البقاء في المنازل وتخزين الطعام والدواء وحصر التجول
وقطع الطرق بين المدن وتعطيل الدوام في المدارس لا تختلف كثيراً عمّا سبق، فالماضي
القريب مليء بالإجراءات ذاتها، الأمر الذي دفع العراقيين إلى تشبيه ما يعيشونه
اليوم بسنوات الحرب والحصار الاقتصادي على بلادهم.
إبراهيم
علوان (38 عاماً) يقول لـ"العربي الجديد": "أجبرنا كورونا على
البقاء في منازلنا. ليس هنالك من وجهة نخرج إليها، المتنزهات مغلقة والمحالّ
التجارية لا تفتح أبوابها إلا لساعات معدودة، والإجراءات الوقائية تزداد شدة يوماً
بعد آخر، والناس يخزنون الطعام والدواء والمستلزمات الصحية، الوضع بشكل عام يشبه
أيام الحرب، لكن المشهد ليس غريباً علينا، فقد اعتدنا ذلك منذ عقود، ربما لم يمرّ
عام دون أن تكون هناك أزمة شديدة أو حرب نعيشها بتفاصيلها كافة حتى تعود الحياة
إلى طبيعتها غير الطبيعية بالأصل".
ويضيف علوان الذي يعمل في محل لبيع الأغذية:
"الكثير من الناس يأتون إلى دكاني الصغير لتبضع المواد الغذائية، خاصة بعد
إعلان فرض حظر للتجول في بعض المحافظات، ومنها العاصمة بغداد، ومن لم يتبضع في
الأيام السابقة على أمل أن تزول أزمة كورونا في القريب العاجل، بادر إلى شراء
احتياجاته خشية فرض حظر التجول في جميع أنحاء البلاد، وبالتالي نفاد المخزون
الموجود في المنازل".
من جهتها، تقول معلمة اللغة العربية هيفاء عبد الله (52
عاماً) لـ"العربي الجديد": "نحن حبيسو المنازل مرة أخرى، لكن هذه
المرة بسبب فيروس كورونا، ويدفعني ذلك إلى تذكر كيف أجبرنا أيضاً على تعطيل الدوام
خلال الحرب عام 1990، وكيف منعنا من السفر خلال سنوات الحصار الاقتصادي، ربما باقي
سكان العالم يعيشون اليوم لأول مرة ما عشناه كعراقيين منذ أكثر من عقدين، لكن ما
مررنا به كان أصعب من كورونا وأكثر تعقيداً".
وتضيف: "علينا أيضاً الاستعداد التام لما بعد أزمة
كورونا وكيفية تعويض التلاميذ والطلبة عمّا فاتهم من دروس وبأقل الإمكانات. فكما
هو معروف في بلدنا، ليس هنالك أي آلية أو خطة حكومية ترتقي إلى مستوى الحدث مهما
كان، لذلك نعتمد على أنفسنا في تخطي الأزمة. البعض منا يُعطي دروساً مجانية
للطلبة، وخاصة الصفوف المنتهية حتى يتمكنوا من إتمام المواد الدراسية المقررة في
حال العودة إلى الدراسة، فما نعيشه اليوم هو حرب كورونا الذي أجبرنا، كما سكان
العالم، على أن نلزم منازلنا حتى إشعار آخر".
أما
أستاذ علم النفس، عدنان محمود (65 عاماً)، فيقول إن العراقيين صاروا خبراء في
إدارة الأزمة والحروب. فالشخصية العراقية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأزمات وما
مرّوا به لا يمكن أيّ شخص آخر يعيش برفاهية أن يتصوره أو يتحمله، الكثير من
الأحداث اليومية والمتغيرات السياسية والأمنية والاقتصادية وحتى الاجتماعية
والثقافية والعادات والتقاليد كلها تأثرت بالحروب وأثرت بشخصية الفرد العراقي.
كثرة القتل والموت والتعذيب والاعتقالات والإرهاب جعلت من المواطن العراقي صاحب
باع طويل بإدارة الحرب وأزماتها وتخطيها بأقل الإمكانات دون أن يربت كتفه أحد،
لذلك تجد العراقيين اليوم يتعاملون مع فيروس كورونا كما تعاملوا مع حروب وأزمات
سابقة.
ويبيّن محمود لـ"العربي الجديد" أن فيروس
كورونا ذكّر العراقيين بأسوأ أحداث عاشوها في ظل حروب متتالية أقعدتهم في منازلهم
وشلّت حركة الحياة وأجبرتهم على التسوق وأخذ الاحتياطات اللازمة، لذلك أصبحت لديهم
الخبرة الكبيرة في كيفية التعامل مع أي أزمة جديدة، حتى إنهم غير آبهين إن كان
مصيرهم الموت، فهم متهيئون لأسوأ الاحتمالات، وليس بأيديهم فعل شيء غير التزود
بالمؤن والمستلزمات الطبية التي تساعدهم على تحمل الأزمة وعدم الخروج من المنازل
وربما لديهم تفاؤل كبير بخروجهم من هذا الفيروس بأقل الخسائر البشرية.
يذكر
أن السلطات العراقية قررت أمس الأحد فرض حظر تجول في العاصمة بغداد، خوفاً من تفشي
فيروس كورونا في البلاد، وذلك لمدة أسبوع، وسيُفرَض اعتباراً من يوم الثلاثاء 17
مارس/ آذار الجاري وحتى يوم 24 من الشهر ذاته.
العربي الجديد
21/7/1441
16/3/2020