هيومان راتس ووتش : "حياة بدون أبو، حياة ما إلها معنى" .. الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في العراق 2014-2017

بواسطة قراءة 1116
هيومان راتس ووتش : "حياة بدون أبو، حياة ما إلها معنى" ..  الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في العراق 2014-2017
هيومان راتس ووتش : "حياة بدون أبو، حياة ما إلها معنى" .. الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في العراق 2014-2017

يُعرَّف الاختفاء القسري بموجب القانون الدولي على أنه اعتقال أو احتجاز شخص من قبل موظفي الدولة أو عملاء الدولة أو أشخاص أو مجموعات أشخاص يتصرفون بتفويض أو دعم أو إقرار من الدولة، مع رفض الاعتراف باعتقال الشخص أو الكشف عن مصيره أو مكانه. كما ينطوي حظر الاختفاء القسري على واجب التحقيق في حالات الاختفاء القسري المزعومة ومقاضاة المسؤولين عنها. في الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في هذا التقرير، لم يتمكن أفراد العائلة من الحصول على أي معلومات حول مصير أو مكان المحتجزين، ولم يُسمح للمحتجزين بالاتصال بالعالم الخارجي. كما حاولت هيومن رايتس ووتش الحصول على معلومات عن مكان وسلامة المعتقلين، ولكنها لم تتلق أي ردّ حتى كتابة التقرير، وبالتالي يُمكن اعتبار الاعتقالات حالات اختفاء قسري.

تُنظم "الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري"، والعراق طرف فيها، حظر الاختفاء القسري وتُحدد، من بين أمور أخرى، التزامات الدول بمنع جميع حالات الاختفاء القسري والتحقيق فيها ومُقاضاتها.

تعتمد هيومن رايتس ووتش في هذا التقرير على أبحاث نشرتها حول حالات الاختفاء القسري في العراق منذ عام 2014، ووثقت 74 حالة أخرى لرجال و4 حالات لأطفال اعتقلتهم قوات الجيش والأمن العراقية بين أبريل/نيسان 2014 وأكتوبر/تشرين الأول 2017، واختفوا قسرا. بينما تعتقد الأسر في 4 حالات أنها تعرف مكان احتجاز أقربائها من خلال مصادر غير رسمية، إلا أن مصير الـ 74 الآخرين لا يزال مجهولا. في هذه الحالات، اعتقل 29 شخصا عام 2014، 23 عام 2015، 14 عام 2016، و12 عام 2017. وفي 3 حالات أخرى، أفرج عن الرجال الذين احتجزوا واختفوا قسرا في عامي 2014 و2015 بعد ما بين 34 و130 يوما. أفاد المُفرج عنهم أن قوات الحشد الشعبي أو "جهاز الأمن الوطني" احتجزتهم في أماكن احتجاز غير رسمية.

تقريبا جميع حالات الأشخاص المخفيين على يد قوات الأمن، التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، هي حالات ذكور. وثقت هيومن رايتس ووتش حادثة واحدة فقط تضمنت إخفاء امرأة عام 2016 (حالتها غير مدرجة في هذا التقرير)

باستثناء 8 أشخاص تم إخفاؤهم خلال مصادمات بين القوات العراقية وأتباع رجل الدين الشيعي محمود الصرخي، عام 2014، جميع الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش من أجل هذا التقرير هي حالات ذكور عرب سُنة. قالت أسرهم جميعا إنها تعتقد أن الإخفاء حدث بسبب هويتهم الدينية أو العشائرية أو الأسريّة، التي استخدمتها القوات العراقية لإلصاق تهمة التعاطف مع داعش و"القاعدة" بهم. ليس لدى هيومن رايتس ووتش علم بأدلة محددة تربط بين الأشخاص المخفيّين وداعش. كان أصغر الضحايا المخفيين في سن 9 سنوات، وأكبرهم في سن 70 سنة، ومعظم المخفيين في الثلاثينات من عمرهم.

