بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن والاه أما بعد :
إخواني فلسطينيو العراق وكل أهل فلسطين إن ما تعرض له الشعب الفلسطيني من اضطهاد وتهميش وتغييب الهوية ومؤامرات الشيء الكثير منذ أن دخلت شراذم اليهود أرض فلسطين مع المحتل البريطاني ، ولعل ما تعرض له فلسطيني العراق هو من ضمن هذا المخطط منذ خروجهم من ارض فلسطين وترك ديارهم قسرا إلى هذه المحنة الأخيرة بعد احتلال العراق .
أريد من خلال هذه المقالة والكلمات البسيطة أن أسلط الضوء وأذكر بموضوع مهم من هذا الاستهداف, وتجاهنا نحوه ألا وهو الأبناء ؛ إن عدونا يخطط لتدمير أخلاق أبنائنا، وبالتالي يصبح الإنسان الفلسطيني لا هدف له وأداة طائعة بيد هذا العدو ، ولعل إخواننا قد أجبروا على اختيار بعض بلاد الكفار ملجأ لهم بعد أن أصبح العيش بالعراق يشكل خطورة عليهم وسدت الأبواب في وجوههم .
فما هو التصرف الصحيح لحفظ هذا الرصيد المهم والأساسي في الدنيا والآخرة وهو رأس مال المسلم ألا وهو الأبناء وكما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا ( مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له" (رواه الترمذي ، وقال الألباني صحيح ) .
كيف نربي أبنائنا :
لقد اعتنى كتاب الله في الحض على الاعتناء بالأهل والأولاد وتربيتهم التربية الإسلامية الربانية الصحيحة وذلك ليصبح مجتمعا صالحا ويكون الأولاد ذخرا لآبائهم ، واليك أخي القارئ بعض تلك الآيات :
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}(التحريم) .
قال الإمام السعدي : فـ { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله، والقيام بأمره امتثالا ونهيه اجتنابًا، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب، ووقاية الأهل [والأولاد]، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه.
ووصف الله النار بهذه الأوصاف، ليزجر عباده عن التهاون بأمره فقال: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }.انتهى
وقال تعالى:
{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } .(طه)
قال الإمام السعدي :
أي: حث أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل، والأمر بالشيء، أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمرا بتعليمهم، ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها.
{ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } أي: على الصلاة بإقامتها، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها، فإن ذلك مشق على النفس، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك، والصبر معها دائما، فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع، ثم ضمن تعالى لرسوله الرزق، وأن لا يشغله الاهتمام به عن إقامة دينه، فقال: { نَحْنُ نَرْزُقُكَ } أي: رزقك علينا قد تكفلنا به، كما تكفلنا بأرزاق الخلائق كلهم، فكيف بمن قام بأمرنا، واشتغل بذكرنا؟! ورزق الله عام للمتقي وغيره، فينبغي الاهتمام بما يجلب السعادة الأبدية، وهو: التقوى، ولهذا قال: {وَالْعَاقِبَةُ } في الدنيا والآخرة { لِلتَّقْوَى } التي هي فعل المأمور وترك المنهي، فمن قام بها، كان له العاقبة، كما قال تعالى {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }وهناك آيات أخرى في هذا الموضوع مثل مدح الله سبحانه وتعالى لإسماعيل عليه السلام بأمر أهله بالصلاة حيث قال تعالى:
" وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا" (مريم). وهذا لقمان عليه السلام ينصح ابنه ليعطينا درسا عمليا في كيفية تربية ابنه ومخاطبة الأب لابنه .قال تعالى " وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)" الآيات إلى أن قال تعالى..." يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19).".(لقمان)
أخي هناك عدة خطوات ينبغي للمسلم العمل بها للحفاظ على فلذة كبده وخاصة في البلدان الكافرة ألا وهي :
1– التربية الإيمانية هي الأساس الأول :
فلا يتوقع الأبوان من ابنهما الالتزام بالدين وقلوبهم فارغة من معاني العقيدة؛ لأن الطفل في مراحله المبكرة لا يستطيع إدراك الغيبيات فيكون دور الأبوين هنا تقريب معاني العقيدة كتوحيد الله الواحد ومعنى النبوة, وحقيقة اليوم الآخر, ونسبة الدنيا إلى الآخرة.
