زيارة الوفد الفلسطيني للعراق " الرجوب " .. ما له وما عليه ؟!!!

بواسطة قراءة 7653
زيارة الوفد الفلسطيني للعراق " الرجوب " .. ما له وما عليه ؟!!!
زيارة الوفد الفلسطيني للعراق " الرجوب " .. ما له وما عليه ؟!!!

نادت وناشدت به كثيرا شخصيات ووجهاء من أبناء فلسطين في العراق بعد أن استشرت عمليات الإجرام الهمجي بحقهم لا سيما في الأشهر الأخيرة من عام 2006 وبصمت وسكوت مخزي للحكومة العراقية .

 

إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن وظهرت الخبايا وانكشفت الخفايا وتبين فيما يبدو أن هذه الزيارة عبارة عن لقاءات برتوكولية طغت عليها المجاملات والمداهنات وعدم الوقوف على حقائق الأشياء ، وانقلبت لتصبح تطمينات للحكومة العراقية - المتورطة بدماء عدد من الفلسطينيين - بدلا من كونها للجالية الفلسطينية التي ذاقت مرارة العيش وذل ومهانة اللجوء وفقدان أدنى مقومات الحياة في عراق الديمقراطية !!!!.

 

إن مثل هذا القدوم المهم بطبيعة الحال وهذه الفرصة التاريخية في ظل تصاعد حدة استهداف واستئصال الوجود الفلسطيني في العراق ينبغي أن يستثمر ويغتنم بشكل عملي وجدي وميداني لصالح الفلسطيني المستضعف المثقل بالنكبات والمحن ، من خلال وضع خطة آنية ومستعجلة إما لإيجاد حل جذري وشامل لإنهاء تلك المعاناة بالكلية أو على الأقل إعطاء تطمينات حقيقية – لا يشترط إذاعتها عبر وسائل الإعلام – بقرب الوصول لحلول مرضية على المدى المتوسط مثلا ، وهذا لا يتأتى بالأسلوب والطريقة التي طرحت فيها المشكلة خلال زيارة الوفد !!!.

 

فيما يظهر أن الوفد جاء لحل مشكلة حقيقية ومعضلة شائكة وقضية معقدة اسمها " الفلسطينيون في العراق " لذلك يفترض أن يراعي شعورهم ومدى ومظلوميتهم واستخراج ومعالجة همومهم من داخلهم وجعلها الأصل والمنطلق لأي حل لأنه " ما حك جلدك إلا ظفرك " فهم أصحاب المعاناة والقضية وعلى دراية ومعرفة فيما ينفعهم ويضرهم ، بعيدا عن دغدغة العواطف والتصريحات من فوق برج عاجي وحقن الناس بأبر مخدر وإسفين الكلام المعسول بعيدا عن وضع حد فعلي لتشرذمهم .

 

التقى الوفد في المنطقة الخضراء يوم السبت الموافق 10/2/2007 مع ممثلين عن الفصائل المتواجدين في مجمع البلديات وبعض النساء الفلسطينيات وبحضور القائم بأعمال السفارة لمداولة تطورات الأوضاع والتحاور معهم لإيجاد سبل لحل الإشكاليات العالقة ، وتركز الكلام حول محورين أساسيين ، الأول : مساعي الرجوب ومن معه مع الحكومة العراقية لتوفير الحماية للفلسطينيين في العراق ، وقد بشرهم بأن الحكومة العراقية ولأول مرة مجتمعة على هذا الأمر – يبدو فيما مضى كانوا مختلفين على حماية الفلسطينيين – المحور الثاني : التباحث معهم لتسهيل إجراءات الإقامة وإصدار الهوية ووثائق السفر !! وكأن مشاكل الفلسطينيين في العراق التي أصبح القاصي والداني يعرفها اختزلت بموضوع الحماية وتسهيل بعض الإجراءات القانونية ؟! والحقيقة أن هذه مغالطات كبيرة وقصور واضح في تشخيص العلة وضعف في إدارة هذا الملف الخطير .

