شر البلية ما يبكي في العراق: الفلسطيني فراس ملحم نموذجاً (ج1) / بقلم: زياد ابوشاويش

بواسطة قراءة 4819
شر البلية ما يبكي في العراق: الفلسطيني فراس ملحم نموذجاً (ج1) / بقلم: زياد ابوشاويش
شر البلية ما يبكي في العراق: الفلسطيني فراس ملحم نموذجاً (ج1) / بقلم: زياد ابوشاويش

28/10/2008

في البداية لابد أن أعترف أن هناك آلاف الحالات من أصحاب المآسي والظروف الصعبة والمعقدة الذين يحتاجون للعون من الحكومة الفلسطينية برام الله ومن حركة حماس باعتبارها سلطة أمر واقع في غزة وتحمل كما تقول في أدبياتها المشروع الوطني الفلسطيني البديل ولها الأغلبية البرلمانية التي منحها إياها شعبنا لتقدم له يد العون في محنة أبنائه أينما وجدوا، لكن مسئولية منظمة التحرير الفلسطينية والرئيس عباس أكبر بهذا ومن هنا أرجو اعتبار مقالي هذا نداءً لكل من يعنيهم الأمر لمد يد العون للأخ الفلسطيني فراس ملحم والذي وقع تحت ظروف المطاردة والقتل والتنكيل في العراق على يد من استقووا بالاحتلال بعد الغزو الهمجي له على يد أمريكا وحلفائها، وبسطهم سلطتهم الطائفية والمذهبية على بعض المناطق ليستهدفوا كل فلسطيني يقيم بين ظهرانيهم حتى لو كان متزوجاً من طائفتهم أو مذهبهم وهو الأمر الذي حدث مع أخينا فراس ملحم و ألجأه للهرب لبانكوك عاصمة تايلند (الدولة الوحيدة التي منحته تأشيرة دخول لأراضيها) حيث ضاق وطننا العربي الكبير عن استيعابه وغيره من لاجئي شعبنا الفلسطيني في العراق الشقيق والجريح، وبعد أن باع كل ما يملك من أجل تذاكر السفر، وحيث يقيم اليوم في بانكوك مع أسرته المكونة من ستة أفراد في انتظار رحمة المنظمات الدولية التي ربما تؤمن له الهجرة والإقامة في بلاد الله الواسعة ممن يقبلون إعالة هؤلاء.
يقول أخونا فراس في رسالة استغاثته راوياً قصته المرعبة مع جيش "المهدي" تجاه أبنائنا في العراق.... وربما يتذكر القارئ الكريم أني كتبت مقالاً بعنوان "مقتدى الصدر غرابة أطوار أم حلقة في مؤامرة" للرد على سلوكيات مشبوهة وموتورة من أتباعه تجاه أهلنا في العراق وأصل الريبة في الرجل جملة المواقف المتناقضة له، وعداؤه لشعبنا الفلسطيني على خلفية مذهبية مقيتة واعتقاد مريض بأن شعبنا في العراق يدين بالولاء للرئيس الراحل صدام حسين الذي اغتيل بأمر الاحتلال الأمريكي على أيدي عملائه وجلادي شعبنا المظلوم في العراق.

