السيرة الذاتية :
ولد الطفل بكر صدقي لعائلة كردية في قرية عسكر القريبة من كركوك سنة 1890م بحسب السجلات العثمانية, او في سنة 1886م بحسب السجلات العراقية, ويُقال ايضاَ بانه ولد في بغداد وانه لم يكن يفصح عن تاريخ ومكان ولادته الحقيقي لضرورات امنية وسياسية انذاك .
انضمَ الشاب بكر صدقي الى الجيش العثماني في وقت مُبكر من حياته, وتخرجَ من المدرسة الحربية في اسطنبول برتبة ملازم ثان. دخلَ كلية الأركان في اسطنبول خِلال حرب البلقان في جنوب شرق أوروبا وتخرج منها سنة 1915م .
ونتيجةً لانكسار الجيش العثماني, انضمَ الى جيش الملك فيصل في سوريا وعملَ في حلب مع عدد من الضباط الأخرين .
خِلال السنوات 1919-1920م, شغلَ بكر صدقي منصب ضابط مخابرات في القوات العسكرية البريطانية. وبعد سقوط مملكة فيصل في سوريا, أوصت هيئة الاركان العامة البريطانية بترقيته الى رتبة ضابط في الجيش العراقي الحديث سنة 1921م .
تدرجَ بكر صدقي في مُرتباته العسكرية بعد دراسته في المدرسة العسكرية العراقية, ونالَ منها رتبة العقيد في سنة 1928م, ورتبة العميد في سنة 1933م, حتى وصلَ الى رتبة فريق ركن في عهد الملك غازي .
أحداث التمرد الأشوري في شمال العراق سنة 1933م :
مع استقلال العراق, قرر "بطريرك كنيسة المشرق مار شمعون الثالث والعشرون" المُطالبة بحكم ذاتي "للآشوريين المسيحيين" في شمال العراق وسعى لحشد الدعم البريطاني من أجل ذلك, كما عرض "البطريرك" هذه القضية إلى عصبة الأمم خلال الفترة 1931-1932م .
رفضت الحكومة العراقية انذاك هذه المطالب خشية تلقي دعوات مماثلة من قبل مجموعات عرقية ودينية أخرى. فقرر أتباع مار شمعون تقديم استقالتهم الجماعية من "اللواء الآشوري" "الذي كان تحت السيطرة البريطانية ويخدم المصالح البريطانية", والتحول إلى ميليشيا والتمركز في منطقة العمادية بشمال العراق .
من جانبه, قررَ"مالك ياقو" أحد زعماء "الآشوريين" اصطحاب عدد من الرجال المسلحين إلى سوريا في 21 يوليو تموز سنة 1933م, أملا في إقناع الحكومة الفرنسية بإقامة حكم شبه ذاتي لهم في الأراضي الخاضعة تحت سيطرتها شرقي سوريا. غير أن الفرنسيين رفضوا السماح لهم بالبقاء في سوريا وابلغوا السلطات العراقية أن حوالي 800 "آشوري" سيعبر الحدود عائدا إلى العراق من معبر ديربون في 4 اغسطس آب .
حدثت اشتباكات عنيفة بين الجيش العراقي والانفصاليين "الاشوريين", ولا يعلم بالضبط كيف بدأت الاشتباكات حيث أن كلا الطرفين يتهم الطرف الآخر بالبدء بإطلاق النار, فانسحب الجيش العراقي بعد مقتل 33 جندياً من افراده إلى بلدة ديربون الحدودية .
أظهرت الصحافة العراقية انذاك الاحداث بشكل مبالغ فيها, وانتشرت أخبار عن قيام "الآشوريين" بثورة مسلحة بدعم من بريطانيا من أجل تفكيك العراق وإعادته تحت السيطرة البريطانية مرة أخرى, فقادَ الجنرال بكر صدقي فرق من الجيش العراقي الى شمال العراق لتمشيط جبال بيخير في شمالي الموصل وبلدة سميل في دهوك من "المتشددين الانفصاليين الاشوريين" واعدامهم في كثير من الاحيان خلال الفترة بين 7-11 أغسطس اب .
شهدت مدن زاخو ودهوك عمليات قتل استهدفت "الآشوريين", ففي دهوك تم نقل "الآشوريين" بشاحنات حكومية إلى خارج المدينة حيث جرى تصفيتهم بإطلاق النار عليهم ومن ثم دهسهم بالشاحنات للتأكد من موتهم, كما حدثت عمليات سلب ونهب لممتلكات "الاشوريين" من قبل بعض الاكراد والعرب و"اليزيديين", بحسب التقارير "الاشورية" .