 

وقد صرح الرجوب بعدم إمكانية إيجاد حل جذري من خلال مغادرتهم البلاد لا غير ، بل هنالك حلول تطرح على الحكومة ، وزاد الطين بلة عندما أكد ذلك ضمن برنامج " مباشر مع " على قناة الجزيرة مباشر مساء الأحد 11/2/2007 ونقل عن بعض من التقى بهم بأنهم يرومون البقاء في العراق وقد تعايشوا هذه الفترات فيه ، هذا ما أثار حفيظة واستغراب الأوساط الشعبية عموما واستهجانها لتلك التصريحات التي لا تمثل رأي الشارع الفلسطيني الذي لا يرى حلا إلا في خروجه من العراق وضرورة فتح الدول العربية لحدودها واستيعابهم هناك ، وهذا الأمر أصبح مؤسفا ومخزيا وسيكون وصمة عار في جبين كل الحكومات العربية التي لم تقف مع محنة الفلسطينيين هذه .

  

ولابد من وقفات عابرة ومرور سريع لكن بتأمل لتلك الملابسات وما جرى فيها لوضع الأمور في نصابها :

 

1-    يجب أن يكون للوفد تصور واضح ومعايشة حقيقية لمأساة الفلسطينيين في العراق من خلال زيارة أبرز تجمعاتهم والتحدث بشكل مباشر مع الأهالي ولقاء الشخصيات المؤثرة والفعالة في المجتمع الفلسطيني بعيدا عن التسميات الرنانة والفئوية لأن الأزمة لا تتحمل ذلك ، بل هذه النداءات المقيتة وحب الظهور والتصدر فقط في المقابلات والتصريحات والوجاهة وعندما تسأل عنهم في المحن والشدائد لا تراهم ، ولابد هنا من البوح بواقعية النسيج الفلسطيني في العراق كي لا تضيع الجهود ويعيش الناس بدوامة وتختلط الأوراق وبالتالي ينعكس ذلك سلبيا على كل الحلول التي يريدها المتعايشون لتلك المحنة ، إذ في الحقيقة لا وجود فعلي على أرض الواقع ولا تأثير حقيقي لتلك الزعامات والشخصيات الفصائلية التي طالما أقحمت نفسها وتصدرت ملف الفلسطينيين في العراق - على الأقل وهو ما يعنينا - كزوبعة في فنجان وهم أفراد معدودون ولا يمثلون الحالة العامة التي قد تسيس لبعض الأجندة الفصائلية أو السياسية ضاربين عرض الحائط جراحات الفلسطينيين المستضعفين في العراق ، طبعا مع اعتزازنا وتقديرنا لبعض الشخصيات الوطنية الفلسطينية في الساحة العراقية لا لأنها تمثل توجه معين إنما تعيش واقع وهموم الناس ، وكذلك لا ننسى دور وجهود حركة حماس ومساهمتها في التخفيف عن جانب من معاناتنا وكذلك ما تقوم به حركة فتح من جهود كان آخرها التظاهر والاعتصام في غزة يوم الأحد تضامنا مع الفلسطينيين في العراق مطالبين بضرورة انتشالهم وإنقاذهم من محنتهم ، والدور الكبير والمتميز لقناة فلسطين الفضائية من خلال الحلقات الخاصة بنا ، وتصريحات وبيانات القوى والفصائل الأخرى كجبهة النضال والديمقراطية والجبهة الشعبية والجهاد وغيرهم ، لكن ما أحببنا التنويه إليه هو الواقع الفلسطيني في العراق لا غير بشكل حيادي ودقيق ومنصف بعيدا عن لغة الإقصاء والتهميش التي طالما ادعوا نقيضها وسقطوا في حبالها ، " والذي لا يرى من ثقب الغربال أعمى " .

 

2-    إن ما ذكره " الرجوب " من ضرورة سيادة عنصر الثقة في التعامل مع الحكومة في الملف الفلسطيني هذا تدحضه الوقائع والشواهد بل والمجازر المتكررة والمستمرة وما أدل على ذلك من عدم ظهور أي تصريح إيجابي رسمي من قبل أي مسؤول عراقي يخص ملابسات ما تعرض له الفلسطينيون في العراق ، بل أخذوا موقف الصمت والسكوت الذي هو علامة الرضى عن كل ما يجري من انتهاكات ، فأين عنصر الثقة ؟!.

 

3-    قول " الرجوب " لم ولن نفكر في إعادة توطينهم في غير المكان الموجودين فيه ، يعني تصريح واضح بإلغاء حق الفلسطينيين في العراق من مغادرتها إلا إلى أرضهم وهذا ما نتمناه ، لكن لماذا هذا التشدد والتعنت والتساهل في دمائنا ؛ إما إلى الوطن السليب وهذا مناله بعيد جدا على أرض الواقع وكفانا ضحكا على الذقون ، وإما الموت وانتظار المصير المجهول المحتوم في العراق ؟!!!.

