مجلة اضواء الشموع - تصدر في اليمن - الأربعاء, 28 فبراير 2007
كان العراق، كما هو حال الأردن وسوريا ولبنان ومصر، من البلدان التي استضافت أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين منذ الحرب العربية الإسرائيلية في 1948 - 1949 التي سببت تهجيراً واسعاً للفلسطينيين من إسرائيل.
وعلى خلاف الدول الأخرى، لم يوقع العراق اتفاقيةً مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) التي أنشئت عام 1949 إذ فضل معالجة احتياجات اللاجئين الفلسطينيين بنفسه. ولا توجد إحصائياتٌ دقيقة لعدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق، لكن معظم صناع السياسة، بمن فيهم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين والسلطات العراقية، يقدرون عددهم قبل الحرب في عام 2003، بأربعةٍ وثلاثين ألفاً.
ويمكن تقسيم هؤلاء إلى أربع مجموعات رئيسية: (1) اللاجئون الذين فروا أو طردوا أثناء حرب 1948 - 1949؛ (2) الذين فروا أو طردوا أثناء حرب 1967؛ (3) الذين فروا أو طردوا من الكويت ودول عربية أخرى في أعقاب حرب الخليج عام 1991 عندما أثار تأييد ياسر عرفات العلني لغزو العراق للكويت مشاعر معادية للفلسطينيين؛ (4) عدد كبير من فلسطينيي الدول العربية الأخرى الذين جاؤوا إلى العراق للعمل أو استقروا فيه.
وتعيش الغالبية الساحقة من فلسطينيي العراق في العاصمة بغداد. وقبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، كان قرابة 4000 فلسطيني يقيمون في مدينة الموصل الشمالية. كما كان نحو 700 فلسطيني يقيمون في مدينة البصرة الجنوبية. وتقيم نسبةٌ كبيرة من فلسطيني العراق في الأحياء التالية ببغداد:
المشتل، وبغداد الجديدة، والسلام، والدورة، والكرادة الشرقية، والبتاوين، والزعفرانية، والبلديات، والحرية؛ إضافةً إلى وجود عددٍ منهم في منازل خاصة موزعة في أنحاء المدينة. ويقطن معظم الفلسطينيين في مبانٍ قليلة الارتفاع بنتها الحكومة العراقية.
وتتخذ بعض الأسر مباني حكومية ملجأ لها (كالمدارس السابقة). ففي حي الزعفرانية مثلاً، كانت ثماني أسر تقطن في مدرسة كانت للمكفوفين، كما كانت ثماني أسر أخرى تقطن في ملجأ سابق للأيتام. وهناك أسر فلسطينية تستأجر منازل خاصة في بعض الأحياء.
لقد قاتل الجيش العراقي في المنطقة الممتدة من حيفا إلى جنين أثناء حرب 1948 - 1949. وعند انسحابه اصطحب عدداً من اللاجئين الفلسطينيين (وهذا ما يفسر كون كثير من العائلات الفلسطينية في العراق تنحدر من حيفا الموجودة في إسرائيل الآن). وقد قامت الحكومة العراقية بإسكان آلاف اللاجئين الفلسطينيين في المدارس ومعسكرات الجيش كتدبيرٍ عاجل. وسرعان ما بدأت تبني "أنظمة إيواء" مؤقتة لإسكانهم.
وفي السبعينات أقامت الحكومة لهم مجمعاتٍ سكنية مزودة بالخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصرف الصحي. لكن شروط المنازل المؤقتة كانت سيئة، كما أن المساكن التي بنتها الحكومة لم تكن كافيةً لاستيعاب النمو السريع في أعداد الفلسطينيين. واستجابةً لحاجة هؤلاء إلى السكن، بدأت الحكومة العراقية استئجار منازل خاصة من أجلهم وإسكانهم فيها مجاناً. ويقدر أن 63% من اللاجئين الفلسطينيين في العراق استفادوا من هذا الإسكان الذي وفرته الحكومة. لكن ترتيبات الإسكان المواتية التي تمتع بها الفلسطينيون لم تكن السبب الوحيد في عداء بعض الشيعة الصفويين لهم.