وقبل ان أواصل وحتى لا نتهم بالغلو في الحكم على هؤلاء القتلة أنوه باني شاهدت شريطاً مصوراً للقاء السيد الصدر مع وجهاء جاليتنا في بغداد بعد اختفاء وقتل عدد من أبنائنا هناك وكان يتحدث بطريقة توحي بالأمان لمن قابلوه والذين أطروا عليه وجاملوه اتقاء شر زمرته الحاقدة ومع ذلك استمرت المطاردة حتى الآن ونموذج الأخ فراس ملحم أمامكم وأمام هؤلاء ليفسروا لنا الأمر واستطراداً فإننا سنستمع لتفسيراتهم بعقول وقلوب مفتوحة لأننا نعرف يقيناً أن إخوتنا من عرب العراق الشيعة لا تنقصهم النخوة ولا الرجولة، وعروبتهم لا شك فيها، ومنهم من يقاتل الاحتلال ويدافع عن حق العراق في الحرية وزوال الاحتلال وأولئك هم الأغلبية، ومن هنا يجب أن يكون واضحاً أن نداءنا هذا لا يرتكز مطلقاً على دعاوي مذهبية ولا يجب أن يعتقد أحد ما أن هذه فرصة للنيل من أشقاءنا هناك سواء كانوا من الشيعة أو السنة أو المسيحيين أو الأشوريين أو أي طائفة أو عرق في بلد التنوع المدهش والعظيم لعراقنا الحبيب.

عاش فراس حاتم عبد الله ملحم وزوجته العراقية والجعفرية المذهب وأولاده الأربعة في منطقة يسيطر عليها للأسف جيش المهدي ويعمل سائقاً لتنكر ماء مع مقاول عراقي مسيحي، وفي الشهر الخامس من هذا العام وذات صباح وتحديداً يوم الجمعة الثاني من مايو "أيار" (2 / 5 / 2008) وعلى الساعة الثامنة والنصف دق باب البيت ليفتحه فراس على منظر مرعب حين فوجئ بأن ثلاث رشاشات تصوب لرأسه ثم يسحب للخارج بسرعة ومع سيل من الشتائم وتمزيق الثياب وانهالوا عليه بالضرب والركل أمام أسرته المروعة من هذا الفعل الإجرامي غير المبرر.

بعد لحظات كان فراس مبطوحاً على أرضية سيارة نوع بيك أب "دبل كابين" والأرجل بأحذيتها فوق رأسه وجسده ثم وضعوا عصابة على عينيه واقتادوه لمكان مجهول يدعي فراس أنها حسينية يتمركز فيها بعض قادتهم الأشاوس ويقومون بتعذيب المعتقلين فيها والتحقيق معهم، المهم أن التهمة التي وجهت لفراس بدايةً كانت تتعلق بكونه فلسطيني وبأن صدام حسين راح فلماذا لا ترحلون عن العراق أيها الكلاب؟، وأنا هنا مضطر لاستخدام نفس التعبير الوارد في رسالة الرجل ، وقد أغفلت بعض الأمور التي لا أرى فائدة من ذكرها. فراس مهشم والدم ينزف من أكثر من منطقه في رأسه وجسده نتيجة الضرب بأدوات حادة وعصي بخلاف ركل الأحذية وهو ملقى تحت أقدام هؤلاء الهمجيين.

يقول فراس أن سجاداً سميكاً كان تحت قدميه وهم يجروه على أرض المكان الذي وصلوه ويسمع أصوات هنا وهناك ثم أدخل إلى حجرة حسب اعتقاده وبدأ الاستجواب، وكان أغرب ما فيه اتهامه بالتعاون مع الظواهري والقاعدة، وأنه جاسوس لابن لادن، فما كان من فراس سوى أن يحلف بالله والرسول بأنه ليس كما يقولون وأنه رجل يتحرك من البيت للعمل وبالعكس. لم يصدقوه رغم أنه تجرأ على القول بأنه حتى لا يذهب للجوامع .

