بداية كيف كانت طبيعـة لقائكم مع الرئيس أبو
مازن، وما هي أبرز النتائج التي خلص إليها؟
حضر وفد قيادة الساحة إلى بيروت برئاسـة أمين
سرها الدكتور "سمير الرافعي" بناء لتعليمات الرئيس الذي التقاه على حدة.
ولكنَّنا فوجئنا بوقوف "فخامته" على الحالة الفلسطينية في سوريا بما في
ذلك الكثير من التفاصيل الدقيقة، ورغـم ذلك فقد استمع الرئيس من ممثلي الفصائل حول
ما يدور في المخيمات الفلسطينية في سوريا والأوضاع الكارثية التي آلت إليها في ظل
الأزمة المتواصلة التي تمر بها سوريا الشقيقة والمخيمات الفلسطينية ومنها بشكل خاص
مخيم اليرموك، إضافة إلى استمرار حالة التشرُّد التي تعرَّض لها أبناء شعبنا في
معظم المخيمات، وقد استمع الأخ الرئيس للوفد برحابة صدر وتوقف حيال خطورة المرحلة
ومتطلباتها السياسية والإغاثية.
أمَّا على الصعيـد السياسـي، فقد أكَّد الرئيس
ضرورة التمسُّك بالموقف السياسي الفلسطيني المبدئي الذي أعلنت قيادة
"م.ت.ف" اتخاذه من مجمل التطورات الداخلية في بعض البلدان العربية بشكل
عام، ومن الأزمة التي تمر بها سوريا الشقيقة بشكل خاص، باعتبارها شأناً داخلياً،
وعملاً بسياسة الحياد الايجابي والنأي بالمخيمات عن الأحداث والتجاذبات الداخلية
في أي دولة عربية، على قاعـدة الحفاظ على قضية الشعب الفلسطيني وحمايتها كونها
القضية المركزية للأمَّتَين العربية والإسلامية. كما أكَّد الرئيس أبو مازن أهمية
حل الأزمة السورية حلاً سياسياً يُعيد إلى سوريا أمنها واستقرارها ويؤمِّن وحدة
أراضيها وسلامة شعبها. فخروج سوريا من هذه الأزمة سالمة معافاة يشكل دعماً لقضيتنا
الوطنية ودفعاً لحركة "نضالنا" الوطني الفلسطيني، وقد أعطى الأخ الرئيس
توجيهاته لممثلي الفصائل بمواصلة سياسة الحياد الايجابي والقيام بمبادرات خلَّاقة
تهدف إلى تخفيف المعاناة عن أبناء شعبنا وتوفير عودة آمنة إلى مخيماتهم إلى أن
نحقق أهدافنا الوطنية المشروعة في العودة والحرية والاستقلال. ومن هنا فإن الحياد
الايجابي وعـدم زج المخيمات بأتون الأزمـة السورية موقف تلتزمـه قيادة الساحة في
سوريا.