ففي سبيل تعزيز صورته كقائدٍ عربي، أعلن صدام حسين عام 2001 عن تشكيل قوة شبه عسكرية جديدة هي "جيش القدس" بهدف "تحرير" القدس. كما كان صدام حسين يمنح علناً تعويض "الشهيد"، والذي يعادل 25000 دولار، لأسر الفلسطينيين الذين ينفذون تفجيرات انتحارية، وكذلك مبلغ 10000 دولار لأسر غيرهم من الفلسطينيين الذين قتلوا في الانتفاضة. وكانت التقارير تشير إلى أن العراقيين ورغم انهم كانوا يعانون من نظام العقوبات الصارم، أبدوا ارتياحاً كبيراً من قرار صدام حسين بإرسال مليار يورو كمساعدةٍ للفلسطينيين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وكانت الحكومة العراقية تعفي الفلسطينيين من الخدمة العسكرية، بما في ذلك الخدمة في جيش القدس .حرب 2003 ورد الفعل تجاه فلسطينيي العراق الهجمات والتهديدات بعد سقوط بغداد اشتكى الفلسطينيون العراقيون الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش عقب سقوط حكومة صدام حسين عام 2003 مباشرةً من الهجمات التي تعرضت لها بيوتهم، ومن التهديدات ومختلف أشكال المضايقة من جانب العراقيين. وقد رافقت الهجمات شتائم تنبئ بكره الفلسطينيين بسبب ما تلقوه من معاملةٍ تفضيلية في ظل صدام حسين وتدعو إلى طردهم من العراق. وعلى سبيل المثال، روت نظيمة سليمان، وهي امرأةٌ في الخمسين تقيم في حي الحرية ببغداد، أن 15 رجلاً مسلحاً جاءوا إلى منزلها يوم سقوط بغداد وقالوا لأسرتها: "هذا المنزل ملكٌ للعراقيين؛ وأنتم لا تملكون شيئاً. لقد كان صدام يحميكم. اذهبوا الآن واطلبوا من صدام أن يعطيكم بيتاً آخر".
وبعد يومين من ذلك التهديد، أي في 11 أبريل/نيسان 2003، ألقى أشخاصٌ مجهولون قنبلتين داخل منزل نظيمة فدمروه وقتلوا حفيدتها ذات الأشهر السبعة راوند محمد سليمان. كما جرح ثلاثةٌ من أبنائها وثلاثةٌ من أبناء عمومتها جراحاً خطيرة استدعت نقلهم إلى المستشفى. وقد أبلغ فلسطينيون آخرون عن حدوث تهديداتٍ وهجماتٍ مماثلة في أنحاء متفرقة من بغداد. وهو ما تبينه الحالات التالية.
يروي مرتضى .م، وهو سائق سيارة أجرة يسكن في "بنايات الفلسطينيين" التي تضم حوالي 80 أسرة فلسطينية في حي الزعفرانية ببغداد، كيف جاء أربعة رجال مسلحين إلى المجمع السكني يوم 22 أبريل/نيسان ودخلوا المدرسة. وقد صد السكان الفلسطينيون الهجوم بإطلاق النار على المسلحين. لكن مدنيين مجهولين جاءوا إلى المجمع محتجين وصائحين: "اتركوا الزعفرانية كما تركتم فلسطين".
وروى سمير، وهو خباز يسكن في "بنايات الفلسطينيين" في حي البلديات، أن مسلحين جاؤوا إلى المجمع السكني بعد سقوط بغداد بخمسة أيام، وكانوا يصيحون مطالبين الفلسطينيين بالرحيل ويحملونهم مسؤولية الحرب. كانوا يصيحون: "أنتم السبب"، "لقد أعطاكم صدام مليون يورو ولم يعطنا شيئاً". ثم انتقل سمير مع أسرته إلى حي الحرية، لكنه تعرض للهجوم ثانيةً من قبل مسلحين جاءوا يحتجون خارج مركز اللاجئين ويقولون للفلسطينيين أن "يخرجوا".
أما محمد، وهو موظف جمارك يعيش مع أسرته في شقةٍ بأحد "بنايات الفلسطينيين" الثلاثة في حي التأميم ببغداد (وهي تؤوي 45 أسرة فلسطينية)، فتحدث كيف تعرضوا لعشرة أيام من التهديدات وإطلاق النار قبل أن يقرروا الفرار يوم 21 أبريل/نيسان 2003. وقال محمد لهيومن رايتس ووتش: كانوا يحملون بنادق كلاشنكوف ويطلقون النار على المباني. كنا في الداخل، وكانوا يدخلون إلى ممر المبنى أحياناً... لقد كانوا سكارى. وكانوا يهددوننا قائلين بأنهم سيجلبون القنابل، ويقولون: 'سنحرقكم'. 'نريد أن ترحلوا. هذا البلد لنا. كنتم تحبون صدام، وهو قد ذهب الآن'".
