دوما الاطلاقة الاولى هي الاوجع ، ولقاء الموت لأول مرة هو الأكثر قساوة ..لا تنفع معه ادوية النسيان ولا لقاح اللامبالاة ، وبمرور الزمن ، تتحول آلامه الحادة الى آلام مزمنة، تعيش معنا باستكانة .. لا توقظها سوى المصائب التي يرميها القدر تحت عجلات حياتنا اليومية
والتأريخ الحديث واقصد الحالي ؟؟ أرشيف الشعوب بل هو سجل تافه مزور لا يذكر سوى أمجاد الطغاة .. التأريخ الحديث يسجله اذناب المنتصرون ويضيع تحت عباءته ملايين البسطاء امثالنا .
هل ذكر التأريخ الحديث معاناتنا .. هل ذكر التأريخ ، ان اليهود جاءوا من جميع بقاع العالم ..وسلبوا ارضنا وحاولوا وللاسف نجحوا بقطع جذورنا وسكنو ارضنا ..
هل ذكر التأريخ انهم هجروا قحط اراضيهم واختاروا ارضنا لخصب سهولها ولخضرة جبالها لا..لا..لم يذكر التاريخ الحديث كل هذا بل ذكر التاريخ الحديث التافه المزور باننا فلسطينيون لاجئين يبحثون عن وطن بعد ان هجروا وطنهم الام نعم هذا ما يذكره التاريخ الان ويدرس في مدارس اعدائنا.
هجر الآلاف منا الى المجهول التهم العمر كله ، و بقينا في بيت الشتات نبحث عن الانتماء والامان والسلام ،وعن وطن اخر يأوينا , ندور في أفلاك غريبة متعبين، عسانا نستيقض من الكوابيس..ونصحو فنجد أنفسنا مرة اخرى في حياتنا الاولى .
لم اتوان في مخيلتي على اللحاق بركب المقاومة منذ كنت فتيا لأكمل طريق ابائي واجدادي نسيتُ نفسي وصار التحدي ومقاومة الظلم عنوانا لحياتي المقبلة عشقت الارض عشقت فلسطين وتلبستها جلدا لي كل ايام شبابي .ولكن الان وقد قطعت يداي وأرجلي وبدوت معاقا فلا املك سوى القلم ومخيلتي عسى ان الحق بذلك الركب!!! فقطرة الحبر تحفر في الصخر .. ليس بالعنف ولكن بالتكرار .
كل منا كانت لديه حكاية مع التهجير والظلم .. والاضطهاد كل منا ترك احباباً خلفه احياء أو اموات ، كي يرسم عمرا قادماً لابنائه الذين ولدوا او لم يولدوا بعد .. لا ننوي سوى البحث عن حق البقاء بكبرياء أو الرجوع الى ارضنا.....؟؟!! و نسترجع تأريخنا و لغتنا و أشجارنا وأسمائنا و بقايا ما تبقى منا!!!
احيانا نتوهم ان الحياة قست علينا بشراسة وكلمة شقي أو سعيد التي حفرت فوق جباهنا لحظة خلقنا هي التي رسمت اقدارنا التالية ،ونبكي ونثور ونتهم اقدرانا بالبطش والقسوة ، وفي خضم رحلتنا نكتشف اننا لسنا وحدنا.. وان هناك المئات بل الملايين مثلنا ..عندها فقط نخرج من صدفتنا التي تكورنا في داخلها نقتات من الوحدة ..والغربة..والعزلة ..!!و نلتهم يأسنا ونمضغ غضبنا و نجتر خسائرنا ونشرب دمائنا ، ويضيق العالم برحبه ، لينطبق على وجودنا ،فننضغط ونتقلص ونذوي فلا نرى ومضة في اخر المتاهة..(وليس النفق لان النفق له نهاية) حينها نفقد الأمل بالأمل نفسه .. لكن الحياة ذاتها تتجدد يوميا ، ما دمنا نشهد شروق الشمس ومد المياه وجزرها ، وتتابع الفصول ، دوران الارض ،انهمار المطر .. ما دمنا نشهد الولادة والموت .. ونحن في دوامة بحثنا عن وطن..؟! ..عندما نرى فواجع الاخرين و مآسيهم و انكسارهم ، نصبح جميعنا نزلاء فندق واحد ، اسمه الضحايا .. ضحايا الظلم والاضطهاد.. وهما تؤامان مصابان بالعمى ، لا يميزان بين كبير وصغير وغني وفقير حينها يولد امل جديد يلوح لنا بالافق
فتعلمت من الغربة .. أن اخرج من ذاتي الى ذوات الاخرين ونتبادل ذواتنا ، ونغرق في تأريخ بعضنا .. فأصبح لدي علم كاف بأن .. الاضطهاد والظلم الذي آذانا في السابق هو نفسه الذي يواجهنا ويؤذينا الان، مهجرين... ومهاجرين ..مضطهدين .....ومظلومين... يضطهد بعضنا البعض يظلم بعضنا البعض ..يظلم بعضنا البعض نسينا آلامنا ومحنتنا .. ..ونشعر بالحرج ومرض الكبرياء من تواضع بعضنا لبعضنا...عجزنا امام كل الاهوال التي مرت بنا ان نكون متكاتفين يساعد قوينا الضعيف ننسى خلافاتنا القديمة ونستغل مناصبنا لتحقيق امالنا ولا نستغلها كسلاح نتقاتل به وننسى أو نتناسى بأنه مهما علونا ومهما تقلدنا من مناصب بأننا فلسطينيين (لاجئين مكطعين لا يعترف احد بمناصبنا وعلونا ولا حتى بعروبتا ) وأنها ايضا قابلة للزوال لا تغضبوا مني ولا تزعلوا يا أخواني ان قلت.. ما أتفهنا ....ما أتفهنا...كل شعوب العالم تتخذ من تاريخها ومحنها العبر والدروس الا نحن لا نتخذ شيء سوى حب الذات والتسلط على بعضنا البعض عندما نملكها فالويل لنا عندما تحاسبنا اجيالنا القادمة بما قدمت ايدينا أو حين تصحو ضمائرنا وتحاسبنا فحينها لن ينفع الندم ...
يا إلهنا يا ربنا
ويل لنا ان غفلنا عنك
بزهو الدنيا تلهينا
نتوسلك
أيها الرب بالدعاءِ
باعدنا اكواناً عن الظلم.
و امنع الُظلمة عن نورنا
وانشر الامان والاستقرار في ارجائنا
زهير السبع
16/2/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"