سلسلة: حيفا وأسرار سقوطها ج14" النزوح القسري والإجباري.. "- رشيد جبر الأسعد

بواسطة قراءة 5541
سلسلة: حيفا وأسرار سقوطها ج14" النزوح القسري والإجباري.. "- رشيد جبر الأسعد
سلسلة: حيفا وأسرار سقوطها ج14" النزوح القسري والإجباري.. "- رشيد جبر الأسعد

ج14: النزوح القسري والإجباري..

مؤرخ بريطاني :

مغادرة أبناء فلسطين لوطنهم تحت وطأة القتل و الحرب و الدمار مسألة طبيعية كما هربت الملايين من الشعوب الأوربية بالأمس القريب ..

رحلة الآلام و العذاب لأهل فلسطين كما ذاقها و تحملها من قبل السيد عيسى المسيح بن مريم عليه السلام :

غدر .. ظلم .. جحود .. تحملها أهل التوحيد ..

لسان حال واقع شعب فلسطين وبلاده المدمرة :

كان لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس ، ولم يسمر بمكة سامر

تشرد أهل قرى الساحل الفلسطيني،منها قرى جبع الطيرة عين غزال كفر لام الطنطورة  المزار أجزم .. وغيرها، هاجروا في وهج حرارة الصيف، في شهر رمضان المبارك 1367 هــ ، منهم الصائم ومنهم المفطر ، ولم يتمكنوا حمل أي من المتاع لعدم أستطاعتهم ، ولكثافة النيران الصهيونية المستمرة في كل مكان ، بل واجه هؤلاء النازحون المهاجرون اللاجئون الى أهلهم وأشقائهم .. وهم يكابدون شدة المعاناة ..جابهوا معاناة الأرهاب الصهيوني وأرتكاب المجازر وأعمال القتل في كل مكان .. وأطلاق الرصاص العشوائي المستمر .. ومعاناة السير فوق الصخور والأشواك ..واصلوا ليلهم بنهارهم متوجهين ألى قرى عارة ،وعارة وعرعرة .. ومن هناك واصلوا رحلة  الآلام العذاب حتى وصلوا إلى اللجون ويعبد وجنين وهي مدينة عربية فلسطينية أصيلة . كادت العصابات الصهيونية أن تحتلها ..لو لا صمود الجيش العراقي الذي منعهم من ذلك ، وهي غير مشمولة بقرار مؤامرة التقسيم الدولية الجائرة الباطلة ..

  أستقبل قادة الجيش العراقي ومنهم عمر علي وخليل سعيد ومحمود شيت خطاب وغيرهم وأهالي جنين الكرام ، استقبلوا جموع المهاجرين ومعظمهم من قرى جبع وعين غزال أجزم وسكان بعض القرى ، وصلوا وهم في منتهى الإعياء والجهد والإرهاق المضني . تعب .. رعب .. جوع .. عطش .. قلق .. الأخ يبحث عن آخاه والزوج يبحث عن زوجته و الأم تبحث عن أولادها وأطفالها .. حالة هرج ومرج و "ضياع" .. ومآساة مهولة حلت بهذا الشعب الكريم الأصيل " وأنتاب الكثيرين الحيرة والذهول لهول ما حدث لهم " وكأنهم في حلم ، لم يصدقوا أنفسهم .. ما حل بهم .. مصيرهم مجهول ، هل هذا واقع ومعقول وبين بين ليلة وضحاها أصبحوا خارج قراهم وبيوتهم .. لا ملابس .. لا غطاء .. لا طعام .. لا ماء ..لا دواء ..  لا مأوى .. ونحن- كما يقول حلفاء الصهيونية – نعيش في قرن المدنية والتحضر ..

 ألا تبت لتلك  المدنية والتحضر  التي تدوس أدمية الأنسان وتقتل كبرياؤه ، وتغتال مستقبله ، وتصادر كرامته ،  ثم تشوه سمعته .. وتطرده من بيته ومزرعته وأرضه .. وتدفع به نحو المجهول ..

