بسم الله الرحمن الرحيم
لنقف اليوم قليلا ً عند موضوع ذو أهمية كبيرة بيننا ألا وهو الجدل ,, الجدل هو محاولة إفحام الغير وتعجيزه وتنقيصه بالقدح في كلامه : الجدال نوعان احدهما مذموم والآخر ممدوح ومطلوب ,,, الجدل المذموم : هو ما لم يدعوه إليه الحق وإنما العصبية وحب الغلبة ,,, أما الجدل الممدوح : وهو الجدال أو النقاش الذي يتعلق بإثبات إحدى العقائد الحقة وكان الغرض منه الإرشاد والهداية .. وهذا النوع من الجدال يعد من الثبات في الإيمان وهو من نتائج قوة المعرفة .
المشكلة في فقدان الغاية بكتابة المقال او التعليق في بعض الأحيان يرجع إلى التزمت وانحصار الرأي وانفرادية غير مبررة وعدم إدراك المنفعة والمضرة من كتابه المقال أو التعليق وقد يرجع السبب في مثل هكذا حالة إلى فقدان السيطرة أو الانفعال اللذان قد ينعكس سلباً في نقل الصورة الواجب نقلها وبشكل دقيق لكي يجعلها في محلها الصحيح لخدمة عامة الناس ... ومن أهم أسباب ذلك تمسكنا في بعض الأحيان بالجدل المذموم او العقيم ، وهذا يرجع وكما ذكرت إلى الانفعال وعدم السيطرة وهذا بدورة يدفعنا إلى بغية الرد فقط وليس للنقد والنقاش وخصوصاً عندما يكون الرد لا يليق بالشخص المردود عليه او بغير علم او دراية ... وهذا عامل أساسي يجعلنا نقول هنالك ثغرة كبيرة زُرعت بيننا ألا وهي الجدل العقيم وكان له الفضل في تشتيت أفكارنا وآراءنا وتصوير صورة مغايرة عن حقيقتنا .
ولم نحصد منها سوى الجدال العقيم الذي لا طائل منه , ونحن نعلم أن كثير الجدل يحرق أوكسجين المنفعة كالدم الفاسد الذي لا ينتفع منه , والجدل العقيم يفسد اليقين وبالتالي يورث الشك ، فقد روى أبو داود عن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ...الى آخر الحديث " رواه أبو داود ، ذاتَ مرة وأنا أتصفح الانترنيت صادفتني قصة عن الجدل العقيم وما نتج عنه وأصبحت تلك القصة مثل يضرب عند العرب اسردها لكم ليس للتشبيه ولكن للعبرة المستخلصة منها وكما نـُقلت في صفحات الانترنيت كالأتي : عندما أتى السلطان العثماني محمد الفاتح بجيشه إلى القسطنطينية كان يدور في القسطنطينية ما يسمى بـ((جدل بيزنطي)) نسبة إلى بيزنطيا وهي القسطنطينية .. وكان الجدل بين الرهبان وعلماء بيزنطي في الكنيسة الكبيرة … فكانوا مختلفين على مسألة ؟ ألا وهي (كم هو عدد الشياطين التي تستطيع أن تقف على حبة شعير !!!) الى ان تحول هذا الجدل الى عراك بينهم تاركين خلفهم أمور أهم , منها الجيش الغازي لهم. .. وفي هذا الجدل البيزنطي ضرب محمد الفاتح حصون القسطنطينية معلن فتحها للمسلمين ... لذا أحبتي دائما تجد العرب تقول عن كل جدال لا طائل منه جدل بيزنطي .... ومن قصص الجدل أيضاً .. قيل لداود الطائي : لم آثرت الانزواء ؟ قال : لأجاهد نفسي بترك الجدال , فقيل له : احضر المجالس واسمع ما يقال ولا تتكلم .. قال : فعلت ذلك فما رأيت مجاهده أشد عليّ منها .
