ببدلة
غربية ظهر عبدالله العنزي (34 عاما)، في طريق عودته إلى السعودية عبر الإمارات
العربية المتحدة، قادما من سجون العراق بعد أن أمضى فيها 8 أعوام تنقل بين عدد
منها وهي سجون التاجي، وسوسة، والناصرية، وسجن أبو غريب الشهير .
بدأ
العنزي مشوار حريته من جديد، سواء أكان هو من فضل استئناف حياته بها، أو كان
اختيار القميص والبنطال محض صدفة لاجتهاد أحد أقربائه بابتياعها له، إلا أنها تبقى
مؤشرا صوب ما اعترى السجين السعودي بالعراق من تحولات، بتأكيده على ضرورة الاتعاظ
من الواقع، والذي من خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» قال إنه «اكتشف فيه هوية العدو
الحقيقي» .
عبدالله
العنزي بدأ رحلة الاعتقال بسجن «كروبر» وهو في سن لا تتجاوز السابعة والعشرين، بعد
أن صدر بحقه حكم من المحكمة المركزية الجنائية ببغداد بالسجن 10 سنوات بتهم مدنية
تتعلق بتجاوزه الحدود بصورة غير شرعية، بعد تشاور جنرالات من الجيش الأميركي وقاضي
التحقيق العراقي والذي أبلغه حينها أن الحكم بحقه أتى «مراعاة لشبابه» .
ومن
خلف أبواب زنازين معتقل «كروبر» الذي كان حينها تحت إدارة وسيطرة القوات الأميركية
وبعد انقضاء شهر ونصف الشهر في سجن انفرادي، انتقل إلى سجن أبو غريب أمضى فيه ما
يقارب العام ضمن محكومي القضايا المدنية والمعزولين عن قضايا وتهم "الإرهاب"،
ليتحول إلى ما يوصف بأسوأ السجون العراقية وهو ما يطلق عليه بالشعبة الخامسة أو «الحماية
الخاصة» وهو ذات المكان الذي نفذ فيه حكم الإعدام على الرئيس العراقي الأسبق صدام
حسين .
المادة
(4 إرهاب) أو ما درج على تسميته من قبل السجناء في المعتقلات العراقية بحسب عبدالله
العنيزي «4 سنة» في إشارة إلى اقتصار تهم "الإرهاب" على معتقلي السنة
طالت أيضا المعتقلات النساء من بينهن شقيقتين من الجنسية العراقية لأحد السجناء
تنتظران تنفيذ حكم الإعدام بحقهما إلى جانب سيدتين يمنيتين وأخريات من جنسيات
عربية يمضين محكومياتهن تحت بند المادة "4 إرهاب" .
جنسيات
وطوائف وأحزاب متعددة ضمتها المعتقلات العراقية كما أتى في حديث العنزي، كان من
بينهم، الروسي، والأميركي والبريطاني، ومن المغرب العربي، ومصر والجزائر، وسوريا
ولبنان والإمارات والكويت، إلى جانب معتقل قطري «رجل أعمال» بتهمة التجسس، إضافة
إلى معتقلين من المعارضة الإيرانية، مشيرا إلى أن دوافع الموجودين «مختلفة لا يمكن
حصرها» .
المعتقل
السعودي السابق في السجون العراقية والذي كان يحمل الرقم 166394 عجز عن ذكر رقمه
باللغة العربية بعد أن اعتاد سماعه فقط باللغة الإفرنجية، تحدث في لقاء خاص
لـ«الشرق الأوسط» محاطا بذويه وأسرته في مسكن الضيافة الذي وفرته له ولعائلته
وزارة الداخلية السعودية بعد وصوله إلى العاصمة الرياض، عن رداءة الأوضاع المعيشية
والإنسانية للمعتقلين داخل السجون العراقية، وما يتعرضون له من تعذيب جسدي ونفسي
وإهمال بالعناية الصحية والطبية للسجناء .
