الإيمان بين النظرية والتطبيق- صالح محمد صالح

بواسطة قراءة 4375
الإيمان بين النظرية والتطبيق- صالح محمد صالح
الإيمان بين النظرية والتطبيق- صالح محمد صالح

بسم الله الرحمن الرحيم

كل نظرية تبقى نظرية حتى تطبق على ارض الواقع بكل مفرداتها لتصبح مقبولة لدى عموم البشر، وحتى تطبق يجب ان تقوم مجموعة من الناس بتطبيقها وحتى تطبق بكل حذافيرها يجب على من يقوم بتطبيقها ان يكون مؤمنا بما فيها كلية وليس مؤمنا بالبعض منها وغير مؤمن بالبعض الاخر.

وعلى افتراض حصول ذلك واصبحت النظرية واقع حال فمن الممكن ان تستمر لفترة من الزمن  ولكن لا يمكن ان تستمر الى الابد كما في المقولة المعروفة ( تستطيع ان تخدع بعض الناس بعض الوقت ولكن لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت).

وكلما كان ايمان العاملين على تطبيق النظرية مؤمنين بها كلما كانت اكثر رسوخا على ارض الواقع وكلما كانت اكثر استمرارية وبقاء وثبات اذ ان الايمان هو الاساس في كل شيئ ومنها ايمان الفرد بنفسه وقدراته وامكاناته فإذا ضعف الايمان او اهتز فعندها لن يكون الفرد قادرا على تحقيق أمانيه وطموحاته.

ان اول مخلوقات الله ادم ثم حواء فبمجرد احساسهم انهم بعيدون عن الرقابة الالهية ودخول طرف ثالث بينهما وهو الشيطان ارتكبا الخطيئة والمعصية واستحقا على اثرها عقوبة الله فطردا من الجنة.

نستنتج ان سبب تلك المعصية التي قاما بها هو ان ايمانهما قد خبا وأهتز وضعف او دخلت عليه مستجدات اخرى ومنها الفضول ويمكن ان نلطف العبارة ونقول حب المعرفة وحب المعرفة على شقين اما سلبي او ايجابي والذي حصل معهما هو حب معرفة سلبي حيث ان نتائجه كانت وخيمه عليهما ولم يعفى عنهما حتى تعلم ادم من ربه كلمات ( فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه) سورة البقره/37/ .

من هذه الحادثة اصبح من الضروري ارسال الرسل والانبياء الى البشر على فترات من الزمن والسبب هو تقادم الزمن بين رسول واخر ووجود الشيطان وبعض الصفات الموجودة في الانسان اصلا والتي تتفاوت حدتها بين انسان واخر ومنها حب المعرفة بشقيها الايجابي والسلبي والطمع وحب الذات التي تصل عند البعض الى حد الاخذ ببعض الامثال والمقولات ويعتبرها نبراس وخطة عمل لحياتة ومنها ( انا وبعدي الطوفان ) ومنها ( اذا مت ظمئانا فلا نزل القطر ) كل هذا يدفع بالكثير من الناس بالابتعاد عن شرائع السماء.

وبما ان الايمان هو الركيزة والاساس فهو بحاجة دائمة الى الرعاية والحماية والتطوير حتى يبقى ثابتا وقويا لا ينثني او يضعف امام المغريات بكل صنوفها واهم مصادر هذه الرعاية والتى تمد الايمان بمستلزمات القوة هي الرسالات السماوية والتي وضعت الايمان في مرتبة متقدمة على كل العبادات واخر هذه الرسالات الرسالة المحمدية التي بها الله تعالى كل الرسالات وفي حديث شرف للرسول صلوات الله وسلامه عليه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال( من قال لا اله الا الله موقنا بها قلبه دخل الجنة ).

ومن هذا الحديث نستنتج ما للايمان من مكانة متقدمة في الاسلام واكيد اذا صلح ايمان العبد صلح سائر عملة وللايمان صفات يجب ان يتحلى بها المسلم ومنها الصدق مع النفس اولا ثم الصدق مع الاخرين وان تحب للاخرين ما تحب لنفسك والايثار كما قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الحشر/9/ ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصه ) ولذلك نجد الرجال الذين حملوا الرسالة المحمدية كانت صدورهم عامرة بالايمان الحقيقي الخالي من الرياء والتزلف والنفاق والمحسوبية والمنسوبية والمنفعة الشخصية وكانت خالية من حب الذات بشقية السلبي والايجابي.

وقصة جرحى معركة بدر الكبرى العطاشى والذي رفض الاول شرب الماء عندما سمع من هو احوج اليها منه وكان يعلم علم اليقين ان فيها حياته فرفض ان يشربها قبل اخيه ولم يقل انا وبعدي الطوفان ولم يقل احدهم اذا مت ظمئانا فلا نزل القطر!!

هذه بعض صور الايمان الذي كانت تعتمر به صدور المسلمين الاوائل الذي به نشروا الاسلام وسادوا العالم فالنظر الى حال الامة الاسلامية اليوم ولنحاول قراءة الاسباب التي أوصلتها الى هذا المستوى من التشرذم والضعف الذي اوصلها الى مرحلة غير قادرة على حماية نفسها فكيف تكون قادرة على حماية مقدساتها.