طرد الأسر الفلسطينية من منازلها قالت كثيرٌ من الأسر الفلسطينية العراقية التي تحدثت هيومن رايتس ووتش إليها عام 2003 أن التهديدات والمضايقات والعنف الذي كان يحدث أثناء النزاع على الإيجار هي السبب الرئيسي لمغادرتهم بغداد أو لانتقالهم إلى أحياء أخرى ضمن المدينة. وقد بدأ طرد اللاجئين الفلسطينيين من منازلهم بمجرد بدء الغزو الذي قادته الولايات المتحدة تقريباً.
وفي كثيرٍ من الحالات، قام مالكو المنازل المسلحون من الشيعة بطرد مستأجريها؛ أما في حالاتٍ أخرى فقد حاول عراقيون مسلحون طرد الفلسطينيين من المنازل الحكومية بغية الاستيلاء عليها لأنفسهم. وقال إبراهيم خليل إبراهيم لهيومن رايتس ووتش، وهو رجل أعمالٍ متقاعد في الستين من عمره فقد المنزل الذي يستأجره منذ 22 عاماً: اغتنم العراقيون فرصة الحرب لإخراجنا من منزلنا. لقد جاءوا منذ بداية الحرب، حيث كان المالكون مسلحين، وقالوا: 'اخرجوا من بيتنا. لم تعد هناك حكومة، ونحن نريد بيتنا. وسنضع الآن رصاصةً في رأس كل واحد منكم'. كانوا يقصدون رأسي ورؤوس أولادي... فقلنا في أنفسنا أن هناك حرباً، وما من أحد يحمينا إن أرادوا قتلنا. وهكذا رحلنا. لم نكن وحدنا، فقد رحل كثيرٌ من الناس. لقد طردوا كل من لم يكن عراقياً مع عائلته... لم يعد لدينا من يحمينا بعد رحيل صدام حسين.
كما تركت أسرة خيرية شفيق علي شقتها العائدة للحكومة في بغداد بعد أن هددتهم مجموعاتٌ من الرجال الشيعة المسلحين جاءت أربع مرات إلى شقتهم: "هددوا بإفراغ أسلحتهم في رؤوسنا. وقد بدأوا يأتون بعد سقوط الحكومة؛ بعد أسبوعٍ من سقوطها تقريباً... وقد أطلقوا الرصاص على المنزل. وقالوا لنا: 'لقد رحل صدام، وأنتم لا تساوون شيئاً هنا. أنتم لا تملكون شيئاً في العراق، فإن أردتم الرحيل خذوا ملابسكم فقط'" وقدم جهاد ج. البالغ 24 عاماً روايةً شبه مطابقة عن قيام مجموعة من المسلحين بإخلاء أسرته من منزلها المعفي من الأجرة في حي الطبجي ببغداد والذي كانت تسكنه منذ الثمانينات. فبعد يومين من سقوط حكم صدام حسين جاءت مجموعة من خمسة مسلحين فحطمت باب المنزل ودخلت:
"قالوا لنا بأن نخرج من المنزل وإلا قتلونا. وكانت أسلحتهم موجهةً صوبنا. وكانوا يطلبون منا مغادرة العراق ويقولون أن العراق بلدهم. وقد شتموا صدام قائلين أنه عذبهم بسببنا، وأشياء أخرى من هذا القبيل. ثم أمهلونا 24 ساعة للرحيل". حدثت حالات الإخلاء القسري للفلسطينيين في جميع أنحاء بغداد، بل طالت أيضاً الفلسطينيين القلائل الذين يسكنون منازل خاصة يدفعون أجورها حسب أسعار السوق.
