بين عدوى الياسمين ...ووباء السلاطين- أحمد أبو الهيجاء

بواسطة قراءة 2044
بين عدوى الياسمين ...ووباء السلاطين- أحمد أبو الهيجاء
بين عدوى الياسمين ...ووباء السلاطين- أحمد أبو الهيجاء

تنويه من اللجنة العلمية في الموقع: بعيدا عما حصل في تونس وغيرها من بلاد المسلمين، لابد من التنويه بقضية هامة جدا قد انتشرت وغاب حكمها لدى الكثير من المسلمين بسبب الجهل في دين الله عز وجل والعاطفة الغير منضبطة، وعليه فإن الانتحار هو محرم شرعا وكبيرة من الكبائر ولا يجوز الإقدام عليه لأي سبب مهما كان، وعليه فأي شخص يقدم على إحراق نفسه للحصول على حق ضائع أو التعبير عن رفضه لأمر ما فهذا يعتبر انتحارا ولا يجوز في دين الله عز وجل.

ومن أراد التعرف على أدلة ذلك وتفصيله ممكن الضغط هنا للاطلاع على هذه الفتوى.

بسم الله الرحمن الرحيم

هل خطط اهالي مدينة (سيدي بو زيد),حيث ينتمي ( محمد البوعزيزي) بائع الخضار المهمش ..والمنسي بين ازقة( بوزيد ) والذي اطلق صرخة الاحتجاج الاولى ..ورفض ان يستمر استلابه وتغييبه عن مشهد الحياة الكريمة بأبسط اشكالها ومعانيها ,فالتقط خيطا من الشمس ليحيك به.

 مجده الخاص جدا ..ان يجعلوا من مدينتهم المنسية وازقتها المهمشة.. رمزا للحرية و(جدانسك)العرب؟!

هي لحظة اقتناص جريئة , من خارج سياق التاريخ ..من غياهب النسيان ..من حسرات الاهمال ..من ازقة الظلام..من العذاب اليومي ومن الجحيمية المتأصلة ..جاءت اللحظة لتدخل ملامحها في قلب التاريخ ...ولتصنع هي(بوزيد) ,كحالة انتفاض وتمرد علني ضد الطغيان,تاريخا جديدا ..

وحين قامت السلطات التونسية بمصادرة عربة خضار (البوعزيزي) ومصدر رزق عائلته الوحيدة وقوت عياله ..صادرت الخوف القابع في صدره لعشرات السنين..وقتلت في وعيه ولا وعيه مجسات العسس وثكنات الشرطة السرية التي تسور عقله وتحيط به..فانتفض ..اراد ان يخلق تاريخه الخاص المتفرد ... فانتصر لكبرياءه وانتفض وانتشرغضبه وحلقت صرخات احتجاجه بين شوارع (سيدي بوزيد)وجاداتها ..فغضبت الجماهير لكرامتها ,لثانية ..وانتفضت.

ومن هشيم الى هشيم ..ومن شارع الى شارع ..كانت بؤر الانتفاضة تزحف ..بل ترتقي بوابات التاريخ من سيدي بوزيد الى صفاقس الى تونس العاصمة ..

وحينها لم يعد ثمة رعب اسمه (الامن المركزي)..وقتل الخوف من المدعو (الامن الرئاسي)..وانتشرت رائحة اكليل الياسمين الذي  ربطه وزرعه (محمد البوعزيزي)على خاصرته وهو يتمرد وينتفض قبل ان يسقط .. .وعبقت رائحة الياسمين اجساد كل الذين سقطوا برصاص الامن الرئاسي .

ولكن؟؟!! هل من مفر واين؟!!

سقط العرش ..والحقائب بحامليها خرجت سرا ..في الليلة الظلماء ..من القصور الى المطارات..

سمها ما شأت..انتفاضة عفوية ..هبة شعبية ..ثورة جماهيرية..عصيان مدني ..مسيرات غضب حاشدة...الخ المهم ان ماحصل صنع تاريخا وخلق مجدا ..وانتصر محمد بعدواه ..وعربة خضاره المصادرة تفوقت على دبابات النظام .

سمها ما شأت ..عملية الهروب المريعة ..انهيار العرش ..سقوط الحاكم ..اختفاء الطاغية ..موت الدكتاتورية ...رحيل العصابات..هزيمة الطاغية المهم ,الى مزبلة خاصة بالطواغيت ..الى ظلمات اللعنة وعفونة الاقبية البعيدة .

