفير الحماية الانسانية الدولية الضرورية لهم.
لقد عانى فلسطينيو العراق من التهجير الصهيوني وهم يعانون اليوم من التنكيل الجماعي بسبب الاحتلال الاميركي - البريطاني للعراق، وحتى قوانين الاحتلال وقواعد القانون الدولي الانساني واتفاقات جنيف لعام 1949 وملحقاها لعام 1977 والاتفاقية الدولية بشأن اللاجئين لعام 1951 وملحقها لعام 1967، اضافة الى الشرعة الدولية لحقوق الانسان، تستوجب حماية أرواح السكان المدنيين الابرياء العزّل والحفاظ على ممتلكاتهم وعدم جواز اتخاذ اجراءات من شأنها تغيير المركز القانوني للاجئين المعترف بهم دولياً. كما أن من مسؤولياتها حفظ الامن والنظام العام وعدم إجراء تغييرات دستورية أو بنيوية تؤثر على الاقليم المحتل، وهو الأمر الذي تتحمله أيضاً الحكومة العراقية.

وقد أقدمت الحكومة العراقية (في عهد حكومة الجعفري) على إجراءات من شأنها التضييق على الفسطينيين في ما يتعلق بوثائق السفر أو معاملات الإقامة وتجديدها أو غير ذلك من الاجراءات "الاحترازية" كما تم تبريرها!ولا بدّ للأمم المتحدة و"الاونروا" والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين وجميع الوكالات الدولية المعنية من تأمين ملاذ آمن للفلسطينيين والعرب سواء من بقي منهم في العراق أو الذين يريدون مغادرته أو الموجودون على الحدود وفي المخيمات او الذين ساعدتهم الظروف ووصلوا الى بلدان أخرى، وتعويضهم عمّا أصابهم من أذى وما لحق بهم من أضرار وتوفير الحماية الدولية الانسانية الكاملة لهم، ولعل في ذلك أبسط حقٍ من حقوقهم التي يكفلها القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وبخاصة للنساء والاطفال والمرضى والشيوخ ناهيكم عن شمولها لجميع اللاجئين.وكما قلت سابقا في أكثر من محفل دولي وحقوقي أحمل المسؤولية الاساسية بعد اسرائيل للاحتلال الاميركي للعراق فضلاً عن الحكومة العراقية والجماعات المسلحة الارهابية، وأجد نفسي أخلاقياً وشخصياً وإنسانياً أطلب من الاشقاء الفلسطينيين قبول اعتذار اشقائهم العراقيين، الذين يشاطرونهم المحنة والمأساة ذاتها، ونحن هنا اذ نستنكر هذه الاعمال المنافية لحقوق الانسان ولقواعد وأصول الضيافة للاشقاء الفلسطينيين في بلدهم العراق، فإن من الواجب التذكير لكل من يحاول الجحود أو يستمرئ الوضع الجديد تحت ذرائع شتى، بالمساعدات السخية المادية والمعنوية التي قدمتها منظمة التحرير الفلسطينية ومنظمات المقاومة الفلسطينية للقوى الوطنية العراقية، وبخاصة في سنوات السبعينات والثمانينات، ونعتبر تلك المحاولات التي تريد النيل من الفلسطينيين، انما هي ذاتها التي تريد اذلال العراقيين لكي يصبح الامر الواقع واقعاً، (عراق بعيد عن العرب والعروبة) مشددين على عرى الاخوة والمصير المشترك الفلسطيني - العراقي، معتبرين كل نجاح او انتصار أو انتكاسة أو هزيمة في أي بلد من بلدان الامة العربية، انما يخص الجميع.

   عبد الحسين شعبان

باحث وأكاديمي عراقي

خبير في حقوق الإنسان