وتقع مابين خطي الطول 10 و25 شرقا وخطي
العرض 55 و 70 شمالا، أي مافوق الدائرة القطبية. فالشمس في المدن القريبة من
القطب، كمدينة كيرونا، لاتغيب فيها أبدا خلال عشرة أيام في فترة الإنقلاب الصيفي.
فكيف للمرء المسلم مثلا أن يصوم 24 ساعة، إذا وقع شهر رمضان في فصول الصيف؟ وفي
فصل الشتاء تغيب الشمس في هذه المدينة لمدة عشرة أيام. هذا كله ينعكس وبشكل قوي
على صحة السكان الجسدية والنفسية، وخاصة المهاجرين الجدد.
هذا وتمتاز طبيعة السويد
بجمالها الخلاب حيث تغطي أراضيها الغابات إضافة إلى مائة ألف بحيرة داخلية وأنهار
عديدة. يدين
شعب السويد بمعظمه إلى الديانة المسيحية منذ حوالي ألف عام، وتتبع كنيسته الرسمية
الحالية إلى المذهب البروتستانتي.
ويعتبر الإسلام هو
الديانة الثانية المنتشرة في السويد، ويشكل المسلمون حوالي نصف مليون قدموا من عدة
بلدان إسلامية أفريقية وآسيوية وأوربية. ثم تأتي الديانة اليهودية في المرتبة
الثالثة حيث يشكل أتباعها حوالي 20 ألف نسمة.
ومن المفيد ذكره
هنا بأن السويديين ليسوا شعب متدين بمجمله، بل يعتبر القوانين الوضعية هي الأهم
ويسير حياته اليومية استنادا إليها. يعتبر الشعب السويدي، حوالي 9 ملايين، من الشعوب الهرمة
بسبب قلة الولادات.
وقد وكانت السويد قبل
حوالي مائة عام مصدرا كبيرا للهجرة الخارجية حيث هاجر منها حوالي مليون سويدي إلى
أمريكا الشمالية بحثا عن الرزق. وبما أن الشعب السويدي لم يدخل أية حروب منذ مائتي
عام فقد تجنب الدخول في الحروب العالمية وخاصة الثانية منها.
وهذا ما جعلها تحافظ على
ممتلكاتها وبناها التحتية. إن إعادة إعمار البلدان الأوربية التي تضررت من تلك
الحرب تطلب من السويد تطوير صناعتها وفتح أبوابها أمام الأيدي العاملة المهاجرة،
وازدهرت إقتصاديا. كما فتحت السويد أبوابها، لأسباب إنسانية إنطلاقا من توقيعها
على إتفاقية جنيف لحقوق الإنسان، أمام اللاجئين الذين تتعرض حياتهم للخطر لأسباب
سياسية أو دينية أوعرقية أو إنسانية. ويمكن القول بأن السويد تجد في القادمين
الجدد خزانا بشريا مناسبا للمحافظة على توازن عدد السكان. وللعلم فإن معظم
اللاجئين القادمين من البلدان العربية، ومنهم الفلسطينون، هم ذوي معدلات ولادة
أعلى بكثير مما هو عليه شعب السويد.
هذا وتقوم الدولة بتشجيع
زيادة الولادات من خلال تقديم مساعدات مالية تسمى نقدية الطفل، وتزداد هذه
المساعدات طردا مع ازدياد عدد الأطفال، وتسمى المساعدة الإضافية للأطفال.
كما تقدم الدولة تعويضات
مالية للمرأة التي تولد، تعادل 80 بالمائة من راتبها الأصلي، لتعفيها من العمل لمدة سنة
ونصف، يخصص للأب أشهر قليلة منها.
مراحل
عملية اللجوء الهجرة يعتقد المرء عند قدومه إلى السويد بانه سيعيش في رغد العيش أو
في جنة الخلد التي ستنجيه من هموم حياته السابقة.
يمر اللاجئ بمراحل عدة
قبل الإستقرار المرحلة الأولى (التحضيرية) فعندما يقرر الإنسان ترك بلده
والمجيئ إلى السويد فيتوجب عليه تأمين وثائق سفر، وبما أن السويد لاتقبل القادمين
الذين لم يحصلوا سابقا على تأشيرات فيتوجب على اللاجئ أن يبحث عن طرق للسفر
المؤدية إلى السويد، مما يستدعي أحيانا للتواصل مع مهربين لينقاوه من حيث هو إلى
السويد، وهذا يتطلب طبعا تكاليف مالية عالية جدا، إضافة إلى تفكير مستمر وحرق
للأعصاب.
ثم تأتي المرحلة الثانية
بعد الوصول إلى السويد يعرض المرء أسباب لجوءه الشخصية على دائرة الهجرة، ويتقدم
بالأدلة على تلك الأسباب.
يتم بعدها تكليف محام
لدراسة هذه الأسباب وتقديم مذكرة بها إلى دائرة الهجرة، ليتمكن المختصين في
الدائرة من دراسة الملف والبت فيه.
هذه العملية تأخذ من
الوقت عدة أشهر وأحيانا سنوات، يكون فيها اللاجئ قد فرز إلى أحد معسكرات اللجوء،
وهي أحياء في مدن وبلديات سويدية، وهي 293 بلدية.
يعيش اللاجئ هذه الفترة
على أعصابه بانتظار المجهول وخلال تلك الفترة يكون فيها بعيدا عن أفراد أسرته،
التي تركها، ويفكر بأحوالها.
كما ويجتر وعلى مدار
الساعة بأفكاره ظروف الحياة السابقة ويضع في حساباته رفض طلبه للجوء وبالمصير الذي
سيحل به بعده.
فإذا حصل على عدم
الموافقة فيرسل إعتراضا قانونيا على قرار دائرة الهجرة إلى محكمة شئون المهاجرين،
التي تعطي القرار النهائي وغالبا ما يتطابق قرار المحكمة مع قرار دائرة الهجرة
فيصار إلى إعادة اللاجئ من حيث أتى ويكون قد خسر أشهرا أو سنوات من عمره دون جدوى. أما المرحلة الثالثة فتبدأ حين تتم الموافقة على طلب
اللجوء، ويحصل المرء على تصريح الإقامة والعمل. يبدأ حينئذ التعامل معه من قبل
الدولة وكأنه مواطن يتمتع بكافة الحقوق، ماعدا الترشح والإنتخاب، من تأمين صحي
واجتماعي ويحصل على السكن الدائم والدراسة.
تعم الفرحة في قلب اللاجئ
ويعتقد بأنه وصل إلى كل مايبتغيه بعد فترة لا تزيد عن أسابيع قليلة تبدأ جولة
معاناة قانونية جديدة تتمثل في إحضار ماتبقى من افراد العائلة من مكان تواجدهم.
فعلى العائلة أن تتوجه
حينئذ إلى سفارة السويد، لترفع طلب لم الشمل وتحصل على موعد، يأخذ عادة عدة أشهر،
لإجراء مقابلة مع طاقم السفارة.
ويرسل محضر المقابلة من
هناك إلى دائرة الهجرة في السويد للتأكد من أن الذين سيحضروا إلى السويد هم فعلا
أقارب من الدرجة الأولى للاجئ، وأن أعمارهم جميعا، ماعدا الزوجة، تحت سن الرشد 18.
تتم بعدئذ الموافقة
على جمع الشمل وتتخذ إجراءات السفر للحضور وهنا تبدأ معاناة الحصول على مسكن يناسب
عدد أفراد العائلة.
تلتقي العائلة وتعود
الفرحة للعائلة لمدة أسابيع قليلة جديدة. ولا يدري المرء ماهو مخبأ له فيما لو لم
يحسن الإستفادة من ظروف الحياة الجديدة والإندماج في المجتمع وتكون ظروف وشرط
الأقلمة على مراحل، مثل دراسة اللغة، والحصول على عمل، والأهم من هذا وذاك الحصول
على توازن في العلاقات الأسرية مع الزوجة ومع الأبناء والبنات.
فالتربية العربية وفي
مناخ عربي يختلف إلى حد كبير مما هو عليه الأمر في المجتمع السويدي وأخيرا تبرز
عملية التواصل مع مجتمعه القديم حيث لايستطيع المرء الإنفصال عن جذوره عوامل
التأقلم تعلم اللغة لابد في بداية الحديث عن اللغة، التنويه بأن النظام السويدي
يسمح بتعيين مترجمين لمن يتواصلون مع الدوائر والمؤسسات الرسمية ودوائر الشئون
الإجتماعية، مثل المستوصفات ومكاتب العمل والدارس وغيرها.