ولنا في ذلك القدوة الحسنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اعتنى في السنوات الأولى من الدعوة بتثبيت عقيدة الإيمان بالله الواحد في نفوس أصحابه حتى إذا استقرت, لم يجد أصحابه غضاضة في طاعة أوامر الله .والعمل بأحكام الشريعة.
فيعلم الطفل منذ نعومة أظفاره أن الله هو خالق كل الناس والأشياء المحيطة به.
وأنه هو الذي يعطي للإنسان كل النعم فهو الرزاق لخلقه والحريص على هدايتهم للخير لذا فهو يستحق العبادة.
وهو يحب الأخيار من الناس ويبغض الأشرار لذلك بعث للأخيار رجالا صالحين يعلمونهم ما فيه صلاح حياتهم ووعد من اتبعهم ببساتين وقصور نعيم لا ينفذ أي الجنة.بينما توعد من يعصيهم بعذاب شديد أي جهنم...هذه صور تقريبية لمعاني العقيدة يسهل على الطفل فهمها.
2- الاقتداء بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم :
يحرص الوالدان على تعليم الأولاد من هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغرسون في قلوبهم محبته عن طريق رواية مناقبه وحسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم وكذلك ذكر صحابته ومآثرهم وسيرهم العظيمة وحسن صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتفانيهم في نشر دين الله في أرجاء المعمورة. وكذلك قادة وعلماء المسلمين ليكونوا منارا يقتدى بهم .
3- حرص الآباء على تعليم أولادهم الصلاة ومتابعتهم عليها :
إن أعظم صور تأديب الأبناء تعليمهم الصلاة وغرس محبتها في قلوبهم ليقوموا بحقوقها خير قيام .
فهي الشعيرة العظيمة التي سماها الرسول صلى الله عليه وسلم نورا وجعلها للدين عمادا وهي الصلة التي تربط بين العبد وخالقه في اليوم الواحد خمس مرات ، هي محطات للخلوة بالإله العظيم ومناجاته وذكره وتعظيمه سبحانه...
وهي مفتاح الجنة والحصن الحصين من الذنوب والمعاصي.قال تعالى"إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"(العنكبوت)
وقد نبه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الأبوين إلى ضرورة ربط صلة الأبناء بالله تعالى في سن الطفولة المبكرة – عند سن السابعة־ لأن ذلك أدعى أن يشب الأولاد على محبة الله والحرص على الصلاة.وإدراك أسرارها وفضائلها الكثيرة فقال صلى الله عليه وسلم :" مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع"(رواه أحمد وأبو داود.قال الألباني صحيح) .
وكذلك يحرص الآباء على إسماع الأولاد صوت الأذان وخاصة في الدول الكافرة التي يمنع فيها من إعلان الأذان وذلك عن طريق اقتناء ساعة تؤذن خمسة أوقات في اليوم ليتربى الطفل على سماع كلمات التوحيد والدعوة إلى الصلاة . وليحرص الأب كذلك على اصطحاب الأطفال إلى المسجد أو المركز الإسلامي ليتربى الولد على حب الدين وشعائر الإسلام .
4-أن يقدم الأبوان القدوة الصالحة لأبنائهم :
وذلك عن طريق التزام الأبوين أخلاق وتعاليم الإسلام فمحافظة الأم على حجابها ولباسها الإسلامي تكون قدوة لبنتها. وصدق الأب في الحديث ومحافظته على صلاته يكون قدوة لأبنائه, وكذلك عدم تشغيل القنوات الفضائية الهابطة التي تفسد الجيل الناشئ وتغير أخلاقهم. واستبدال هذه القنوات الفاسدة بالقنوات الإسلامية وهي متوفرة الآن بحمد الله .
