وعلى الرغم من انخفاض سقف
التوقعات بدخول المخيمات الفلسطينية في سوريا في أتون الأحداث الدامية هناك عند
بداية الأزمة ، لأن الفلسطينيين من البداية أعلنوا النأي بأنفسهم عن الأحداث، إلا
أن المحظور حصل حقيقة ودخلت تلك المخيمات بطريقة أو بأخرى في أتون هذه الأحداث ،
لتفتح محرقة سوريا الباب واسعا لموجة نزوح شديد المرارة هي السادسة التي يفرضها
التاريخ والجغرافيا على الفلسطينيين الذين يبدو أن النزوح بات قدرهم .
وفيما أسهمت المجازر التي يتعرض
لها السوريون والتي أدت إلى موجات لجوء إلى دول الجوار في إبعاد الشأن الفلسطيني
عن المشهد الدموي إعلاميا ، بات من العسير رسم صورة تقريبية واضحة لحقيقة ما يجري
للفلسطينيين المقيمين بسوريا ، بالإضافة وجود حالة من الضبابية تغلف تلك القضية
بسبب تضخيم أو تقزيم ما يجري .
ومع اهتمام كافة وسائل الإعلام
العربية والدولية بأخبار الدم والنار السورية ، كل بحسب أجندته السياسية ، بقي الإعلام
بما فيه الإعلام الفلسطيني عاجزا عن زيادة درجة التعاطف الإنساني مع قضية
الفلسطينيين في سوريا الذين وقعوا بين مطرقة البقاء فى مخيمات باتت ساحة حرب
وسندان نزوح شبه جماعي إلى مناطق لجوء لا إنسانية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة .
وتشير تقارير منظمة غوث وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين "أونروا " ، والمؤسسة العامة للاجئين الفلسطينيين
العرب إلى أن الموجة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين وصلت إلى سوريا عام 1948،
آتية بصورة أساسية من مدن وقرى الجليل والجليل الأعلى " صفد وحيفا وطبرية
وأقضيتها" .
وكان الاستقرار السياسي والأمني
الذي عرفته سوريا قد جعل منها محطة لجوء مفضلة للفلسطينيين خاصة بعد انتهاء موجة
النزوح الأولى التي دشنتها نكبة 1948، فانتقلت إلى سوريا موجة ثانية من اللاجئين
بعد أحداث أيلول عام 1970 في الأردن مكونة من بضعة آلاف من عناصر المقاومة مع
عائلاتهم .
فيما كان الاجتياح "الإسرائيلي"
للبنان عام 1982 سببا في موجة نزوح ثالثة، لا سيما بعد انسحاب المقاومة الفلسطينية
من بيروت بعد مجزرة صابرا وشاتيلا ، كما تسببت حرب الخليج الثانية عام 1991بموجة
نزوح رابعة بعد إعلان الزعيم الراحل ياسر عرفات الوقوف بصف النظام العراقي عندما
غزا الكويت ، بينما أدى الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وعملية
التطهير العرقي التي واجهها الفلسطينيون هناك على أيدي الميليشيات والمجموعات
المسلحة إلى موجة النزوح الخامس في ذات الاتجاه .
وعلى الرغم من تناقض وتضارب
الأرقام حول تعداد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ، بسبب موجات النزوح العديدة منذ
نكبة 1948 والرحيل عنها في أحيان قليلة أخرى ، إلا أن التقارير المحايدة للمنظمات
الفلسطينية والدولية توضح أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا كان ضئيلا إبان
نكبتهم؛ فمن أصل 726 ألف لاجئ فلسطيني فيما عرف بدول " الطوق العربي "
قدرتهم بعثة المسح الاقتصادي للشرق الأوسط التابعة للأمم المتحدة في ديسمبر عام
1949، حط الرحال في سوريا 80 ألف لاجئ فلسطيني، لم يقم في المخيمات سوى حوالي 53
ألفا منهم .
ويقيم اللاجئون الفلسطينيون الذين
بلغ عددهم قبل الأزمة الأخيرة أكثر من نصف مليون لاجئ في عدة مخيمات أنشأتها
الحكومية السورية مع بدء موجات النزوح ، بدأت بستة مخيمات هي
( خان الشيح ) قرب مدينة دمشق ، ( والنيرب )قرب مدينة حلب ، ( والعائدين ) قرب
مدينة حمص ، ( ومخيم العائدين ) قرب مدينة حماة ، ( ومخيم درعا ) في مدينة درعا ، (
ومخيم خان دنون )قرب مدينة دمشق .