ودعا الوفد لليقظة من مغبة الوقوع
بالمحظور، والحـذر بعلاقته وتواصله وتنسيقـه وإن كان لخدمة القضية الفلسطينية وأهل
المخيمات، تحسُّباً من تجييرها لصالح هذا الطرف أو ضد الآخر من أطراف النزاع،
وطالبنا بالعمل على جعل المخيم منطقة أمن وآمان خالية من السلاح والمسلَّحين. كذلك
فقد كلَّف وفداً من منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة عضو اللجنة التنفيذية الدكتور
زكريا الآغا، وعضوية كل من عضو اللجنة التنفيذية الدكتور أحمد مجدلاني، ومسؤول
الأمن الفلسطيني اللـواء إسماعيل فراج، وسفير دولة فلسطين في سوريا محمود الخالدي،
وأمين سر فصائل "م.ت.ف" في الساحة السورية الدكتور سمير الرفاعي، بزيارة
دمشق في منتصف شهر تموز لهدفين، أولاهما لقاء الجهات السورية لحثِّها على الحفاظ
على سـلامة الفلسطينيين وتسهيل عملية الدخول والخروج من وإلى المخيمات وخاصة مخيم
اليرموك، وتوفير المواد التموينية والغذائية والطبية ومادَتي المازوت والبنزين
والكهرباء والماء والاتصالات، بما يسمح بايجاد بيئة تُسهم في تشجيع الأهالي على العودة
إلى بيوتهم، والبحث بمسألة إطلاق سراح المعتقلين غير المتورطين بأعمال قتالية ضد
الدولة. أمَّا الهدف الثاني فيكمن في التواصل مع وكالة الأونروا لدفعها لرفـع
وتيرة أدائها الإغاثي وضبطه ليطال كافة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا. فعلى سبيل
المثال، أول مساعدة أعلنت الأونروا عن تقديمها كانت بحدود 3000 ل.س للفرد الواحـد،
ولم يستفـد منها وفق التقديرات الأولية سوى ربع اللاجئين بسوريا، وبعدها سارعت
الأونروا للإعلان عن برنامجها للمرحلة الثانية الذي يقوم على تقديم 6000 ل.س للفرد
الواحـد. ومع اقتراب شهر رمضان يدور حديث بأروقة الأونروا عن برنامج تقديم سلَّة
غذائية للعائلة الواحدة بقيمة 7000 إلى 10000 ل.س، بوقت يُحرم حوالي 150
ألف فلسطيني مقيم بسوريا من فلسطينيي العراق والأردن وقطاع غزة وحتى من اللاجئين
الفلسطينيين في مخيمات سوريا كونهم غير مسجَّلين بالأونروا وليس بحوزتهم بطاقة
الإعاشة (الكرت الأبيض). غير أننا
حالياً نعمل بالتعاون مع سفارة فلسطين لتزويدهم بإخراج قيد نفوس يؤهِّلهم بعد
التواصل مع الأونروا للحصول على المساعدات أسوة بباقي الفلسطينيين. وكذلك فقد
اعتمد الرئيس أبو مازن قيادة الساحة لفصائل المنظمة بمرتبة مرجعية فلسطينية رسمية
للمنظمة والسلطة الوطنية في سوريا، وقنوات اتصال مع رام الله للبحث بالمستجدات
والحلول المشتركة.
كيـف تعاملت القيادة الفلسطينية بسوريا مع
المستجدات الطارئة؟
إن معاناة الفلسطينيين هي جـزء من معاناة
السوريين عموماً ومنهم بشكل خاص المقيمين في المناطق الأكثر عُرضة للأعمال
القتالية، ومن يفكِّر بحل للموضوع الفلسطيني بمعزل عن السوري لا يقـرأ الصورة بشكل
صحيـح. وهنا ينبغي أن أشير إلى أن المخيمات ليست بجزر منعزلة فعلاقتها مع الجوار
تتعدى حدود الجغرافيا، وبين آلاف العائلات السورية والفلسطينية روابط نسب ومصاهرة
وعلاقات عمل وارتباطات ومصالح اقتصادية، أسَّست بدورها لبلورة نسيج شعبي اجتماعي
مشترك ومميز. ولذلك فطبيعة مهام قيادة الساحـة تتمحور حول تحييد المخيمات كونها
