فإن الظلم عاقبته وخيمة ، ولا يصدر إلا من النفوس اللئيمة، آثاره
متعدية خطيرة. والمتأمل لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يجد نصوصاً
كثيرة قد ذمت الظلم وحذرت العباد منه ، وقد ذكر الله تعالى الظلم في أكثر من 240
موضعاً في كتابه وهذا دليل على خطره. وقد وصف الراغب الأصفهاني الظالم بأنه: يتعطل
عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع الناس، ولا يعطيهم منفعة، ومن خرج عن تقاضي
العدالة بالطبع والخُلق والتخلق والتصنع والرياء والرغبة والرهبة، فقد انسلخ من
الإنسانية .
وحرم الله الظلم بين عباده، ليحفظوا بذلك دينهم وتستقيم دنياهم،
وليصلحوا بترك الظلم آخرتهم وليتم بين العباد التعاون والتراحم بترك الظلم،
وليؤدوا الحقوق لله وللخلق . وكم من دعوة مظلوم قصمت ظهر طاغية والعدل أساس الملك،
ولا يظلم ربك أحد، كم من بيوت كانت تعج بالظالمين، ماتوا فصارت الديار بلاقع، كم
من ظلمة قطع الله دابرهم. فإن ظلم الظلمة أقبح الظلمات وهي أشد من ظلمة الليل لأن
ظلمته مربوطة بظلمة يوم القيامة يوم الهول والنشور .
الظالم جعل الله عقوبته أن يعاقب بآثام من ظلمه، ويكون ذلك عقوبة
له على ظلمه، وعلى ما اكتسبه لا أن يكون مؤخذاً بذنب غيره، أو معاقباً على ظلمه
ثواب صبره على ما أصابه، فقد قال الله تعالى (( ... إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير
حساب )) (الزمر : 10) ويعاقب الظالم بذهاب حسناته وعقوبة ما جنى المظلوم، وذلك
جزاء ظلمه وعقوبة ما جنته يداه ولسانه وقلمه. ولا جرم أن الظلم وخيم العاقبة، شديد
النكاية، يمزق أهله كل ممزق، ويبيدهم شر إبادة، يخرب الديار ويقصم الأعمار، والله
جعل على أهله دماراً ومأثما، فكم قصم به من أمم، وفرق به جماعات، وخرب به حصون ،
وأفنى به جيلاً، وسقطت به دول وحكومات، وأهلك به أمماً قال الله تعالى (( وكم
قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين )) ( الأنبياء : 11 ) وقال عز
وجل (( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ... )) ( النمل: 52 ) .
فما بال أقوام يظلمون الناس بغير حق، ويعذبون العباد ويظنون أن
السلطة التي في أيديهم والمال الذي في خزائنهم والقوة التي في أجسادهم هي حصون تمنعهم
من الله تعالى ألا فليعلموا ان الله بطش شديد . فحق المظلومين يهدر، وسيوف -
الظالمين تحز رقاب المستضعفين- ألا فاتقوا الله تعالى مظالم العباد ، بأخذ
أموالهم، والتعرض لأعراضهم، وتضييق قلوبهم، والإساءة إلى الخلق في معاشرتهم، فإن
ما بين العبد وبين الله تعالى فالمغفرة إليه أسرع. ودعوة المظلوم تفعل ما تفعله
الأسنة اللامعة، والسيوف القاطعة، والظالم مشؤوم، وصاحبه ملوم، فلا يغتر الظالم
بعدم عجله الله بالعقوبة، فما يعجل إلا الذي يخاف الفوت، وقدرة الله نافذة ، فهو
يمهل ولا يهمل، وكما يقال لو بغى جبل على جبل لدك الله الباغي منهما. فيا مبادراً
بالظلم ما أجهلك ، إلى متى تغتر بالذي أمهلك، كأنه قد أهملك ، فكأنك بالموت وقد
جاء بك وأنهلك، واذن بالرحيل وقد أفزعك الملك ، وأسرك البلاء بعد الهوى وعقلك،وأنت
على وزر عظيم وقد أثقلك وقد أثقلك يا مطمئناً بالفاني ما أكثر زللك، ويا معرضاً عن
النصح كأن النصح ما قيل لك، وقد نزلت بهم الفواجع ، وحلت بهم الموجع . فكم في
المجتمع من الظلم بين فئاته يقع على العمال الوافدين الذين لم يعطوا حقوقهم ، وكم
من أرملة قتل زوجها ظلماً، وكم من ثكلى فقدت أولادها بغياً ، وكم يتيم قتل أباه
غدر وكم من شعب طرد من بلده عسفاً، كم من فقير هدمت بيته أشراً وبطراً ، كم من
الظلم يقع من الوالدين على أبنائهما وعلى الوالدين من أبنائهما؟ كم هم الذين
يظلمون أقاربهم ويظلمون جيرانهم وزملائهم؟ سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل، بأكل
حقوقهم أو التقصير في واجباتهم فالأب الظالم لبناته بالتحجير عليهن، أو عضلهم من
الزواج لأجل رواتبهن أو رغبة في خدمتهن له. والزوج الظالم لزوجته ومنعه حقوقها أو
ربما الزوجة تظلم نفسها وزوجها بمنعه حقه، أو صده عن بر والديه، أو صلة رحمة ، أو
إنفاقه فضل ماله فيما لا يحل وليتق الله الزوج الظالم ويتفكر لو دعت الزوجة عليه
في حالة الظلم فلعل الله يقبل دعاءها فيهلك الظالم ولو بعد حين. أو يظلم الأب
لأولاده كأن لا يعدل بينهم في الوصية وكأن يرى منهم المنكر ولا ينكره عليهم أو
يأتي إليهم بالمنكرات ويدعوهم إليها كمن يأتي لأولاده بالدش وغيره. والمسؤول في
دائرته وسلطانه حين يحابي قرابته على سبيل مصلحة الناس فيه ظلم لنفسه ولأمته.
فليحمد الله المظلوم بعد ظلمه أنه مظلوم وليس ظالم فإذا جاء الظالم نادماً يطلب
منه العفو والصفح فليتذكر قول الله عز وجل (( ... وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن
يغفر الله لكم ... )) (النور : 22) . فكل من ظلم لعلها توقظه فإن لم يعد إلى الحق
فلينتظر نصيبه من العقوبة كما حصل لغيره كثير والله المستعان .
كتبه منصور محمد الشريدة
11/7/2013
حقوق
النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"