إلا أن اللاجئ الفلسطيني، الذي يعد (عديم الجنسية) حسب
تصنيف مصلحة الهجرة السويدية ذاتها، لا تسمح له السلطات الفلسطينية أو الإسرائيلية
بالعودة إلى وطنه، كما ترفض السلطات الليبية دخوله أراضيها، ما يبقى قرار الترحيل
ذاك قائماً مع وقف التنفيذ، تاركاً صاحبه معلقاً إلى أجل غير مسمى، أملاً بتحسن
الأوضاع في ليبيا مستقبلاً لإعادته إليها.
ووفق ما قال عدد من اللاجئين الفلسطينيين لـ “الكومبس”،
فإن مصلحة الهجرة تطلب منهم الحضور إلى مقرها كل سنة بعد انتهاء تصاريح إقاماتهم
المؤقتة للحصول على بصماتهم مجدداً وإجراء مقابلات تمهيدية معهم، يتم بعدها فتح
ملفات قضاياهم مرة أخرى وإعادة جميع الإجراءات التي قاموا بها سابقاً لدى دخولهم
الأراضي السويدية قبل عدة أعوام، تفضي بهم في النهاية إلى نيل ذات القرار
بحذافيره، لتستمر حالة دوران اللاجئ الفلسطيني داخل هذه الحلقة المفرغة فترات
طويلة، ما يسلبهم حق الإقامة الدائمة والترسيخ.
ووصف اللاجئون تلك القرارات بـأنها غير قابلة للتطبيق،
تعبث في مصائرهم وأحلامهم ومشاعرهم، تحرمهم حق الاستقرار والحياة الكريمة والشعور
بالأمان، أضاعت سنيناً ثمينة من شبابهم ومستقبلهم في الانتظار”.
على الجانب الأخر، ترى مصلحة الهجرة حسب قول اللاجئين،
أن الطلبات المقدمة منهم لا تستوفي شروط اللجوء في السويد، على اعتبار أن أوضاعهم
الإنسانية رغم صعوبتها تبقى حالة عامة يعيشها كل القاطنين في ليبيا ولا تمثل
تهديداً على حياة أي منهم بشكل شخصي، مؤكدة أن الإقامة بعيداً عن مناطق النزاعات
المسلحة يعد حلاً كافياً لهم للوقاية من خطرها.
لتسليط المزيد من الضوء على أبعاد المشكلة، أجرت
“الكومبس” تحقيقاً صحفياً، حصلت من خلاله على تصريحات وتجارب شخصية لبعض اللاجئين
الفلسطينيين القادمين من ليبيا إلى السويد، ممن طالتهم نصوص تلك القرارات:
شيماء، مقيمة في مدينة ڤينوكر:
“وصلت السويد رفقة زوجي وأبنائي الأربعة سنة 2014 قادمين
من ليبيا. بعد تقدمنا بطلبات لجوئنا أملاً في نيل حق الحماية البديلة، فكانت
صدمتنا برفض مصلحة الهجرة لقضيتنا كلياً ومنحنا عوضاً عن ذلك إقامة مؤقتة مدتها 12
شهراً فقط، على أن يتم النظر في أوضاعنا مرة أخرى بعد انتهاء مدتها، أو ترحيلنا
إلى ليبيا إن أمكن ذلك، لكن إقاماتنا المؤقتة ظلت تنتهي وتتجدد على هذا المنوال
سنوات عدة دون أية مؤشرات توحي بوجود نية حقيقية لحل الأزمة. لقد تقدمت بطلب أخر
لتجديد إقامتي منذ شهر يناير الماضي، غير أني لم أتلق رداً حتى اللحظة، كما فشلت
جميع محاولاتي للتواصل مع مصلحة الهجرة للاستفسار عن سبب هذا التأخير.