اعتقلت القوات العسكرية والأمنية 34 من الرجال والفتيان عند نقاط تفتيش كجزء من إجراءات الكشف عن "الإرهابيين"، و37 آخرين من منازلهم. استهدفت جميع حالات الإخفاء عند نقاط التفتيش، إلا حالة واحدة، الأشخاص الذين ينحدرون أو عاشوا في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش لفترات متفاوتة بين 2014 و2017. تم تنفيذ 19 اعتقالا في المنازل في بغداد. في معظم هذه الحالات، لم تُقدم قوات الأمن لعائلات المعتقلين أي سبب للاعتقال، رغم أن العائلات تفترض ارتباط الاعتقالات بهويتهم كعرب سُنة والمكان الذي ينحدرون منه أو العائلة أو القبيلة التي ينتمون إليها. في 6 من هذه الحالات على الأقل، تُشير ظروف الاعتقال أو ما قاله الضباط الذين أجروا الاعتقال للعائلات، إلى أن الاعتقالات كانت على الأرجح متصلة بالقتال ضد داعش.

في 5 حالات، تمت الاعتقالات من المنازل في أعقاب عمليات عسكرية ضد داعش. وفي 11 حالة، تمت في إطار عمليات اعتقال جماعية وإخفاء أشخاص بعد حوادث أمنية كبيرة مثل قتال 2014 بين مؤيدي محمود الصرخي وقوات الأمن، وتفجير سيارة مُفخخة عام 2015 في طوز خورماتو.

في 5 حالات أخرى، قام "جهاز مكافحة الإرهاب"، "مديرية الاستخبارات ومكافحة الإرهاب" في وزارة الداخلية، وقوات الحشد الشعبي باعتقال رجال من مناطق كانت تخضع سابقا لسيطرة داعش، في أماكن غير منازلهم وفي نقاط التفتيش. تشمل هذه الأماكن محكمة كركوك، مخيم للنازحين، مطار بغداد الدولي، ومركز شرطة يثرب. وفي حالة أخرى، اعتُقل ضابط من الشرطة الاتحادية في أحد شوارع سامراء، على الأرجح من قبل قوات الحشد الشعبي. كما اعتُقل رجل آخر من قبل أحد أفراد قوات الحشد الشعبي خارج مديرية الأحوال المدنية في طوز خورماتو. وفقا لشهود، تم اعتقال الرجال في كل هذه الحالات دون تفسير.

كما هو حال الاختفاء القسري في كثير من الأحيان، رافقت الحالات الموثقة في هذا التقرير انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقال والاحتجاز التعسفيين، سوء المعاملة، والإعدام خارج نطاق القضاء. بموجب القانون الدولي، من المفترض أن يتلقى جميع المشتبه فيهم، بمن فيهم المرتبطون بـ"الإرهاب"، محاكمة عادلة. تتطلب هذه الالتزامات ضمان الإنصاف والإجراءات القانونية الواجبة في التحقيقات والمحاكمات، فضلا عن المعاملة الإنسانية للمحتجزين. قد ترقى حالات الإخفاء القسري بحد ذاتها إلى التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة، سواء بالنسبة للمحتجز أو أفراد أسرته.

في الحالات الموثقة في هذا التقرير، قالت أسر المعتقلين وشهود على العمليات إن عناصر الأمن لم يقدموا مذكرة تفتيش أو توقيف. أما الحالات التي تم فيها تقديم سبب للاعتقال، فكانت دائما متصلة بمزاعم تتعلق بـ"الإرهاب"، لا سيما مع داعش. لم تعرف أي من العائلات التي قابلتها هيومن رايتس ووتش ما إذا مثل أقاربها أمام قاض في الفترة الزمنية المحددة. لاحظ الباحثون أن آلاف السجناء الذين يواجهون تهما بـ"الإرهاب" يُحتجزون لأشهر قبل أن يمثلوا أمام قاض، ولا يُسمح لهم خلال هذه الفترة بالاتصال بمحام أو أقاربهم، ولا تتلقى أسرهم إشعارا بمكان وجودهم.

بموجب "قانون أصول المحاكمات الجزائية" العراقي، الذي لا يزال ساري المفعول بالكامل لأن الحكومة لم تعلن حالة الطوارئ، يجوز للشرطة احتجاز المشتبه فيهم فقط بعد صدور أمر توقيف عن محكمة، ويجب إحضار المشتبه فيهم أمام قاضي التحقيق خلال 24 ساعة للتفويض باستمرار احتجازهم.

