4. توقيف الفلسطينيين وتعذيبهم على أيدي قوات الأمن العراقية
أُلقي القبض على عشرات الفلسطينيين واعتُقلوا على يد قوات الأمن العراقية، التي تنتمي بمعظمها إلى وحدات خاصة تابعة لوزارة الداخلية. وفي حالات عديدة تعرض المعتقلون للتعذيب.
وفي مايو/أيار 2005، مثلاً، اعتُقل أربعة فلسطينيين – الأشقاء فرج عبد الله ملحم، 42 عاماً، وعدنان عبد الله ملحم، 32 عاماً، وأمير عبد الله ملحم، 27 عاماً، ومسعود نور الدين المهدي، 32 عاماً، وتعرضوا للتعذيب على يد قوات الأمن العراقية. وفي ليل 12 مايو/أيار اقتحمت قوات الأمن المنتمية إلى لواء الذئاب، وهو وحدة تخضع لسيطرة وزارة الداخلية، مبنى للشقق في مبنى البلدية الفلسطيني في مخيم البلدية ببغداد وألقت القبض على أربعة رجال للاشتباه في مسؤوليتهم عن هجوم بالقنابل وقع في فترة سابقة من ذلك اليوم في حي الجديدة ببغداد. وقيل إن أفراد لواء الذئاب اعتدوا بالضرب على الرجال الأربعة بأعقاب البنادق عندما ألقوا القبض عليهم. وفي 13 مايو/أيار، أعلنت السلطات عن الاعتقالات وعُرض الرجال الأربعة على شاشة قناة العراقية الفضائية. وفي 14 مايو/أيار عُرضوا على تلفزيون العراقية وظهروا وهم "يعترفون" بمسؤوليتهم عن الانفجار. وقال الأقرباء الذين شاهدوا البرنامج إن الرجال الأربعة كانوا مصابين بجروح في وجوههم ما يوحي بأنه تم استخدام التعذيب لانتـزاع "الاعترافات". وظهر مواطن عراقي كان قد احتُجز بسبب مخالفته لحظر التجول، في البرنامج التلفزيوني كشاهد. وبحسب ما ورد أبلغ قوات الأمن أن أحد الرجال الأربعة، الذي يعرفه هو جيداً، يتحمل مسؤولية الانفجار. وقيل لمنظمة العفو الدولية أن هذا الشخص يعاني من "اضطراب عقلي"، لكن المنظمة لا تعرف تفاصيل حالته العقلية.
وبعد مضي شهرين على الاعتقالات، علمت عائلات الرجال الأربعة أنهم محتجزون في المقر الرئيسي لمديرية الجرائم الكبرى(16) في حي الأعظمية ببغداد. وكلفت العائلات محامياً بزيارتهم في يوليو/تموز 2005. ووصف الرجال للمحامي كيف تعرضوا للتعذيب المنهجي طوال 27 يوماً أثناء احتجازهم لدى لواء الذئاب في مبنى تابع لوزارة الداخلية بحي الزيونة في بغداد. وقالوا إنهم تعرضوا للضرب بالكبلات وصُعقوا بالصدمات الكهربائية على أيديهم ومعاصمهم وأصابعهم وكواحلهم وأقدامهم، وأُحرقت وجوههم بالسجائر، وتُركوا في غرفة يوجد على أراضيتها ماء بينما تم استخدام تيار كهربائي في الماء. ووقَّع الرجال على اعترافات يزعمون فيها مسؤوليتهم عن خمسة تفجيرات في أماكن أخرى في بغداد. وعندما تحرى المحامي عن هذه التفجيرات الخمسة، حصل على وثائق تبين أن التفجيرات لم تحصل قط في الواقع. وبعد نقل الرجال إلى مديرية الجرائم الكبرى، توقف التعذيب كما يبدو، واعتباراً من أغسطس/آب 2005، استطاع الأقرباء زيارة الرجال مرة واحدة في الأسبوع.
وفي نهاية المطاف تم إطلاق سراح الرجال الأربعة في 21 مايو/أيار 2006 بأمر من المحكمة الجنائية المركزية العراقية التي لم تعثر على أية أدلة على مشاركتهم في التفجيرات. وفي أعقاب الإفراج عنهم، توارى الرجال الأربعة عن الأنظار وفروا من البلاد.