وقال وسام أ. لهيومن رايتس ووتش، وهو سائق رافعة يعيش مع زوجته وأطفاله الأربعة، أنه أجبر على مغادرة منزله المستأجر في حي الخضراء ببغداد حيث يقطن عددٌ قليلٌ من الفلسطينيين. وكان وسام يدفع إيجاراً كبيراً يبلغ 400000 دينار عراقي سنوياً (200 دولار). وقد تعرض منزله للحصار من قبل رجالٍ مسلحين ثلاث مرات، وكانوا يطلقون النار في الهواء مطالبين الأسرة بالرحيل. كما أنذر كثيرٌ من مالكي الشقق التي يسكنها فلسطينيون سكانها بالإخلاء عقب سقوط حكومة صدام حسين مباشرةً قائلين بأنهم يريدون الحصول على إيجار شققهم وفقاً لسعر السوق.
وروت فاطمة (اسم مستعار)، البالغة 42 عاماً والتي تقطن في مبنى من سبعة شقق في بغداد الجديدة وتشغله أسرٌ فلسطينية، كيف كانت تعيش مع ست أسر أخرى في شقةٍ تدفع الحكومة لمالكها إيجاراً سنوياً قدره 20000 دينار عراقي (10 دولار تقريباً). وبمجرد سقوط الحكومة، طالب المالك جميع الأسر الفلسطينية بالرحيل. وأجبر صابر جميل شاهين، وهو أبٌ لثلاثة أطفال يبلغ 36 عاماً، على ترك شقته المؤلفة من ثلاث غرف في حي المشتل عندما قام المالك بزيادة الإيجار من 20000 دينار عراقي (10 دولار) إلى 100000 دينار (50 دولار) بعد شهرٍ من الحرب: "قال للآخرين أنه يريد التخلص منا. لذلك قررت الرحيل قبل أن يحدث ما هو أسوأ".
فرار الفلسطينيين من العراق عام 2003 ورد فعل الأردن الفرار الأول وإقامة مخيمي الرويشد والكرامة أدت المضايقات والهجمات التي تعرض لها الفلسطينيون ومواطنو دولٍ أخرى في العراق عقب بدء الحرب من قبل الميليشيات الشيعية إلى جعل الكثيرين يلتمسون اللجوء إلى الأردن. وكان معظم الفلسطينيين الفارين من العراق يفضلون الذهاب إلى الأردن بسبب قربه النسبي وتشابه العادات والروابط العائلية وكان الأردن قد استعد قبل حرب 2003 لاستقبال موجةٍ من اللاجئين، وذلك بمساعدة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومنظمات الإغاثة المحلية والدولية.
ومع أن الأردن ليس طرفاً في معاهدة اللاجئين لعام 1951 والبروتوكول الملحق بها عام 1967،31 فإن عليه التزامات بموجب القانون الدولي الخاص بمعاملة اللاجئين. وينص القانون العرفي حول حماية اللاجئين على أن الحظر المفروض على الإبعاد (الإعادة) "يسري حتى لحظة تقدم طالب اللجوء للدخول"، وهو يتضمن عدم رفضه عند الحدود. ومع تزايد العنف ضد الفلسطينيين في العراق، بدأ مئات منهم بالتحرك صوب الحدود الأردنية. لكن الأردن أغلق حدوده أمام هاتين الفئتين من اللاجئين مجبراً إياهم على البقاء في المنطقة العازلة على الحدود العراقية الأردنية. وبحلول 20 أبريل/نيسان، كان ما لا يقل عن 1000 فلسطيني عالقين في المنطقة العازلة. وبعد احتجاج المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وأطراف دولية أخرى، سمحت السلطات الأردنية لنحو 550 فلسطينياً بدخول الأردن في 1 مايو/أيار 2003 ووضعتهم في مخيم الرويشد (أ). لكنها، وقبل أن تسمح لهم بالدخول، أرغمتهم على توقيع تعهد غامض الصياغة ينص على أنهم سوف يعودون إلى العراق بمجرد انقضاء الأزمة الحالية واستقرار الأوضاع.
مخيم الرويشد
منذ دخولهم مخيم الرويشد في مايو/أيار 2003، يعيش الفلسطينيون الذين فروا من بغداد عيشةً صعبة في الصحراء الأردنية حيث لا يملكون كبير أملٍ في الإفلات من سجنهم داخل ذلك المخيم المحروس وشروط المعيشة في المخيم الصحراوي صعبةٌ وقاسية. حيث تهب عواصف رملية كثيرة تقذف بالرمل الناعم داخل جميع الخيام.
