هذه الاتفاقية التي وقعها عرفات ورئيس وزراء
الاحتلال الأسبق إسحاق رابين، في الولايات المتحدة، تنص على "إقامة سلطة
حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية (صارت تعرف بالسلطة الوطنية الفلسطينية)، ومجلس
تشريعي منتخب، في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات
تؤدي إلى تسوية دائمة تقوم على أساس قرارات مجلس الأمن".
وقد شبّه النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي
د.حسن خريشة، الظروف التي تجري فيها السلطة في رام الله المفاوضات الحالية مع
("إسرائيل")، بالظروف التي وقع فيها عرفات على "أوسلو"، إذ يقول
لـ"فلسطين": "ما أشبه اليوم بالأمس، أوسلو تمت في ظروف انحطاط عربي
ووضع داخلي سيئ، واليوم يتم تكرار نفس التجربة".
بل إن خريشة يصف في تصريحاتٍ
لـ"فلسطين"، هذه الاتفاقية بـ"نكبة من نكبات الشعب الفلسطيني التي
أدت إلى تقسيمه لمؤيد ومعارض، وفتحت الباب أمام الاستيطان، وتحكم الولايات المتحدة
والدول العربية التي تسير في ركبها بالقرار الفلسطيني من خلال أموال المانحين
السياسية الهادفة لشراء المواقف".
واللافت أيضًا اعتباره أن "المفاوضين لا
يمثلون أحدًا، لاسيما أن الفصائل في إطار منظمة التحرير والأمناء العامين للفصائل
رفضوا المفاوضات، ما يفتح الباب أمام الناس لإدراك حقيقة أن القيادة الفلسطينية
مارست الإفساد بحق الشعب".
ويقول: "إن انقطاع الدعم العربي والأوضاع
المتردية ومخاوف عرفات من بروز قيادات فلسطينية جديدة دفعته إلى الدخول في هذا
النهج، وبالتالي سارع إلى توقيع الاتفاقية من وراء ظهر المفاوض الفلسطيني في مدريد
(حيث جرت مفاوضات فلسطينية "إسرائيلية" سنة 1991)".
"هي أول ثورة تحط سلاحها تحت الاحتلال الذي كان
يبحث طرق إدارة السكان لأنفسهم بأنفسهم، إلى جانب أن هذا ساعد الاحتلال على
التصوير للعالم بأنه يلتقي بالفلسطينيين وأنه لا يوجد صراع"، وفق خريشة.
غير أن الاحتلال الذي يستغل اتفاقية أوسلو لتحقيق
أهدافه الإستراتيجية في فلسطين، يتنصل منها، ولا يمتثل لشروطها، في حين يواصل الاستيطان،
وتهويد القدس المحتلة, والسيطرة على الأراضي الفلسطينية.
وهنا يتابع خريشة "بأن المفاوضات حتى اللحظة
لم تحقق شيئًا يذكر إلا مزيدًا من الاستيطان والتهويد وإضاعة الحقوق، وخدمة الهدف "الإسرائيلي"،
وتشكل غطاءً لشن المزيد من العدوان على الدول العربية".
ويوضح: "عباس اعتمد على وعود الإدارة
الأمريكية غير المكتوبة، وخضع لسياسة العصا والجزرة "الإسرائيلية"،
بطريقة ما يسمى بالسلام الاقتصادي، فالأول لا يهمه رضا الشعب ولا الفصائل".
هذا عدا عن أن أحد بنود "أوسلو"
المتمثلة بإجراء الانتخابات في الضفة والقطاع، لم تحترم ("إسرائيل") نتائجها سنة
2006 لما جاءت بمَن لا يؤيد الولايات المتحدة (حركة المقاومة الإسلامية حماس) حتى
تم فرض الحصار المالي والاقتصادي والعزل السياسي على الشعب، وفقًا لخريشة.
ويقول النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي:
"إن الانتفاضة الأولى حققت إنجازات كبيرة ووحدت شعبنا خلف تيار المقاومة،
وكانت البديل الفاعل لاتفاقية أوسلو، لكن ما حدث هو أنه تم استغلال الانتفاضة لعقد
الاتفاقية".
أما في هذه المرحلة؛ لا تملك السلطة التحلل من
"أوسلو"؛ لأنها لا تمتلك قرارها، والحل هو الانتفاض على الواقع وتوحيد
الصفوف ورفض السلطة للأموال المرتبطة بالمواقف السياسية، و"دمقرطة الحياة
السياسية للتنظيمات الفلسطينية، لتكون العلاقة مع الاحتلال علاقة تصادم".
"الخيانة العظمى"
"فلسطين" طلبت أيضًا من عضو الطواقم الفنية
للمفاوضات في الانسحاب "الإسرائيلي" أحادي الجانب من قطاع غزة عام 2004،
م. محيي الدين الفرا، قراءة الواقع الفلسطيني بعد 20 عامًا على توقيع الاتفاقية؛
فقال: "إن الاحتلال يسيطر جغرافيًّا الآن على ما يزيد من 60% من الضفة
الغربية".
