ان عودة الفصائل الفلسطينية للحوار، ورغم المحاولات والتمنيات، فلا توجد بوادر امل للوصول الى اتفاق فلسطيني يخرج الساحة الفلسطينية من حالة الانشقاق والانقسام التي تمر بها، رغم التصريحات التي تخرج من هنا اوهناك، ويعود السبب بذلك الى انعدام الثقة بين الاطراف الاساسية وتمسك كل طرف بمواقفه وعدم التنازل عنها باي ثمن، ولكن السؤال الذي يراود الجميع الا وهو: من المسؤول عن ايصال الساحة الفلسطينية الى الحالة التي وصلت اليها؟ وعلى عاتق من تقع المسؤولية عن هذا الشرخ والانقسام؟ بالتاكيد هناك اجوبة تحمل الكل بالساحة الفلسطينية هذه المسؤولية، ولا تستثني احدا اطلاقا.
فالانشقاق والانقسام بالساحة الفلسطينية لم ياتي عن طريق الصدفة، وانما هناك عوامل ومقدمات ساهمت بذلك، والناتجة بالاساس عن سياسة تفريطية مارستها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة فتح باعتبارها كانت القائدة والمسيطرة والمهيمنة على القرار الفلسطيني على طول هذه المسيرة، والتي كانت تتحكم بكل صغيرة وكبيرة داخل مؤسسات الشعب الفلسطيني، اما القوى الاخرى التي كان دورها ثانويا، تتحمل مسؤولية بعدم قدرتها وعجزها عن القيام بدور رئيسي بمؤسسات الشعب الفلسطيني مما جعلها اليوم تدفع ثمنا غاليا عن عجزها وضعفها، لمنع حالة التراجع والتدهور بالمواقف الفلسطينية التي تمسكت بها القيادة الفلسطينية ورهاناتها التسووية.
فسياسة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية ما زالت سياسة تفريطية وتراجعية، قادت الساحة الفلسطينية الى مزيد من التدهور والانهيار، ومن الخطأ تحميل حركة حماس مسؤولة ما الت اليه الاوضاع، فلولا السياسة التفريطية والتنازلات المجانية للعدو وهيمنة الفساد واطغاء المصالح الذاتية على المصلحة الوطنية والتنافس على تقسيم الغنيمة والورثة التي تميزت بها الطغمة المهيمنة والمسيطرة على القرار وتحكمها بكل تفاصيل السلطة والمنظمة، هذه السياسة هي التي اوصلتنا الى ما وصلت اليه الحالة الفلسطينية الحالية، والتي نعيش بلاويها ومصائبها والتي تهدد كل الانجازات الفلسطينية التي كان ثمنها دما وتضحيات ومعاناة على مدار عقود من النضال.
على مدار المرحلة السابقة مارست قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة التحرير الفلسطينية – فتح، سياسة التفرد والتحكم بالقرار الفلسطيني، ومنعت على كافة القوى الفلسطينية الاخرى اي مشاركة فعلية، وجعلت مشاركتها فقط رمزية بالمؤسسات الفلسطينية وهمشت دورها لتظهرها عاجزة امام الجماهير، ومارست حركة فتح اساليب غير ديمقراطية لمنع اي قوى فلسطينية اخرى من اخذ حجمها الحقيقي وابراز دورها ضمن المؤسسات الفلسطينية، وكانت تقول للجماهير الفلسطينية ان هذه القوى اليسارية الموالية لسوريا وليبيا والتي تاخذ من الماركسية اللينينية منهجا لسياستها، هي قوة هامشية مهمشة تعتمد على اجندة خارجية، وان فتح حريصة ومدافعة عن القرار الفلسطيني المستقل، وان حركة فتح ترفض التدخلات الخارجية بالشؤون الداخلية الفلسطينية، وان اي انتصار او تمثيل او وصول اي طرف من هذه القوى الى مراكز القرار تعني الكثير، وان محاربتها ومنعها من الوصول الى مصادر القرار هي مهمة فتحاوية بظل هذه المرحلة وان فتح هي من اطلقت الرصاصة الاولى وهي رائدة الكفاح المسلح، هكذا تعاملت حركة التحرير الوطني الفلسطيني مع رفاقها ومناضلي الفصائل الفلسطينية الاخرى واعتقد انها ما زالت.
احتكار القرار السياسي على تنظيم كما تعودت عليه الساحة الفلسطينية لا يقود الشعب الفلسطيني الا الى الهاوية، والى مزيد من التنازلات والتفريط، وهذا الواقع ما زلت تمر به الساحة، وما زالت الاطراف المهيمنة والمسيطرة على القرار الفلسطيني والناطقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية، تداعب الشعب الفلسطيني كانه طفل رضيع لا يزال يجهل الحقيقة ولا يعرف المصطلحات، وكان فوز حماس بالانتخابات الفلسطينية للمجلس التشريعي قد اربك الوضع الداخلي الفلسطيني، وبالاخص اصحاب القرار.
عنما حاولت كتلة فتح بالمجلس التشريعي السابق، الالتفاف على اتفاق القاهرة بخصوص البند المتعلق بالانتخابات، كانت تهدف بالاساس حسب تقديراتها للحصول على اغلبية ساحقة بالمجلس التشريعي تضمن لها اغلبية تمكنها من تمرير سياسات دون الحاجة الى القوى الاخرى، ولكن النتيجة كانت عكس كل هذه التقديرات، ولو كانت حركة حماس قد فازت بالانتخابات بالنسب التي اقرها المجلس التشريعي حسب رغبة كتلة حركة فتح فبالتاكيد فان حماس لن تكون بحاجة الى القوى الاخرى وعلى راسها فتح لتمرير سياستها واقرار قوانين على رغبتها.