وقد لجأ بعض عمال الإغاثة الإنسانية إلى وضع نظارات واقية للتمكن من العمل في تلك الظروف الصعبة. ويعاني سكان المخيم من تفشي المشكلات التنفسية إضافةً إلى حرّ في الصيف وبرد في الشتاء وكلاهما لا يحتمل. ومازال هؤلاء، وبعد ثلاث سنوات من وصولهم، يقطنون في خيامٍ بسيطة وأكواخٍ مصنوعة من إطاراتٍ خشبية وبطانيات خيطت إلى بعضها البعض. وتقول هيومن رايتس ووتش خلال الزيارة التي قامت بها في أبريل/نيسان 2006، انها شهدت أعقاب هبوب عاصفة رملية قلبت مقطورةً يقيم فيها موظفو الحدود الأردنيون مما استدعى نقل ثلاثةٍ منهم إلى المستشفى. وخلال السنوات الثلاث الماضية، كان سكان مخيم الرويشد سجناء من الناحية العملية؛ إذ يحيط بالمخيم سورٌ تحرسه الشرطة الأردنية.
وينال اللاجئون إذناً بمغادرة المخيم والذهاب إلى بلدة الرويشد للتسوق، لكنهم لا يستطيعون مغادرة المخيم لغير ذلك. أما عندما يحتاج اللاجئ علاجاً في المستشفى، فإن الشرطة تخفره باستمرار حتى وهو في سرير المستشفى. وأما زيارة أي شخصٍ لمخيم الرويشد (الأقارب والأصدقاء والصحفيين ومسئولو الإغاثة أو حقوق الإنسان) فتحتاج موافقة مسبقة من وزير الداخلية الأردني. وتضطر أمٌ أردنية لثلاثة أبناء فلسطينيين عراقيين (اثنان منهم قاصرون)، لا تسمح لهم السلطات بالانضمام إلى أمهم في عمان، إلى الحصول على هذه الموافقة حتى تتمكن من زيارة أبنائها في المخيم ويشكل الحظر الشامل المفروض على مغادرة اللاجئين للمخيم خرقاً لالتزامات الأردن بموجب القانون الدولي.
فالعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والأردن طرفٌ فيه، يعترف بحق اللاجئين وطالبي اللجوء بحرية الحركة على قدم المساواة مع المواطنين. وليس لأية دولة أن تقيد حق هؤلاء الأشخاص في حرية الحركة إلا عندما يمثلون خطراً على الأمن القومي وعندما تفرض تلك القيود عليهم بموجب القانون. مخيم الكرامة، 2003 - 2005 تجلت سياسات التقييد والتعسف الأردنية تجاه فلسطينيي العراق بأوضح صورها في مخيم الكرامة الواقع في المنطقة العازلة التي يبلغ عرضها 2 كم وتفصل بين الأردن والعراق.
وعادةً ما تستخدم هذه المنطقة كفسحة لوقوف الأعداد الكبيرة من السيارات والشاحنات التي تنتظر إنجاز معاملات مرورها في أيٍّ من المركزين الحدوديين. ومع أن القوات الأردنية والعراقية والأمريكية تعمل داخل المنطقة العازلة، فإن أياً من الأردن أو العراق لا يمارس السيادة أو الولاية عليها، رغم أن لكل طرفٍ وجوداً في الشطر الذي يليه من هذه المنطقة .
لكن كثيراً من الفلسطينيين العراقيين الذين كانوا يقيمون في مخيم الرويشد ثم عادوا "طوعاً" إلى بغداد عام 2004، ما لبثوا أن عادوا ففروا من الاضطهاد في بغداد في أبريل/نيسان 2006 قاصدين الأردن من جديد. لكن الأردن أغلق الحدود في وجوههم هذه المرة، كما منعهم حرس الحدود العراقيين من مغادرة العراق. وقد قال محمد عبد الله حسن، وهو أحد الفلسطينيين العالقين عند الجانب العراقي من الحدود العراقية الأردنية، لهيومن رايتس ووتش أن الأمر الملكي الصادر عام 2003 (ورد ذكره أعلاه) سمح له بمغادرة مخيم الرويشد ليلتحق بزوجته الأردنية بعمان، لكنه منعه من العمل. ولأنه لم يتمكن من إعالة أسرته عاد إلى بغداد في يوليو/تموز 2004 ليكسب بعض المال فيرسله إلى زوجته وأطفاله في عمان فيتمكن أطفاله من الذهاب إلى المدرسة. لكن، وبعد تفجير سامراء، كان على محمد الفرار من العراق مجدداً بسبب انعدام الأمن وعدم قدرته على تأمين العمل والمأوى. وقد ذهب لينضم إلى أسرته، لكنه مُنِع من دخول الأردن منعاً كاملاً هذه المرة.