اسفرت هذه الأحداث المتشابكة عن مقتل نحو 600 أشوري بحسب التقارير الرسمية البريطانية او 3,000 ألاف بحسب التقارير "الاشورية", وأدى التغيير في الموقف البريطاني تجاه "الآشوريين" إلى ظهور فكرة "الخيانة البريطانية" بين بعض الآشوريين الى يومنا هذا .
أحداث التمرد الشيعي في جنوب العراق 1935-1936م :
كانت الاضطرابات شبه دائمة تقريباً في جنوب العراق منذُ سنة 1930م وتحمل في طياتها دوافع متنوعة, فتارة تكون لاسباب مالية وتارة اخرى تكون للحصول على عدد أكثر من المناصب .
وبعد تسلم الملك غازي بن شريف مكة, حُكم العراق سنة 1933م, تبددت طموحات بعض السياسيين الشيعة, فاستقالَ اثنين من الوزراء الشيعة في الحكومة العراقية بحجة عدم توفير الاموال لمنطقة الغراف شمال الناصرية وصرفها بدلاً من ذلك لتوسيع الجيش العراقي من خِلال التجنيد الالزامي .
وجد هؤلاء الساسة في بعض القبائل الشيعية ولاسيما قبائل منطقة الفرات الاوسط خير وسيلة يستغلونها للوصول الى اهدافهم وتحقيق اغراضهم السياسية وغاياتهم الشخصية فزجوا بها في اتون هذا الصراع الذي اهلك الحرث والنسل في سبيل الضغط على الحكومة والتمرد عليها .
وقد ادى ذلك الى رفع بعض القبائل الشيعية السلاح بوجه الحكومة بسبب تحريض السياسيين واغرائهم بالمال والجاه لاسقاط تلك الوزارة او اجبارها على التخلي عن الحكم او تقديم تنازلات لهم, فاندلعت الاضطرابات في يناير كانون الثاني سنة 1935م وانتشرَ التمرد في انحاء الديوانية, ورغم ذلك حققت الحكومة جزءاً من مطالبهم وعادَ الهدوء في غضون اسبوع, لكن سرعان ما عادت الاضطرابات في الديوانية والرميثة مركز المثنى وسوق الشيوخ في ذي قار وتحولت في مايو ايار الى تمرد مُسلح بعد اعتقال احد اتباع "محمد حسين آل كاشف الغطاء", عالم الدين الشيعي في النجف .
اعلنَ الجنرال بكر صدقي الاحكام العرفية ونشرَ الجيش العراقي لسحق القبائل المتمردة, وبدأ سلاح الجو العراقي بقصف القبائل المتمردة في الديوانية يوم 11 مايو ايار, كما قامَ المتمردون بقطع سكة الحديد بين الناصرية والبصرة يوم 15 مايو ايار, وبحلول اواخر مايو ايار أنهى الجنرال بكر صدقي تمرد القبائل .
في سنة 1936, عادت الاضطرابات الى منطقة الفرات الاوسط مرة اخرى, مما اسفرت عن مقتل 90 جندي من قوات الجيش العراقي واسقاط طائرتين لسلاح الجو العراقي. نشرَ الجنرال بكر صدقي الجيش العراقي في منطقة الاضطرابات واصدر احكام صارمة منها الشنق العلني للمتمردين في الساحات العامة. أودت احداث السنتين 1935-1936م الى مقتل قُرابة 510 متمرداً في الفرات الاوسط .
الأنقلاب العسكري في سنة 1936م :
استطاع الجنرال بكر صدقي إقناع رجال ذوي نفوذ داخل المؤسسة العسكرية في مقدمتهم الفريق عبداللطيف نوري قائد الفرقة الأولى والعقيد محمد علي جواد قائد القوة الجوية - الطيار الخاص للملك - للانضمام إلى فكرته وتأييد الإطاحة بحكومة الهاشمي, سارت الأمور بتكتم شديد مما منع الاستخبارات العسكرية من كشف الحركة قبل وقوعها, وجاء موعد مناورات الخريف للجيش سنة 1936م, ووجد بكر صدقي هدفه في هذه المناسبة, فقد كانت المناورات تقتضي إجرائها في منطقة جبل حمرين في ديالى بين خانقين وبغداد وكان من المفترض أن تكون الفرقة الأولى بقيادة الفريق عبداللطيف نوري في موقع الدفاع عن بغداد فيما تكون الفرقة الثانية بقيادة بكر صدقي في موقع الهجوم .