أي مدنية هذه ..!!؟؟  و أي قيم و معايير أخلاقية ....؟؟

 أنها شريعة الوحوش والغاب التي يأكل فيها القوي الضعيف والتي تداس فيها القيم والمعايير الأخلاقية و الإنسانية .. ، وفكر أحرار فلسطين ، وأيقنوا أنهم قد يضيعون في مهب الريح ولا يسأل عنهم أحد مثل ما حدث للهنود الحمر في الولايات المتحدة .. فكان لابد من التمسك بالهوية ، هوية الإنسان الفلسطيني المسلم ومعه العربي  الغيور .. والعودة إلى لله سبحانه وتعالى والعمل بالكتاب والسنة ، تجعل لنا كياناً وموقعاً وقوةً وهيبةً ومكانة ً  .. ومعنا كل العرب ، وكل المسلمين ، وكل الأحرار الشرفاء في العالم .. ويوم ذاك نعرف موقعنا من خريطة العالم .. وعرف العالم هويتنا .. ويومها يحقق الإنسان الفلسطيني غايته حينما يرى وطنه كما قال الشاعر أبراهيم طوقان حينما يراه سالما ً غانما ً.. مكرما ً .. عزيزا ً شامخا ً .. ويرى البلاد العربية والإسلامية كلها وطنه ..  وفلسطين العربية المسلمة جزء من هذا الوطن الكبير الذي ترفرف عليه راية ومصطلح ( لا آله إلا الله محمد رسول الله )..

النزوح الفلسطيني القسري والإجباري..

  وحول النزوح القسري والاضطراري والإجباري الجماعي الفلسطيني. فلاهل فلسطين العذر في ذلك،وهذه مسألة طبيعية في المجتمع المدني الأعزل وشعوب العالم اجمع على مدار التاريخ الإنساني.

كان بالأمس النزوح الفرنسي حينما اجتاحت جيوش الالمان تغزو فرنسا عام 1940م كانت إحدى مشكلات باريس العويصة والمهمة تناقص المواد الغذائية، وتزاحم الدور والمدارس والكنائس والشوارع بالفرنسيين النازحين اللاجئين في بلدانهم الفارين من مناطق القتال، وفي هذا الصدد او في هذا المعنى قال المؤرخ العالم البريطاني المعاصر (ارنولد توينبي) :

-عندما غزا الألمان فرنسا عام1940م هرب بضعة ملايين من شمال فرنسا لانهم كانوا في منطقة العمليات الحربية وهو نفس السبب الذي هرب منه عرب فلسطين – ولو قال الألمان لقد غزونا البلاد وكان هؤلاء الفرنسيين قد نفذوا نصيحة غير سديد فهربوا- كما يقول اليهود- وغدا لنا حقاً شرعي في ممتلكاتهم لكان جوابنا انه كلام سخيف .[1]

 وفي صفعة وجهها المؤرخ الأوربي إلى وجه السفير الصهيوني في كندا في فترة الستينيات في القرن الماضي قال توينبي:-

 ( بعد مذبحة دير ياسين التي أبيد فيها الجنسان من جميع الأعمار في القرية العربية الواقعة غربي القدس على أيدي قوت صهيونية مسلحة كان أفراد عصابات الهاغاناه يسيرون في سيارة مجهزة بمكبرات الصوت وينادون باللغة العربية:

- أيها العرب نحن فعلنا ذلك في سكان هذه القرية فإذا لم تشاؤا أن نفعل بكم مثلهم فأخرجوا من هذه الديار، وحينئذ كان على جميع الواقعين ضمن هذه القرية عن حكمة منهم أو لأنهم  في خطر الموت ان يخرجوا ..في تلك الحال.[2]

لازلت أحدث – القارئ العزيز- عن مأساة فلسطين العزيزة ،وشعبها الأبي وهجرة القرى عين حوض وعين غزال الطنطورة الطيرة كفرلام جبع الطيرة أجزم .. بل كل القرى ومدن الوطن الفلسطيني الذين رحلوا بسبب الجرائم والمجازر الجماعية الصهيونية وتهديد الباقين بالسلاح .. وأن سبب هجرة أهالي فلسطين  هي تلك الأسباب المعروفة والمتفق عليها للشعوب وكل البشر .. والتي طوعت عديدهم على النزوح والهجرة هربا من الرعب والموت والدمار ، في مختلف الأوطان ، كانت أهون من أسباب هجرة شعب فلسطين ، ذلك أن تلك الجيوش الأوربية المتطاحنة في معارك (الفلاندر) و (دنكرك) وبلجيكا وغيرها من المعارك العديدة المشهورة الكبيرة .