تجدد العنف ضد الفلسطينيين منذ سقوط حكم صدام حسين في أبريل/نيسان 2003، عصفت بالعراق موجة شديدة من العنف بفعل حرب الابادة الجماعية التي تقوم بها الميليشيا الشيعية المسلحة وجيش المهدي التي تستهدف العرب السنة بصورة خاصة وفي بيئةٍ كهذه يصعب على المرء غالباً أن يحدد في كل حالةٍ بعينها ما إذا كان الفلسطينيون العراقيون الذين يقعون ضحايا للعنف مستهدفين لأنهم فلسطينيون تحديداً أو لأنهم من السنة أو لمجرد وجودهم في مكانٍ معين وفي لحظةٍ معينة. لكن وحسب ما روت ممثلة الامم المتحدة ان الأدلة المتوفرة تشير إلى أن اللاجئين الفلسطينيين في العراق يمثلون مجموعةً مهددة على نحوٍ خاص.
ويكاد جميع الفلسطينيين العراقيين الذين تحدثت هيومن رايتس ووتش إليهم يعتقدون أن مهاجميهم يستهدفونهم تحديداً لأنهم فلسطينيون. كما أن رواياتهم توحي بنوعٍ موجهٍ من العنف والتهديد. فقد تحدثوا عن كيفية قيام جماعات مسلحة مجهولة الهوية، بل هناك تأكيدات بأنها من المسلحين الشيعة، بمهاجمة واختطاف عدد من أصدقائهم أو أقاربهم أو جيرانهم، بل وقتلهم أحياناً. كما استهدفت منازلهم بنيران الهاون.
ويقول ممثل منظمة التحرير الفلسطينية أن الجماعات المسلحة قتلت ما لا يقل عن 2550 فلسطينياً في بغداد منذ أبريل/نيسان 2003، لكنه لم يتمكن من إعطاء معلومات محددة عن تفاصيل حالات القتل هذه. أما ما فعلته الحكومة العراقية لوقف هذه الهجمات الموجهة فكان قليلاً جداً. ك
ما أن وزارة الداخلية نفسها متورطة في الاعتقالات التعسفية وفي قتل اللاجئين الفلسطينيين وتعذيبهم. وقد تحدث من احتجزتهم قوات الأمن العراقية عن استهدافهم بالمعاملة السيئة والتعذيب لأنهم فلسطينيون تحديداً حيث تحدث إلى هيومن رايتس ووتش كلٌّ من أم عمر، وهي من حي الدورة وأمٌّ لطفلين يبلغان 10 سنوات وسنة واحدة، وشقيق زوجها رائد علي حسين البالغ 29 عاماً، فوصفا كيف قامت جماعةٌ مسلحة بملابس الشرطة باختطاف زوج أم عمر، وهو محمد علي حسين، من متجره بمنطقة شيخ عمر التي تسكنها غالبيةٌ من الشيعة، وذلك في 24 يوليو/تموز 2004. ثم اتصل المختطفون برائد طالبين فديةً قدرها 10000 دولار لإطلاق سراح أخيه، فقام رائد بجمع المبلغ من أصدقائه وأقاربه ودفع الفدية. لكن أم عمر ورائد وجدا جثة محمد علي حسين في أحد برادات الجثث ببغداد يوم 26 يوليو/تموز من نفس العام.
وقالت أم عمر أن جثة زوجها كانت تحمل آثار تعذيب. وتحدثت فاطمة أحمد، التي تقطن في حي البلديات، إلى صحيفة نيويورك تايمز قائلةً أن مسلحين اختطفوا زوجها (لم يذكر اسمه في المقالة) في 15 يناير/كانون الثاني 2006 من محل الحلاقة الذي يملكه. وروت المقالة كيف عثرت الأسرة على جثته في برادٍ للجثث في شهر مارس/آذار من العام الماضي، "وكانت مصابةً بطلقاتٍ في الرأس وجروح ناجمة عن التعذيب في الجسم".