تدفع الدولة أجور هؤلاء
المترجمين، وذلك لتسهيل التواصل مابين القادم الجديد والموظف، وخاصة قبل تعلم
اللغة يتم تعليم اللغة السويدية على حساب الدولة ضمن معاهد خاصة ويُجبر
المرء على تعلمها لأنه يحصل على تعويضات ماليه تكفيه لحياته وحياة عائلته اليومية،
لذا يعتبر الدوام في المدرسة كساعات عمل يتقاضى الطالب لقائه أجرا يوميا.
وتعتبر اللغة السويدية،
التي لا يتحدث بها سوى الشعب السويدي، لغة صعبة جدا، ليس من حيث قواعدها، وإنما
لفظها وتنغيمها، فهي تحتوي على تسعة حروف صوتية طويلة وتسعة حروف صوتية قصيرة، في
حين تحتوي اللغة العربية على ثلاث حروف صوتية طويلة وأخرى قصيرة. ومن المعلوم بأن عملية التعليم، أي استقبال المعلومة يتطلب
شروط متعددة ليتمكن المتعلم من استقبالها.
فالمعلم وأهليته في
التعليم، والمدرسة وغرفها من حيث الإتساع والإضاءة والصوت ووسائل التعليم وطرقها
والأهم من هذا وذاك هو المتلقي نفسه بحيث يتطلب منه بأن يكون مستعدا إستعدادا
كاملا لعملية التعلم.
أي أن يكون مرتاح البال،
وقد نام ساعات مناسبة وأكل غذاءا جيدا، وباله غير مشغول بمسائل اخرى، وهي كثيرة في
الغربة، وأن يكون معتادا على كرسي الدراسة، وأخيرا أن يكون لديه رغبة ودافع، ويضع
خطة لتعلمه ويخصص ساعات لتلك العملية. وبالطبع هناك عناصر أخرى عند المتلقي
تساعده، أو تؤخر عملية تعلمه.
فإذا كان المرء
متقنا لقواعد لغته الأم، وإذا كان قد تعلم لغة أجنبية أخرى، فهذه عوامل مساعدة. وفي الحقيقة يندر على اللاجئ أن يجمع كل تلك العوامل
لتكون عملية التعلم سلسة.
وإذا كانت كذلك، وهي
متوفرة عند البعض القليل فيحتاج المرء لسنة أو سنتين ليتمكن من قراءة مقال في
صحيفة أو كتاب بلغة بسيطة.
إذا تختلف ظروف التعلم من
متلقي لآخر، أي تختلف أحيانا مابين الزوج والزوجة والأبناء لذا يُنصح القادمين
الجدد من تعلم اللغة السريع وتطبيق القوانين السويدية، أولا للحفاظ على الدور
الإجتماعي الذي اعتاد عليه الطفل مع والديه من أحترام وهيبة من جهة، وعدم خلق فجوة
في طرق التعبير عن المشاعر مابين اللغتين. وثانيا ليسهل على الكبار مساعدة أطفالهم
من النواحي العلمية التي تطلبها المدرسة من خلال الواجبات البيتية، وثالثا ليسهل
عليهم الحصول على العمل أو متابعة الدراسة.
هذا ويفتح المجتمع
السويدي الفرص لكل إنسان مقيم على أرض السويد أن يتابع دراسته الأكاديمية أو
المهنية من خلال قروض مادية يسددها عند البدء بالعمل.
العمل/ الدراسة يوفر
التامين الإجتماعي الإعالة المالية (= الإعاشة) بالحدود الدنيا للعائلة وتكون هناك
متابعة دورية تدفع من خلالها مؤسسة الشؤون الإجتماعية القادمين الجدد للبحث عن
العمل/ والدراسة ليتمكنوا، بعد تعلم اللغة، من إعالة أنفسهم بأنفسهم. وغالبا
مايفتش المرء عن عمل يقارب مهنته التي اعتاد عليها.
وإذا كان المرء
متقنا للغة لما تحتاجه مهنته ومتقنا للمهنة ذاتها، يتمكن من الحصول على عمل رغم
المنافسة الشديدة في سوق العمل.
هذا وتصل نسبة البطالة في
السويد حاليا من 6 إلى 7 بالمائة، ومن الملفت بأن نسبة البطالة هذه ترتفع لضعف هذه
النسبة عند غير السويديين وخاصة الآسيويين والأفارقة منهم، وذلك لأسباب عدة لا
مجال لذكرها هنا.
التوازن الإجتماعي وهو
الأكثر حساسية وتأثير وغالبا ما يشكل صدمة ثقافية. فكما هو معلوم بأن مجتمعنا
العربي الفلسطيني يعيش بمجمله في مجتمعات عربية يغلب عليها الطابع الإسلامي، مع
عادات وتقاليد ممتدة لقرون خلت.
ويمكن تسميه التربية التي
تنشأ عليها الأجيال بالتربية المثالية، أي المرتبطة بالروحانيات والرباط العائلي
تربية تفرض على الأفراد فيما بينهم سلوكيات محددة، مثل استخدام الألقاب قبل ذكر
الأسماء مثل الدكتور فلان أو العقيد فلان أو غيرها، أو استخدام صفة الجمع بدل
المفرد مثل أنتم وسيادتكم وفخامتكم وغيرها من تعابير. وكما هو معروف فإن حلا
الخلافات بين الأفراد يتم عبر استخدام العنف وليس بالحوار أو بالقانون.
في حين تختلف الأمور التي
يسير عليها المجتمع السويدي، فهو يسير نحو الفلسفة والتربية الواقعية والإهتمام
بالفرد وحرياته.
فالأفراد بكل فئاتهم
متساوون أمام القانون، وينادي المرء الآخر، مهما علت مرتبته الوظيفية، بإسمه
الشخصي. مع
المرأة: كل اللاجئين الفلسطينيين قد قدموا إلى السويد من مجتمعات ذكورية حيث الرجل
يتحكم بحوالي 80 إلى 90 بالمائة من القرارات في الأسرة، وذلك لأسباب العادات
والتقاليد والدين والعامل الإقتصادي والقوة البدنية.
وفي السويد تتفرغ هذه
الأسباب من مضمونها. فعادات وتقاليد المجتمع السويدي منذ عقود طويلة تساوي المرأة
بالرجل.
فالقانون يدافع عن
إستقلالية المرأة ماليا وأمنيا، ويحاكم كل من يعتدي على حقوقها إذا يتطلب من الرجل
والمرأة من تفهم ماهو سار في المجتمع السويدي ليتمكنوا من خلق توازن معتدل يتنازل
فيه الرجل عن مساحة مّا من "كرسي الحكم" لتشغله الزوجه. وعلى الزوجة أيضا ألا تصعد في حقوقها
لتشغل مكانا أكبر مما يشغله الرجل.
وكل من لا يفعل ذلك
فهو إما أن يتابع في قبوله بالشروط الحياتية المسبقة وإما أن يعتدل فيها، أو أن
يصل إلى حالات من النزاع التي تنعكس أيضا على الأطفال. ومن الواجب ذكره هنا، وعلى
سبيل المثال، بأن الرجل لايستطيع في حال الإنفصال أخذ الأطفال وحرمان أمهم من
لقائهم، كما يحصل في كثير من الحالات في بلداننا في الشرق.
ولا يستطيع أيضا أن
يطرد الزوجة من المنزل فإن القانون يبقيها مع أطفالها في المنزل، وتتكفل مديرية
الشئون الإجتماعية بإعالتها مع أطفالها، الأمر الذي تستخدمه بعض النسوة كسلاح ضد
الرجل.
مع الشباب، ذكورا وإناث،
في سن المراهقة: إن مرحلة المراهقة مهمة جدا وخطرة في حال عدم التعامل معها
بموضوعية عالية. فمن المعروف بأن فترة البلوغ وسن المراهقة يتطلب حاجات نفسية
وجسدية عند الشباب. يبدأ الشاب فيها بالبحث عن الهوية وعن الإستقلالية عن
الوالدين، وهذا ما يشجعه المجتمع السويدي من خلال التربية الديمقراطية ومنح
الحريات للشبيبة.
وضمن هذه الحريات الحرية
الجنسية. الحرية المنظمة تنظيما شديدا في مجتمعاتنا الشرقية وحيث لا يعطي الوالدين
بالا كبيرا لمعاشرة الولد مع البنات تكون الأزمة الأكبر في علاقة البنت مع الشباب
في المجتمع الجديد.