وبشكل عام ولا أريد أن اخص قضية معينة ... نحتاج في هذه الفترة بالذات إلى تسليط الضوء على هذه النقطة التي أراها مهمة لعدة نواحي وجوانب , أهمها القضاء على حالة تشتيت الرأي لكي نرتقي بمستوى النقاش والنقد وهذا طبعاً سيمنحنا دافع أكثر لفهم جميع المسائل التي اختلف عليها الكثير ولم نخرج بنتيجة مقنعة تخدم جميع الآراء والأفكار وهذا لن يتحقق ما لم نحترم جميع العقول وكذلك أن نترك النقاش البعيد عن مسار أهدافنا وفيه أذى على عقولنا اولاً قبل أن يكون له أذى على مستقبلنا , نعم اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية متى يكون كذلك , يكون عندما نختلف ونقتنع أننا أخطأنا ونعترف وعلى الطرف الأخر أن يبادلك بنفس الشعور والتفكير عندها سيكون هنالك ود حقيقي للقضية وهذا بدوره يساعد في تحليل جميع المسائل مما يعطينا دافع أكثر للتقرب من بعضنا البعض حتى وان كنا نكتب ونعلق بأسماء مستعارة ولكن الأهم من الاسم وتسطير الكلمات هي النية الصادقة (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ( .. النية هي العامل الأساسي التي يبنى عليها أي عمل سواء كان العمل شخصي أو جماعي ولكن عندما يظهر الإنسان بنية ظاهرها حسن وباطنها غير ذلك ويكتشف آخرون بمقصد تلك النية ويحاولوا جاهدين إلى تقويمه للصواب , هنا عليه أن يراجع نفسه ولا يتزمت لكي يُـصلح نفسه ويخرج من ظلمة نفسه قبل أن يظلم الآخرين , وربما يكون الكاتب أو المعلق في نيته أمر فيه صلاح وبسبب اندفاعه وحزنه على ما يراه يجعله في طريق غير مستقيم عندها سيقع في النية الغير صالحة ويتهم بكثير من الأمور تجعله في المكان الغير مناسب .. فعندما يختار الكاتب أو المعلق موضوعه يجب أن يعرف عنه قدراً كافياً من المعلومات , وان يكون الموضوع مقبولاً من جانب القراء الذين يكتب لهم ... ويكون الغرض من الكتابة هي التعمق والنظرة الرأسية في التجارب التي يعيشها...واهم من ذلك هو تحديد الهدف من المقال أو التعليق احد العوامل الأساسية التي يتوقف عليها نجاحنا في الكتابة هو تحديد الهدف ، وتحديده يعني وضوحه في أذهاننا ومن ثم إلى أذهان القراء قبل البدء في الكتابة ، وهذا التحديد يساعدنا على أمرين هامين : معرفة ماذا نكتب ؟ وكيف نكتب ؟ أن هدفي من هذا التوضيح ليس اتهام الكتاب أو المعلقين بعدم الإمكانية على الكتابة وربما أكون أنا صاحب اقل الإمكانيات بالكتابة ولكن قصدي للتذكير (فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) , وتجنب الجدل الذي يفسد ود القضية .
ومن هذا المنطلق يتطلب منا وبشكل عام مراجعة أنفسنا عندما نكتب وعندما نعلق ونتحاور في المجالس ونسعى جاهدين لتحقيق هذا الأمر من اجل الرقي بقضيتنا بجميع تفاصيلها وهذا من العوامل الهامة في تحقيق الوحدة والتكاتف اللذان يمثلان القاعدة الأساسية للخروج من أزماتنا وإعادة الصورة الحقيقة التي أصابتها الغشاوة وأصبحت غير مرئية سواء كنا في قبرص أو العراق أو البرازيل أو أي بقعة يقف عليها فلسطينيو العراق بعد ما أصابتهم لدغة الشتات وانقلبت الأحداث والأمور عليهم , لنقف قليلاً ونتذكر أجدادنا وكيف كانوا يتحاورون وكيف كانت روابط المحبة والإخوة تسندهم في محنهم علينا أن نستذكرها لكي ننقي أنفسنا من الضياع نستذكرها لكي نرثها منهم ونورثها إلى أحفادهم ... انهي لكم مقالتي بهذه القصيدة البسيطة التي كتبتها وأنا اعتصر وأشكو على ما حال بنا من تشتت وضياع للحقوق .. اسأل الله الباري عز وجل بأن يجمعنا تحت رايته وان يلم شملنا في ارض أجدادنا فلسطين الحبيبة .. ودمتم سالمين تغمركم روح الأخوة والمحبة وعافانا الله وإياكم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .
جُرح الأشقاء
سكينتنا سكنت بين صخور الفراق ِ والعتابي
سكاكين الهوان ِ افترشت صدور الود ِ والأحضاني
امتزجت معها دموع الشوق ِ ومرارة الشتاتي
أي شقيق ٍ أنتَ احترقت بين أفعالك أحلامي وهنائي
كفاكَ عني ألا يكفيكَ سلب أوطاني وبكاء أطفالي
تبتسم في وجوه العدى وأنتَ تنظر على احتضاري
تعد أيامكَ وتمسح لحظات فرحي وآمالي
ادر وجهكَ عني قليلاً وانظر إلى من عاداني
يا ليتكَ منصفاً .. وتطوي صفحات أوجاعي وأحزاني
الناس ضاقت بالهموم ِ وضاعت صفات الحب و الأحبابي
لمَ لا تسمعني ؟ ومن يواسني في غربتي ومصابي ؟
نور الشمس يخاصمني وضوء القمر قد جافاني
ليلي لا يعرف نهاري ولا دموع العين ترويني
ابحثُ عنكَ لِتـجلي قرح قلبي وتنير كالح أيامي
وجدتكَ متكبراً على جبلاً تراني كالصغاري
صرختُ عليكَ بلا جدوى من حسرتي وانين جراحي
إن كنتَ قدري ومسجل في ممشاي فيا ربي صبرني
فبصبري لن الين لكَ ولن تقتل عرسي وأفراحي
ستعود لنا أطيارنا تحملُ بين ثناياها أشواقي وآمالي
فلن أجادلكَ بعد اليوم يا شقيقي
سأشكوكَ إلى رباً لا يقبل الظلم والهواني
علي أحمد أبو الوفا
3/7/2011
ملاحظة : تم تعديل عنوان وأبيات القصيدة التي في نهاية المقال بعلم وموافقة الكاتب .
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"