وضعت الانتخابات "الإسرائيلية" أوزارها
أخيراً، وعاد بنيامين نتنياهو عرّاب "التطبيع" مع العرب، والذراع الأيمن
للرئيس الأمريكي دونالد ترمب في المنطقة إلى سدّة الحكم مُجدداً، بعد أن سانده
صديقه في البيت الأبيض، وقدّم له دعماً لم يكن لـ"إسرائيل" بمثله سابق
عهد، وتضمّن تقديم القدس والجولان المحتلتين كهدية لـ"تل أبيب" على طبق
من ذهب.
كان أول ما قاله نتنياهو في "خطاب النصر"
الذي ألقاه أمام أنصاره في "تل أبيب" بعد صدور النتائج الأولية
للانتخابات التي درات رحاها في 9 أبريل/نيسان الجاري إن "السعي سيتواصل من
أجل تحقيق "السلام" مع العالم العربي، هذا يحدث فعلاً، حتى وأنا أتحدث
إليكم الآن وفي هذه الأثناء، إنه يحصل".
تضمين نتنياهو لـ"السلام" مع العالم العربي
لخطاب النصر، إذ يدركُ رئيس الوزراء "الإسرائيلي" جيداً، أن الشرق
الأوسط، والعالم بأسره، كان قد حبس الأنفاس بانتظار هذه اللحظة التي كانت تُعد
اللحظة الفاصلة فيما يتعلق بـ"خطة السلام" الأمريكية للشرق الأوسط والتي
تُعرف إعلامياً بـ"صفقة القرن"، التي أرجأت الإدارة الأمريكية كشفها
والبدء في مساعي تطبيقها إلى ما بعد الانتخابات "الإسرائيلية".
ولم تنتظر إدارة ترمب كثيراً لتأكيد ما يتسرب في وسائل
الإعلام حول "صفقة القرن"، فبعد ساعتين فقط من تكليف الرئيس "الإسرائيلي"
رؤوفين ريفلين رسمياً بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة، خرج مستشار الرئيس الأمريكي
وصهره جاريد كوشنر، ليقول أمام حشد من السفراء الأجانب، إنّ ""صفقة
القرن" ستعلَن بعد انتهاء شهر رمضان،في أوائل يونيو/حزيران المقبل".
صفقة غامضة
كوشنر الذي سبق أن قال إن ترمب أوكل إليه مهمّة تطبيق "خطة
السلام"، لم يألُ جهداً في التأكيد خلال لقائه السفراء في بلير هاوس، قصر
الضيافة الرئاسي المقابل للبيت الأبيض، أن "مقترح ترمب لـ"السلام"
سيتطلب تنازلات من الجانبين"، في إشارة إلى الجانبين الفلسطيني و"الإسرائيلي".
ويرى كوشنر، حسب مصدر مطلع، أن على السفراء ودولهم
التحلي "بذهن منفتح تجاه "صفقة القرن"، إذ سيكون على الجميع النظر
في تنازلات معقولة تتيح تحقيق "السلام""، حسب وكالة رويترز.
وسبق لكوشنر أن قال إن "الخطة المذكورة سوف تعالج
قضايا الحل النهائي كافة".
تفاصيل "الصفقة" التي يتحدث كوشنر عنها لم
تُكشف إلى العلن بعد، وعلى الرغم من ذلك تشير بعض التسريبات التي نقلتها وكالة
أسوشيتد برس عن مسؤولين أمريكيين، إلى أنها سوف تركز بشدّة على التنمية الاقتصادية
الفلسطينية، وتتألف من عنصرين رئيسيين: شق سياسي يتناول القضايا السياسية الجوهرية
مثل وضع القدس وشق اقتصادي يهدف إلى مساعدة الفلسطينيين في تعزيز اقتصادهم،
"لكنها لن تتضمن إقامة دولة فلسطينية"، حسب المصادر.
ولم تكشف الولايات المتحدة الأمريكية ماهية الصفقة
المذكورة، وأحاطتها بسرية تامة وتكتمت عليها، إذ بات الغموض يكتنفها ويحيط بها من
كل جانب، حتى وصل الأمر بنتنياهو نفسه إلى القول إنه "يتطلع إلى رؤية الخطة
المذكورة".
وسبق أن دعا وزير التعليم "الإسرائيلي"
المنتهية ولايته نفتالي بينيت، الإدارة الأمريكية إلى كشف معالم "صفقة القرن"
قبل "الانتخابات الإسرائيلية"، وقال الوزير الذي يعد أحد أعضاء "المجلس
الأمني والسياسي" المُصغّر إن "نتنياهو يتآمر مع كوشنر لإقامة دولة
فلسطينية".
وأضاف بينيت "ترمب يترك "الإسرائيليين"
في ظلام قبل عقد انتخابات حاسمة".
ولدت ميتة
لا يبدو الفلسطينيون أكثر دراية من "الإسرائيليين"
بتفاصيل هذه الصفقة، وذلك على الرغم من كشف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة
التحرير الفلسطينية صائب عريقات لبعض التفاصيل التي قال إنها تفاصيل "الصفقة"،
وذلك في تقرير سياسي قدمه لاجتماع "المجلس المركزي" الفلسطيني في رام
الله.
التفاصيل التي تحدث عنها عريقات يومها، تشير إلى أن
الصفقة سوف تشمل ضم الكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة لـ"إسرائيل"،
وإعلان قيام "دولة فلسطينية" منزوعة السلاح، وإبقاء السيطرة الأمنية لـ"إسرائيل"،
إلى جانب الاعتراف بـ"إسرائيل" كدولة يهودية، مع انسحابات تدريجية لـ"إسرائيل"
من مناطق فلسطينية محتلة.