يتابع الفرا بـ"أن الاحتلال يسيطر أمنيًّا
على ما يزيد على 82% من مساحة الضفة الغربية، ويقطع أوصالها لأكثر من 11 تجمعًا،
وداخل كل تجمع أكثر من 20 حاجزا أمنيا، والتنقل بين قرى ومدن الضفة يعتبر عملية
شاقة جدًا، وجميع سكانها وسكان غزة محرومون من الوصول إلى القدس".
كما أن الاحتلال يحرم جميع أحياء شرقي القدس مثل
أبو ديس والعيساوية وشعفاط من الوصول إلى المسجد الأقصى- والكلام لا يزال للفرا-
ويتعامل مع الأراضي المحتلة غرب جدار الفصل العنصري في الضفة على أنها "أملاك
غائبين"، لا يستطيع الفلسطينيون الوصول إليها، ويرسخ الاستيطان بشكل متكامل،
ويسيطر على جميع مقدرات الشعب الفلسطيني، ولا تملك السلطة السيطرة إلا على
المقاطعة في رام الله، وبرقابة الاحتلال.
الجدير بالاهتمام، ما يذكره الفرا- وهو مدير عام
مجلس التخطيط الأعلى في وزارة الحكم المحلي حاليًّا- حول قيادة د. حيدر عبدالشافي
للوفد الفلسطيني المفاوض آنذاك، للتفاوض على أساس ما يعرف بحدود سنة 1967م، مع
الاحتفاظ بحق العودة وشرقي القدس، الأمر الذي كان يدفع "الإسرائيليين"
إلى اعتبار عبد الشافي حجر عثرة.
ومن هنا كانت "الخيانة بعد أن تم فتح قناة
خلفية أثناء المفاوضات عبر بوابة أوسلو، من خلال رئيس السلطة الحالي وأمين سر
منظمة التحرير آنذاك محمود عباس، إلى جانب المفاوض البارز أحمد قريع"، وفق
قوله.
يجزم الفرا أيضًا بأن "شريفًا أو وطنيًّا أو
مثقفًا واحدًا من أبناء الشعب الفلسطيني لم يقف إلى جانب هذه الاتفاقية بل وقف
ضدها، لأن هؤلاء يعلمون أن البلاد المقدسة لا يحررها إلا أكف مقدسة، بخلاف
اعتقادات الانتهازيين".
غير أن هذه الاتفاقية السياسية كغيرها- بحسب
الفرا- "يفرض الالتزام فيها على الضعيف من قبل القوي الذي يعتبرها فنًّا
لإدارة الصراع في علم المفاوضات فـ("إسرائيل") تتعاطى معها على هذا
الأساس لتكسب الوقت وكغطاء سياسي للهجمة الاستيطانية والاعتقالات، ولمنع اندلاع
انتفاضة فلسطينية جديدة".
ويقول: "إن الواقع في الضفة غير محتمل،
الواقع المعيشي والاجتماعي صعب، وفي ظل المفاوضات يستمر المخطط الاستيطاني ليصل
اللحظة التي يكون قد سيطر فيها على الضفة، لترحيل الفلسطينيين".
وعلى الرغم من أن أحد بنود "أوسلو"
إجراء انتخابات فلسطينية، فإن ما حدث عقب الانتخابات التشريعية سنة 2006 "كان
أن انقضت سلطة رام الله على نتائجها فيما هو أشبه بالمسرحية، لأن المطلوب من حركة
المقاومة الإسلامية حماس كان أن تدخل انتخابات شكلية تحصد فيها نسبة 25% لتدخل
القفص تحت مظلة أوسلو فحسب".
يضيف الفرا إلى ما سبق "أن اتفاقية باريس الموقعة
سنة 1994 كبلت الاقتصاد الفلسطيني وجعلت من الضفة والقطاع ثالث أكبر سوق للمنتجات "الإسرائيلية"،
غير أن الاحتلال يصدر إلينا مخلفات بضاعته".
وبناءً عليه؛ تكون اتفاقية "أوسلو"
خيانة عظمى، ومؤامرة لاستكمال تهويد الضفة المحتلة، وما تبعها من معادلات جديدة لتبادل
الأراضي ومؤامرات جدية للاعتراف بـ("يهودية إسرائيل")، وهي النكبة
الجديدة التي ستؤدي إلى ترحيل أكثر من مليون ونصف فلسطيني من أراضيهم، وفق الفرا.
أما البديل الفاعل عن "أوسلو" فكان
يتمثل في استمرار الانتفاضة الفلسطينية الأولى، فيما يحتاج التحلل من الاتفاقية
الآن إلى "القوة الكافية للقضاء على أقزام هذه الاتفاقية أولاً لأن عباس
يتآمر على الشعب الفلسطيني"، وفق قوله.
المصدر : فلسطين أون لاين
13/9/2013