والتي خلفت هجرة كبرى من جميع مناطق أوربا حتى أسس لها الحلفاء منظمة دولية أوربية خاصة للأغاثة وترعى جموع النازحين الهاربين اللاجئيين  الأوربيين ، وتعيدهم بعد الحرب الى قراهم ومنازلهم ، مع العلم أن هذه الجيوش لم تفعل من الجرائم والمجازر الوحشية مثل ما فعلته عصابات الصهاينة المسلحة ، مع العلم هذه الجيوش الأوربية لم تكن تبيد المدنيين وتقتل النساء والأطفال والشيوخ وتمثل بهم ، ولم تكن تهدم المساكن على سكانها ، ولم تقتل عشوائيآ ، ولم تكن ترغم الأفراد الأحياء قبل قتلهم على دوس جثث أهلهم وأحبائهم الموتى القتلى دوسهم بالأقدام ، لم تكن هذه الجيوش الأوربية تمثل بقتلى المعارك ولا ترمي بالرجال والنساء من شرفات العمارات و مع انعدام مثل هذه الأعمال المرهبة المرعبة المغرقة في الوحشية  مع انعدام مثل هذه الأعمال من القوات الأوربية و مع هذا فقد فزعت و فرت جموع المدنيين الأوربيين كالثور الهائج أو الغاضب من مواطن أوربية عديدة في أوربا أمام جحافل الغزاة ومناظر الحرب .[3]

كذلك الجنرال البريطاني كلوب باشا أعترف أن اللأجئين العرب أبناء فلسطين لم يرحلوا بمحض أرادتهم و إنما رغما عنهم ، قال:  ليس حقاً أن اللاجئين العرب رحلوا بمحض أرادتهم كما أقنعت الدعاية الأوربية العالم بذلك في البداية. فمن يهاجرون بمحض أرادتهم لا يتركون ديارهم وهم لا يحملون إلا ملابسهم على ظهورهم والذين يقررون التوجه للإقامة في مكان آخر لا يرحلون بهذه السرعة بحيث ينفصل أفراد العائلة الواحدة فيفقد الزوج زوجته أو يفقد الآباء أبناءهم وأنما  الواقع هو أن الغالبية (نزحت) لأنها وجدت نفسها فريسة للرعب والإرهاب. وكانت المذابح التي تحدث من آن لآخر سببآ في طردهم الى أماكن أبعد وأبعد وليس ذلك لأنه قد راح ضحية لهذه المذابح أعداد كبيرة من الناس في آن واحد وإنما لأن – عددهم كان كافيا لدفع الآخرين على الاستمرار في النجاة بأنفسهم ..[4]

 أن القول أو الادعاء بأن أبناء فلسطين قد هاجروا بمحض أرادتهم، أو هاجروا استجابة لنداء الحاج أمين الحسيني أو الهيئة العربية العليا لفلسطين واستجابة لنداء الحكام والقادة العرب ..! ما هي إلا سلسلة من الأكاذيب الصهيونية، والتزوير الصهيوني المكشوف المفضوح : ( راجع الوثائق في نهاية الكتاب )

وقد كشف تزويرهم وكذبهم أحد الكتـّاب الأيرلنديين وغيره ..   