وضمن محاولة توطين اللاجئين
الفلسطينيين في سوريا، أنشئ مخيم آخر هو مخيم الرمدان ونتيجة لنكسة يونيو عام 1967
، أنشأت منظمة الأونروا أربعة مخيمات جديدة، أطلقت عليها مخيمات الطوارئ وهي : ( مخيم
السيدة زينب ) ، ( ومخيم جرمانا ) في دمشق ، ( ومخيم درعا الطوارئ ) في مدينة درعا
، ( ومخيم السبينة) .
ويضاف إلى هذه المخيمات مخيمات
أخرى أنشأتها الحكومة السورية ممثلة بالهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب ولم
تعترف بها وكالة الأونروا، مثل مخيم اليرموك ، وهو أكبر المخيمات الفلسطينية في
الداخل والخارج، ومخيم عين التل - حندرات قرب حلب ، ومخيم الرمل في اللاذقية ،.
وأخيرا (مخيم تجمع الحسينية) .
وتنوعت درجات الفلسطينيين المقيمين
في سوريا وفقا لظروفهم وولاءاتهم حيث حمل اللاجئون نتيجة حرب عام 1948.
"تذكرة إقامة مؤقتة للفلسطينيين" غير محددة المدة، ووثيقة سفر خاصة ،
ويخضع الفلسطينيون في الحصول على هذه الوثائق إلى نفس الشروط التي يخضع لها
السوريون .
أما الحائزون على وثائق سفر أردنية
أو مصرية أو لبنانية، تنطبق عليهم القوانين المرعية تجاه المواطنين، حيث كان يتوجب
تجديد إقامتهم سنوياً بعد مراجعة مكاتب الأمن، دون أن يستفيدوا من سماح السلطات
السورية للرعايا العرب بدخول أراضيها دون تأشيرة، وبالحصول على وثائق إقامة ورخص
عمل، فيسمح لهم بدخول سوريا بواسطة تأشيرة ترانزيت لمدة 3 أيام ، بينما حصل
النازحون نتيجة للحرب الأهلية في لبنان على وثائق مماثلة لوثائق الفئة الأولى
"نزوح 1948" لكنهم لا يؤدون الخدمة العسكرية التي يؤديها المنضوون تحت
الفئة الأولى في صفوف جيش التحرير الفلسطيني، ولا يدخلون الوظائف الحكومية .
وبقى الفلسطينيون المنضوون في
صفوف المقاومة وعائلاتهم الذين حصلوا على إقامة ـ الأمر الواقع ـ،رهينة لطبيعة
العلاقة بين النظام السوري ومنظمة التحرير الفلسطينية بعد أن تدهورت العلاقات
بينهما عام 1983ومع تدهور الأوضاع الأمنية والعسكرية في سوريا منتصف مارس 2011،
تطورت الأمور وكان لها انعكاس مباشر على الوجود الفلسطيني خاصة في منطقة ريف دمشق
التي تضم حوالي عشرة أماكن ما بين مخيمات وتجمعات ، خاصة بعد أن سارعت الحكومة
السورية وعلى لسان مستشارة رئيس الجمهورية بثينة شعبان باتهام عناصر خارجية
بالوقوف وراء الفتنة ووجهت أصابع الاتهام للفلسطينيين بالتورط في أحداث وقعت في
اللاذقية .
فقد قالت في تصريحات للصحفيين
بتاريخ 29 مارس أي بعد عشرة أيام فقط من بدء الأزمة "أتى أشخاص البارحة من
مخيم الرملة - تقصد مخيم الرمل للاجئين الفلسطينيين - إلى قلب اللاذقية وكسروا المحال
التجارية وبدأوا بمشروع الفتنة" .
في المقابل، أعلنت حركة المقاومة
الإسلامية "حماس" موقفها الدقيق من الأزمة السورية ، مؤكدة سياسة الحركة
في عدم التدخل في شؤون الدول العربية، وتطلعات الشعوب للحرية ، وتطور موقف الحركة
ليعلن مسؤول مكتبها السياسي خالد مشعل في مؤتمر حزب الحرية والعدالة في تركيا
ترحيب حماس بثورة الشعب السوري ضد النظام ، الأمر الذي أدى إلى إغلاق كافة مكاتب
الحركة واستهداف كوادرها التنظيميين .