وقالت فاطمة لنيويورك تايمز: "كان معروفاً بنشاطه في العمل وبجديته، لكن جريمته الوحيدة كانت هي أنه فلسطيني". الأوضاع بعد تفجير سامراء بعد تفجير مرقد الإمام العسكري في سامراء يوم 22 فبراير/شباط 2006، انفجرت أعمال القتل الطائفي والعنف بين مختلف الجماعات الإثنية في العراق، وفي بغداد خاصةً.
وقامت جماعاتٌ مسلحة من الشيعة والسنة بقتل المئات عبر كثيرٍ من الهجمات التي كادت تصبح حرباً مفتوحة. وفي خضم حالات القتل الطائفية المتزايدة، قام مسلحون من الشيعة مع بعض عناصر قوات الأمن العراقية باستهداف الفلسطينيين. وكما قال الناطق باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين آنذاك رون ريدموند، فإن "بعض الأطراف العراقية تعتبر الفلسطينيين، بوصفهم من المسلمين السنة، من جملة أعدائها، رغم عدم مشاركتهم في الصراعات الداخلية" وبعد تفجير مرقد الإمام العسكري بوقتٍ وجيزٍ جداً، هاجمت جماعاتٌ مسلحة مجهولة بنايات الفلسطينيين في حي البلديات ببغداد مستخدمةً البنادق وقذائف الهاون. وقد تحدث شخصٌ لممثلين منظمة اللاجئين في مخيم طريبيل للاجئين كيف أنه، وفي يوم تفجير سامراء "واليوم الذي تلاه، جاء رجالٌ يرتدون ملابس سوداء -إشارةٌ إلى المسلحين الشيعة المتشددين -إلى المواقع المعروفة بسكن الفلسطينيين فيها مهددين بأعمال العنف. جاء هؤلاء الرجال بملابسهم السوداء إلى وحداتنا السكنية فرددناهم بإطلاق النار".
وقد أرسل الجيش الأمريكي قواتٍ لصد الهجمات على مباني حي البلديات التي تضم أكبر كثافةٍ فلسطينية في بغداد (كان على القوات الأمريكية أن تتدخل في مناسباتٍ كثيرة لإيقاف الهجمات ضد المناطق الفلسطينية)، لكن هجمات الهاون تواصلت. وقالت نوال علي (58 عاماً) لهيومن رايتس ووتش أنها قررت الفرار من بغداد بعد أن أدى قصفٌ شقتها بمدفعية الهاون أواخر فبرايرالعام الماضي إلى جرح ابنها محمد علي حسن (26 عاماً) في وجهه ويديه.
وفي مساء 16 مارس2006م قتل الحلاق الفلسطيني محمد حسين صادق الذي يبلغ السابعة والعشرين في حي الشعلة ببغداد المجاور لحي الغزالية الذي يقطن فيه. وكان محمد قد ذهب إلى هناك، رغم وقوع هجوم بالقنابل في حي الشعلة الليلة السابقة، من أجل حزم حقائبه استعداداً للفرار إلى الحدود السورية. وقد قال أقاربه أن جماعة من المسلحين قامت بخنقه حتى الموت بعد أن عرفت أنه فلسطيني من الوثائق الشخصية التي بحوزته. كما أفيد بأن هؤلاء المسلحين قاموا تلك الليلة بقتل اثنين من السنة في نفس الحي. وطبقاً للأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش، قام مسلحون مجهولون بتهديد الفلسطينيين في أماكن مختلفة من بغداد وبتوزيع منشورات تأمرهم بمغادرة العراق فوراً وإلا قتلوا. كما وزعت جماعةٌ تدعو نفسها "سرايا يوم الحساب" منشوراتٍ على منازل الفلسطينيين في أحياء الحرية والدورة والزعفرانية والبلديات؛ وجاء فيها ما يلي: إنذار ـ إنذار ـ إنذار إلى الفلسطينيين الخونة المتعاونين مع التكفيريين والوهابيين والغاصبين والبعثيين الموالين لصدام، وخاصةً من يقطن حي الدورة منهم. ننذركم بأننا سنطردكم جميعاً إن لم تغادروا المنطقة بأنفسكم خلال 10 أيام. وقد أعذر من أنذر. سرايا يوم الحساب. وقد تحدث عدد من الفلسطينيين عن تلقيهم رسائل مماثلة على هواتفهم الخليوية تأمرهم بمغادرة بغداد فوراً وإلا قتلوا. وفي أحياء أخرى، علم الفلسطينيون من جيرانهم أن غرباء مشبوهين كانوا يتجولون في الجوار ويسألون عن أماكن سكن الفلسطينيين. وقد نصح الجيران الفلسطينيين بمغادرة منازلهم على الفور. تردد صدى الصدمة الناتجة عن تزايد الاعتداءات والقتل والتهديد في أوساط الفلسطينيين العراقيين.