 

4-    إن ما نقله " الرجوب " عمن التقاهم قولهم : نحن ولدنا هنا وتاريخنا وتراثنا والكل يحب البقاء وعدم الخروج !!!!! قد أثار فعلا حفيظة كل الفلسطينيين في العراق وقوّلَهم ما لم يقولوا وتاجر في دمائهم ولعب بمشاعرهم وأحاسيسهم ، وحصل على إثرها ردود فعل عارمة وصرخات مؤثرة مطالبين كلهم بصوت واحد " أخرجونا من جحيم العراق " وما تم ذكره إما قد قاله فعلا أولئك المجتمعين معه وهم كما قلنا لا يمثلون إلا أنفسهم وهم بمنأى عن الحالة العامة التي طالموا ينادون بها حسب ديمقراطيتهم المزعومة والآن تمارس ضد الأغلبية حالة من الإقصاء والتهميش مع أنهم من قام حقيقة بإدارة الأزمات والمحن ومعظمهم مستقلون لا ينتمون لأي توجه أو فصيل أو تنظيم ، وهذا طبعا مجانبة للصواب وحيدة عن الواقع ، ومن شأنه تعقيد الأمور وزيادة في إراقة الدماء ، ولابد إذاً من حل بداية لمن يمثل هذه الأقلية ويطرح معاناتها بعيدا عن المصالح والمكاسب الشخصية والتنظيمية ولو اضطر الأمر لإجراء استفتاء شعبي من خلال إعادة النظر في كادر السفارة الفلسطينية الذي أصبح وللأسف حجر عثرة وعائق حقيقي أمام أي منفذ ومتنفس لتلك الأقلية . وهنالك احتمال ثاني لا ثالث له ؛ وهو أن " الرجوب " قد نطق وتفوه باسم الفلسطينيين في العراق ما لم يريدوه ويرتضوه لهم ناسيا ذلك لمن التقاهم ، وعلى أسوأ الأحوال الكلمة خرجت كسبق لسان أو زلة واستعجال فعليه وعلى كل القيادة الفلسطينية أن يتعاملوا فيما يستقبل مع القضية بجدية مراعين للأحوال المأساوية التي يمر بها عموم الفلسطينيين في العراق .

 

5-    مما جاء في البرنامج كذلك على لسان " الرجوب " عدم التصريح وذكر الحلول وتفاصيل ما جرى عبر وسائل الإعلام ، وقد يكون محقا في جانب من ذلك ؟! لكن لماذا لا يطمئن الناس الذين يتشوقون لكلمة طيبة وبصيص أمل أو على الأقل إرسال كلمة شفوية متوازنة تريح الجمهور المثقل بالمتاعب ، لكن حصل العكس والله المستعان .

 