وفي 22 مايو/أيار 2005، قُبض على كمال سليم غنام، وهو مدرس فلسطيني، في منـزله بحي البلدية من جانب رجال مسلحين ينتمون إلى القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية. وفي 7 يونيو/حزيران 2005، عرضت قناة الفرات التلفزيونية العراقية، مشاهد لكمال سليم غنام ولفلسطينيين اثنين آخرين اعترفوا فيها أنهم خططوا لتفجيرات. وفي 1 ديسمبر/كانون الأول 2005، أُطلق سراح كمال سليم غنام. وأعيد القبض عليه، ثم أُفرج عنه مجدداً ومن ثم غادر البلاد.
قُبض على زهير حسن غنام، وهو حداد يناهز عمره الـ 55 عاماً، مع ستة فلسطينيين آخرين في 25 يونيو/حزيران 2005 في حي النعيرية ببغداد من جانب رجال مسلحين ورد أنهم أفراد في لواء الذئاب. وأُخلي سبيل الستة الآخرين بعد بعضة أسابيع، لكن في 2 يوليو/تموز 2005 عُثر على جثة زهير حسن غنام في المشرحة، وهي تحمل علامات على التعذيب كما ورد.
كان رامي جمال علي شفيق المولود في العام 1979 والعازب، في منـزل عائلته في حي الكرادة ببغداد عندما ركن رجال مسلحون يستقلون سيارات الشرطة سياراتهم خارج المنـزل في 26 يوليو/تموز 2006. واقتحم الرجال المسلحون الذين يرتدون زياً رسمياً المنـزل واقتادوا رامي معهم. وقال شقيقه لمنظمة العفو الدولية إن العائلة لم تعرف مصير رامي ومكان وجوده حتى نهاية يوليو/تموز 2007 عندما شاهدت رامي صدفةً على شاشة قناة الشرقية. وذكرت المحطة أن القوات الأمريكية اقتحمت مرفق اعتقال سرياً، قيل إنه تابع لوزارة الداخلية، بالقرب من إستاد الشعب الدولي لكرة القدم وعثرت على مئات السجناء المحتجزين سراً. وعُرض بعض هؤلاء السجناء، ومن ضمنهم رامي، على شاشة التلفزيون. وقال أصدقاء العائلة لها إن هؤلاء السجناء ستستجوبهم القوات الأمريكية، ولكن اعتباراً من 15 أغسطس/آب 2007، كان مصير رامي ومكان وجوده مجهولين. وأبلغ شقيق رامي منظمة العفو الدولية أن العائلة لم تستفسر عن مصير شقيقه لأن الفلسطينيين يخشون كثيراً طرح الأسئلة في وزارة الداخلية. وأضاف أنه يخشى من توقيفه أو قتله إذا اقترب من أي مبنى لوزارة الداخلية.
قُتل علي حسين الزيناتي، وهو شاعر عمره 56 عاماً ومستشار تربوي متزوج ولديه أطفال، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2006. وخُطف خارج منـزله في حي الغزالية على أيدي رجال مسلحين أرغموه على ركوب سيارة. وقال أحد أقربائه في مخيم الوليد لمنظمة العفو الدولية إن بعض الجيران أخبروا العائلة أنهم شاهدوا علي وهو يُرغم تحت تهديد السلاح على الركوب في سيارة للشرطة. وبعد ثلاث ساعات، قالت الشرطة للعائلة إنها عثرت على جثة علي وأن عليها الذهاب إلى مركز شرطة الغزالية لتسلُّمها. وبحسب ما ورد أُصيب علي بطلقين ناريين في رأسه وصدره. وبعد بضعة أيام، خُطف بهاء الدين الشقيق الأكبر لعلي، وهو طبيب تخرج حديثاً، خارج أحد المستشفيات في حي الكاظمية. وفيما بعد عُثر على جثته في مشرحة وهي تحمل علامات على التعذيب، بما في ذلك استخدام المثقاب الذي أدى إلى إحداث ثقوب في أجزاء من جسده.
وفي 14 مارس/آذار 2007 قامت قوات الأمن العراقية بمداهمة حي البلدية الفلسطيني استخدمت خلالها الأسلحة النارية. وبحسب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ذكرت الشرطة العراقية والقوة متعددة الجنسية أن المداهمة جزء من خطة أمن بغداد أو "الاندفاع". ونتيجة لذلك، توفي فلسطيني واحد متأثراً بجروح أُصيب بها في رأسه وألقي القبض على قرابة 60 شخصاً. وأُطلق سراح معظمهم بعد أيام قليلة، لكن أربعة منهم يظلون محتجزين (انظر أدناه). وقد فر 41 فلسطينياً آخر على الأقل من بغداد بعيد الحادثة وذهبوا إلى الحدود مع سورية. وبحسب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قال الفلسطينيون الذين وصلوا إلى الحدود إن القوات الخاصة داهمت منازلهم وألقت بأثاثها في الخارج وأنهم أُبلغوا أن أمامهم يومين فقط لمغادرتها. وزعم فلسطينيون آخرون أنهم اعتُقلوا وأُسيئت معاملتهم قبل الإفراج عنهم.(17) وأضافت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنها في الآونة الأخيرة "تلقت أنباء بأن عائلات عدة معتقلين فلسطينيين اضطرت إلى دفع آلاف الدولارات إلى بعض أفراد قوات الأمن العراقية ... بزعم حماية أفرادها من التعذيب والتشويه أثناء اعتقالهم. وبحسب ما ورد طُلب منها دفع مبالغ أكبر لتأمين الإفراج عنهم".(18)
والفلسطينيون الأربعة الذين يظلون محتجزين هم رأفت محمود عوض ومحمد خالد أحمد محمد وصالح مصطفى وشخص يُعرف باسم كمال. وقبض عليهم أفراد الشرطة من منازلهم في حي البلدية في 14 مارس/آذار 2007. واقتيدوا إلى مركز شرطة الرشاد في حي المشتل ببغداد حيث احتُجزوا لمدة 15 يوماً. وبحسب ما ورد تعرضوا للضرب في اليوم الأول لاعتقالهم لهم خلال الاستجواب. ثم نُقلوا إلى مديرية الجرائم الكبرى، فرع حي الأعظمية. وبعد بضعة أسابيع نُقلوا إلى المقر الرئيسي لمديرية الجرائم الكبرى في ميدان (ساحة) الأندلس.
وفي بداية يوليو/تموز 2007، نُقلوا إلى سجن التسفيرات الكائن بالقرب من وزارة الداخلية في وسط بغداد. واعتباراً من منتصف أغسطس/آب كانوا ما زالوا محتجزين بدون تهمة أو محاكمة. وقد تسلَّم المحامي الفلسطيني ونائب رئيس الجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان في العراق سعيد مصطفى سعيد أحمد العامر، وعمره 58 عاماً وهو متزوج ولديه سبعة أطفال، قضية الأربعة. وفي 21 يونيو/حزيران 2007 غادر منـزله في سيارته ولم يعد إليه قط. وبعد ثلاثة أيام عُثر على جثته في المشرحة وهي تحمل علامات التعذيب كما ورد. وسُرقت سيارته وهاتفه المحمول وحقيبة أوراقه التي تحتوي على ملفات الفلسطينيين المعتقلين الأربعة. ولا تعرف عائلته من يقف وراء جريمة القتل. وبعد بضعة أيام من اكتشاف الجثة، هربت زوجة سعيد العامر وأطفاله من العراق خوفاً من القتل.
وقبض الجنود الأمريكيون على بعض الفلسطينيين للاشتباه بمشاركتهم في أنشطة التمرد أو الاتصال بالمتمردين السنّة أو مساعدتهم. ويظل قلة منهم محتجزين بدون تهمة أو محاكمة. فمثلاً، يظل عوني رفعت الماضي، البالغ من العمر 66 عاماً والذي يعاني كما ورد من اعتلال صحته، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم والسكر، محتجزاً بدون تهمة أو محاكمة طوال أكثر من سنتين ونصف السنة. وكان الجنود الأمريكيون قد ألقوا القبض عليه في 2 ديسمبر/كانون الأول 2004 في منـزله بحي الجديدة في بغداد. ويبدو أن الجنود الأمريكيين كانوا يبحثون عن شقيقه قصي رفعت، لكن عندما لم يجدوه قبضوا على عوني كسجين بديل إلى حين مبادرة قصي إلى تسليم نفسه. وبحسب ما قاله أحد أقربائه الذين اتصلت به منظمة العفو الدولية لا أحد يعرف ماذا حدث لقصي. ويظل عوني محتجزاً في معسكر بوكا الكائن بالقرب من البصرة. وقد زارته عائلته عدة مرات، لكن خلال الأشهر الأربعة عشر الأخيرة لم تزره لأسباب أمنية.