حاولت حركة فتح على مدار الفترة السابقة وضع مفاهيم ديقراطية على مقاييسها، وفرضتها على كافة القوى الاخرى بالساحة الفلسطينية، وكان انتصارها بحملة انتخابية في جمعية او نقابة او نادي او اي مؤسسة فلسطينية تفوق كل التصورات، فعندما حاولت الحركة بانتخابات البرايمز اختيار مرشحيها لخوض انتخابات المجلس التشريعي اصطدمت بعقم الديمقراطية التي كانت تفرضها بالمؤسسات الفلسطينية لمنع القوى الاخرى من اثبات حجمها الحقيقي بين الجماهير، فاختلفت الحركة داخليا وكانت خلافاتها كبيرة وحصل لها ما حصل من خسارة عمقت من ازمتها، والان تسعى جاهدة لوحدها من خلال حوارات القاهرة ان تكسر شوكة حماس وهي عاجزة بذلك، وان تصريح غسان المصري القيادي بحركة فتح يوم 27/04 لمعاتبة الفصائل الفلسطينية الاخرى عندما طالبها في بيان " بان تتحمل مسؤولياتها بتحديد موقفها بوضوح تجاه الطرف الذي يعرقل الحوار ويحوله الى عملية عبثية ، وان تتخلى الفصائل عن مواقفها الوسطية والمجاملة ، لان عدم حسم مواقفها يجعل الجماهير تحملها جزء من المسؤولية ، وان الاستمرار في لعب دور الصليب الاحمر لايؤثر ولا يساهم في الضغط لانجاح الحوار وتحقيق الوحدة الوطنية التي كانت الفصائل طوال مسيرة النضال الوطني المكون والشريك الفاعل والداعم لها ، لذا فإن الاكتفاء بموقف مناشدة فتح وحماس التوصل الى الاتفاق لايرتقى الى مستوى الدور والمسؤولية المطلوب تحملها من الفصائل" يؤكد بلا شك هذا التصريح الى حالة العجز التي وصلت اليها الحركة حتى بالحفاظ على ماء وجهها امام مواقف حماس وتصلبها.
بالواقع يطالب المصري من الفصائل الفلسطينية والقوى الاخرى ان تختار بين نهجين، نهج التسوية والتفريط بالحقوق الفلسطينية التي تمارسها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وسياسة التنازلات، حيث فتح اختارت ان تدعم هذه السياسة، او ان تدعم الفصائل الفلسطينية سياسة المقاومة التي تشكل حماس عمادها وعمودها الفقري، وتحاول حركة حماس ايضا من خلال حواراتها تثبيت مفاهيم ومقاييس ديمقراطية فتح بالمؤسسات الفلسطينية، كذلك يحاول المصري الاستنجاد بالقوى الفلسطينية الاخرى وهو يدرك اليوم انه حركة فتح وحدها لا يمكنها ان تلعب الدور الذي مارسته على مدار عقود وسنوات، ولا يذكر المصري بتصريحه كيف تخلت حركة فتح عن كافة الفصائل الفلسطينية بمنظمة التحرير الفلسطينية عندما وافقت الحركة على ان توقع على اتفاق مكة مع حركة حماس الذي قاد الوطن الى انشقاق تتحمل فتح كل المسؤولية الكاملة عن ما جرى.
استمرار الاستهتار بالقوى الفلسطينية الاخرى وتهميشها، ليست سياسة جديدة تحاول ان تمارسها حركة فتح وانما هي تجديد لسياستها القديمة لاخراجها من مازق يهدد وجودها، وهي اليوم اصبحت بشكل عام خارج اطار القرار السياسي الفلسطيني، فالمنظمة مهمشة وملغية، وسلطة رام الله لا تتلقى اوامرها من حركة فتح بظل هذه الازمة التي تعصف بها، وبقطاع غزة ممنوع عليها ممارسة دورها الا ضمن ما تمليه عليها حركة حماس، ورجال فتح بكل مواقعهم واختلاف ارائهم يدركون حجم الدمار الذي حل بحركتهم، وهم يسعون جاهدين لترميم ما يمكن ترميمه، ولكن هل يوفقون بذلك؟
اذا راجعت حركة فتح سياساتها السابقة ومفاهيمها ومقاييسها لبناء علاقات داخلية على اسس ديمقراطية تضمن مشاركة الجميع على اسس وطنية ديمقراطية واضحة، ووضوح رؤيتها السياسية اتجاه الاحتلال والحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني، واثبات قدرتها على معالجة الفساد ومحاسبة الفاسدين الذين يذبحون بها وعدم توفير الغطاء لهم،، مع تاكيدها على ان الاتفاق على منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها هي مهمة اساسية واولى قبل التوصل الى اتفاق على سلطة اوسلو، واعادة الاعتبار لمنظمة التحرير حتى لا تبقى قراراتها رهينة زمرة تتلاعب بها وبمصيرها، بالتاكيد ستعيد هذه الحركة ثقة قطاعات واسعة من شعبنا الفلسطيني بدورها النضالي والثوري، كذلك ستعزز من دور حركة التحرر الفلسطيني على قاعدة النضال المشترك والاحترام المتبادل، فهذه هي التحديات التي تواجه الحركة لتعيد الثقة التي فقدتها منذ اوسلو، لتكون قادرة على مد جسور الثقة مع القوى الفلسطينية الاخرى.
جادالله صفا
البرازيل
03/05/2009