في 3 حالات، زعم أفراد الأسرة الذين شهدوا اعتقال أقاربهم أن القوات استخدمت القوة المفرطة، أدت في حالة واحدة إلى وفاة قريب آخر حاضر أثناء عملية الاعتقال. وفي 4 حالات أخرى، قال شهود إن قوات الأمن هددت باستخدام القوة.

في 5 حالات، صادرت السلطات، في وقت الاعتقال، أيضا هواتف وحواسيب محمولة، وفي حالة واحدة صادرت جهاز ألعاب فيديو "بلاي ستيشن". بينما تنص الفقرة 2 من المادة 6 من "قانون مكافحة الإرهاب" العراقي على أن "تُصادر كافة الأموال والمواد المضبوطة والمبرزات الجرمية أو المهيئة لتنفيذ العمل الإجرامي"، قالت العائلات في كل حالة إن هذه الأجهزة لم تستخدم لأغراض "إرهابية"، وأن العناصر الذين نفذوا الاعتقال لم يحاولوا تبرير المُصادرة أو إرجاع الأجهزة بعد التحقيق.

زعم أقارب 8 من المخفيّين أن قوات الحشد الشعبي، جهاز الأمن الوطني، وقوات "الأسايش" التابعة لحكومة إقليم كردستان (قوات أمنية)، ربما احتجزوا أفراد عائلاتهم في أماكن احتجاز غير رسمية، لكنهم قالوا إنهم لا يعرفون كيف تتم مُعاملتهم. مع ذلك، قال 3 أقارب، كانوا قد احتجزوا مع أقاربهم المختفين ثم أطلق سراحهم بعد ذلك، إنهم تعرضوا للاعتداء الجسدي على يد قوات الحشد الشعبي أو جهاز الأمن الوطني أثناء احتجازهم. لم يعرف أي من هؤلاء الرجال الثلاثة مكان احتجازهم بالضبط، ولم يتم اتهام أي منهم أو تبرئتهم للإفراج عنهم من خلال أي إجراءات قانونية، وتم احتجازهم جميعا بمعزل عن العالم الخارجي حتى إطلاق سراحهم.

تشكك هذه الحالات في التأكيدات الصادرة عن "لجنة الحشد الشعبي"، وهي الهيئة المسؤولة على تسيير قوات الحشد الشعبي، بأن وحدات قوات الحشد الشعبي لا تحتجز أي أفراد في العراق. أخبرت لجنة الحشد الشعبي هيومن رايتس ووتش بأنها ليس لديها أي صلاحيات قانونية للقيام بذلك. قالت اللجنة إنها قد تساعد في تنفيذ الاعتقالات، لكنها يجب أن تسلم الأفراد في أقرب وقت ممكن إلى القوات الحكومية المعنية التي تتمتع بتفويض بالاعتقال والاستجواب.

أخبر العديد من الأقارب والشهود هيومن رايتس ووتش بالابتزاز المرتبط بالإفراج عن السجناء، حيث طلب ضباط أموالا من العائلات لتسهيل الإفراج. وثَّقت "منظمة العفو الدولية" حالات دفعت فيها العائلات فدية باهظة للقوات المسلحة في محاولة لضمان الإفراج عن أقاربها. في إحدى الحالات التي تم توثيقها في هذا التقرير، قال أب إن عنصرا من الأسايش طلب رشوة لتسهيل الإفراج عن ابنه. وقال الأب إنه رفض، قائلا إنه ليس لديه الإمكانيات، فلم يتم إطلاق سراح ابنه منذئذ.

وقعت آخر حالات الإخفاء الواردة في التقرير في أكتوبر/تشرين الأول 2017. ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2017 ووقت نشر التقرير، استمرت هيومن رايتس ووتش في تلقي تقارير عن حالات إخفاء في جميع أنحاء العراق. في وقت نشر التقرير، لم تكن لدى أسر المخفيين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش لأجل هذا التقرير أي معلومات عن مصير ومكان وجود أقاربهم المخفيين.

حصلت الإخفاءات القسرية المُوثقة في هذا التقرير على يد مجموعة من الجهات العسكرية والأمنية. وثقت هيومن رايتس ووتش 5 حالات على يد القوات العراقية الخاصة (قوات العمليات الخاصة العراقية لمكافحة "الإرهاب" التي أنشأتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بعد عام 2003)، و12 حالة على يد جهاز الأمن الوطني، وهو هيئة مُكرسة لجمع المعلومات حول الجماعات المسلحة أو السياسية أو الدينية التي تُهدد الأمن القومي للعراق، ومنظمات مراقبة دولية تعمل في البلاد. يتبع كل من القوات الخاصة العراقية وجهاز الأمن الوطني لرئيس الوزراء. في بعض الحالات، أجرى جهاز الأمن الوطني عمليات إخفاء بالتعاون مع فرقة الأسلحة والتكتيكات الخاصة، وهي وحدة داخل وزارة الداخلية.

وثقت هيومن رايتس ووتش 14 حالة قامت فيها وحدات معروفة بأنها تابعة لرئيس الوزراء بعمليات إخفاء قسري في بغداد عام 2014، كلها حين كان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لا يزال في منصبه. وقعت 13 من هذه الحالات في حيَّين في بغداد يوم 21 أبريل/نيسان 2014، أي قبل 9 أيام من الانتخابات البرلمانية المُقررة في العراق.

وثق الباحثون 4 حالات نفذها مديرية الاستخبارات و"مكافحة الإرهاب" التابع لوزارة الداخلية، وحالة واحدة نفذتها الشرطة الاتحادية. تعمل الشرطة الاتحادية، تحت قيادة وزير الداخلية أيضا، مثل قوات الحرس الوطني أو قوات الاحتياط في العديد من الدول. وقد أنشئت استجابة للصراعات الداخلية التي تتطلب انتشارا عسكريا يتجاوز قدرة الشرطة المحلية، مع تجنب الصعوبات السياسية التي يثيرها نشر الجيش محليا.

أكبر عدد من حالات الاختفاء التي وثقتها هيومن رايتس ووتش (36 حالة) ارتكبتها مجموعات مختلفة داخل قوات الحشد الشعبي. جمعت قوات الحشد الشعبي العديد من القوى الموالية للحكومة تحت راية واحدة بعد سيطرة داعش على الموصل في يونيو/حزيران 2014، بعد دعوة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والمرجع الديني الأكبر للشيعة في العراق آية الله علي الحسيني السيستاني الرجال إلى الانضمام إلى القتال ضد داعش. في فبراير/شباط 2016، أصدر رئيس الوزراء العبادي الأمر الديواني رقم 91، الذي أُدمجت بموجبه رسميا قوات الحشد الشعبي كـ "تشكيل عسكري مستقل" داخل قوات الأمن العراقية تحت قيادة رئيس الوزراء. في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، أقر البرلمان العراقي قانونا يُضفي الطابع الرسمي على هذا القرار. حتى ذلك الحين، عملت وحدات قوات الحشد الشعبي خارج القانون، لكن بدعم وموافقة من الحكومة العراقية. شاركت قوات الحشد الشعبي في العمليات العسكرية العراقية جنبا إلى جنب مع قوات عراقية أخرى، وأقامت نقاط التفتيش، وأجرت التحريات الأمنية بناء على قواعد بيانات الأفراد المطلوبين من قبل الدولة العراقية.

من بين حالات الاختفاء الموثقة في هذا التقرير والمنسوبة إلى قوات الحشد الشعبي، قال شهود إن 28 منها نُفذت من قبل "كتائب حزب الله"، واحدة من قبل "منظمة بدر"، وواحدة من قبل "عصائب أهل الحق". قال الشهود إنهم استندوا في تعرفهم على الجناة إلى أعلام وشعارات الجماعات الضالعة في الاعتقالات. في 6 حالات لم يتمكن الشهود من تحديد أي مجموعة من قوات الحشد الشعبي كانت مسؤولة عنها، لكنهم نسبوها إلى قوات الحشد الشعبي بناء على الأعلام والشعارات الرسمية لقوات الحشد الشعبي. وقعت حالات الاختفاء عند أو قرب نقاط التفتيش حول العياضية، الحلة، الحويش، جرف الصخر، كربلاء، المجر، المسيب، الرزازة، سامراء، طوز خورماتو، يثرب، وبلدة العوينات بين يوليو/تموز 2014 وأكتوبر/تشرين الأول 2017، بما في ذلك حالتين بعد نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بمجرد أن تم وضع قوات الحشد الشعبي رسميا تحت قيادة العبادي.

كما يشير البحث إلى أن مجموعات قوات الحشد الشعبي استهدفت رجالا من بعض الجماعات التي عاشت تحت سيطرة داعش بالاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري، بما في ذلك سكان جرف الصخر، التي فر سكانها من منازلهم في أكتوبر/تشرين الأول 2014.

وثق الباحثون 3 حالات اختفاء لغرض هذا التقرير منسوبة إلى الأسايش، قوات الأمن التابعة لحكومة إقليم كردستان. وكانت هيومن رايتس ووتش قد وثقت العديد من حالات الاختفاء الأخرى على يد الأسايش بين عامي 2015 و2017، معظمها في سياق العمليات العسكرية ضد داعش. احتجزت وأخفت قوات الأسايش أو "البشمركة" (القوات العسكرية التابعة لحكومة إقليم كردستان) أشخاصا إما عند نقاط التفتيش أو من المخيمات التي تسيطر عليها الحكومة الإقليمية لكردستان منذ عام 2015.

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 53 عائلة لأشخاص مختفين في الوقت الراهن ممن لديهم معرفة مباشرة بالاختفاء. من بين هؤلاء، طلبت 38 أسرة معلومات عن أقاربها المفقودين من السلطات العراقية، لكنها لم تتلقَّ أي معلومات. وفي الحالات التي لم تبحث فيها العائلات عن معلومات حول أقاربها، قالت العائلات إنها امتنعت عن ذلك لأنها تخشى أن تُعرض التحقيقات سلامة أقاربها للخطر بشكل كبير - وتأمل معظم العائلات أن تُفرج القوات العراقية عن المخفيين بعد فترة من الاحتجاز السري وغير القانوني.

في سياق البحث، كتبت هيومن رايتس ووتش رسائل إلى مستشار حقوق الإنسان في المجلس الاستشاري لرئيس الوزراء في بغداد، وكذلك قائمة من الأسئلة إلى المسؤول عن التواصل مع المنظمات الدولية في حكومة إقليم كردستان، إضافة إلى قائمة بأسماء الأشخاص الذين اختفوا بعد احتجازهم، للاستفسار عن مكان وسلامة الذين تم اعتقالهم، وتقديم التواريخ التقريبية والأماكن التي شوهد فيها كل شخص لآخر مرة. في 18 سبتمبر/أيلول، ردت حكومة إقليم كردستان بإرسال معلومات حول عدد المعتقلين لانتمائهم إلى داعش وإجراءات التوقيف التي تتبعها. لم ترد على أي من أسئلة هيومن رايتس ووتش المحددة، ومنها الأسئلة حول مكان الأشخاص الواردين في التقرير. لم تقدم سلطات بغداد أي جواب. 

قالت جميع العائلات الـ 53 إنها خائفة من التحدث إلى هيومن رايتس ووتش بشأن الاختفاء ما لم يتم ضمان عدم ذكر اسمها، لأنها تخشى من انتقام قوات الأمن.

كما أعربت "مؤسسة الكرامة"، وهي منظمة حقوقية مقرها جنيف، عن قلقها من التهديدات والاعتداءات الجسدية على نشطاء حقوق الإنسان، بما في ذلك اعتداءات على ناشطين يدعمان عائلات المختفين في فبراير/شباط ومارس/آذار 2018.

أفادت الأسر التي اختارت تقديم شكوى أنها اتصلت بمجموعة من الجهات الفاعلة بما في ذلك المحاكم، السجون، المفتش العام لوزارة الداخلية، رئيس مجلس النواب ونواب آخرين، فضلا عن مكتب رئيس الوزراء. في جميع الحالات، قال من تمت مقابلتهم إن المسؤولين الحكوميين الذين اتصلوا بهم لم يساعدوهم في الحصول على أي معلومات عن أقاربهم المختفين. لا تعرف أي من العائلات بشكل واضح أي سلطة يجب عليها الاتصال بها للحصول على أفضل فرص لتحديد أماكن أقاربها. إضافة إلى ذلك، لم تقل أي من العائلات التي تمت مقابلتها إنها اتصلت بـ "المفوضية العليا لحقوق الإنسان"، وهي مؤسسة وطنية تعنى بحقوق الإنسان، على ما يبدو لأنها لا تعتقد أن المفوضية يمكن أن تلعب دورا فعالا في مساعدتها على العثور على أقاربها. قدمت إحدى الأسر شكوى استعجالية إلى "اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري"، وهي هيئة من الخبراء المستقلين ترصد تنفيذ الدول الأطراف لـ "الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري" التي صادق عليها العراق عام 2010. لم تكن أي من العائلات الأخرى على علم بعمل اللجنة.

