خطورة توطين لاجئي مخيم الرويشد في كندا !!! – عماد صلاح الدين

بواسطة قراءة 2442
خطورة توطين لاجئي مخيم الرويشد في كندا !!! – عماد صلاح الدين
خطورة توطين لاجئي مخيم الرويشد في كندا !!! – عماد صلاح الدين

منذ أن تعرض الفلسطينيون لأسوأ كارثة أخلاقية وإنسانية على يد الاستعمار الغربي وربيبته الإستراتيجية إسرائيل , وما أدت إليه هذه الكارثة غير المسبوقة من حيث حجم ونوعية تأثيرها إلى تهجير ثلثي الشعب الفلسطيني عن أرض آبائه وأجداده التي ارتبط بها ارتباطا عضويا ووظيفيا طبيعيا عبر مئات السنين ، ومشاريع التوطين الواحدة تلو الأخرى ما انفكت تبرح المنطقة عبر تسويقها غربيا وأمريكيا وصهيونيا , فمن مشاريع توطينية للاجئين الفلسطينيين في بلاد الرافدين إلى مشاريع مماثلة في الأردن إلى أخرى في سيناء ودمشق وفي أصقاع أجنبية أخرى وتحت مسميات التأهيل التطوير الاقتصادي والاجتماعي .

ومنذ عقد مؤتمر مدريد للسلام وما تمخض عنه من اتفاقات وفي مقدمتها اتفاق أوسلو , رأينا كيف أن إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة بذلت كل جهد جهيد من أجل جعل قضية اللاجئين الفلسطينيين قضية ثانوية ذات أبعاد إنسانية فقط دون أن يكون لها أي مستند قانوني وسياسي لغرض صهيوني مبيت وهو جعل عودة بعض اللاجئين بأعداد رمزية بسيطة تحت تحكم وسيطرة إسرائيل , لتكون صورة الوضع بأن إسرائيل تتفضل إنسانيا على اللاجئين ، وأنه طبقا لذلك فليس هنالك أي قانون دولي أو مرجعية معينة تفرض عليها عودة اللاجئين. 

وعلى هذا ضغطت إسرائيل ومعها أمريكا ليتم التعامل مع قضية اللاجئين ضمن ما يسمى بمجموعة العمل المتعددة التي كانت تعمل ضمن مجالات خدماتية وإنسانية وفنية وصحية ترأسها مجموعة من الدول الأوروبية كل في سياق المجال الذي حدد له ,.

وعلى هذا باتت قضية اللاجئين مسألة ثانوية يتم الاتفاق عليها لاحقا دون تحديد مرجعية لذلك من باب القرار 194 على وجه التحديد , واستنادا إلى هذا الذي سبق، رأينا محاولة التآمر على حق العودة للاجئين من خلال ما كان يعرف في حينها ببرنامج تنفيذ السلام المشهور الذي كان من ضمن سلم أولوياته العمل على نقل صلاحيات الأونروا إلى السلطة الفلسطينية تمهيدا لإلغاء وبالتالي إنهاء عمل وكالة الغوث الشاهد الأول على مصيبة وكارثة اللاجئين الفلسطينيين .

تدرك إسرائيل والولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية أن القضية الفلسطينية هي في جوهرها شعب تم تهجيره وقلعه وإبعاده عن أرضه ودياره وممتلكاته ، وأن عملية التهجير هذه ، هي التي تحقق الطموح الصهيوني العنصري بإقامة الدولة اليهودية النقية أو الخالصة، وهذا المشروع التهجيري للفلسطينيين لإحلال اليهود بدلا منهم هو ضرورة صهيونية وغربية استعمارية لتحقيق السيطرة على المنطقة من خلال زرع جسم سرطاني غريب في جزء منه.

لذلك فإن صمام الأمان لهكذا كيان هو عدم عودة هؤلاء اللذين هجروا - على الإطلاق - والعمل على تشتيت شتاتهم إلى مختلف البلاد والأصقاع .

اليوم , ومما يؤسف له أن نسمع أن بلدا عربيا مثل الأردن يرفض أن يدخل اللاجئين الفلسطينيين في مخيم الرويشد على الحدود العراقية الأردنية واللذين لا يتجاوز عددهم أل 280 لاجئا ، علما أن هؤلاء اللاجئين اضطرتهم ظروف الحرب والاستهداف المباشر لحياتهم لأن يتركوا أرض العراق , المحير والمربك في الموضوع أن الأردن يحتضن أكبر نسبة من اللاجئين الفلسطينيين واللذين يشكلون نسيجا اجتماعيا وحتى سياسيا مهما منه , والأدهى والأمر من ذلك أن الأردن يستوعب أكثر من 600 ألف عراقي ، فهل يعجز الآن عن استيعاب عدد من اللاجئين الفلسطينيين لا يتجاوز تعدادهم الثلاثمائة ؟؟ هذا سؤال مهم نرجو من الحكومة والنظام الأردني أن نجد له منهم جوابا ، ومع ذلك كله كيف يسمح الأردن لنفسه وفي سابقة خطيرة جدا أن يعقد اتفاق مع كندا لترحيل هؤلاء اللاجئين إليها ، هل هو يمثل هؤلاء اللاجئين ؟؟ أليست هنالك مرجعيات لهؤلاء اللاجئين الفلسطينيين على المستوى الوطني والدولي ، ثم أين الرئيس عباس من الذي يجري ، أم إنه لا علاقة له باللاجئين وأن اهتماماته منصبة نحو انتزاع اعتراف من حماس والحكومة الفلسطينية بالكيان الصهيوني فضلا عن انشغاله بكيفية إطلاق سراح الأسير الصهيوني جلعاد شاليت!! .