فالمجتمع السويدي يعطي
الحرية الكاملة للشباب بعد عمر 18، حيث يعتبر المرء في هذا العمر مستقلا كليا في
قراراته، وعلى كل جوانب حياته مع الأطفال:
وهم الأكثر عددا من
بين الفلسطينيين، وليس لهم هموم الوالدين، ويتمكنوا من الذهاب فورا إلى المدارس
السويدية مما يسمح لهم بالإحتكاك المباشر مع المجتمع من خلال زملاء الدراسة داخل
وخارج أوقات الدوام.
الأمر الذي لايتوفر
للوالدين حيث كافة زملائهم من القادمين الجدد وهذا ما يسرع عملية التعليم لدى
الأطفال من خلال العملية التدريسية ومن خلال التقليد السريع لزملائهم.
هذا ويتأثر جزء لا
بأس به من الأطفال بتعلم اللغة السويدية الجديدة لتصبح هذا اللغة، وفي كثير من
الأحيان، اللغة الأولى، وتتراجع اللغة العربية إلى حد قريب أو بعيد، حسب إهتمام
الأهل ومتابعتهم لتعليم أطفالهم اللغة العربية. إن تعلم الأطفال السريع للغة وعدم تخصيص الوالدين وقتا
كافيا لتعلم اللغة يؤدي إلى تفاوت شديد مابين المعرفة اللغوية والاجتماعية مابين
الأطفال واهليهم. الأمر الذي يجعل الطفل، وفي كثير من الأحيان، مترجما لأبويه في
المحافل الرسمية او الرد على الهاتف أو قراءة الرسائل والتواصل مع الدوائر الرسمية.
وهذا بدوره يوسع الدور
القيادي عند الطفل، وهو غير أهل له، ويقلص من دور الأمومة والأبوة التي اعتاد
عليها الوالدان في الموطن الأصلي.
إن عدم التوازن هذا
يتفاقم مع الزمن ليؤدي في كثير من الأحيان إلى مشاكل عائلية عويصة، وخاصة في حال
استخدام الوالدين للعنف في ردع وتربية الطفل. وفي حال استخدم أحد الوالدين العنف
او هدد به، عند تربية الأطفال، وخبر المعلم أو الجار بذلك، وهم المجبرون على إبلاغ
الشرطة أو مديرية الشئون الإجتماعية لتقوم الأخيرة بوضع يدها على
الأطفال، لتنقلهم إلى عائلة أخرى تقوم بتربيتهم حسب القوانين السويدية.
ففي حالة عدم تعلم
الوالدين اللغة السويدية وفهم الثقافة المجتمعية في السويد وعدم إنتباه الوالدين
للأطفال، بسبب انشغالهم بأمور أخرى تم ذكرها سابقا، يعاني الأطفال.
أولا:الكثير من
التناقض في التعامل مابين حياة البيت التي تحاول دائما الحفاظ على طريقتها الوطنية
التي جرت عليها سابقا، كالتعود على الطاعة المطلقة للوالدين، وحياة الروضة أو
المدرسة التي تساعد على الحوار والإستقلالية والبحث عن المعلومة وتحمل المسئولية
عند الطفل.
ثانيا: وهو الأخطر في
حياة الطفل في هذه المرحلة هو أن يتعلم الطفل اللغة السويدية بسرعة عالية ويفقد
تدريجيا اللغة العربية، فيضطر في كثير من الأحيان التعبير عن فرحه أوحزنه بلغته
الجديدة التي لايفهمها الوالدين بشكل جيد مما يسبب سوء فهم مايريده الطفل مع كبار
السن.
يقدم كبار السن، أي من هم
ما فوق 65 سنة، وهو سن التقاعد في النظام السويدي، من العزلة الشديدة وخاصة في حال
عدم تعلمهم لغة البلد. فهم لا يستطيعون المشاركة بالنشاطات مع المتقاعدين
السويديين، مما يضطرهم في كثير من الأحيان للبقاء في المنزل للتفرج على ما يقدمه
التلفاز من برامج تحكي عن الوطن. وبهذا ينقل الواحد منهم وطنه إلى داخل بيته
ويختزله من خلال شاشة صغيرة.
ويكون تواصل
المتقاعدين الإجتماعي محصورا مع الأبناء والأحفاد إن وجدوا، وبعد أوقات ادوامهم،
أو مع صداقات محدودة مع أبناء الوطن الذين يشاركوهم في هذا النوع من العيش. ينتج عن تفاعل القادم الجديد مع المجتمع الجديد ثلاث
أنواع رئيسية من الناس:
النوع الأول الذي يحاول الذوبان
وخاصة عند الحصول على الجنسية السويدية التي يحصل عليها المرء خلال سنوات لاتزيد
عن 5 سنوات. يعتبر هذا النوع نفسه سويديا، ويحاول نسيان هويته الأصلية، ويقوم
بإجراءا شكلية مثل تلوين الشعر أو وضع عدسات لاصقة، أو تغيير الإسم وهكذا، وهؤلاء
قلة نادرة.
والنوع الثاني وهو الذي
يأخذ المنحى المقابل ويسعى للإنكماش والتقوقع ونقل نموذج حياته السابقة ليطبقها
على أسرته ضمن ظروف المجتمع الجديد وشروطه.
ويعتقد هذا النوع وهم قلة
من الناس، بأن على المجتمع السويدي أن يصحح مسار حياته ليطابق حياة هذا الشخص
ويبتعد هذا النوع عن تعلم اللغة الجديدة وعن التوجه للعمل ليعيش على الإعاشة.
ويعتقد بأن حياة المخيم
السابقة يمكنها أن تتابع في المجتمع السويدي يواجه هذا النوع من الناس، وهم قلة
أيضا، صعوبات كبيرة جدا لأن أطفالهم الذين يعيشون في المدارس ويتعلمون اللغة
وينتسبون إلى النواد، سيكونون في عالم آخر عما هو عليه أولياء أمورهم.
والنوع الثالث ويمثل
الأكثرية العظمى من المهاجرين واللاجئين ومنهم الفلسطينيون طبعا، وهم من يندمجون
في المجتمع الجديد مع الحفاظ على الكثير مما اكتسبوه من مجتمعاتهم، ويضيفوا إليه
مايرونه حسنا من المجتمع السويدي. وهؤلاء يعتبرون أنفسهم أصحاب شخصية ثالثة غنية تجمع مابين
العروبة والسويدية وتتصرف على أساسها.
ويعتبرون الذوبان
خسارة للشخصية والتقوقع هو تجميد لها ويعتبرون أن مجتمعاتهم الأصلية تسير بتطور
مطرد، وبظروف جديدة، في حين هم يمرون في ظروف وشروط حياتية مختلفة وبالطبع
يندرج الكثيرين من اللاجئين بتفاوت درجات الأقلمة في المجتمع الجديد مابين هذه
الأنماط الثلاثة من الناس.
وهذا التفاوت يستند إما
إلى الخلفية الإجتماعية أو الثقافية أو العلمية أو الإقتصادية أو الجغرافية
للاجئ أو للزمن الذي قضاه المرء في هذا الشتات.
فالأطفال الصغار
الذين قدموا في سنوات عمرهم الأولى والأطفال الذين ولدوا في السويد، تقترب
شخصياتهم، وبسبب معايشتهم للمجتمع السويدي أقرب للشخصية السويدية.
قدوم الفلسطينيين يعتبر
الفلسطينيون أحد المجموعات البشرية التي لجأت إلى السويد خلال الخمسين سنة
الماضية، أي منذ ستينات القرن الفائت وحتى يومنا هذا ومن الملفت بأن أحدا لم يجري
دراسة إحصائية دقيقة على عدد اللاجئين المهاجرين الفلسطينيين في السويد حتى الآن.
لكن وبعد السؤال في سفارة فلسطين وعدد من النشطاء الفلسطينيين المتواجدين في
العديد من المدن السويدية عن تقديراتهم عن الأعداد فيمكن القول بأن الفلسطينيون في
السويد هم عشرات الآلاف، مابين 30 الى 40 ألفا.
وقد أتى جميعهم من
لبنان وسوريا والأردن والعراق والكويت ومن كامل فلسطين المحتلة. صعوبات إحصائية من المعلوم بأن الشعب الفلسطيني قد شرد
بمعظمه من وطنه في عام 1948 إلى الدول العربية المجاورة في الأردن ولبنان وسوريا
والكويت والضفة الغربية وقطاع غزة والعراق. لم يتوقف تشريدهم عند تلك الحرب بل
تواصل بسبب سياسة الإحتلال والإحلال من قبل دولة العدو الصهيوني.
ثم كان التشريد
الكبيرالآخر لهم على إثر حرب حزيران عام 1967 وهذا ما اضطر هؤلاء اللاجئين من أن
يعايشوا أنظمة سياسية ومدنية متنوعة ألبستهم صفات تعريف متنوعة أدت إلى صعوبات
لتكوين جرد إحصائي لهم ومنها.
السبب الأول: حصل
اللاجئون الفلسطينييون في تلك البلدان على وثائق سفر وجوازات سفر متنوعة حسب تنوع
البلدان التي يعيشون فيها. وعندما يأتي اللاجئ الفلسطيني، ومعظم من أتوا منهم إلى
السويد هم بالأصل لاجئين، يتم تسجيلهم على أنهم إما بدون وطن أو بجنسية البلد التي
صدرت جوازه أو وثيقة سفره. فالفلسطيني الذي يحمل وثيقة السفر اللبنانية مثلا يتم
تسجيله في إحصائيات السويد على أنه بدون وطن أو يدرج تحت تصنيف لبناني أو فلسطيني
إذا أصر اللاجئ على أنه فلسطيني الأصل ويريد أن يبقى في القيود المدنية السويدية
على أنه فلسطيني.
هذا وأن صدور جوازات سفر
فلسطينية من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية لمن يقطنون في الضفة الغربية وقطاع غزة
صار الفلسطيني القادم من هناك يسجل على أنه فلسطيني.
وقبل ذلك، وخاصة في
السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، كانت السلطات السويدية تقع أحيانا في خطأ
التسجيل بحيث تقوم بتسجيل من ولدوا قبل عام 1948، مثل صفد أو حيفا أوغيرها، فيتم
تسجيلهم تحت المواطنية الإسرائيلية – حصل ذلك مع كاتب هذه السطور وهو مولود في صفد
وجاء إلى السويد في بداية عام 1979، وحاول الموظف السويدي يومها تسجيله على أنه من
إسرائيل، حسب الخارطة التي كانت أمامه، فحصلت مشادة قوية بينه وبين الموظف فأحضر
الموظف رئيسه، الذي اقتنع بأن إسرائيل لم تكن موجودة يومئذ ويحق لهذا الإنسان أن يُسجل
كفلسطيني كما يريد أو بدون وطن.
والسبب الثاني: في حال
قدوم الشباب غير المتزوجين إلى السويد يحصل بأن يقترن البعض منهم بفتيات سويديات
أو غير سويديات مقيمات في السويد فإن تسجيل أطفالهم يدرج تحت إسم سويديين. وهذا
ماينطبق على الفلسطينيين من الجيل الثاني والثالث ممن جاء صغيرا إلى السويد وترعرع
فيها أو ولد فيها وكبر ومن ثم كوّن عائلته، وجميعهم يدرجوا تحت المواطنية
السويدية. فالقانون السويدي يقول إذا كان أحد الوالدين يحمل الجنسية السويدية
فيحصل الوليد تلقائيا على المواطنية السويدية.
ومن
الملاحظ مما تم سؤالهم بأن نسبة كبيرة ممن ولدوا في السويد لم يتم تسجيلهم في
سجلات المخيمات الفلسطينية التي قدم الأهالي منها.
السبب
الثالث: وهو عدم وجود مؤسسات فلسطينية متخصصة في السويد لتتعرف على من هو فلسطيني
الأصل ويحمل مواطنية السويد أو الأردن أو إسرائيل او غيرها من المواطنيات، وتقوم
بإجراء سجلات خاصة بها.
السبب الرابع: ويكمن في
أن المكتب المركزي للإحصاء في السويد لا يملك القابلية أو الإهتمام بهكذا
أمر للبحث والتمحيص والتدوين للأصول التي يتبع لها الناس لكنهم يمتلكوا طبعا
إحصائيات عن مواطني الدول الثانية مثل الأردن والكويت وغيرها دون العودة إلى
أصولهم إن كانوا أردنيين أم فلسطينيين.
وعند سؤال هذا
المكتب عمن هم مسجلين بلا وطن فيجيبك الموظف فلسطينيين و يهود وأكراد وغجر وغير ذلك هذه
الصعوبات التي تقف أمام الباحث لمعرفة عدد الفلسطينيين المقيمين في السويد ستشكل
ذات يوم، أي عندما سيتم إجراء إنتخابات أو إستفتاءات شعبية فلسطينية حول أمر ما،
سيشارك فيها فلسطينيوا الشتات، سيشكل عائقا كبيرا.
أسباب قدوم الفلسطينيين إلى
السويد:
1-سياسية؛ وهي ناتجة
أساسا عن الوجود الصهيوني الجاثم فوق أرض فلسطين، وهو الذي يريد إلغاء وجود الشعب
الفلسطيني تحت شعار "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب" تم رفعه منذ المؤتمر الصهيوني الأول في بال عام 1897. وقد
شرد الصهاينة معظم أبناء الشعب الفلسطيني عام 1948 ليصلوا إلى المخيمات، التي وصل
عددها إلى حوالي 70 مخيما، موزعة على أرض قطاع غزة والضفة الغربية والمملكة
الأردنية الهاشمية ولبنان وسوريا.
ولازال الملايين من
اللاجئين الفلسطينيين يرزح فيها حتى يومنا هذا متأثرا بالأحداث السياسية والعسكرية
المتلاحقة في المنطقة بمجمله فإسرائيل من جهة، تتابع ملاحقتها للفلسطينيين حتى في
مخيماتهم وتتصدى الأنظمة العربية لهم بأجهزة مخابراتها لتلاحق الذين لايخضعوا
لسياستها. فحرب 1967 دفعت بموجة هجرة كبيرة من الضفة الغربية التي أزيل عنها
بعض المخيمات في تلك الفترة انخرط معظم الشباب الفلسطيني في صفوف منظمة التحرير
الفلسطينية (م ت ف)، حديثة النشأة، وساروا في مركبها السياسي وتعرضوا لما تعرضت له
تلك المنظمة من صعود ونكوص جراء الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة. فحرب
أيلول ومانتج عنها من مذابح في الأردن عام 1970، وتبعتها الحرب الأهلية في لبنان
التي بدأت عام 1975 وكان من نتائجها مذابح في مخيمات الفلسطينيين ومنها مذبحة تل
الزعتر. ثم تبعها غزو إسرائيل للبنان عام 1982 الذي نتج عنه مذابح صبرا وشاتيلا،
وإبعاد قيادة م ت ف إلى المنافي العربية.
ثم حرب عام 1983 في شمال
لبنان وبعدها بما سمي بحرب المخيمات في لبنان في عام 1985
على يد حركة أمل. بعدها
إشتعلت الإنتفاضة الأولى في قطاع غزة عام 1987.
ولم تبخل حرب
العراق والكويت في تفريغ الفلسطينيين من الكويت وإجبار الآلاف منهم إلى السويد عام
1991 ومئات الألاف إلى دول أخرى. وتدحرجت كرة الثلج لتطال فلسطينيوا العراق
وتهجيرهم بعد سقوط بغداد في أيدي قوات التحالف على رأسها أمريكا عام 2003.
ثم جاء الصراع، المؤسف،
الفلسطيني الفلسطيني المسلح على أرض الضفة الغربية وقطاع غزة وأخيرا الحرب
المجنونة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في نهاية عام 2008.
هذه الحروب وغيرها كانت
قد دفعت بموجات من اللاجئين الفلسطينيين من مخيماتهم في الوطن العربي إلى السويد
والدول الأخرى. ولابد هنا من ذكر أن الكثير من الفلسطينيين الذين قدموا إلى السويد
ورفضت طلبات لجوئهم، اضطروا للبحث عن ملاجئ اخرى أو العودة إلى المخيم.
2-إقتصادية؛ لم تلعب (منظمة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة )(أونروا) دورا كافيا في رفع مستوى معيشة الأسر الفلسطينية،
أو مساعدتها للتغلب على المصاعب والأزمات المالية، التي فرضتها بعض الأنظمة
العربية كلبنان والمصاعب التي تعرض لها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة من مصادرة
إسرائيل لأراضيهم ومياههم، وتخريب ممتلكاتهم.
أمور اضطرت الفلسطينيين
للتفكير بمصادر رزق جديدة، وحدى بهم للتفكير بالهجرة إلى الدول العربية والأوربية
ومنهم من قدم إلى السويد، عبر عقود عمل مع شركات سويدية كانت تعمل في الوطن
العربي. هذا وقد فتحت السويد أبوابها من جديد لجلب أيدي عاملة أجنبية، قدم على
أساسها عدد من الفلسطينيين
3- دراسية’ كان للإونروا
أثر هام في إرسال الطلاب المتفوقين من معاهدها الفنية، مثل معهد سبلين في لبنان
ومعهد الفي تي سي في سوريا، في بعثات دراسية إلى ألمانيا والدانمارك والسويد في
منتصف ستينات القرن الماضي. بقي هؤلاء الطلبة، الذين لايتجاوز عددهم 30 طالبا، في
هذه البلدان وشكلوا لهم أسر وقواعد إجتماعية وتعتبر مجموعة الطلبة هذه نواة تشكل
الجالية الفلسطينية في السويد حضر بعدها العديد من الطلبة الفلسطينيون للدراسة في
الجامعات السويدية وطاب لهم البقاء وتكوين عائلات.
4- دينية؛ لعبت البعثات
التبشرية التي كانت تجوب البلاد العربية، وخصوصا من كان منها يرزح تحت الحكم
العثماني، كفلسطين ولبنان وسوريا، في نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن
العشرين، دورا في خلق موجات من الهجرة إلى الأمريكيتين.
وقد استمر عمل هذه
البعثات في فلسطين إلى يومنا هذا، مما أدى إلى هجرة عدد قليل من العائلات
الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي إلى السويد ولازالت تعيش فيها.
5-
التبني؛ أدى تعرض الإنسان الفلسطيني
للحروب والمذابح إلى يتم العديد من الأطفال، الذين احتضنتهم مدارس أبناء الشهداء
خارج وداخل فلسطين مثل "دار الطفل العربي في القدس". تم تبني بعض هؤلاء
الأطفال من قبل عائلات سويدية حضر منهم ستة أطفال إلى السويد ليعيشوا مع العائلات
المتبنية، في حين بقي عدد آخر منهم في فلسطين لتصرف عليهم العائلات التي تبنتهم
حتى يصبحوا رجالا يعيلون أنفسهم بأنفسهم.
6- الزواج؛ يقوم عدد من
الشبيبة الفلسطينية، ذكورا وإناثا، بالزواج من سويديين أو غير سويديين مقيمين في
السويد، يحصلوا من خلال هذا الزواج على تصريح الإقامة في السويد وقد تم التواصل
والإرتباط مابين الطرفين من خلال السياحة أو العمل التضامني الذي يقوم به الشبيبة
السويدية في حركات التضامن السويدية مع الشعب الفلسطيني، أثناء عملهم في فلسطين أو
في لبنان.
7- لم الشمل؛ يعتبر عامل
جمع الشمل من أكبر العوامل التي رفعت عدد وجود الفلسطينيين في السويد. فالعائلة
الفلسطينية، كما هو معروف، تتميز بكثرة العدد وبشكل خاص التي قدمت من قطاع غزة.
ويحق للمرء الذي
حصل على تصريح الإقامة أن يحضر باقي أفراد أسرته إلى السويد. تكوّن الجالية في بداية الخمسينات من القرن الماضي قدم
الدكتور الفلسطيني مفيد عبد الهادي مع زوجته السويدية إلى السويد للعيش والعمل
فيها. ولابد هنا من الإشارة إلى الصعوبات التي واجهها هذا المناضل، لتكريمه بعد
وفاته، في طرحه أفكاره حول الحق الفلسطيني في فلسطين وحاول جاهدا إصدار أول كتاب
سويدي يشرح فيها وجهة النظر الفلسطينية فيه، وبعد أعتراض العديد من دور النشر تم
نشر الكتاب عام 1962 تحت عنوان " الحق لفلسطين". الكتاب الذي لازال
يعتبر مصدرا مهما عن الحقائق التي تمت قبل وبعد عام 1948. وفي منتصف الستينات تم منح عدد من الشباب الفلسطينيين
المتفوقين في الدراسات المهنية في معاهد الصناعة، التي تتبع لوكالة غوث اللاجئين
الفلسطينيين في كل من سوريا ولبنان والآردن والضفة الغربية وقطاع غزة، بعثات
دراسية في بعض الدول الأوربية مثل الدانمارك وألمانيا والسويد.
كان من نصيب السويد
استقبال طلاب شباب، على أمل العودة إلى البلدان التي اتوا منها والعمل في تدريس
المهنة التي أتقنوها نالت السويد إعجاب معظم هؤلاء الشباب، مقارنة بحياة المخيمات،
ورغبوا في البقاء والعمل حيث هم وقد عزز رغبة بعضهم أيضا حرب نكسة حزيران لعام
1967 ونتائجها التي اغلقت أمامهم أبواب العودة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة تزوج
هؤلاء الشبان من فتيات سويديات وتواصلوا مع ذويهم ووصفوا عن حياتهم في هذا البلد
الجديد، وأرسلوا الصور، الأمر الذي أثار شهية الكثيرين لترك حياة المخيم والهجرة
إلى تلك البلد "الجنة" وبالطبع كان من بين المعلومات التي تسربت
للمخيمات بأن السويد وغيرها في أوربا تتقبل اللجوء السياسي والإنساني لمن تتعرض
حياته للخطر لأسباب سياسية أو عرقية أو دينة أو إنسانية، إستنادا إلى إتفاقية جنيف
لحقوق الإنسان، التي صدرت عقب الحرب العالمية الثانية. توالت بعدها موجات الهجرة واللجوء إلى السويد، وكانت
الحروب أبلغها أثرا على تلك الموجات، الموجات التي لازالت مستمرة حتى كتابة هذه
الكلمات.
ينتشر أبناء الجالية
الفلسطينية في كامل أنحاء السويد، وخاصة في المدن السويدية الكبرى، وفي مقدمتها
العاصمة ستوكهولم وفي مالمو ويوتبوري وأوبسالا ونورشوبينج وإينشوبينج وغيرها، لتصل
إلى المدينة التي تجاور القطب الشمالي للكرة الأرضية كيرونا.
ماهي الخلفية التي يحملها
القادم الجديد من الفلسطينيين؟
إن معظم من قدم من
الفلسطينيين إلى السويد هم من المخيمات الفلسطينية ومن شرائح إجتماعية فقيرة أو
متوسطة الحال، وهم ذوي تعليم عالي ومتوسط، منهم الطبيب ومنهم الصحافي ومنهم
العامل. صحيح بان الموجة الأولى كانت من الطلاب لكن الموجات الأخرى المتلاحقة كان
أغلبها من النشطاء السياسيين أو العسكريين (الفدائيين) بسبب الحروب التي نشبت في
الأردن ولبنان والكويت والعراق. وبكلمة اخرى فإن كل قادم لديه الجروح الجسدية
والنفسية، مايتطلب تدخل أخصائيين للتعايش مع تلك الجروح، من جهة. ولديه من جهة
أخرى مخزون وطني عال المستوى بسبب حقه الذي لم ينساه في تحرير وطنه والعودة إليه
وهذا مايدفع هؤلاء الناس من التفكير المستمر بالقضية الفلسطينية والعمل في الشتات
من أجلها والرباط المتواصل مع الأهل والوطن من خلال القنوات الفضائية والإنترنيت
والهاتف والزيارات المتكررة في كل عام تقريبا للأهل في المخيمات.
هذا وقد عانت الموجات
الأولى من الفلسطينيين من الموقف السياسي لأكثر الأحزاب السياسية المناهض للحقوق
الفلسطينية، الأمر الذي عكس نفسه على الرأي العام السويدي حينئذ فقد سيطر على
الإعلام الموقف العدائي للمنظمات المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية
وتصنيفها بالإرهابية.
لكن الجهود المبذولة من
قبل أبناء الجالية الفلسطينية، ونشاط حركات التضامن السويدية مع الشعب الفلسطيني،
ومواقف الأحزاب اليسارية من جهة، والفظائع التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين
في أماكن تواجدهم لعبت دورا كبيرا في تغيير الرأي العام السويد الذي أصبح في يومنا
هذا مناهضا لإسرائيل وسياساتها العنصرية ومؤيدا للحق الفلسطيني في بناء دولته
المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. يتطلب الحديث هنا إلى ماقام بفعله التواجد الفلسطيني
بأجياله المتتابعة ويفعله في السويد، من نشاطات للحفاظ على الهوية الفلسطينية من
جهة وتشكيل الرأي العام السويدي من جهة اخرى.
في
مجال تربية الأطفال من المعلوم بأن الشخصية الإنسانية تتكون من عنصرين أساسيين
الأول منها بيولوجي، أي ما يرثه الطفل عن والديه جسديا، والثاني فهو ما يتعلمه
المرء من محيطه من سلوك وطريقة تفكير وعادات وتقاليد وثقافة ودين وتاريخ وجغرافية إذا
يلعب الأهل ومن ثم المدرسة، التي يعيش الطفل فيها باقي ساعات نهاره ويقضيها مع
زملائه ومعلميه وكتبه ومصادر معرفته الأخرى، الدور ألأساسي في تكوين شخصية الطفل.