واستفاق اللاجئون الفلسطينيون في
سوريا بعد ذلك على نبأ العثور على 89 جثة ملقاة في إحدى قرى إدلب لمجندين من جيش
التحرير الفلسطيني كانوا قد اختطفوا على طريق حلب - حماة الدولية أثناء عودتهم الى
منازلهم من مركز تدريبهم الذي يؤدون فيه الخدمة الإلزامية، بعد اختفاء استمر
اسبوعين .
وبرز الفصل الأسوأ في تأثير
الأزمة السورية على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين ، خلال زيادة حدة المعارك بين
الجيش النظامي والجيش الحر في العاصمة دمشق واقتراب هذه المعارك من مخيم اليرموك
ووقوف "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة" مع الجيش
النظامي لمقاتلة الجيش الحر فما كان من الأخير إلا أن حول بندقيته إلى داخل أزقة
المخيم والاشتباك مع القيادة العامة، والمحصلة عشرات القتلى من اللاجئين ، فيما
قصفت الطائرات السورية المخيم بحجة وجود مجموعات مسلحة تقاتل مع المعارضة ضد
النظام .
وبعد أن شهد مخيم اليرموك تلك
المعارك الضارية وجد اللاجئون الفلسطينيون أنفسهم مرغمين على مغادرة مخيمات اللجوء
هربا نحو مناطق أكثر أمنا ليعيشوا رحلة عذاب جديدة في ظروف معيشية وقانونية
واجتماعية واقتصادية بالغة الصعوبة .
ففي لبنان، يمنع اللاجئ الفلسطيني
المقيم من العمل بأكثر من 11 مهنة ويمنع أيضا من التملك والتوريث بعكس ما كان
يعامل اللاجئ الفلسطيني في سوريا ، ناهيك عن اللاجئ النازح الذي تخشى السلطات
اللبنانية أن يستطيب العيش ويستوطن لبنان مرة أخرى ليجد لبنان الغارق في مشكلاته
أمام واقع جديد ومستوطنين جدد، وعبء جديد يعيد الي الذاكرة الكابوس الفلسطيني في
لبنان في سبعينات القرن الماضي .
ويقول الدكتور إسماعيل رضوان وزير
الأوقاف فى الحكومة الفلسطينية المقالة لوكالة أنباء الشرق الأوسط " الكارثة
أحلت مرة أخرى بشعبنا الفلسطيني ، أوضاع النازحين من سوريا إلى لبنان
"كارثية" لا تصفها العبارة ، بعد أن نزح أكثر من 20 ألف فلسطيني إلى
داخل المخيمات بلبنان التي تعانى أصلا وضعا صعبا " .
وإذا كان المشهد يستعصى على الوصف
وفقا لما أكده رضوان ، فإن ما يجرى للنازحين الهاربين من الجحيم السوري تقشعر لها
الأبدان ، ويستصرخ الضمير متسائلا " أين أموال المسلمين " ، حيث لا توجد
مراكز إيواء ، فيما تقاعست منظمة شئون اللاجئين المعروفة بإسم " الأونروا
" عن القيام بواجبها ، حيث تكتفي بتقديم 40 دولارا للنازح " لمرة واحدة
" وتتركه نهبا في الظروف القاسية .
ويتوقع المسئول الفلسطيني تفاقم
الأزمة مع استمرار الصراع الدموي ، وهو ما يتطلب إستراتيجية دولية وعربية لإدارة
تلك الأزمة من خلال برنامج متكامل ، بالإضافة إلى توفير مساعدات تصل إلى مليار
دولار ومراكز إيواء من خلال الأونروا لهؤلاء النازحين .
ويقف الفلسطينيون القادمون من
سوريا إلى لبنان الآن أمام مصير مجهول يلوح في الأفق ، بانتظار حلول ربما تتأخر
كثيرا ، وقد لا تكون قادرة على حفظ كرامتهم ، وكما يقول الشاعر الفلسطيني الأشهر محمود
درويش فى كتابه " ذاكرة للنسيان " لا أحد يستمع إلى الرجاء المرفوع من
الدخان " .
المصدر :
وكالة أنباء الشرق الأوسط – أ ش أ
4/2/2013