انظر الضعف الذي وصلت اليه امة الاسلام تمنع المسلمة الملتزمة بدينها وتعاليمه من ارتياد الجامعات لكونها محجبة كما حاصل في تركيا وهي دولة اسلامية فكيف بالمسلمة الموجودة في الدول غير الاسلامية انظر الى اي حد وصل ضعف المسلمين حتى اصبحت تصدر قرارات بمنع بناء المئاذن ولا تستغرب ان ياتي يوم تحول فيه المساجد الى متاحف او يمنع بناء المساجد!

قارن بين مرحلة القوة التي كان عليها الاسلام عندما اعتدى روماني على امرأة مسلمة انذاك فقالت له سوف يأتيك المعتصم بجيش خيوله بيضاء ويقتص لي منك وصاحت وامعتصماه  فما كان من المعتصم حين سمع بذلك الا ان جهز جيوش جرارة كل خيول العسكر بيضاء  انظر الان الى حال امة الاسلام وكم حرة مسلمة صاحت وتصيح وامعتصماه فمن لبى ندائهن؟!

الا يستصرخ الاقصى وا عمراه ولكن اين عمر انظر الى الامة الاسلامية لا تملك الا الاحتجاج والتظاهر وتقول هذا اضعف الايمان الا ترون معي ان هناك ضعف ايماني يعتري جسد الامة نعم هناك مؤمنين ولكن هذا لا يكفي لتنهض الامة وتسترد عافيتها ومكانتها التي تليق بامة الاسلام او بالاحرى التي تليق بالدين الاسلامي لماذا هذا الضعف الذي تعاني منه امة الاسلام السبب هو دخول مفاهيم جديدة على المسلمين  وربما ليست جديدة ولكنها نهظت من سباتها وعادت الى الحياة حتى غيرت من سلوك المسلم  فكم من المسلمين لم تغير العبادت في اخلاقهم من شيئ رغم التزامهم بها الا يقرؤن قول الله عن الصلاة في سورة النحل ايه/90/ ( ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم ) الاية  تشير ان الصلاة تهذب النفوس وتصقلها وتبعدها عن ارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن وايضا ارتكاب المنكر الذي انكره الشرع والعرف والتقاليد وايضا تمنع البغي اي الاعتداء على الاخرين وكثير يعتقد ان البغي محصور بالاعتداء الجسدي او ايذاء الاخرين جسديا بالضرب.

ولكن هنا الكثير من البغي ومنه الاعتداء والتجاوز على حقوق الاخرين المادية والمعنوية من خلال استخدام السلطة مثلا لسرقة حقوق الاخرين او استخدام الوساطة للفوز بعمل او وظيفة ليست من استحقاقه او استخدام المحسوبية والمنسوبية لسرقة حقوق الاخرين او استمالة الحاكم او صاحب النفوذ من خلال اقامة مأدبة الغداء أو عمل السهرات الحمر له ليعطيهم ما ليس لهم كما قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة البقره ايه/ 188/ ( ولاتأكلوا امولكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم ) .

ان المسلم الذي لا تمنعه عباداته التي يؤديها ومنها الصلاة عن ارتكاب المعاصي والاثام لا ادعوه الى ترك الصلاة ولكن اطلب منه ان يبحث عن الوسيلة التي تجعل من صلاته حاجزا بينه وبين ارتكاب المعاصي والاثام وحقيقة ان كل العبادات التي فرضها الله لها غايات ومنها كمال الانسان اخلاقيا وتهدف الى ابعاده عن ممارسة كل ما يشوه صورة الانسان الذي كرمه الله فهل نجد من صفات الايمان التى كان يتحلى الرعيل الاول من المسلمين فهل نجد فينا الان من يحب لاخيه مثلما يحب لنفسه؟!

ربما هناك البعض ولكن هل هذه الصفة عامة وتصل بين المسلمين حتى ولو بنسبة سبعين بالمئة من منا لم يتجاوز على حقوق الاخرين هل يمكن ان ينطبق على امة الاسلام الان قول ربنا تعالى ( انما المؤمنون اخوه ) ربما انادي المسلم باخي ولكن ينطقها اللسان فقط ويخالفها العمل.

والغريب في الامر ان البعض من المسلمين يغبن حق الاخرين ويأخذ ما هو ليس حقا له ويعتبرها " شطاره " ويشعر بالزهو والفرح ولا يشعر باي تأنيب للضمير ولا يشعر باي مخافة من الله والعجيب انه يصلي والادهى والامر انهم يعتبرون من سلبوا حقوقهم منهم " زواج" باللهجه العراقية و"هبايل " باللهجة الفلسطينية!!

الا يعلمون الذين سلبت حقوقهم احتسبوا الامر الى الله اي قالوا ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) واكيد من يحتسب لله هو الفائز في الاخرة ومن يتجاوز على حقوق الاخرين هو الخاسر في الاخرة ولا يجوز لاحد ان يطعن في الاسلام لان الاسلام منهج الاهي عادل اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا متكامل لا نقص فيه ولكن العيب في المسلمين ليس كل المسلمين بالمطلق المسلمين الذين لم يحملوا الاسلام كما يجب والذين اساءوا فهم الاسلام واساءوا فهم النصوص القرئانية و فسروها كما تهوى انفسهم او حسب ما تقتضي مصالحهم واهوائهم.

وحتى تعود امة الاسلام الى سابق عهدها علينا ان نراجع ايماننا ونسعى لتقوية الايمان بالله ونجعله ايمانا مطلقا ثم الالتزام بتعاليم الله بحذافيرها لان العمل والالتزام بما امر الله هو طريق السمو بامة الاسلام وطريق عزتها ورفعتها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

بقلم: صالح محمد صالح

كتب بتاريخ/18/5/2010

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"