رغم كون القرار يحرمنا حق الترسيخ، إلا أني اجتهدت في
دراسة اللغة السويدية حتى بت على أعتاب إتمام المرحلة الأساسية بالكامل، كما حصلت
على شهادة إتمام دورة تأهيل المعلمين للقادمين الجدد من جامعة لينشوبيك، أملاً في
الحصول على هوية معلم معتمد بالسويد، فأنا أمتلك خبرة 7 سنوات من العمل كمعلمة
لمادة الرياضيات بالمرحلة الثانوية في ليبيا، نلت على إثرها شهادات تقدير عدة.
كما انتقلت العام الماضي إلى بلدية ڤينوكر، البعيدة عن
محل سكني السابق في قرية بوربي التابعة لبلدية سيمريس هامن مسافة 500 كيلومتر،
خصيصاً لشغل وظيفة مساعد شخصي لأحد الأطفال، منحتني الشركة المسؤولة نظير جهودي
فيها شهادة للخبرة وأخرى للتقدير، كل ذلك حتى أثبت للدولة السويدية عملياً مقدرتي
على أداء دور إيجابي في المجتمع وعدم تشكيلي أي عبء مادي عليها مستقبلاً، لكن
مصلحة الهجرة رفضت منحي إقامة عمل بدعوى وجود بند في قرار إقامتي الحالية يحرمني
ذلك الحق حتى لو قمت بتوقيع عقد عمل دائم. بعد 5 أشهر، لم يعد ذاك الطفل بحاجة
لمساعدتي، إلى جانب قيام الشركة بتقليص أعداد العمالة لديها، ما دفعها للاستغناء
عن خدماتي بشكل نهائي.
لما فقدت وظيفتي، قررت العودة للتسجيل من جديد كباحثة
عن عمل، فتفاجأت بموظف مكتب العمل يتخذ قراره رافضاً طلبي، مبرراً ذلك بتقرير ورده
من مصلحة الهجرة في مالمو، مفاده عدم أحقيتي في العمل داخل السويد نتيجة صدور قرار
سابق يقضي بترحيلي.
حاولت جاهدة إقناع الموظف أن نظيره في مصلحة الهجرة
ارتكب خطأً فادحاً في تقريره، مذكرة أني كنت مسجلة لديهم كباحثة عن العمل عدة أشهر
قبل شغلي للوظيفة، كما قدمت له نسخة عن قرار مصلحة الهجرة الأصلي لإثبات صحة
كلامي، إلا أن الموظف رفض الإنصات لي معتقداً أني أكذب، فسعيت للتواصل مع مصلحة
الهجرة مراراً وتكراراً لحل المشكلة، دون جدوى، إذ كان يتم تحويل جميع مكالماتي
إلى خدمة الرد الآلي، التي تركت عديد الرسائل الصوتية عليها، إلا أن أحداً لم
يُعِد الاتصال بي.
مؤخراً أصدرت موظفة الشؤون الاجتماعية قراراً بعدم منح
مساعدات لي ولعائلتي بدعوى أني لا أبحث عن عمل، رغم معرفتها التامة بمشاكلنا وأدق
تفاصيل حياتنا، متناسية أني أعيل 4 أطفال وبحاجة إلى المال مثل بقية البشر لتسديد
فواتيرنا وإيجار منزلنا وثمن طعامنا. بعد محادثات عدة دارت بيني وبينها، قبِلَت
أخيراً مساعدتنا على مضض وبشكل مؤقت، شريطة إسراعي في حل مشكلتي مع مصلحة الهجرة
والعودة للتسجيل في مكتب العمل وإلا ستقوم بقطع مساعداتها عنا مرة أخرى.
