ثلاثة من الاخوة محكومين ب14 سنة ،بلا اي ذنب ،خرجوا من العراق سنة 1984 وتحديدا مدينة الموصل ليصلوا ارض الوطن ,ولا يعلموا ما سيحل بهم.
"إنه واقع الاحتلال، ونحن مضطرون للتكيف معه، لا تتوقع من عدو يحتلك أن يقدم لك شيئا طيباً.."، بهذه الكلمات تحدث تيسير كامل سمارة "أبو المعتصم" عن واقع أسرته التي فرق شملها الاحتلال، وبقلب يتحرق شوقا لأبنائه الثلاثة أخذ يكشف عن واقع الأسر الفلسطينية وهي تستقبل عامها الجديد محترقة تحت الرماد الذي خلفته جنازير الآليات التي أحرقت كل أخضر في المدن الفلسطينية المحتلة.
معتصم ، ونصر وعدنان ، بالأمس كانوا هنا، همساتهم كانت تحيي المكان ، وصدى ضحكاتهم مازال يسترجع في ذاكرة الوالدة "أم معتصم" وهي تنادي عليهم جميعا فلا يجيبها أحد.
وجع التاريخ
تعود حكاية عائلة تيسير سماره مع الاحتلال إلى عمق التاريخ الحديث فالأسرة ذاقت من ويلات الاحتلال منذ قدومه الكثير ، "أبو المعتصم" وهو اليوم في الخمسينيات من عمره أمضى عاما كاملا في الاعتقال ويقول عن تلك التجربة :" عندما يفرض عليك الواقع ما لا تريد يجب أن تكون لك إرادة ولهذا قد تدفع الثمن، أنا دفعت ثمنا في السبعينات واليوم أبنائي يدفعون نفس الثمن".
الأرض الجريحة والوطن السليب مفردات عشقها آل سمارة ، وتناقلوا حبها من الأب للأبناء الذين اعتقل أكبرهم معتصم لأول مرة في 14/12/1994 وهو في السادسة عشر من عمره، حينها أمضى 8 أشهر من الاعتقال في سجني "الفارعة" و"النقب" الصهيونيين.. تقول أمه:" كان في الصف الأول ثانوي ، معتصم كان متفوقا في مدرسته، محبوباً بين رفاقه وأقرانه، البسمة الصادقة لم تفارق يوما وجهه الصبوح، اعتقل وهو طفل وشهد جميع من عايشوا فترة اعتقاله على رجولته المبكرة، والد معتصم الذي قضى سنوات عمره متنقلا من زيارة سجن لآخر وراء ابنه ما زال يدرك أن للحكاية بقية، روحه المعنوية العالية تخفي خلف شموخها غصة آباء المناضلين الشرفاء، إنهم اليوم يدفعون فاتورة حب الوطن والوفاء للأرض، رغم أنهم ليسوا الوحيدين الذين يعيشون عليها، وحصتهم من خيرها أقل بكثير من الذين لم يقدموا لها إلا القليل ومع ذلك لا تهتم أم المعتصم وكأنها تأخذ من اسم ابنها عنوانا لحكايتها التي تمتد مع الأيام.
خرج معتصم من سجنه في العام 1995 ليعيد دراسة الصف الأول ثانوي الذي اعتقل قبل أن ينهي الدارسة فيه، وفي العام 1997 اعتقل في سجن "الجنيد" الصهيوني ليمضي هناك عامين ونصف العام.
أنهى معتصم دراسته الثانوية من المدرسة الفاضلية في الفرع العلمي ، والتحق بكلية التربية يدرس في قسم الرياضة ، فهو الشاب الرياضي المبدع في مجال كرة القدم وسبق له أن لعب مع أندية مرموقة فكان ذا موقع متميز مع فريق إسلامي طولكرم ثم مع نادي ثقافي طولكرم الذي غادره للعب في صفوف النادي الاجتماعي الرياضي.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى، اضطر معتصم لمغادرة بيته والالتحاق بسكن طلابي في مدينة نابلس كي يتابع دراسته التي تفوق فيها بشكل منقطع النظير إلى أن اعتقل في 4/5/2001 حيث يقول صهيب البدوي محامي جمعية أنصار السجين لرعاية الأسرى والمعتقلين في طولكرم أن محكمة عسكرية صهيونية قضت بسجنه 14 عاما فعليا بدعوى أنه ناشط في مقاومة الاحتلال.
معتصم والمعتقل الآن في سجن "شطة" الصهيوني قليلا ما يتمكن من التواصل مع عائلته، زيارات تغيب لأشهر طويلة بسبب إجراءات العقاب ومنع التصاريح وغير ذلك من المعيقات التي يضعها الاحتلال لتحول بين الأسرى وعائلاتهم.
باقي الإخوة
وليس معتصم الوحيد الذي غاب عن عائلة سماره مع إطلالة شمس اليوم الأول من العام 2005 ، فهذا شقيقه الثاني نصر الذي يعمل موظفا في وزارة التربية والتعليم أسيرا أيضا، اعتقل كما أخبرنا البدوي محامي أنصار السجين في 2/12/ 2004 ونقل إلى سجن "قدوميم" وتم تحويله للاعتقال الإداري، ويضيف البدوي أن نصر البالغ من العمر (23 عاما) اعتقل قبل ذلك مرتين، ولم توجه له أية تهمة.
أما عدنان الشقيق الأصغر بين ذكور العائلة فهو طالب في كلية خضوري ، اعتقل في 4/12/2004 برفقة ابن عمته إحسان الحطاب ليكتمل عقد الإخوة الثلاثة خلف قضبان السجون، معتصم يمضي حكمه لأربعة عشر عاما في سجن "شطة"، وعدنان ونصر وابن عمتهما إحسان قابعون رهن الملف السري ودون تهمة في سجن "قدوميم".
وعن هذا الحال يقول أبو المعتصم:" نحن لا نسخط من حالنا ولا نستاء، نحن نؤمن بقضاء الله وقدره ونفاذ إرادته فينا".
شهادة إنسانية
وتصف أم المعتصم حال بيتها بعد اعتقال أبنائها الثلاثة فتقول:" نحن دائما ندعو لهم بالفرج، غيابهم ترك الفراغ الكبير في حياتنا".
أما أبو المعتصم فيتحدث عن حالة إنسانية خاصة يقول أن محكمة الاحتلال تجاهلتها عند إصدار الحكم على معتصم ويضيف :" ورد في لائحة الاتهام أن معتصم كان قد منع حادث إطلاق نار على سيارة للمستوطنين بعد أن رأى فيها أطفالا، وهذه شهادة ثبتت له وتحدث بها إلى القاضي في المحكمة لكن هيئة المحكمة رفضت التعاطي معها وأصدرت الحكم بسجنه لفترة طويلة لا تتناسب مع ما نسب إليه من اتهامات، بل إن هيئة المحكمة أبلغونا في حيثيات قرار الحكم أن السبب في كونه عاليا أن المقصود منه الردع لا العقاب ولهذا يدفع معتصم الثمن.
وتمضي الأيام بعائلة تيسير سماره الكرمية، بانتظار نبأ سعيد ، يرون سماعه عن نصر أو عدنان الأسيرين الإداريين أقرب منه عن معتصم المحكوم بالسجن لأربعة عشر عاما.
17/1/2005
منتديات المحترفين العرب