قالت معظم العائلات التي ذهبت إلى السجون بحثا عن أقاربها إنها ذهبت إلى سجن مطار بغداد الدولي، وسجن المثنى، وهو قاعدة عسكرية قديمة في بغداد وأصبح الآن مكانا لمجموعة من مراكز الاحتجاز. حسب المحامين والعاملين في السجون، فإن كل من مجمع سجن المثنى وسجن المطار تديرهما "قيادة عمليات بغداد" (التي تمثل خليطا من قوى مختلفة)، المخابرات العسكرية، وهو جهاز مخابرات تحت قيادة رئيس الوزراء، ومجموعة تسمى بـ "الوحدة التكتيكية" تحت قيادة وزارة الداخلية. قالت عائلات لـ هيومن رايتس ووتش إن الاعتقاد العام هو أن الذين اختفوا بعد اعتقالهم إما ماتوا أو يوجدون في أحد السجنين.

قالت إيناس عصمان، منسقة ومسؤولة قانونية في مؤسسة الكرامة لباحثة هيومن رايتس ووتش في أغسطس/آب 2018 إن مؤسسة الكرامة قدمت، منذ مايو/أيار 2014، 145 شكوى استعجالية بشأن حالات الاختفاء القسري في العراق إلى اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري. حتى مارس/آذار 2018، تعرّفت العائلات في 6 حالات فقط على أماكن وجود أقاربهم، ولم يحصل ذلك عن طريق اتصالات رسمية من السلطات. قالت إن السلطات ردت على الرسائل الواردة من اللجنة، إلا أن الردود بشكل عام ذكرت فقط أن السلطات فحصت سجونها وقواعد بياناتها الأخرى ولم تعثر على الشخص، أو أن على الأسرة تقديم شكوى إلى "مديرية حقوق الإنسان" التابعة لوزارة الداخلية العراقية.

حالات الاختفاء القسري الموثقة في هذا التقرير هي جزء من نمط أوسع بكثير في العراق. لا يتضمن هذا التقرير الأبحاث التي أجرتها ونشرتها هيومن رايتس ووتش من قبل بشأن آلاف الرجال والأطفال المحتجزين في سياق العمليات العسكرية ضد داعش، بما في ذلك عملية استعادة مدينة الفلوجة من مايو/أيار إلى يونيو/حزيران 2016، التي أسفرت عن فقدان 643 رجلا على الأقل من الصقلاوية و70 من الكرمة والموصل من سبتمبر/أيلول 2016 إلى يوليو/تموز 2017. في تقرير ديسمبر/كانون الأول 2017، "عدالة منقوصة: المحاسبة على جرائم "داعش" في العراق"، وثقت هيومن رايتس ووتش احتجاز السلطات في الموصل ما لا يقل عن 7,374 شخصا بتهم الانتماء إلى داعش، دون إخطار عائلاتهم. حاولت الكثير من الأسر الحصول على معلومات عن هؤلاء، ولكن لم يُسمح لهم بالتواصل مع أسرهم، وهو ما يرقى إلى اختفاء قسري واسع النطاق. قدر الباحثون أن عدد الاعتقالات كان أكبر بكثير، وهو ما يدعمه مقال نشرته وكالة "أسوشيتد برس" في 21 مارس/آذار 2018، بناء على مراجعتها لوثائق وزارة الداخلية المسربة عن نظام السجون ومصادر حكومية أخرى.

يواجه العراق تحديات أمنية خطيرة، بما في ذلك معركته ضد داعش. ومع ذلك، تتحمل الدولة مسؤولية ضمان امتثال هيئات إنفاذ القانون للقوانين المحلية والتزامات العراق الدولية في مجال حقوق الإنسان.