ومن الطبيعي بأن تختلف
الأمور مابين طفل قدم حديثا إلى السويد، هاربا من تحت القصف الإسرائيلي، مثلا، في
قطاع غزة، عن الطفل الذي ولد وقضى سنوات حياته الأولى في السويد. فالنوع الأول من الأطفال قد عايش العنف المباشر مثل
الإصابات المباشرة الجسدية والعنف غير المباشر من قبل العدو، كهدم المدارس
والبيوت، وفقدان أحد أفراد عائلته أو أصدقاءه، وفقدان الثقة بمن حوله من الكبار في
حال لا يستطيعون حماية أنفسهم من بطش العدو الإسرائيلي. كما يتعرض هذا النوع من
الأطفال إلى التهجير القسري. فكم من المخيمات أزيلت عن الوجود كتل الزعتر، وأطفال
فلسطينيوا العراق الذي تعرضوا للإبادة والتهجير. ويضاف لذلك بأن الطفل هذا لم
يُسأل من قبل من يقرر المغادرة، وهو الأب في أغلب الأحيان، عن الهروب وترك الجد
والجدة والأصدقاء والأقارب.
حيث هم كما يعيش
ويفهم هذا النوع من الأطفال أن انتمائه الجماعي لشعب فلسطين هو من يعرضه للمتاعب
فيزداد التصاقا بوطنيته. وهذا بمجمله يتطلب الوقت الطويل من الطفل لتعلم التعايش
مع الصدمات النفسية السابقة والعودة إلى التوازن الصحي النفسي. فمنهم مثلا من يبدأ،
عند انتقاله إلى المجتمع السويدي، ودخول المدرسة، باستخدام العنف مع زملائه، فهو
اعتاد على مشاهدة الكبار من ممارسته في حل مشاكلهم بهذه الطريقة كما وتظهر على
بعضهم أعراض جسدية متنوعة مثل أوجاع البطن، والتبول اللاإرادي، واضطراب في النوم
وغير ذلك.
أما
النوع الثاني الذي عايش الأمن والأمان في المجتمع السويدي فيكون معفيا من الصدمات
النفسية الناجمة عن الحروب والعنف ويكون محيطه الأسري أضيق مما لو كان في المخيم.
حيث الأقارب إذا
يعيش الطفل بيئتين، البيت مع عائلته والمدرسة ومؤسسة اوقات الفراغ، أي ما بعد دوام
المدرسة، مثل النوادي الرياضية أو الفنية أو الإجتماعية وغير ذلك: الأولى وهي العائلة في البيت، التي تعيش محاولة الحفاظ
على الطريقة التربوية، المثالية، التي اعتادت عليها. ويتابع الطفل في هذه العائلة
أخبار الوطن عبر الفضائيات عما يلم بفلسطين والفلسطينيين ويأكل نفس الطعام الذي
تتقنه والدته ويتحدث عبر الهاتف مع جده وجدته وأصدقائه في المخيم ويتابع أخبارهم،
وفي العطلة الصيفية للمدارس يقوم الكثير منهم بزيارة المخيم وهذا الجانب عند الطفل
يكون له منبعا ثقافيا ووطنيا وهوية وانتماء فلسطيني.
والثانية وهي المدرسة،
حيث ينتقل الطفل في ساعات النهار إلى بيئة المدرسة ذات التربية الواقعية
والبراغماتية، بلغتها الجديدة وطعامها الجديد فالمدرسة إلزامية لمدة تسع سنوات يبدأها الطفل في سن
السادسة أو السابعة حسب رغبة الأهل، المدرسة التي توفر الفرصة لكل طفل حسب قدراته
الجسدية والعقلية وبطريقة ديمقراطية يتساوى فيها جميع التلاميذ، مع توفير الأمن
والآمان، وتحمل التلميذ المسئولية وتساعده على معرفة القدرات الذاتية، وتقوية
الثقة بالذات، وتعلمه طرق النقد البناء والبحث عن المعلومة والتحليل، ولا تعتمد
على المنافسة، وتحارب الإضطهاد والعنصرية، وتقوي عند التلميذ إحترام الآخر وآرائه.
هذا وتقوم المدرسة
بالتعاون الوثيق مع أهل التلميذ لمتابعة تطوره العلمي والسلوكي. ويستفيد الأهالي من الإحتكاك بالمدرسة لطرح هوية العائلة
العربية الفلسطينية. تجارب وطموحات في تشكيل حركة وطنية فلسطينية كما ورد ذكره فإن الفرد
الفلسطيني يحمل وطنه في قلبه عقله حيثما حل، ويحاول تنشأة أطفاله على نفس الدرب
رغم صعوبة الحياة في الشتات.
فمن الواضح للجميع
بأن العائلة الفلسطينية تبذل جهودا أوسع لتكوين شخصية أطفالها الوطنية مما تبذله
العائلة في المخيم، فالمرء في الشتات يسبح ضد التيار وخاصة في العالم الغربي منه.
كما يحاول الفلسطينيون خلق تنظيمات مدنية وسياسية على الساحة السويدية للمحافظة
على الروح الجماعية في هذا الشتات ونقلها من جيل لآخر.
وكانت هذا التنظيمات
على ثلاث مستويات:
الأول: تنظيمات نقابية
تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ومنها: فرع إتحاد طلاب فلسطين رغم كل المصاعب التي تولدها الغربة
في مجتمع جديد غربي الهوى، وبيئة مسمومة برأي عام مضاد، حاول الإنسان الفلسطيني
ولازال السباحة عكس التيار، قام بتطويع الكثير منها لأسباب تم ذكرها أعلاه. فمنذ
بداية الوجود الفلسطيني في السويد تم تشكيل فرع لاتحاد طلبة فلسطين.
واجه أعضاء هذا
الفرع الصدمات الأولى لردة الفعل الإسرائيلية الإرهابية على الشعب الفلسطيني بعد
عملية ميونخ الفدائية عام 1972 ضد الفريق الرياضي الإسرائيلي. فقد أرسلت عصابات
إسرائيل، على إثر تلك العملية، طرودا مفخخة لقتل النشطاء الفلسطينيين في كل من
السويد والدانمارك. وكان من بين من فقد بعض أصابعه وعينه، المناضل الطالب عمر
صفوان من خلال رسالة مفخخة أرسلت إلى عنوانه. وأرسلت أخرى إلى طالب فلسطيني في
الدانمارك، كما قتل شاب مغربي بدم بارد في أحد شوارع العاصمة النرويجية أوسلو ظنا
من الموساد الإسرائيلي بأنه أبو حسن سلامة. وتابع فرع اتحاد الطلاب نشاطاته على
الساحة السويدية حتى منتصف التسعينات ويعتبر نشاطه الآن مجمدا.
وكان من أهم منجزاته
الربط بين الجامعات الفلسطينية والجامعات السويدية، ومساعدة الطلبة الجدد وإرشادهم
.
فرع إتحاد عمال فلسطين:
حث المكتب الإعلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية في ستوكهوم بعد افتتاحه عام 1975
الفلسطينيون على تشكيل تنظيمات شعبية واتحادات فإضافة لفرع اتحاد طلاب فلسطين،
تشكل فرعا لاتحاد عمال فلسطين مازال الفرع فاعلا كما صرح رئيسه السيد أحمد عدوي وقد
تركزت نشاطات هذا الإتحاد على نشر الوعي عند النقابات العمالية السويدية التي أصبح
بعضها، كنقابة عمال المعادن، ومركز التثقيف العمالي التابع للحزب الإشتراكي
الديمقراطي مؤيدين شديدين لحقوق الفلسطينيين. ولم يكن لهذا الفرع تأثيرا نقابيا
على الشريحة العمالية الفلسطينية بسبب تحصيل العامل الفلسطيني على حقوقه من خلال
النقابات السويدية قوية التأثير. كما عمل على ربط الحركة العمالية في الوطن المحتل
والكشف على معاناتهم تحت الإحتلال إضافة إلى استقبال ممثلين عن الحركة العمالية
الفلسطينية.
وقد كان لهذان الإتحادان
تعاونا وثيقا مع مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، الذي يسمى اليوم بالسفارة وكان
النشاط الداخلي الأكثر بروزا للإتحادان هو محاولة أعضاء التنظيمات السياسية تنسيب
عدد أكبر مؤيد لاتجاهاتهم السياسية للفوز بالإنتخابات التي كانت تجرى وللفوز
برئاسة الفرع، ومن ثم حضور المؤتمرات العامة لتلك الإتحادات إن كانت في بيروت أم
في تونس.
كما عمل الإتحادان وبشكل
مستمر على إحياء المناسبات الوطنية الفلسطينية مثل يوم الأرض ويوم الإنطلاقة
وغيرها من المناسبات الوطنية العديدة، إضافة لتنظيم المظاهرات والإعتصامات التي
تتطلبها الأحداث وإعداد المحاضرات واللقاءات مع الجماهير ومع الطلبة والعمال في
السويد. هذا وكان للإتحادان علاقات ومشاركات جيدة مع التنظيمات الشعبية السويدية
والسياسية بما يخص قضية فلسطين.
إتحاد أطباء فلسطين وهو
جديد العهد تشكل في سنة 2008 وإتحاد المرأة واتحاد الكتاب والصحفيين: وقد جرت عدة
محاولات لتشكيل هذه الإتحادات ولم تقلح على الرغم من وجود العديد من النساء
الفلسطينيات والصحافيين ايضا. لكن جهود صحفية فردية بقيت مستمرة في الكتابة
والتأليف، باللغتين السويدية والعربية. ويذكر على سبيل المثال لا الحصر افتتاح الموقع الإليكترني
على الشبكة العنكبوتية " أراب نيهيتر" الذي تم إنشاؤه ونشاطه من قبل رجل
فلسطيني في عام 2004، وينشر مواده الإخبارية والإعلامية في اللغات الثلاث العربية
والسويدية والإنجليزية ليغطي بالدرجة الأولى الموضوع الفلسطيني على ساحة الوطن
والساحة السويدية ولا زال الموقع فاعلا حتى يومنا هذا.
الثاني:
تنظيمات سياسية تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ومنها لم يفت التنظيمات السياسية الفلسطينية الأم من تشكيل فروع
(أقاليم) لها على الساحة السويدية، أو على مستوى الدول الإسكندنافية الثلاث،
السويد والدانمارك والنرويج، أو على مستوى دول الشمال الخمسة، السويد والدانمارك
والنرويج وفنلندا وإيسلندا.
ومن بين التنظيمات
التي ظهرت للعيان على تلك الساحة السويدية من خلال أقاليمها هي: حركة فتح ،
والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب،
والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، وجبهة النضال الشعبي، وجبهة
التحرير الفلسطينية.
تحاول هذه
التنظيمات متابعة نشاطاتها حتى اليوم من خلال التواصل مع أعضائها وجماهيرها
الفلسطينية من جهة. كما تعمل كل من هذه التنظيمات على خلق علاقات مع الأحزاب
السويدية التي تحمل أفكارا سياسية مقاربة لها. فحركة فتح مثلا ذات علاقة وثيقة مع
الحزب الإشتراكي الديمقراطي، وهو أكبر الأحزاب السويدية منذ مايزيد عن مائة عام،
وعضو هام في الإشتراكية الدولية. ومن المعروف بأن حركة فتح تحتفظ بمقعدا لها في
الإشتراكية الدولية، وكان أول من مثلها الدكتور عصام الصرطاوي الذي قتل في لشبونة
أثناء حضوره مؤتمر اٌشتراكية الدولية في عام 1981. أما الجبهة الشعبية لتحرير
فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فقد ربطتا علاقات وثيقة، ومنذ نهاية
السبعينات، مع الأحزاب اليسارية والشيوعية، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي اللينيني
الماركسي’ الثوريين، إضافة لحزب اليسار، الشيوعي سابقا. ومن المعتقد بأن للتنظيمات الفلسطينية الأخرى التي نشأت
فيما بعد مثل "حركة المقاومة الإسلامية، حماس" و " حركة الجهاد
الإسلامي"، وألصقت بها صفة الإرهاب، أقاليمها ونشاطاتها غير المعلنة، حيث
لديها مؤيديها الكثر بين أبناء الجالية.
لقد كان للجبهة الشعبية
لتحرير فلسطين - القيادة العامة تنظيما فاعلا على الساحة السويدية في السبعينات،
إلى أن اكتشفت السلطات السويدية الإستخباراتية نشاطا عسكريا في عام 1980 لهذا
التنظيم، وأثارت حملة إبعاد لعائلات فلسطينية بأكملها عن السويد، بتهمة النشاط
الإرهابي. وأعتبرت الدولة السويدية منذ ذلك التاريخ القيادة العامة تنظيما
إرهابيا. كما سعت المخابرات السويدية، سابو، لإبعاد عائلات أخرى، واتهام كل أعضاء
جمعية الشعب الفلسطيني في مدينة أوبسالا بالإرهاب، حيث كان من حاول تهريب السلاح
هو من أعضاء الجمعية.
واستند جهاز السابو في
إجراءاته هذه إلى قانون الإرهاب. تصدت جمعية الشعب الفلسطيني في مدينة أوبسالا،
متعاونة مع تنظيمات شعبية وقضائية وإعلامية سويدية، فتوقفت الإبعادات، وتحجمت تهمة
الإرهاب لتبقى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة فقط حاملة لها في السويد.
ومنذ تلك الأيام لم يعد
يظهر لتنظيم الجبهة الشعبية- القيادة العامة أية نشاطات علنية ومن
الجدير ذكره هنا بأن أية انتكاسات تصيب العمل الفلسطيني في الوطن تعكس نفسها فورا
على العمل السياسي الفلسطيني في السويد. فعندما حصل انشقاقات في التنظيمات
الفلسطينية بنتيجة الحرب التي دارت ضد قيادة م ت ف في شمال لبنان عام 1983 مثلا،
أصبح في السويد تنظيمان الأول يتبع لفتح التي كان يقودها ياسر عرفات (أبوعمار،
رحمه الله) والآخر يتبع لفتح الإنتفاضة، ولا زال الإنقسام قائما. كما أن الصراع
الذي دار، ولازال يدور في فلسطين بين حركتي فتح وحماس يعكس نفسه وبقوة على عمل
التنظيمات السياسية والشعبية الفلسطينية على الساحة السويدية، وقد حصل شروخات
عامودية فيها. ومن
اللافت فإن المراقب لا يلاحظ – والأمل أن يكون هذا التقدير خاطئا – للنشاط الفلسطيني للتنظيمات السياسية أي تعاون فيما
بينها، أو أي نشاط تنسيبي لعناصر جدد، أو أي ظهور واضح وفاعل على الساحة السياسية
السويدية.
الثالث: تنظيمات شعبية
محلية وعلى مستوى الإقليم.
ومنها: من المعروف بأن هناك عدد كبير من المستقلين الفلسطينيين،
وممن تابعوا العمل من خلال التنظيمات السياسية، إضافة للأطفال والنساء والأحداث
والمسنين الذين لم ينتموا بعد لأي تنظيم سياسي ولديهم الطاقات الثقافية والفنية
والرياضية وغيرها. وهذا كله استدعى تنظيم وتأطير هذه الطاقات من جهة للإفادة منها،
ونشر الوعي الوطني فيما بينها، وتعريفها بالقضية الفلسطينية لتقوم بدورها بالإجابة
على أي تساؤل يثار في المدرسة أو بين الأصدقاء وزملاء العمل حول الحق الفلسطيني.
من هذا المنطلق تمت الدعوات لأبناء الجالية الفلسطينية في المدن والبلديات
السويدية لخلق جمعيات شعبية نمت الجمعيات الشعبية الفلسطينية كالفطر في المدن
السويدية التي تجمع فيها الفلسطينيون.
وللعلم فإن هذه التنظيمات الشعبية من لها نشاطات متنوعة
أو متخصصة. فمثلا منها ما يتخصص بالفن مثل الإناشيد والغناء الوطني والدبكة مثل
فرقة القدس. ومنها
ما هو مهتم بمسألة واحدة وهي حق العودة وتعرف من تسميتها كتنطيم 1948، تيمنا
بقرار العودة الذي يحمل نفس الرقم. حاولت هذه التنظيمات الشعبية ونجحت لتوحيد
نفسها بتنظيم مركزي، على مستوى كامل السويد، سمي باتحاد الجمعيات والروابط، لتخرج
بعدها إلى الحلقة الأوسع ، أي على المستوى الأوربي. انشق إتحاد الروابط عاموديا
انعكاسا لما يحصل على أرض الوطن!. وهذا مايدعو للقلق.