وصرحت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين علناً أن فلسطينيي بغداد "في حالة صدمة" وأن "هذ الرعب يمكن أن ينتشر مؤدياً إلى فرار مزيدٍ من الفلسطينيين من بغداد". فقد كتب أنطونيو غوتيريس المفوض السامي للاجئين في الأمم المتحدة إلى الرئيس العراقي جلال الطالباني يوم 14 مارس2006م معبراً عن قلقه جراء تصاعد العنف ضد اللاجئين الفلسطينيين، وخاصةً في ظل "محدودية قدرة قوات الأمن العراقية على توفير حمايةٍ فاعلة"، ودعا إلى إقامة مكتب خاص لحماية اللاجئين الفلسطينيين من العنف. كما دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس شخصياً الرئيس الطالباني إلى وقف أعمال القتل.
وعلى الرغم من الاهتمام الدولي، كانت الاعتداءات ضد الفلسطينيين وما تزال متواصلةً حتى كتابة هذا الملف. إلى الفلسطينيين الخونة المتعاونين مع التكفيريين والوهابيين والغاصبين والبعثيين الموالين لصدام، وخاصةً من يقطن حي الدورة منهم. منذ سقوط حكم صدام حسين في أبريل/نيسان 2003، عصفت بالعراق موجة شديدة من العنف بفعل حرب الابادة الجماعية التي تقوم بها الميليشيا الشيعية المسلحة وجيش المهدي التي تستهدف العرب السنة بصورة خاصة وفي بيئةٍ كهذه يصعب على المرء غالباً أن يحدد في كل حالةٍ بعينها ما إذا كان الفلسطينيون العراقيون الذين يقعون ضحايا للعنف مستهدفين لأنهم فلسطينيون تحديداً أو لأنهم من السنة أو لمجرد وجودهم في مكانٍ معين وفي لحظةٍ معينة. لكن وحسب ما روت ممثلة الامم المتحدة ان الأدلة المتوفرة تشير إلى أن اللاجئين الفلسطينيين في العراق يمثلون مجموعةً مهددة على نحوٍ خاص. تجلت سياسات التقييد والتعسف الأردنية تجاه فلسطينيي العراق بأوضح صورها في مخيم الكرامة الواقع في المنطقة العازلة التي يبلغ عرضها 2 كم وتفصل بين الأردن والعراق.
وعادةً ما تستخدم هذه المنطقة كفسحة لوقوف الأعداد الكبيرة من السيارات والشاحنات التي تنتظر إنجاز معاملات مرورها في أيٍّ من المركزين الحدوديين. ومع أن القوات الأردنية والعراقية والأمريكية تعمل داخل المنطقة العازلة، فإن أياً من الأردن أو العراق لا يمارس السيادة أو الولاية عليها، رغم أن لكل طرفٍ وجوداً في الشطر الذي يليه من هذه المنطقة .منذ دخولهم مخيم الرويشد في مايو/أيار 2003، يعيش الفلسطينيون الذين فروا من بغداد عيشةً صعبة في الصحراء الأردنية حيث لا يملكون كبير أملٍ في الإفلات من سجنهم داخل ذلك المخيم المحروس قالت كثيرٌ من الأسر الفلسطينية العراقية التي تحدثت هيومن رايتس ووتش إليها عام 2003 أن التهديدات والمضايقات والعنف الذي كان يحدث أثناء النزاع على الإيجار هي السبب الرئيسي لمغادرتهم بغداد أو لانتقالهم إلى أحياء أخرى ضمن المدينة. وقد بدأ طرد اللاجئين الفلسطينيين من منازلهم بمجرد بدء الغزو الذي قادته الولايات المتحدة تقريباً. وفي كثيرٍ من الحالات، قام مالكو المنازل المسلحون من الشيعة بطرد مستأجريها؛ أما في حالاتٍ أخرى فقد حاول عراقيون مسلحون طرد الفلسطينيين من المنازل الحكومية بغية الاستيلاء عليها لأنفسهم.
مجلة أضواء الشموع