“نحن لا نطلب من الحكومة السويدية سوى معاملتنا كبشر
يحسون ويشعرون وتعيد توطيننا هنا”
هذا باختصار، جزء بسيط من أحداث معاناتنا اليومية. نحن
لا نطلب من الحكومة السويدية سوى معاملتنا كبشر يحسون ويشعرون وتعيد توطيننا هنا
وإلا فلتلقي بنا إلى عرض البحر مجدداً من حيث أتينا، فهذا المصير أهون علينا من
حالة الموت البطيء التي نمر بها حالياً. ليس من الإنسانية بمكان، أن يتلاعبوا في
أعصابنا ومشاعرنا بهذه الكيفية، هل يُعقل أن يعيش طفل ويترعرع في بلد ما أكثر من
خمس سنوات ولا ينال منه إلا عدم الاستقرار وقله الإمكانات والإذلال وعجز أهله عن
تلبية أقل احتياجاته الأساسية؟ أين حقوق الطفل التي يزعمون؟
لقد بت أشعر وكأننا مجرد عينات محفوظة داخل ثلاجة في
إحدى المختبرات، أو ملفات منسية ملقاة في خزائنهم حتى يأتي أوان التخلص منها. أعرف
حتى الآن أكثر من 300 أسرة فلسطينية، وصلوا السويد معنا في نفس السنة، يعانون ظُلم
ذات القرار، لذا وكلنا شخصاً منا للتواصل مع الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الطفل
وحقوق الإنسان، أملاً في الضغط على الحكومة السويدية لإيجاد حل مناسب ينهي عذابنا ويمنحنا
الحياة الآدمية اللائقة التي جئنا ننشدها”.
تهاني أبو مصطفى، مقيمة في مدينة كارلسهامن التابعة لمقاطعة بليكينچ:
طلبت اللجوء في السويد رفقة ابني أحمد وابنتي سارة في
شهر أغسطس سنة 2014، فمنحتنا مصلحة الهجرة إقامة موقتة مدتها 12 شهراً نتيجة عدم
إمكانية ترحيلنا إلى ليبيا، كما رفضت محاولة استئنافنا الأولى.
نحن مواطنون فلسطينيون مصنفون بلا وطن وفق ما أقره
قانون الهجرة السويدي، لا يحق لنا العودة إلى ليبيا نتيجة لمغادرتنا أراضيها
بطريقة غير شرعية، إلى جانب أننا لا نعتبر مواطنين ليبيين أساساً، غير أن مصلحة
الهجرة أبت أخذ واقع حالنا بعين الاعتبار واستمرت في تجديد قرارها العبثي بحق
قضايانا كل عام، دون أية نتائج إيجابية ترجى منه مستقبلاًـ
اليوم، يدرس أحمد سنته الجامعية الثانية في قسم الهندسة
المدنية، فيما تدرس سارة بقسم التحاليل الطبية والمعامل. كذلك استطاع زوجي معادلة
شهادته الجامعية في الكيمياء وشهادة خبرته كفني في قسم الباثولوجي، ثم واظب على
دراسة اللغة السويدية حتى أتقنها، ما جعل مسؤول قضيته يوافق على منحه تصريحاً
للعمل داخل البلاد، استطاع على إثره نيل عقد تدريب في إحدى معامل الباثولوجي
بمدينة كارلسكرونا، سرعان ما تحول بفضل براعته واجتهاده إلى عقد عمل ثابت. إلا أن
كل تلك الإيجابيات لم تشفع لنا أمام مصلحة الهجرة للحصول على إقامة دائمة، لنبقى
غارقين حتى الذقون وسط مستنقع الإقامات المؤقتة الذي لا فكاك منه”.
أنعام بيرومي، مقيمة في مدينة سيفخو التابعة لمقاطعة
يونشوبينچ:
“أنا مواطنة فلسطينية الأصل، أحمل وثيقة سفر سورية،
أقمت فترة من الزمن في ليبيا، ثم هاجرت رفقة أولادي الخمسة إلى السويد عام 2014،
قبل استصدار قانون الإقامات الجديد. تقدمنا بطلبات لجوئنا مصحوبة بأوراق ثبوتية
تؤكد أن هجرتنا الأولى كان من سوريا، على غرار وثائق السفر السورية، كرت الأونروا
للاجئين ومستند بيان عائلي، ظانين أننا أخيراً كفلسطينيين سننال في أوروبا حقوقنا
التي حرمنا منها في الدول العربية، غير أنه بعد عام ونصف العام من الانتظار، صدر
قرار يقضي برفض قضيتنا وترحيلنا، مصحوباً بإقامة مؤقتة لا تشمل أية حقوق، يتم
تجديدها سنوياً إلى حين تهيؤ الظروف في ليبيا لإعادتنا إليها.
قبل 3 أشهر، ذهبنا إلى فرع مصلحة الهجرة لتجديد إقامتنا
المنتهية كما جرت العادة، فتفاجأنا بالمحققة المسؤولة عن قضيتنا تبلغنا استحالة
التجديد، نظراً لحصولنا على قرار سابق يتضمن الرفض والترحيل، سألتها: الى أين
الترحيل؟ فأجابت: لا اعلم. عدت أسألها: أنتم صنفتمونا بلا جنسية ونحن مواطنون
فلسطينيون لذا نرجو ترحيلنا إلى فلسطين وتحديداً لقرية الطنطورة بمدينة حيفا حيث
مسقط رأسي.
بدا عليها الارتباك فقالت: لا أعرف ماذا أرد. ثم أعطتني
عنوان محكمة في مالمو وأوصتني أن أبعث لها رسائل استرحام لإلغاء الترحيل. لما
سمحوا لنا بالعودة إلى بيت الهجرة، شرعت أبعث رسائل استرحام بصورة دورية إلى
المحكمة المذكورة كما أشارت علي المحققة. بعد أسبوعين من اللقاء، وصلنا بريد من
مصلحة الهجرة تطلب فيه حضورنا إلى مقرها لأخذ بصماتنا وتسليمنا وثائق سفر سويدية،
فلما فعلنا، قاموا بإدخالنا إلى إحدى الغرف وانتزعوا منا بطاقات اللجوء والبطاقات
البنكية لأن المحكمة قبلت جزءاً من استرحامنا وأقرت إلغاء بند الترحيل فقط، ثم
أنذرونا بضرورة إخلاء محل سكننا خلال يومين على الأكثر، بدعوى أن مصلحة الهجرة لم
تعد مسؤولة عنا.
“أنتم صنفتمونا بلا جنسية ونحن مواطنون فلسطينيون لذا
نرجو ترحيلنا إلى فلسطين وتحديداً لقرية الطنطورة بمدينة حيفا حيث مسقط رأسي”
في مكتب الشؤون الاجتماعية، رفضت الموظفة كذلك منحنا
أية مساعدات مالية، إذ أساءت فهم مضمون قرار الهجرة، معتقدة أننا بصدد الحصول على
إقامات، لا أحكام ترحيل مؤجلة التنفيذ إلى أجل غير مسمى. حتى حين أخبرتها بحاجتنا
الماسة إلى سكن يأوينا، استخفت بالأمر، مقترحة علينا الإقامة لدى أحد أقاربنا في
السويد، فأجبتها محتجة أن شققهم ضيقة جداً تتسع بالكاد لسكانها، لن تستوعب إقامة 4
أشخاص أخرين فيها، ناهيك بأن هذا الأمر على حد علمي مخالفة صريحة لقانون الإسكان
الصحي السويدي. عندما رفضنا مغادرة المكان دون إيجاد حل لمشكلتنا، قامت باستدعاء
رجال الشرطة لطردنا، حاولت شرح الوضع لهم أملاً أن يرأف أحدهم بظرفنا ويمد لنا يد
العون، إلا أنهم استخفوا بنا بدورهم، مشيرين علينا الإقامة داخل سيارة نركنها على
أطراف إحدى الغابات. هكذا اضطررت مكرهة على الإقامة مع عائلتي في شقة خطيب ابنتي
والانتظار حتى وافقت مصلحة الهجرة أخيراً على تمديد إقامتنا مرة أخرى، ما جعل مكتب
الشؤون الاجتماعية بعدها يوافق بعدها على مساعدتنا في حل مشكلة السكن والدراسة،
شريطة استمرار تجدد إقامتنا سنوياً.
في الرابع من شهر سبتمبر الماضي، تم تمديد إقامتنا
للمرة الثالثة خلال ست سنوات ومازلنا نمضي في طريق وعر لا نعلم أين ستفضي بنا
نهايته”.
المصدر : الكومبس
9/5/1441
4/1/2020