ويقول "أبو عامر" وهو فلسطيني سوري مقيم في
تايلند منذ أربع سنوات، إن أكثر من 400 فلسطيني من سورية والعراق، يعيشون
خوفًا حقيقيًا من إلقاء القبض عليهم في أي لحظة، وتابع في حديثه لـ"عرب 48": "توقف الجميع عن الذهاب إلى
العمل، الملاحقة وإلقاء القبض قد يحصل في أي لحظة، أعرف شبانًا ونساء لم يغادروا
منازلهم منذ أسابيع".
في السجن، فُصل النساء عن الرجال، وبقي الأطفال مع
النساء، في العاصمة التي لم توقع على اتفاقية اللاجئين الدولية لعام 1951، ولا
تملك المفوضية العامة للاجئين التابعة للأمم المتحدة، مقرًا هناك، ولا سفارة أو
قنصلية للسلطة الوطنية الفلسطينية، ما يصعب على الفلسطينيين في تايلند إيجاد طريقة
لإيصال شكواهم.
لماذا تايلند؟
تحدث "عرب 48" مع عدد من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في تايلند ضمن
هذه الظروف، "محمد. ف" واحد منهم، ويبلغ من العمر 25 عامًا. يقول إنه
اختار تايلند لما سمع عنها من سهولة الحصول على عمل، وما يسميه تسهيلات قانونية
للمقيمين فيها "لم يكن الوضع القانوني بهذا الشكل قبل سنوات، كنا نستطيع
الإقامة بشكل طبيعي حتى بعد أن تنتهي المدة القانونية للتأشيرة، كذلك الحال بالنسبة
للعمل، كنا نعمل ونكسب بعض المال من دون أي عوائق".
"أبو عامر" القادم من سورية، يكرر ذات الأسباب التي
دفعته للتوجه إلى تايلند: "لم يكن أمامنا كفلسطينيين سوريين، إلا عدد قليل من
البلدان حول العالم، منها تايلند، أتينا إلى هنا كعوائل لنعيش كمرحلة مؤقتة، بأمان
نسبي، لكن الإجراءات الأخيرة عطلت حياتنا تماما".
ظروف السجن
فضلا عن الطعام السيئ الذي يقدم للمحتجزين، يستمر تدهور
الوضع الصحي بالذات بالنسبة للأطفال، يقول "سالم. ه" متحدثًا لـ"عرب 48": "كثير من المحتجزين لم يروا
الشمس منذ أشهر، إذا يمنع عليهم مغادرة الزنازين، لك أن تتصور كيف هي الحياة في ظل
ظروف مماثلة، الأمراض الجلدية تنتشر بين المحتجزين، والجميع مهدد بالأمراض
التنفسية".
ومنعت السلطات المحتجزين من أي تواصل مع العالم
الخارجي، الطريقة الوحيدة الممكنة لذلك هي عن طرق محاميين محليين ينقلون المعلومات
للأهالي.
وأمضى بعض المحتجزين سنوات في ذات السجن، بانتظار
حل لا تستطيع تقديمه قانونيًا إلا مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة،
التي يتهمها اللاجئون الفلسطينيون في تايلند بالتقصير وإضاعة الوقت.
تايلند لا تملك الحل
بالنسبة للسلطات التايلندية، لا يبدو أنها تملك القدرة
على ترحيل الفلسطينيين والسوريين من اللاجئين في أراضيها، هي في ذات الوقت لا تملك
وفق القوانين الحالية، أن تفرج عنهم أو أن تمنحهم إقامات في البلاد، لأن ذلك
سيفتح أمام الحكومة المحلية بابا لا تريد فتحه الآن.
وأمام هذا الوضع، يبدو الاحتجاز شبه دائم، إلا في حال
تمكنت مفوضية للاجئين من تأمين إقامات لهم في دول أخرى، كالدول الأوربية، أو إذا
تمكنت السلطة السياسية في تايلند من إيجاد حل قانوني لا يبدو قريب المنال.
وفد السلطة وصل وغادر
وقبل أسابيع قليلة، وصل وفد من السلطة الفلسطينية إلى
العاصمة التايلندية لمناقشة ملف اللاجئين المحتجزين، إلا أن أي تفاؤل لم يبده
"أبو محمد" وهو يتحدث إلينا بعد انتهاء زيارة الوفد "لا شيء، لم
يتغير شيء عن ما سبق وكان، سمعنا أن الوفد وصل، ثم سمعنا أو الوفد غادر البلاد أيضاَ".
ويعتمد الفلسطينيون المحتجزون في العاصمة التايلندية،
وبعضهم أمضى أكثر من عام في الحجز، على ما لديهم من مناشدات، يطلقونها عبر وسائل
التواصل الاجتماعي بشكل صوتي، ومن دون التعريف الكامل بأسمائهم، خشية الملاحقة
الأمنية في البلاد، من يتحدث ليسوا المحتجزين، بل ذويهم ممن تقطعت بهم السبل في
إطلاق سراح أبنائهم.
عائلة سورية ..
منذ يوم الأربعاء 14 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري،
انهارت حالة "ن و" ابنة الثامنة والعشرين عامًا في السجن ذاته، وعلم "عرب 48"، أن الفتاة
السورية توقفت عن الطعام والشراب وأصيبت بما أسماه رفاقها في السجن بالانهيار
العصبي، وذلك بعد أربعة أشهر من الاحتجاز، دون أي أفق للخروج.
ووفقًا للمعلومات التي حصل عليها "عرب 48"، فإن والدا
الفتاة يقيمان في أميركا منذ أكثر من عام، ولم يستطيعا استقدامها إلى الولايات
المتحدة بعد القوانين التي منعت السوريين من دخول البلاد، بقيت الفتاة بانتظار حل
إلى أن ألقي القيض عليها في تايلند، وأودعت في السجن، يقول مصدرنا إنها تهدد
بالانتحار منذ أسبوع تقريبًا. مثلها مثل البقية، أبناء وبنات وأمهات وأباء، لا
يملكون وسيلة لا للتواصل مع عائلتهم، ولا حلاً قريبًا.
في الغابات
وتواصل "عرب 48" مع عدد من الشبان الفلسطينيين في تايلند، قالوا إنهم
منذ أسابيع يعيشون في الغابات، ولا يتوجهون للأماكن السكنية، "محمد .أ"
أحدهم، يقول إنه يمضى أيامه في غابة في محيط العاصمة، حيث يخشى الاعتقال في أي
لحظة، يلجئ لبعض المحال القريبة من أجل تأمين بعض الطعام في ساعات الليل المتأخرة
جدًا.
المصدر : عرب 48
10/3/1440
18/11/2018