على الرغم من ذلك، لم تشر تصريحات القيادة الفلسطينية
إلى أن الرئاسة أو الفصائل تمتلك معلومات واضحة حول "الصفقة" وشكلها
النهائي. ورفضها الرئيس محمود عباس الذي قال إنها لن تمر، فيما تحدث عنها رئيس
الوزراء حديث العهد محمد اشتيه، الذي استهل منصبه بالقول إن ""صفقة
القرن" مرفوضة، وقد ولدت ميتة".
ولم تلقَ الصفقة المبهمة، إجماعاً عربياً عليها، ففي
الوقت الذي رفضت فيه السلطة الفلسطينية هذه الصفقة، دعا وزير الخارجية اللبناني
جبران باسيل لعدم التمادي في إهدار الحقوق العربية تمهيداً للإعلان عن ما يسمى
بـ"صفقة القرن".
وفي الوقت نفسه، تتواصل المسيرات الشعبية في الأردن
دعماً لموقف ملك البلاد عبدالله الثاني تجاه القدس، كما يقول المشاركون، الذي
أشاروا إلى أنهم نزلوا إلى الشوارع دعماً لموقف الملك.
وكانت تسريبات إعلامية أشارت إلى أن ضغوطات تُمارس على
الملك عبدالله للقبول بـ"صفقة القرن"، لكن الملك خرج إلى العلن قبل أيام
وقال "القدس خط أحمر، وكذلك التوطين والوطن البديل كلها خطوط أردنية حمراء،
وكل الأردنيين يؤيدون ذلك".
وفي ظل اقتراب الإعلان عن صفقة ترمب، دعت السلطة
الفلسطينية إلى عقد دورة غير عادية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى
الوزاري، بحضور الرئيس محمود عباس، والتي من المُقرر أن تعقد يوم الأحد المقبل في
القاهرة.
وقال السفير حسام زكي الأمين العام المساعد للجامعة
العربية، إن "الرئيس الفلسطيني سيطلع الوزراء على آخر التطورات في ظل الأحداث
الأخيرة ونتائج "الانتخابات الإسرائيلية"". وأشار إلى أن هناك
موافقة عربية على عقد الاجتماع.
الطريق إلى الصفقة
إدارة الرئيس ترمب كانت متعجلة منذ البداية، فعلى الرغم
من عدم وضوح معالم الصفقة، فإن الخطوات التي اتخذتها إدارة ترمب، تبدو مؤشراً على
نيّة الإدارة تجاه الفلسطينيين، وتشير إلى أن التقديرات الفلسطينية التي تؤكد أن
الصفقة يتم تفصيلها على مقاس "إسرائيل"، هي تقديرات حقيقية.
الإدارة الأمريكية التي طرحت نفسها كوسيط لـ"السلام"،
بدأت أول خطواتها بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة "إسرائيل"، ونقل
السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إليها، وهو ما أثار ردود فعل عربية
ودولية رافضة، كذلك رفضت الأمم المتحدة القرار بالاجماع.
وسعت إدارة ترمب للضغط على السلطة الفلسطينية للقبول بـ"صفقة
القرن" بشتى الوسائل والطرق، وقد واجهت السلطة ذلك بالرفض المطلق، ما أدى إلى
تصعيد أمريكي غير مسبوق ضد الفلسطينيين، إذ تم إغلاق مكتب منظمة التحرير
الفلسطينية في واشنطن وطرد الموظفين فيه، إلى جانب صدور قرار أمريكي بوقف دعم
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، ووقف الدعم عن مستشفيات مدينة القدس، وهو ما
رآه الفلسطينيون مساعي لتصفية القضية الفلسطينية بكل جوانبها.
وتتوقع الإدارة الأمريكية أن تواجه "خطة السلام"
المُقرر عرضها بعد شهر رمضان برفض واسع من قبل السلطة، وبدأت تعد العدة للتعامل مع
هذا الرفض، إذ أشار منسق "مكافحة الإرهاب" في وزارة الخارجية الأمريكية
ناثان سيلز إلى أن إدارة ترمب تتخذ تدابير وقائية تحسباً لمعارضة الفلسطينيين.
ويبدو السفير "الإسرائيلي" في واشنطن رون
درومر أكثر تفاؤلاً إزاء الصفقة، إذ قال الأربعاء إنه "واثق في أن الخطة
الأمريكية ستأخذ مصالح "إسرائيل" الأساسية بعين الاعتبار".
الوسيط الشرعي
يقول ليؤور ليرهس المختص في "شؤون السلام" بين
الفلسطينيين و"الإسرائيليين" إن "تعامل الإدارة الأمريكية تجاه
صفقة القرن يبدو مختلفاً بشكل كبير عن تعامل الإدارات السابقة مع الصراع الفلسطيني
"الإسرائيلي" ما بعد اتفاق أوسلو". وأشار إلى أن واشنطن عادت إلى
التفاوض مع دول عربية حول القضية الفلسطينية وليس مع الفلسطينيين أنفسهم، تماماً
كما حصل خلال "اتفاقية كامب ديفيد" مع مصر.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تفاوض السعودية ومصر
وغيرها من الدول العربية حول صفقة القرن، وليس القيادة الفلسطينية.
وقال إن على إدارة ترمب وقبل البدء بطرح الخطة أن تسعى
لكسب ثقة الفلسطينيين، كي تعود كما كانت "وسيطاً شرعياً ومعقولاً لـ"السلام""،
"وهذا يتطلب القيام بخطوات تجاه الفلسطينيين، وأن تطرح خطة مقبولة على
الجانبين، لا على جانب واحد فقط".
المصدر : TRT عربي – وكالات
14/8/1440
19/4/2019