في 29 يوليو تموز سنة 1936م, سافر رئيس أركان الجيش الفريق ياسين الهاشمي شقيق رئيس الوزراء بمهمة إلى خارج العراق وأناب عنه الفريق عبداللطيف نوري مما سهل خطة الانقلاب. جرى الاتفاق على نقل الفرقة الثانية من قرتبة إلى قرغان ليلة 25-26 أكتوبر تشرين الأول, على أن يجري تسلل وحدات الفرقة ليلة 28-29 يوليو تموز إلى بعقوبة مركز ديالى المتاخمة لبغداد والتي تبعد عنها حوالي 50 كم .
في ليلة الخميس 26 أكتوبر تشرين الاول سنة 1936م, زحفت قوات الجيش إلى بعقوبة ووصلتها صباح اليوم التالي, حيث قامت بقطع خطوط الاتصال ببغداد واستولت على دوائر البريد والتلفون وعدد من المواقع الأستراتيجية في المدينة, ثم واصلت زحفها نحو بغداد في الساعة السابعة والنصف بقيادة الجنرال بكر صدقي, وفي الساعة الثامنة والنصف من صباح ذلك اليوم ظهرت في سماء بغداد طائرات حربية يقودها العقيد محمد علي جواد وألقت الالاف من المنشورات التي احتوت على البيان الأول للانقلاب .
تولى الجنرال بكر صدقي منصب رئيس أركان الجيش بدلاً من الهاشمي الذي أحيل على التقاعد, أما ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني ونوري السعيد فقد غادرا العراق على الفور بمساعدة السفارة البريطانية خوفاٌ من الجنرال بكر صدقي. أراد قائد الانقلاب بكر صدقي أن يرسل من يقوم بتصفية نوري السعيد والكيلاني والهاشمي إلا أن حكمت سليمان رفض الفكرة. في الوقت نفسه نظمت القوى الشعبية المظاهرات المؤيدة للحكومة وكان على رأس تلك المظاهرات الشاعر محمد مهدي الجواهري. سيطر بكر صدقي على البِلاد وكان هو الحاكم الفعلي الأول والأخير, ولقد رتب قوائم المرشحين لمجلس النواب ومعظمهم من المؤيدين له, وقد جرت الانتخابات في 20 فبراير شباط سنة 1937م, وجاءت النتيجة كما خطط لها سلفاً وأصبح يمتلك ظهيراً قانونياً لبقائه سيد الموقف من دون منازع .
اغتيال الجنرال بكر صدقي سنة 1937م :
قرر بكر صدقي السفر إلى تركيا لحضور المناورات العسكرية التركية المقرر القيام بها في 18 أغسطس اب سنة 1937م, وقد اتخذ الإنجليز قرارهم بتصفيته وهو في طريقه إلى تركيا. غادر بغداد في 9 أغسطس أب بالطائرة إلى نينوى شمال العراق, وكان برفقته العقيد محمد علي جواد قائد القوة الجوية, وكان من المقرر أن يغادر بالقطار ولكنه شعرَ بوجود مؤامرة ضده لذلك قرر السفر بالطائرة .
وصلَ إلى الموصل في 12 أغسطس اب, ونزلَ في دار الضيافة وقد وجد المتآمرون فرصتهم في التخلص منه, حينما انتقل إلى حديقة مطعم المطار وبينما كان جالساً مع العقيد محمد علي جواد والمقدم الطيار موسى علي يتجاذبون أطراف الحديث, تقدم نائب العريف عبدالله التلعفري نحوهم ليقدم لهم المرطبات وكان يخبئ مسدساً تحت ملابسه, ولما وصل قرب الجنرال بكر صدقي أخرج مسدسه وصوبه نحو رأسه وأطلق النار عليه فقتل في الحال, ثم أقدم على إطلاق النار على قائد القوة الجوية وقتله هو آلآخر. ألقي القبض على القاتل وفي التحقيق الأولي اعترف بأن الذي جاء به لتنفيذ الجريمة هو الضابط محمود هندي الذي اختفى بعد الحادث .
إيهاب سليم
15/8/2012
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة
النشر بشرط ذكر المصدر"