ويتمنى كل غيور
وحدة الصف الفلسطيني، تحت لواء م ت ف، المعترف بها دوليا كممثل شرعي وحيد للشعب
الفلسطيني، ليعكس هذا الصف ذاته على الساحات في الشتات. وستكتفي هذه الدراسة بتلخيص شديد لتجربة جمعية الشعب
الفلسطيني في مدينة أوبسالا التي امتدت على مدار ما يزيد عن ثلاثة عقود. وهي أم
البدايات للتنظيمات الشعبية الفلسطينية على الساحة السويدية. وتعتبر هذه التجربة
نموذجا تسير عليه الجمعيات والتنظيمات الشعبية الفلسطينية، وعددها يقارب ال20 في
حوالي 11 مدينة سويدية – ولجمع معلومات تفصيلية عن كل هذه الجمعيات يتطلب تفرغا
تستطيع السفارة الفلسطينية القيام به أو تكليف لجنة لذلك. جمعية الشعب الفلسطيني في أوبسالا أملا بتجميع كل الطاقات
المتواجدة على ساحة مدينة أوبسالا فقد دعى ثلة من الشباب الفلسطيني – وكان لكاتب
هذه السطور شرف المشاركة وتحمل المسئوليات لتشكيل جمعية الشعب الفلسطيني في
أوبسالا التي تضم بين جناحيها كل فلسطيني في أوبسالا، بغض النظر عن الإنتماءات
السياسية، والعمر، والجنس، والدرجة العلمية – إضافة إلى عدد من الأخوة العرب في
المدينة والغيورين على الحق الفلسطيني، وقد حصلوا على عضوية الشرف لدعم جهود
الجمعية. عقد المؤتمر التأسيسي للجمعية بمناسبة يوم الأرض من عام 1980. وقد استلهم
النظام الأساسي وميثاق الجمعية من ميثاق م ت ف. فقد ضمت الجمعية عدة لجان عمل
متخصصة، لتكون نواة لفروع تنظيمات نقابية شعبية تابعة لم ت ف مثل إتحاد الطلاب
واتحاد المرأة واتحاد العمال وغيرها. ونجحت هذه الجمعية في تصليب عود إتحادي
الطلاب والعمال الفلسطينيين في السويد، الواردين أعلاه، على مدى سنوات عديدة .
وكان من أولويات أهدافها
الحفاظ على الهوية الفلسطينية بين المتواجدين ونقلها إلى الجيل الجديد والناشئ في المغترب
من جهة، وتشكيل رأي عام سويدي مناهض لأسرائيل ومؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني تحت
شعار " من أجل دولة فلسطينية ديمقراطية واحدة يعيش فيها الجميع على أساس
ديمقراطي بغض النظر عن الدين والعرق والجنس. وكان هذا شعارا مقبولا لدى الجماهير
السويدية وأحزابها السياسية.
وهذا ما أكسب الجمعية
شعبية وسمعة طيبة في بلدية أوبسالا، وحتى على مستوى السويد بكاملها بعد ذيع صيتها. تعاونت الجمعية بالدرجة الأولى مع الجمعيات السويدية
المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، وكانت عديدة، منها على سبيل المثال "مجموعات
أنصار فلسطين" و"اللجنة
المسيحية لنصرة الشعب الفلسطيني" وكان لها باع في تكوين "الأرشيف
السويدي الفلسطيني في أوبسالا" كما رتبت الجمعية لنفسها علاقاتها مع الأحزاب
السويدية دون تفريق، مابين اليساري منها أو البرجوازي.
كما أنشأت علاقات جيدة مع
النقابات العمالية والكنائس والجامعات السويدية في المدينة ولم تهمل الجمعية ربط علاقات طيبة وتعاون مع الجمعيات
العربية والأجنبية كاليونانية والكردية والأمريكية اللاتينية والإفريقية المتواجدة
على ساحة مدينة أوبسالا.
كما ساهمت في إنشاء
الجمعية الإسلامية في أوبسالا، والتي بدورها أصبحت نواة لتشكيل تجمعات إسلامية
أوسع على مستوى السويد، وفي بناء مسجد أوبسالا ودعمت تشكيل جمعيات فلسطينية أخرى
في مدن سويدية أخرى. وتعاونت بشكل وثيق مع مكتب م ت ف الإعلامي، السفارة حاليا، في
ستوكهولم.
وشاركت الجمعية في
تظاهرات واعتصامات كبرى، تم تنظيمها على أثر الأحداث التي كانت تجري على أرض الوطن
وعلى الساحات العربية الأخرى، مثل الغزو الإسرائيلي للبنان ومذابح صبرا وشاتيلا
والهجمة الإسرائيلية البربرية على قطاع غزة في نهاية عام 2008، وقتل النشطاء
الدوليين في أسطول الحرية عام 2010 وغيرها.
شاركت الجمعية أيضا
في ترتيب محاضرات عن القضية الفلسطينية لمدارس وثانويات أوبسالا وكتبت العديد من
المقالات واستقبلت شخصيات سياسية وفنية فلسطينية من الوطن ومن الشتات ولازالت
جمعية الشعب الفلسطيني فاعلا رئيسيا في العمل الوطني على الساحة المحلية في
أوبسالا وعلى الساحة السويدية بشكل عام. ومن العقبات الخارجية التي واجهتها الجمعية كانت محاربة
المخابرات السويدية لها واتهامها بالإرهاب وملاحقة عناصرها ومحاولة منعهم ومن
الحصول على الجنسية السويدية. ومن جهة أخرى فقد انعكست التجاذبات السياسية، على
الساحة الفلسطينية مركزيا، عليها مما أدى مثلا إلى انشقاق أدى إلى انشاء جمعية
فلسطينية جديدة في أوبسالا سمت نفسها بالجمعية الفلسطينية في أوبسالا، وأصبح العرب
عربان.
ولابد من ذكر أن العمل داخل هذه الجمعيات هو طوعي يقدم
العضو خدماته بأنواعها بشكل مجاني إضافة للوقت الذي يصرفه على تلك الأنشطة خاتمة مما تقدم يدرك المتتبع لتشكيل الجالية
الفلسطينية خلال نصف قرن في السويد ونشاطاتها الوطنية، بأن الجالية لازالت في طور
التكوين مقارنة بالجالية اليهودية التي أصبح عمرها قرنان من الزمن وهي ذات
تأثير قوي جدا على المستوى المالي والإعلامي والثقافي وحتى السياسي ويأمل
لها ولادة جيدة تؤدي إلى تشكيل تنظيم شعبي كبير قوي وقادر وله مؤسساته الفاعلة
وتشكيل قوة ضغط حقيقية فاعلة في المجتمع السويدي المدني والرسمي، بالتعاون مع
السفارة الفلسطينية والسفارات العربية في ستوكهولم من خلال:
أولا:
أن يجمع هذا التنظيم كل الطاقات بين أبناء الجالية في السويد وتنظيمها وتوظيفها
بشكل ينعكس على أبناء الجالية بمتطلباته في هذا المغترب.
ثانيا: لن لأن يؤثر في
المجتمع السويدي بكل شرائحه الحزبية والنقابية والكنسية والإعلامية ومنظمات
المجتمع المدني الأخرى ولا ينسى المرء بأن للسويد عضوية ومسموعية طيبة ذات تأثير
في الإتحاد الأوربي وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ثالثا: وأخيرا لابد في
معرض هذه الدراسة من ذكر الدور الوطني والدبلوماسي الذي بذله مكتب م ت ف في
ستوكهولم منذ نشأته عام 1975 وتبذله السفارة اليوم في مساعدة من يطرق بابها من
أبناء الجالية أو تنظيماتها.
من الملاحظ لمن قرأ
السطور أعلاه بأن الدراسة مقتضبة جدا وتحتاج لبحث معمق لتوثيقها ووضعها بين دفتي
كتاب شامل، أملا أن تنسج الظروف للقيام بهذا الدور في المستقبل القريب. ولابد هنا
من ذكر أن تنظيمات تضم الجالية العربية ككل غير موجودة على الساحة السويدية، لكن
يوجد هناك جمعيات سورية وسودانية ولبنانية وربما غيرها ولم يلاحظ أي تعاون وثيق
فيما بينها أو جهودا لتوحيد تلك الطاقات في تجمع عربي على مستوى السويد يكون له
تأثيره في الإنتخابات السويدية ورفع ممثليه إلى البرلمان والحكومة والحرص على القضايا
العربية، ويحتاج هذا الأمر بالطبع لدراسة موسعة أخرى واهتمام من قبل السفارات
العربية وفي مقدمتها السفارة الفلسطينية.
رشيد
الحجة باحث وصحافي فلسطيني
أوبسالا-
السويد
"حقوق النشر محفوظة لموقع "
فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"