في ظرف لا يزيد عن ثلاثين يوما ...تحولت كل قصور وترسانة (بن علي)الى خيال واوهام ..تحول العرش الى سراب باشتعال بائع خضار مجهول بين ملايين الاسماء المنسية المهمشة .

سيناريو ارتقاء الذروة..نسخة تونسية ,بنكهة مصرية

هي عدوى اذن , واية عدوى؟!!

هي عدوى استرداد الكرامة ..عدوى صناعة التاريخ ..عدوى الخروج من الجحيم ..عدوى الدخول في الحرية ..قتل الخوف ,عدوى الياسمين ,

التصاق القدم الثائرة بالارض,اكتشاف الذات ..الافراج عن الانا المصادرة ...مطاردة الرعب .

هي عدوى اسقاط الطغاة ..وتهاوي العروش..انهيار القصور على رؤوس سلاطينها ..اصطياد الخفافيش.

عدوى اللجوء الى السفارات (الصديقة)..والبحث عن المطارات (الشقيقة).

هي عدوى التواصل للانتفاض بدأ من(الفيس بوك وتويتر ويوتيوب).

اعتقد اننا محظوظون في جزئية هامة من حياتنا :  ان نرى كيف يصنع الشباب التاريخ ..عندما يريد.

لحظة بلحظة ...ثانية بثانية ..ترتسم امامك ,على شاشات التلفزيون,ملامح لم نكن نتوقعها, الى قبل شهر فقط ,ولم تخطر ببالنا ابدا

صور تضعنا في صورة المنذهل ..بالكاد نستطيع التقاط انفاسنا الثقيلة ,لآن ما نشاهده كان اقرب الى الخرافة ..او هكذا كنا نعتقد .

جاءت نسخة الوصول القمة ..نسخة تونسية بتصرف مصري ..بنكهة مصرية خاصة جدا ..جاء ارتقاء الشباب الى الذروة عفويا..فطريا , منسجما مع ذاته ..بسيطا ..تفوق على كل الرموز السياسية المحترفة في مصر ..تجاوز كل سلوكيات الاحزاب هناك ..وجاء الهدف واحد:

اسقاط النظام ,رحيل السلطان .

مع ما في السيناريو التونسي من مخاض قوي وعنيف ومعجز ...وعدم استطاعة كل اعلاميو العالم ملاحقة كتابة التاريخ بسرعة ..ولآن احدا لم يتصور ان لحظة غضب فردي ستشعل الملايين وستحرق عروش السلاطين ..فأن المشهد المصري والسيناريو المصري يتخذ الان مسارا اخر لاختلاف القيادتين ..في البلدين .

طبعا كتابة التاريخ تحتاج حبرا جاء من دماء الشباب ..والمداد اجسادهم ..وشوارع القاهرة والسويس والاسكندرية هي صفحات الاشراق القادم ..هل ينام مبارك الان؟؟!!كيف ينام وهو يسمع الملايين تهتف وبالعربية الفصحى : الشعب يريد اسقاط النظام ..ثم تطور الهتاف الى اسقاط الرئيس..ولكن :

لقد اسمعت لو ناديت حيا ..ولكن لا حياة لمن تنادي .

والمومياء يريد ان يعاقب شعبه بعدم الرضوخ لملايينه . ومهما ستكون نتائج انتفاضة الشباب في مصر ..فالتاريخ تغير بالتأكيد ولن يكون  القادم كما هو قبل 25 يناير .

جدانسك....العرب

ان كانت (جدانسك) بوابة اوربا الشرقية للدخول من اوسع بوابات التاريخ واسترجاع الحرية المستلبة في اواخر الثمانينات من القرن العشرين بدأ من بولونيا ,فأن (سيدي بوزيد) قد تكون بوابة مرحلة كتابة التاريخ بارادة الجماهير  العربية من جديد وبدأ من تونس.

وان كانت هي عدوى الياسمين ,ففينا, نحن الفلسطينيون ,ونحن نتابع ما يحدث بزهو وحسرة في آن ,بفخر والم ,بحسرة وغيره وبمزيج غريب من الشعور...فينا ما يكفي لألف ثورة وفينا مئات (البوعزيزي)...فينا عشرات (بوزيد)..

وان لم يكن فينا سلاطينا وعروشا كما هي في عواصم العرب.. فلنا وفينا ما يستحق اكثر من ذلك : فلسطين .

 

احمد ابو الهيجاء

30/1/2011

 

المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"