النظام الأردني يريد ترحيل لاجئي الرويشد إلى كندا التي تبعد عنه آلاف الأميال ، أما وإنه لأمر مضحك ، على فرض أنه لا يستطيع استيعاب هؤلاء وهذا فرض لا يقبله عقل او منطق ، لماذا لا يترك لهؤلاء اللاجئين الغلابى اللذين يعانون منذ سنوات فرصة التوجه إلى سوريا ، فسوريا كانت من قبل قد استقبلت عدد من اللاجئين الفلسطينيين العالقين على حدودها مع العراق .

الحقيقة تقول أن هكذا اتفاق تبرمه الأردن مع كندا لترحيل لاجئي مخيم الرويشد إليها هو اتفاق مشبوه وواضحة جدا مراميه ومقاصده وهو العمل على تكريس سابقة خطيرة بشأن توطين اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات الأوروبي ، ولذلك نحن من هذا المنطلق نحمل النظام الأردني مسؤولية هؤلاء اللاجئين الذين هم ضيوف عليه ريثما يتحقق لهم حق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم ، وكذلك نحمل المنظمات الدولية والإنسانية وعلى رأسها مفوضية اللاجئين السامية والأمم المتحدة مسؤولية حماية وعدم توطين هؤلاء اللاجئين ، ما بال هذه المنظمات تقيم الأرض ولا تقعدها إذا تعلق الأمر بغير الفلسطينيين؟! ،أما الفلسطينيون فلا مشكلة تذكر حول اضطهادهم وتهجيرهم والتآمر على حقوقهم الإنسانية والقانونية ، للأسف أن هذه المنظمات تتحكم فيها المعايير السياسية وليست الأخلاقية والإنسانية .كنا قد حذرنا وغيرنا في أكثر من موقع ومقالة حول خطورة أن يتم تشتيت شتات اللاجئين الفلسطينيين ، لأن هذا الأمر سيؤثر سلبا على نسيج وحدتهم واجتماعهم التكتلي في المناطق الرئيسة للجوئهم ، وليس أدل على ذلك من الموقف الواضح من كافة مستويات وتوجهات شعبنا الفلسطيني حينما أصروا جميعا وبالتنسيق مع الحكومة اللبنانية في حينها على ضرورة تمتع اللاجئين الفلسطينيين فيها بالحد المقبول من حقوقهم المدنية والاجتماعية ، وأوضحنا للحكومة اللبنانية في حينها أن تمتع هؤلاء بتلك الحقوق لا علاقة له بالتوطين ، ذلك لأن الانتقاص من حقوق اللاجئين المدنية والخدماتية، والذين فعلا كانوا يعانون منه وإن كان اليوم بوتيرة اقل بعد الاتفاق مع الحكومة اللبنانية، سيؤدي إلى هجرة هؤلاء إلى دول أوروبية أخرى وبالتالي ما ينتج عن هذا الأمر من تشتيت لتكتل اللاجئين في لبنان وما ينجم عن ذلك في النهاية من تأثير سلبي على حقهم بالعودة إلى الديار والممتلكات.يجب العمل وبجهود كل المخلصين من الفلسطينيين والعرب ومن اللاجئين أنفسهم على إفشال مشروع التوطين هذا، كما فشل غيره من المشاريع الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى بفضل صمود ووعي اللاجئين بطبيعة حقهم الطبيعي والإنساني والسياسي والقانوني العادل ، في هذا السياق أتذكر ذلك التعليق الذي كان على هيئة وشاكلة الاستغراب والتعجب للمؤرخ الإسرائيلي المعروف "هليل كوهين" في كتابه (الغائبون الحاضرون) الذي يتحدث فيه عن مهجري القرى العربية داخل دولة الكيان الصهيوني حيث يقول ما معناه "إنه رغم مضي عشرات السنيين على تهجير هؤلاء عن قراهم التي لا تبعد عنهم سوى بضع الكيلومترات ، ورغم وفاة جيل من هجروا، واندماج أولادهم وأحفادهم في دولة إسرائيل ، إلا أن هؤلاء ومع مطلع التسعينيات من القرن الفائت، ونتيجة لما تمخضت عنه عملية السلام من تهميش وعدم اهتمام بهؤلاء اللاجئين الداخليين , رأيناهم كيف يشكلون اللجنة الرئيسية العليا للدفاع عن المهجريين وغيرها من الفروع التابعة لها، ويجيب كوهين عن استغرابه وتعجبه هذا بأن السبب في ذلك هو هذا الحس الجمعي المزروع في قلوب وعقول هؤلاء المهجرين الذي لا تعمل طول ومضي السنين على تآكله و بالتالي تلاشيه ".

ونحن بدورنا نقول إن الديمغرافيا الفلسطينية مجبولة جدا بجغرافيتها المرتبطة بها بحكم الطبيعة والتاريخ والاقتصاد والاجتماع ، فتآمروا أيها المتآمرون واجمعوا كيدكم وحقدكم الدفين ، فحتما إن اللاجئين إلى ديارهم لعائدون ولو بعد حين.                                               

  17/10/2006

كاتب وباحث في الشؤون القانونية والسياسية - مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان