بسم الله الرحمن الرحيم
جرت العادة في هذا العصر ان تحتفل البشرية في أيام محددة أسمتها أعياد كما يسمى عيد الام وعيد الشجرة وعيد الحب وغيرها ورغم ان مثل هذه الامور لا تخصص في يوم واحد لانه اذا كان هناك يوم للحب فهل بقية الايام للكره وهل نحب الام والاب يوما ونحترمهم ونقدرهم ونتخلى عنهم بقية الايام ومع ذلك وجدنا انه من المناسب أن نتكلم في كل حين عن الأم المجاهدة الصابرة المؤمنة الطيبة الأم الفلسطينية ، فقد خرجت الأم الفلسطينية من بلادها وهي طفلة رضيعة أو في بداية شبابها مع أهلها وذويهامشردة بائسة بعد ان كانت تنعم بالعز في بلدها فلسطين وفي قراها الجميلة وبعد ان كانت تلعب على المروج وبين الزهور في بلدها فلسطين وتقطف من ثمار فلسطين كالتين والصبار والخروب والزعرور والبرتقال وغيرها ، وجدت نفسها خارج كل هذا مشردة تعيش في خيمة صغيرة او غرفة ضيقة مع اهلها المكسورين المهزومين نفسيا وجسديا وماديا ووجدت نفسها خارج رغبتها في الحياة الكريمة العزيزة همها الاكبر هي واهلها ادامة الحياة او البدء في حياة جديدة وما ان اكتسى جسدها ببعض اللحم حتى شرع اهلها في زواجها ليتخلص الاب من حمل ابنته وحاجتها الانسانية وليستر عليها في ظل الوضع الصعب والسيء الذي كانوا فيه لينقلها من هم الى هم اكبر الى هم الزوج الفقير المكسور المشرد الذي لايقل حاله سوءا عن حال بقية الفلسطينين الذي لم يوفر لزوجته الاغرفة صغيرة واثاث وهو ليس بالاثاث فصندوق حديدي للملابس ومشربية للماء وببور للطبخ وفرشة وبعض الانية القليلة ومع ذلك ترضى الام الفلسطينية وتنطلق هي وزوجها لتكوين عوائل قد يبلغ عددها اكثر من 8 او 9 او 10 او اكثر ليعيشوا جميعا في غرفة واحدة غير صالحة للحياة الادمية شرعا وانسانيا حتى اننا نجد في كثير من الاحيان المرأة الفلسطينية تتنازل عن حقها كزوجة خوفا من أن تصبح هي وزوجها حديث يتندر به اهل المخيم او المجمع بشكل يخدش الحياء من كثر تلاصق وتجاور الخيم او الغرف بعضها ببعض ، وليس هذا فقط فطبيعة السكن الضيق والمتلاصق كان يؤدي في كثير من الاحيان الى مشاجرات ومهاترات بين اهل المخيم مما تضطر المراة في كثير من الاحيان الى الاشتباك مع جيرانها دفاعا عن ابنائها لان الرجل يكون دائما خارج البيت للعمل ، ولم تكتفي الام الفلسطنية بذلك بل كانت في كثير من الاحيان تساعد زوجها في العمل لتوفير مصدر للدخل وسبل العيش لعائلتها وفي كثير من الأحيان تضطر لان تبيع ما تملكه من مصاغ قليل لتشتري لاطفالها بعض الطعام ورغم كل هذه الظروف الصعبة نجحت الام الفلسطنية في ان تنشأ أحسن جيل في تاريخ فلسطين الحديث بعد النكبة جيل القادة والأطباء والمهندسين والكفاءات والمثقفين جيل الفدائين الذين سطروا اروع الملاحم في الصراع ضد العدو الصهيوني وغيره من اعداء الشعب الفلسطيني ورغم كل المعاناة والألم التي عاشتها فانها كانت تشجع ابناءها على الانخراط في العمل الفدائي لتحرير بلادهم وعندما كان ياتيها ابنها شهيدا بإذن الله او جريحا كانت تقابله بالصبر والفرح و"الزغاريد" وفي كثير من الاحيان تخرج بنفسها لقتال العدو أو رميا بالحجارة او ما تيسر لها ، عانت الأم الفلسطنية في طفولتها من العصابات الصهيونية المجرمة عند النكبة وقبلها وعانت من اللجوء وما تبعه من ضيق الحياة وفقرها والذل الذي كان يحيط بالفلسطيني من اخوتهم في العروبة الذين لم يكونوا اقل ايذاء في أحيان كثيرة من الصهاينة وفي آخر أيامها ترى ابناءها واحفادها يقتلون ويشردون على يدي اخوانا كانت تعتبرهم سندا وعونا لتموت في كثير من الأحيان وابناءها واحفادها التي ضاقت الامرين لتربيتهم دون ان يحضروا جنازتها بل وليقتل ابناءها واحفادها امام اعينها هذه جدتك ايها الشاب الفلسطيني هذه جدتكي ايتها الفتاة الفلسطينية انها المثل الأعلى في التضحية والصبر والعطاء والإيثار فلتكن لنا نبراسا نهتدي به في درب الصراع الطويل الدامي مع اعداء الشعب الفلسطيني ، ايه يا أمي وياجدتي ويا عمتي ويا خالتي ايه يا جبال الصبر كم تحملتي من ألم ومعاناة وما أعطيناك حقك ، رحم الله من توفت منكن وجزاها الله جنة الفردوس بإذنه تعالى وأطال الله في عمر من بقي منكن ، (انكن والله المثل الأعلى درة تاج الجهاد الفلسطيني) .
أهدي هذا المقال لأمي رحمها الله تعالى ولكل أم فلسطينية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
بقلم : محمد خيري عثمان الماضي
25/2/2012
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"