6-    إن اختزال المعضلة والطامة التي حلت بالفلسطينيين في العراق بموضوع طلب الحماية وضرورة تسهيل معاملات الإقامة والأوراق الثبوتية وإصدار قوانين جديدة إيجابية للوجود الفلسطيني مع عدم التطرق لأصل الإشكال وطبيعة الاستهداف ومستقبل الوجود ؛ هذا أمر محزن ومخيب للآمال ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه وليس بمقدور الحكومة التي تديرها الميليشيات أن تحمي أنفسها فضلا عن أناس هم يعتبرونهم إرهابيون متشددون تكفيريون وهلم جرا ، لذلك ينبغي أن يعلم بأن طلب الحماية سيكون على أرض الواقع مستمر لغاية آخر فلسطيني يبقى في العراق بعد ذبحهم جميعا وسيطلبون بعدها الحماية لجثثهم المتناثرة هنا وهناك !!! وبخصوص إجراءات الإقامة والأوراق الثبوتية فهذه معضلة أخرى تضاف وليس حلا ، لأننا نقتل ونستهدف على الهوية فهم الآن سيسهلون تلك الإجراءات بمعنى الإسراع بآلية الذبح والقتل والإبادة لقرابة العشرين ألف فلسطيني ، وحقيقة الأمر ما فائدة وثيقة سفر لا تمكن صاحبها من مغادرة البلاد ودخول بلد آخر ؟؟؟!!! وما هو دور هوية ثبوتية تقود صاحبها إلى مشرحة الطب العدلي وسجون وزارة الداخلية ؟؟؟!!! وما حاجة تلك الأوراق التي تثبت فلسطينيتنا طالما أننا نذبح من أجلها ولا نتمكن من مغادرة تجمعاتنا ومزاولة أعمالنا بل ومعالجة مرضانا في المستشفيات ، ودراسة أبناءنا في المدارس والكليات و ..... و ....... و ....... وأشياء كثيرة هي أدنى مقومات الحياة ، فما الذي سنجنيه من تلك الوثائق والثبوتيات التي لا تسمن ولا تغني من جوع بل أصبحت عبئا علينا في العراق الحر الجديد ، الذي يراد أن يكون له إنموذج في حقوق الإنسان على الطريقة الأمريكية ، ثم أصبح هنالك حقد وإشباع جماهيري لطبقات وفئات واسعة من المجتمع العراقي وخصوصا بأن معظم تجمعاتنا ضمن مناطق ذات أغلبية شيعية ولا نستطيع أن نقترب منها ، كما لعبت وسائل الإعلام العراقية دورا بارزا في إذكاء نار الفتنة والتحريض على استهدافنا فكيف سيتم مواجهة كل تلك التحديات بمجرد كلمة " تأمين الحماية " وأين سيتم صرفها إلا تكررت المأساة ، ثم ما هي الضمانات على التزام الحكومة بها ؟؟!! في حين لا زالت عقلية الحقد الأعمى والدفين وثقافة الكراهية للفلسطينيين سائدة إذ بمجرد حصول تفجير ما في منطقة ويذهب ضحيتها أناس من الشيعة مباشرة يحصل رد فعل عنيف ووحشي ضد التجمعات الفلسطينية كما حصل بعد تفجير سيارة مفخخة في منطقة الكمالية حيث تعرض مجمع البلديات بتاريخ 13/12/2006 لقصف عنيف راح ضحيته سبعة شهداء واثنين وثلاثين جريحا كرد فعل على هذا التفجير ، وما حدث في شارع النضال من قبل قوات المغاوير التابعة لوزارة الداخلية واعتقال سبعة عشر رجلا وإهانتهم وإذلالهم وتعذيبهم بتاريخ 23/1/2007 كرد فعل على تفجير حدث في الباب الشرقي قبل ذلك بيوم ، والعجيب أن القائم بالأعمال الفلسطيني ذكر عبر وسائل الإعلام بأنهم قد لقوا معاملة طيبة !!!!.

 

7-    لماذا لم يطالب ويداعي " الرجوب " بحقوق الفلسطينيين المهضومة طيلة السنوات الأربع الماضية ؟؟؟!!! ولِمَ لم يحث الحكومة على فتح باب التحقيق وعمل لجان محايدة والوقوف على حقيقة ما جرى ويجري من انتهاكات لحقوق الإنسان وتعذيب واختطاف وقتل ولا حاجة لإثبات ذلك ، لأن مجرد حضور " الرجوب " إلى العراق دليل على ذلك ، والشواهد والوثائق أصبحت غير خافية على الجميع ، ثم لماذا لم يطالب بتعويض ذوي الضحايا والمتضررين من أفعال الميليشيات عما لحقهم من نكبات ؟؟؟!!! ولم يتطرق لملفات المعتقلين في سجون وزارة الداخلية والمعتقلات الأمريكية ، ولابد من التذكير بوجود ثلاثة أشقاء من أصل خمسة تم اعتقالهم من قبل لواء الذيب بتاريخ 4/6/2005 وقد ساموهم سوء العذاب وهم الآن بحالة سيئة جدا ولا يعلم مصيرهم ، وهنالك مآسي وملفات كثيرة لابد من طرحها ، لكن من يقوم بذلك أليس ؟؟؟!!!! إذا لم تستغل مثل هذه الفرصة فمتى تستثمر ؟!

 

وعليه فيجب تقييم أداء وسلوك كل الجهات الرسمية والشعبية التي تتصدر لذلك الملف الشائك والأخذ بنظر الاعتبار كل ما ذكرناه والتعامل بواقعية وجدية مراعين ما يصلح المتعايشين في تلك المحنة ، وأن يغردوا خارج السرب ، وأن لا يزاودوا على جراحاتنا التي لا زالت تسيل ، وهذا الكلام موجه للجميع من منظمات وأحزاب وفصائل ومؤسسات ومسؤولين ومستقلين ممن لهم باع في تلك القضية ، ( فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) .

  

الكاتب : عبد الرحيم النبهاني

 [email protected]