لم يكن
الأسير السعودي، يتصور هو ومن معه من المعتقلين اكتشاف هوية مغايرة للعدو الذي
ارتسم بمخيلتهم منذ بدأ دخول القوات الأميركية للعراق، والتي جسدتها إجابته على
أحد المحققين الأميركيين حينها «دخولي غير شرعي كما هو دخولك غير الشرعي»، بينما
قال في مقابلته بعد إطلاقه «قد يكون الوجود الأميركي أرحم هناك»، متسائلا في الوقت
الراهن: «من هو العدو الحقيقي في العراق ومن هو المستهدف؟» .
ويتحدث
العنزي عما يصفه بمظاهر تدخل الحرس الثوري في التحقيق مع السجناء واستخدام الشتائم
الطائفية، كما يشير إلى ما يلقاه السجناء الإيرانيون من حظوة كبيرة، قائلا إن
بالطائفية التي لم تقتصر على إدارة السجون والمعتقلات العراقية، وإنما أيضا على
نزلائها .
وبحسب
العنزي فقد واجه عدد من المرات المحققين الإيرانيين كغيره من السجناء الذين
يتحدثون بلغتهم الفارسية مستعينين بمترجمين للتخاطب مع السجناء، مستشهدا بواقع
الحال في سجن الرصافة، قائلا: «كنا نشتم من قبل المسؤولين بمفردات طائفية إلى جانب
محاولاتهم باستغلال ورقة ضد الحكومة السعودية بالخروج عبر القنوات الفضائية
العراقية للحديث عن شيعة الأحساء والقطيف» .
ويقول
إن الأوضاع الطائفية داخل السجون العراقية وصلت إلى حد استخدام الفتاوى الطائفية،
خاصة بعد تفجير مرقد الإمامين الهادي والعسكري بمدينة سامراء العراقية،، مما حدا
بالسجناء السنة إلى اعتماد مواكب مرافقة لا يقل عن 7 أشخاص أثناء الذهاب إلى مرافق
السجن لقضاء الحاجة، أو تجنب غسل الوجه بالصابون حذرا من أي طعنة غادرة من الخلف،
ولم ينس العنزي قصة ذلك السجين السوداني الذي لقي حتفه حرقا بالنار حتى الموت
تفحما في سجن الرصافة، إثر الأحداث التي شهدتها البحرين، كما يتذكر السجين التونسي
الذي يعاني من فيروس الكبد والذي قضى لدى نقله في سيارة السجن التي لم تكن فيها
احتياطات تناسب حالته الصحية .
وأكد
المعتقل السعودي المطلق سراحه عبدالله العنزي، حرص عدد من السجناء على تكوين
علاقات جيدة مع السجناء الإيرانيين وكسب استعطاف عدد منهم، والذين تتنوع تهمهم،
لما يتمتعون به من تسهيلات أمام إدارة السجن، في سبيل توفير بعض احتياجاتهم .
ووصف
العنزي ما يتمتع به حسن علي دقدوق أحد عناصر حزب الله داخل المعتقل العراقي، أشبه
بحال الملوك، مضيفا: «كلمة دقدوق أكبر من كلمة رئيس السجن ذاته». وقال العنزي: «إن
أي اجتماع وزاري أو رئاسي أو أي تحرك وبالأخص خلال الأحداث في سوريا تتم قراءته
بصورة عدائية تنعكس سريعا على واقع السجناء» .
السجين
السعودي السابق بالمعتقلات العراقية، والذي على الرغم من عدم إكماله الدراسة
بالمرحلة الثانوية اعتبر ما يكشفه الفرد في الواقع خير حصانة له أمام أي مخططات
خارجية، منتظرا بالمقابل من لجنة المناصحة مساعدته في ضبط عدد من المفاهيم التي ما
زالت بحاجة إلى الإجابة بالنسبة له .
وطالب
بالمقابل المجتمع الدولي والحقوقيين بمساعدة باقي المعتقلين في السجون العراقية
بإيقاف حملة الإعدامات المتسارعة، ناقلا نداء السجناء السعوديين الثلاثة في مطار
المثنى ببغداد وهم فهد العنزي وماجد البقمي، ومحمد الدوسري المعتقل في سجن وزارة
الداخلية، والذين ينتظرهم تنفيذ حكم الإعدام بعد سجنهم منذ عام ونصف العام .
المصدر :
صحيفة الشرق الأوسط
14/11/2012