بعد سنوات طويلة على عيشه في
لبنان، يقول: "ليس في لبنان ما يسعدني، وتحديداً هذه الأيام. خلال سنوات
اللجوء الأولى، كان كل شيء مختلفاً. الناس كانوا يحبون بعضهم بعضا، ويتزاورون. كنا
جميعاً نشعر بسعادة حين يأتينا ضيف ليزورنا ويطمئن على أحوالنا، وكان الخير
وفيراً. أما اليوم، فلم يعد الناس كما في السابق. ربما هي هموم الحياة التي صارت
تحكم الجميع، وتفاقم الأوضاع المعيشية سوءاً".
هذه العوامل، بالإضافة إلى أخرى،
تزيد من تعلّقه بوطنه. يقول: "أرغب في إسقاط كلمة لاجئ عني، وأتمنى على
الدوام العودة إلى فلسطين لأرى وطني الذي أرغمت على الخروج منه تحت وطأة رصاص
العدو الصهيوني، وبلدتي التي لم يعد فيها غير مسجدها كما أخبرنا من ذهبوا
إليها". يضيف: "أحسد العصافير التي تستطيع التنقل بين أشجارها. أتمنى أن
أرى أرضنا، وأطلب من كل شخص يذهب إلى الجنوب اللبناني، وتحديداً القرى المحاذية
لفلسطين، إحضار كمشة من تراب تلك المنطقة. فأرض الجنوب فيها خليط من تراب فلسطين.
وأطلب من أي شخص يستطيع الذهاب إلى فلسطين أن يأخذني إليها حتى لو قُتلتُ فيها،
فأنا أتمنى أن أموت فيها".
لا يتذكر تفاصيل عما فعله
الصهاينة، باستثناء مشاهد قليلة. يوم الرحيل، يتذكر أن والده طلب من أمه مغادرة
البيت، فحملته جدته على كتفيها حتى وصلوا إلى بلدة جويا في الجنوب اللبناني، حيث
مكثوا نحو سبعة أشهر، ثم انتقلوا إلى حي الطوارئ في مخيم عين الحلوة. هناك،
"سكنّا في الخيام، وقدمت لنا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)
الملابس والطعام والشراب، لكن الحياة كانت صعبة. في فلسطين، كان والدي يملك أراضي
يزرعها بأنواع مختلفة من الخضروات. لكن في لبنان، اضطر إلى العمل في البساتين
وأعمال البناء كمياوم، أي في مقابل بدل يومي". وحاله حال الكثير من اللاجئين،
اضطر إلى ترك المدرسة لمساعدة عائلته.
عمل منذ كان صغيراً، وتزوج في
السابعة عشرة من عمره من إحدى قريباته، وأنجب عشرة أولاد. يقول: "أولادي
تركوا المدرسة أيضاً. واليوم يتولون إعالتي وقد توقفت عن العمل في الستين من عمري.
لكن في مواسم القطاف، منها الزيتون، ما زلت أشارك في أعمال القطاف".
العربي الجديد
5/4/1442
19/11/2020