مختار البلد كان يشجع الناس على البقاء ولكن لا يوجد مقومات للصمود. حاول أبو كامل العودة سنة 1951 ولكن سلطات الاحتلال اعتقلته لمدة ستة شهور. وهكذا تهجر من بلده إلى لبنان، إلى منطقة مرجعيون في البداية، ثم إلى النبطية، ومن بعدها إلى صور، ثم الى صيدا. وجاء الاجتياح الإسرائيلي في 1982، فتهجر إلى سوريا. والآن، بعد حصار مخيم اليرموك، تهجّر إلى لبنان مجدداً. وعادت القصص القديمة ــ الجديدة ذاتها.
يقول لاجئون فلسطينيون نازحون من مخيّمات سوريا إن الأخيرة كان فيها شيء من الاستقرار مقارنة بمخيمات لبنان. هذا كان ما قبل الأحداث الدامية الأخيرة، التي أجبرت الكثير من اللاجئين الفلسطينيين على النزوح مجدداً إلى لبنان ومخيماته. يقولون إن مخيمات لبنان بمثابة حالة بؤس مفروضة على قاطنيها. التقديرات الصحية مزرية، هيكلية البناء ألعامودي، واكتظاظ سكاني كبير، ازداد البؤس أيضاً بعد نزوح 65 الفاً من فلسطينيي سوريا. حيث اضطرت الكثير من العائلات المزدوجة أو أكثر المكوث في منزل مؤلف من غرفتين أو يعانون التشرد. عملياً، يعيش هؤلاء بلا مأوى، ولا استشفاء ولا دواء ولا غذاء ولا تعليم. يحمّلون منظمة «الأونروا» لشؤون اللاجئين الفلسطينيين مسؤولية الفوضى، ويحسبون لبعض المنظمات الإنسانيّة تدخلها المحدود أحياناً.
بحسب شهاداتهم، اضطرت «الأونروا» للتحرك، لتوفير بعض المساعدات من الدول المانحة وخاصة الاتحاد الاوروبي لتغطية العجز. وإذا عدنا الى الوراء، يتبين لنا أنّ أوّل حالة نزوح إلى لبنان حسب اليونيسيف سجلت بتاريخ 28/4/2011، بعدما اندلعت الأزمة السورية بتاريخ 15/3/2011. وقد سجّل خلال هذا العام دخول 4139 نازحاً، في حين تزايد هذا العدد خلال العام 2012 ليصِل الى222580 نازحاً، بينهم 6841 فلسطينياً، أي بمعدل 600 نازح يومياً، لتشهد سنة 2013 تزايداً مستمراً لعدد النازحين، حيث سجّل دخول 57462 نازحاً من ضمنهم 2700 فلسطينيً.
ومع ازدياد الأعداد يومياً، تفاقمت الأزمات الإنسانية، ولكن ظهرت نقطة مضيئة وحيدة، تمثلت بظاهرة العائلات اللبنانية الحاضنة لهم، وهذا، من الناحية الإنسانية تحديداً، «بصيص أمل». حدث هذا في العديد من المناطق اللبنانية مثل صور، صيدا، البقاع، وبيروت. فتحت العائلات اللبنانية بيوتها للنازحين السورين وبعض اللاجئين الفلسطينيين من سوريا. بدا الأمر بالنسبة لكثيرين من «أصحاب الشأن» أشبه برد الجميل للشعب السوري في حرب تموز 2006، الذي فتح منازله واستقبل الهاربين من القصف الإسرائيلي العشوائي..
غير أن العارفين يؤكدون أن ثمة عائلات تعمل على قاعدة «مصائب قوم عند قوم فوائد»
يختلف الوضع قليلاً على المستوى الفلسطيني. لم يرد الشعب الفلسطيني أن يهجر، وبرغم ذلك تهجر. لم يرضَ بالخروج من المخيمات في بلاد اللجوء، وتحمل كل أنواع الإهانة الإنسانية، ورغم ذلك لم ترض به مخيماته فتهجر مرة أخرى. لم يرد الشاب الفلسطيني أن يقال عنه إنه إرهابي. مع ذلك ألصقت كل التهم به.
في لبنان، تلاحق الفلسطينيون «صورة نمطية». وما زال يواجه مجموعة تحديات، بما فيها تأمين مأوى وسبل العيش وتأمين الإقامة القانونية المكلفة، التي ترمي على عاتقهم هم إضافي، خاصة في ظل الأحداث الأمنية الأخيرة في لبنان. وذلك في ظل التهديد الدائم بالترحيل. لا يزال الفلسطيني في سوريا، الراغب في مغادرتها بحاجة لتصريح من الحكومة السورية، ومن دون هذا التصريح، لا يسمح له بدخول الأراضي اللبنانية. وقد علقت بعض العائلات النازحة الفلسطينية على الحدود اللبنانية ــ السوريّة لمدة أسبوع أو أكثر كي تدخل لبنان.
بعض منظمات وجمعيات المجتمع المحلي, خصصت لهم مساحة عيش مؤقتة بين الحدود السورية واللبنانية. أصبح حريّاً القول عنهم “لاجئون بلا ملجأ.”
تاريخياً، يعرف الجميع مأساة المخيّمات الفلسطينية في لبنان. لم يعامل الفلسطينيون اللاجئون في لبنان أسوة بالنازحين السوريين (برغم قلة ما يحصل عليه هؤلاء)، لجهة تقديم المساعدات العينية او الإعفاء من رسوم الإقامة، برغم أن العديد من المساعدات الدولية كانت تقدم للدولة اللبنانية لمساعدة الفلسطينيين والسوريين في آن معاً إضافة إلى 46 منظمة محلية و20 منظمة دولية غير حكومية/ انتدبوا لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين السورين إلى لبنان وتقديم الحصص الغذائية لهم والمساعدات الطبية. على أرض الواقع، لا يحصل النازح الفلسطيني من سوريا على مساعدات كالنازح السوري. وأخيراً، ارتفع منسوب التضييق على دخول العائلات الفلسطينيّة إلى لبنان، بسبب وضعهم كلاجئين فلسطينيين.
خلاصة القول، أبو كامل أو أي لاجئ فلسطيني، ونتيجة المآسي المتكررة والحرمان والقهر، ازداد قناعة بأن طريق الخلاص الوحيد من الاحتلال ومن ظلم ذوي القربى وتنكر المجتمع الدولي هو العودة الى وطنه والى قريته أو بلدته أو مدينته التي هجر منها عام .1948
المصدر شبكة الطليعة الاخبارية