5-الاستعانة بالقصص والمواعظ المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أو قصص الصالحين :
عليك أيها الوالد أن تغرس في نفس ولدك أن قدوته الأولى في حياته هو نبينا المصطفى عليه السلام والصحابة الكرام وعظماء المسلمين من العلماء والدعاة والقادة الفاتحين ...عندما يتعلم ذلك سيسألك عن أي فعل سيفعله هل كان النبي يفعل ذلك ؟ وإذا مر في موقف ما سيسألك ماذا كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المواقف وبهذا تعوده أن يرد أي عمل سيقوم به إلى الله ورسوله و أن يتحرى هل ما سيفعله حرام أم حلال . بذلك سيكون إعجاب الطفل وقدوته هو سلفنا الصالح الذين نشروا قيم العدالة والتسامح وحسن الخلق. وعندئذ ستكون المقارنة عنده بين هذا الجيل الفاضل وبين ما يراه من التحلل الخلقي والانحراف السلوكي في الوسط الذي يعيش فيه. وان رأى بعض الممارسات الحسنة لهؤلاء الكفار فإنها تضيع عنده في بحار حسنات جيل المسلمين الخالد.
هذه بعض الوصايا التي انصح بها نفسي وانصح بها إخواني فلسطيني العراق. ليحافظوا بها على فلذات أكبادهم من الضياع وبالتالي يكونوا فريسة سهلة لأعدائنا ليستخدموهم سلاح ضدنا فيما يستقبل من زمان ، واختم بوصية لأحد الصالحين لنستفيد منها العبر :
وصية الخطاب بن المعلى المخزومي لابنه : هذه مقتطفات من هذه الوصية ولم اسردها كلها خشية الإطالة : وعظ الخطاب بن المعلى المخزومي القرشي ابنه فقال :
يا بني : عليك بتقوى الله وطاعته ، وتجنب محارمه بإتباع سنته ومعالمه ، حتى تصح عيوبك وتقر عينك فإنها لا تخفي على الله خافيه . فإياك وهذر الكلام وكثرة الضحك والمزاح ومهازلة الإخوان ، فإن ذلك يذهب البهاء ويوقع الشحناء .
وعليك بالرزانة والتوقر من غير كبر يوصف منك ولا خيلاء تحكي عنك.
والق صديقك وعدوك بوجه الرضى. وكف الأذى من غير ذلة لهم ولا هيبة منهم .
وقلل الكلام وأفش السلام وامش متمكنا قصدا ، ولا تخط برجلك ولا تسحب ذيلك ولا تلو عنقك ولا ردائك ولا تنظر في عطفك ولا تكثر الالتفاف ، ولا تقف على الجماعات ولا تتخذ السوق مجلسا ولا الحوانيت متحدثا .
فإن تكلمت فاختصر ، وإن مزحت فاقتصر ، وإذا جلست فتربع. ولا تصنع تصنع المرأة ولا تبذل تبذل العبد . وإذا وعدت فحقق وإذا حدثت فاصدق ولا تجهر بمنطقك كمنازع الأصم ولا تخافت به كتخافت الأخرس.
وتخير محاسن القول بالحديث المقبول . ومن تعدى القدر هوى في بعيد القعر والصدق زين والكذب شين ولصدق يسرع عطب صاحبه أحسن عاقبة من كذب يسلم عليه قائله .
ومعاداة الحليم خير من مصادقة الأحمق ولزوم الكريم على الهوان خير من صحبة اللئيم على الإحسان . جعلك الله يا بني ممن يقتدي بالهدى ويأتم بالتقى. ويجتنب السخط ويحب الرضى والله خليفتي عليك والمتولي لأمرك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد نبي الهدى وعلى آله وسلم تسليما كثيرا .
نسأل الله أن يقر عيوننا بأبنائنا ويجعلهم ذخرا لنا في الدنيا والآخرة اللهم آمين
14/5/2009
إعداد : وليد ملحم
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"