على الحكومة العراقية الجديدة، التي ستُعيّن في الأسابيع المقبلة، استنادا إلى الانتخابات التي أجريت في مايو/أيار 2018، أن تجعل من محاربة الاختفاء القسري والتحقيق في أحداث الماضي أولوية، لتأكيد التزامها باحترام وحماية حقوق جميع السكان في العراق. عليها القيام بذلك عبر إنشاء لجنة تقصي حقائق مستقلة للتحقيق في جميع حالات الاختفاء القسري والوفيات في الاحتجاز على المستوى الوطني، على يد قوات الجيش والأمن والمخابرات في جميع مرافق الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية. على اللجنة أن: (أ) تكون لها صلاحية التوصية بإحالة ملفات على القضاء؛ (ب) تشمل فرق عمل معنية بجمع البيانات والإصلاح التشريعي والتحقيقات في مصير الأشخاص ومكان وجودهم؛ (ج) تكون لها صلاحية التوصية بإحالة ملفات على القضاء وتقديم تقرير علني عن النتائج التي تتوصل إليها في غضون عام واحد؛ (د) تنشئ آلية لتعويض ضحايا الاختفاء القسري وأسرهم؛ (هـ) تنشئ سجلا واحد على الصعيد الوطني للأشخاص المختفين قسرا، أو آلية مبسطة أخرى للسماح للعائلات بطلب معلومات عن أقاربهم المختفين، وضمان إعمال حق الأسرة في معرفة الحقيقة والعدالة وجبر الضرر.

الاختفاء القسري منتشر في العراق منذ عقود. طالبت احتجاجات واسعة النطاق في 2013 بالإفراج عن الأشخاص المحتجزين بشكل تعسفي، وأن تقدم الحكومة معلومات لعائلات المفقودين والذين اعتقلوا في السنوات السابقة. يبدو أن الحكومة العراقية تقر بأن هذه مشكلة من الماضي، لكنها لم تعترف بأن القوات الحكومية والجماعات التابعة للحكومة تواصل ارتكاب الاختفاء القسري.

من واجب السلطات العراقية التحقيق في حالات الاختفاء القسري. بدل الاكتفاء بتسجيل شكاوى العائلات بشأن حالات الاختفاء دون متابعة، على المحاكم الأمر بتحقيقات عاجلة ونزيهة ومستقلة. على القائمين على سلطات إنفاذ القانون المعنية، بما في ذلك رئيس الوزراء ووزير الداخلية، توجيه القوات لإطلاق سراح الأشخاص المختفين، أو توجيه الاتهام إليهم ومحاكمتهم محاكمة عادلة حيث يتم منحهم حقوقهم كاملة، بما في ذلك الحق في التواصل مع أسرهم، وأن تعرف أسرهم والمحامون والأطراف المعنية الأخرى مكان احتجازهم في جميع الأوقات. على السلطات محاسبة القوات العسكرية والأمنية المسؤولة عن أي انتهاكات، وعليها تعويض ضحايا الاختفاء القسري، بما في ذلك عائلة الشخص المختفي.

ينبغي حل كل حالة اختفاء عن طريق تحقيق سريع. إذا كان الشخص محتجزا، فيجب توجيه تهم إليه أو إطلاق سراحه، وإذا توفي فيجب أن تُعطى لأسرته التفاصيل الكاملة عن ظروف وفاته. ينبغي إعادة جثته إلى عائلته.

تدعو هيومن رايتس ووتش أيضا الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، ألمانيا، فرنسا، وغيرها من الدول التي تُقدم مساعدات عسكرية وأمنية واستخبارية للعراق إلى حث السلطات العراقية على التحقيق في مزاعم الاختفاء القسري، والتحقيق في مساهمة مُساعدتها في هذه الانتهاكات المزعومة. على هذه الدول تعليق مساعدتها العسكرية والأمنية والاستخبارية للوحدات المتورطة في هذه الانتهاكات، وأن تشرح أي تعليق أو إنهاء للمساعدات العسكرية علنا. على هذه الدول الحفاظ على تعليق المساعدات إلى أن تعتمد الحكومة تدابير لإنهاء هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

 

المصدر : هيومان راتس ووتش

17/1/1440

27/9/2018