الطريف في أمر هؤلاء أن فراس أحب أن يؤكد براءته فحلف بالإمام علي علهم يصدقوه فكان ردهم ضرباً مبرحاً والقول: "أنت سني لا تعرف الإمام علي" كرم الله وجهه (والأخيرة من عندي)، وفي هذه أظهروا جهلهم بالإسلام وحقدهم وانحرافهم، بخلاف وحشيتهم حين تولى خمسة أشخاص ضربه وهو مكبل، ثم وبشكل عفوي قال لهم لن أحلف مرة أخرى به وإنما أحلف لكم بمحمد رسول الله فسكت الجميع (وهذا على ذمة الأخ فراس) ثم غيروا التهمة ليقولوا له أنت لا تتعاون مع القاعدة بل مع الصحوات، وهنا رد فراس بأنه متزوج من شيعية ويعمل مع مقاول مسيحي، وأن كل أصدقائه من الشيعة، والفلسطينيون ليس لهم صلة بالصحوات مطلقاً. الغريب أنهم بعد كل هذا لم يجدوا سوى تهمة التجسس حين قالوا له أنت تسكن منطقتنا لتبلغ عنا الجيش العراقي والأمريكان وغير ذلك من المتناقضات وكان واضحاً أنهم يبحثون عن ذريعة لقتل الرجل .

وسط هذا الجو المرعب والمشحون بالحقد تجاه فراس دخل رجل للمكان فاستقبل باهتمام وتوقف التحقيق والضرب ثم سأل هذا القادم من هذا المعتقل وما به؟ فأخبروه بأنه فلسطيني وأنه جاسوس يسكن منطقتهم للتبليغ عنهم فما كان من الرجل إلا أنه طلب منهم أن يقيموا الصلاة وبعد ذلك يرى ما عند فراس. يقول فراس: في هذه اللحظة عرفت بأني موجود في جامع أو حسينية.

سمع فراس صوت أذان الظهر واقتربت الساعة من الثانية عشر ظهراً وبعد انتهاء الصلاة بدأ رجل بدا من لهجته وصوته أنه كبير في السن يسأل فراس عن بعض القضايا والتهم وهو يجيب.

الملفت أن فراس يقول بأنه أحس أنه بين عدد كبير من الناس والمصلين والكل يستمع للتحقيق ثم بعد إكمال الرجل لأسئلته قال: خذوه، فسحب كالسابق واقتيد لنفس السيارة التي انطلقت به إلى مكان مهجور أو مدرسة حسب اعتقاد فراس وكان حافي القدمين ومدمي الوجه والجسد فأجلسوه على بلاط ناعم كما قال وأغلقوا عليه باباً يستدل من صوته أن فراس كان في حجرة ليمكث فيها بضع دقائق ويعود هؤلاء مرة أخرى ليسحبوه ويلقوا به في قاع السيارة ويذهبوا به إلى مكان قريب من ذلك المكان حيث يقول فراس أنه مكان مهجور أو مزبلة قديمة أو ما شابه وفي الهواء الطلق بعيداً عن البيوت كما استشعر فراس، أجلسوه هذه المرة على أرض خشنة وبدأ العد العكسي لإعدامه، وفجأة رن الهاتف ليرد القاتل على المتصل باستهجان: "شلون يا شيخ أعوفه" وحدثت مشادة بينه وبين المتصل ثم أغلق الهاتف النقال وبدأ يحضرني لإطلاق النار حين طلب منى الجثو على ركبتي وقال: إتشاهد على روحك و شرعت في قراءة الفاتحة وبعض القرآن ثم طفقت أترجاه، وبعض الحضور يرجونه العفو عني ويقولون له أن زوجته منا والسيد زكاه وعشيرة زوجته توسطت له، كل هذا بدون نتيجة، وسحب الرجل أقسام رشاشه لإطلاق النار... وهنا وللمرة الثانية يتدخل القدر حين وصلت سيارة نزل منها شخص قال على الفور للوغد الحاقد: " إفتح عينيه واتركه هذا أمر من مولاي أبو مهند". يقول فراس أنه لا يعرف شخصاً اسمه أبو مهند. هذه المرة "ظبطت". قاموا بفتح العصابة عن عينيه وفكوا قيده وطلبوا أن ينظر إلى حفرة هي في الحقيقة القبر الذي تم حفره له قبل اعتقاله. يقول فراس: وقد فهمت أنهم وساطة أقرباء زوجتي عند قيادات جيش المهدي.