  ففي عام 1958 حل الكاتب الايرلندي ارسكين تشايلدرز ضيفا – على وزارة الخارجية الصهيونية ، وباهتمامه الشديد بالتاريخ ، طلب من الصهاينة أعطاءه الوثائق الخاصة (بدعوة الفلسطينيين لترك منازلهم ) التي يزعمون أن الزعماء العرب  قد أصدروها 1948 ، فقالوا له أنها وجهت عن طريق الإذاعات .  ثم طلب منهم أسماء الإذاعات التي وجهت هذه الدعوات  وتفاصيل الإذاعات ونصوصها. فأجابوه نعم ، كل ذلك متوفر وسيقدمون له المعلومات اللازمة. ولكنهم لم يقدموا له شيئا ً .سجلت الإذاعة البريطانية  كل البث الإذاعي في الشرق الأوسط منذ عام 1948 .

وبعد أن مل الانتظار بدأ يتحرى سجلات المتحف البريطاني بنفسه، ولكنه لم يجد أية دعوة أو اقتراح بذلك من الجانب العربي بأن يترك الفلسطينيون بيوتهم ، بل على العكس وجد الدعوات الملحة للبقاء ، وحتى الأوامر القاضية بألا يغادروا تحت أية ظروف كما وجد تحذيرات صريحة ضد العملاء اليهود الذين حاولوا بث الذعر ، وذكرت الإذاعات العبرية  من الجانب اليهودي أيضآ التحذيرات العربية الى السكان للبقاء حيث هم ، كما فعلت الصحف الصهيونية الشيء نفسه..

وقد عبر الكاتب اليهودي ( وليم زكرمان ) عن تشاؤمه من التزوير و الكذب الصهيوني في إظهار الحقيقة لان الصهاينة يسيطرون و يهيمنون على الكثير من وسائل الإعلام في أوربا فقد قال في عام 1958م :

إن قوة الدعاية الحديثة البشعة الرهيبة في استلاب عقول الناس و التلاعب بعواطفهم و تحويلهم إلى حيوانات هي في رأيي لا تتضح في أي مجال أكثر من الدعاية الصهيونية عن اللاجئين العرب السائدة في السنوات العشرة الماضية . لقد نجحت هذه الدعاية بكل معنى الكلمة في تحويل الأبيض إلى اسود  و الأكاذيب إلى حقائق و الظلم الاجتماعي الخطير إلى عدالة يستحسنوها الآلاف . هذه الدعاية حولت الرجال القادرين المتوسطي الذكاء إلى مغفلين و حمقى يصدقون كل ما يسمعون . و حولت الرجال و النساء الودودين الوادعين المتصفين بإحساس الشفقة غالى متعصبين متزمتين دون التعاطف مع أي إنسان غير أبناء جلدتهم . [5]

قالت الشاعرة أسماء طوبي في قصيدة 15 أيار :

أيار .. يا شهر المــذلة                   و الخيانة و الســـواد

أيار .. يا شهر القــوافـل                  نازحات في حـــــداد

أيار .. لا اهلا ً .. و لكن                 لا .. فكرهك زادنـــا

إنا مزجنا كـره أيار                        بكـل    حيــاتنـــــــــا

أيار مهلا ً لا مفـر                        ففي غد يروي الرواة

و في غد تحكى حكايات                   البطولة في حمـــانا

يا موطنا ً ما زال أشواقا                  تزغرد في دمــــــائنا

سنعود .. لكــن لا بحب                   مسيحنا .. بل سيف احمد

سنعود يا أيار لا تنسى                   و إن العـــــود احمـــــــــد

 

رشيد جبر الأسعد

كاتب فلسطيني

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"



[1] ارنولد توينبي : فلسطين جريمة و دفاع ص (108) .

[2] ارنولد توينبي : : فلسطين جريمة و دفاع ص (107) .

 

[3] صالح أبو يصير ( وزير و مجاهد و شهيد ليبي ) : جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن ، صفحة : (430) .

[4] من تصريح للجنرال البريطاني كلوب باشا قائد الفيلق العربي الأردني في حرب فلسطين 1948 في كتابه ( جندي بين العرب )، صفحة (98).

 

[5] ارنولد توينبي : فلسطين جريمة و دفاع ، صفحة (122).