تمثِّل الهوية والعنوان وكينونة اللجـوء في المنفى. وبالتزامن مع اندلاع الأزمة
والمستجدات الطارئة تداعـت الفصائل السبعة المنضوية بإطار منظمة التحرير وهي
"فتح، وحزب الشعب، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، والفلسطينية،
والنضال، وفـدا"، وقد شُكِّلت هيئتها برئاسة أمين سرها الدكتور سمير الرفاعي،
وحافظت بذات الوقت على حضورها وعملها في صيغة العمل الفلسطيني المشترك "منظمة
وتحالف"، وتوافقت على تحييد المخيمات عن الأزمة السورية من جهة، وبحثت بتشكيل
لجان شعبية أو أمنية خدماتية لحفـظ الأمن والآمان بالمخيم من جهة ثانية. ورغم أن
الحياد الذي ينص عليه التوافق الفلسطيني يقتضي رفض تسليح المخيمات وحتى تحويلها
لمستودعات أسلحة، تحسُّباً لجعلها ورقـة ضد الفلسطينيين، إلا أن الأخوة في "القيادة
العامة" بادروا بالتسليح الذي كان ببعض الحالات عشوائياً وبسببه حصل ما
يقارب 1450 شخصاً على السلاح، وهذا ما فسَّره مناهضو النظام أي
"المعارضة المسلَّحة" على أنه رسالة موجَّهة لهم، لا خطوة بهدف الحفاظ
على أمن وسلامة مخيم اليرموك. وبالنتيجة أصبح المخيم عُرضة للقصف والقنص إلى أن تم
اقتحامه عنوة، وبسقوطه اضطَّرت آلاف العائلات اللاجئة لترك جنى عمرها ومغادرته
بحثاً عن الأمن والآمان حيث أمكن في المدن والقرى السورية الأكثر أمناً وحتى خارج
القُطر، حيثُ بلـغ عدد الوافدين إلى لبنان حوالي 60 ألف نسمة، وعدة آلاف أخرى
توزَّعوا مابين تركيا، ومصر، والأردن، والجزائر وقطاع غزة، ومن حالفه الحـظ
بالهجرة إلى أوروبا فلم يتردَّد. وحالياً يبلغ عدد الفلسطينيين الذين لا زالوا
يقيمون في مخيم اليرموك قرابة خمسين ألف نسمة وفق التقديرات الأولية.
وبالطبع فقـد حمَّل النزوح قيادة الساحة على
صعيدَي المنظمة والتحالف مسؤوليات وأعباء مضاعفة وصعبة للغاية وفوق طاقتها، ما
جعلها بحالة من الاستنفار الدائم ودفعها لرفـع وتيرة أدائها وتعاونها وتواصلها مع
كافة الجهات والمرجعيات خاصة وأن ممارستها لمهامها ومسؤولياتها محكومة بمساحة
محددة ومشروطة بأنظمة وأعراف الحصول على "علم وخبر" جهات الاختصاص
بسوريا، وعلى ضوئه تمكَّنت من تحويل مدينة أبناء "شهداء" الثورة
الفلسطينية التابعة للمنظَّمة لمركز إيواء، ونصب خيم في حدائقها وباحاتها اتَّسعت
لحوالي خمسين ألف نازح أمَّنت لهم "م.ت.ف" مقومات الإقامة والتموين
ووجبات الطعام بما فيه تجنيبهم ولفترات شظايا القصف العشوائي بالتوافق مع الأخوة
السوريين. كذلك قامت الفصائل بالضغط على الأونروا لتحويل مركزها المهني بالمزة
"v t c" لمركز إيواء، هذا عدا عن لجوء أربعين
ألف فلسطيني من مخيم الست بجوار السيدة زينب، ومخيم سبينة، والحسينية، والذيابية،
واليرموك أيضا إلى الأبنية التي هي قيد البناء وغير جاهزة للسكن من حيثُ عدم وجود
أبواب ونوافذ وبلاط فيها، وذلك لبعدها عن الأعمال القتالية. وبالسياق الخدماتي
إياه لم يتوانَ الهلال الأحمر السوري عن التعاون وتقديم التسهيلات، وقامت الفصائل
أيضاً بدور هام في دفع الأونروا لفتح مدارسها لاستقبال اللاجئين، ومن جهتها قدَّمت
منظمة التحرير مساعدة عاجلة بقيمة خمسين مليون ل.س، واستفاد منها 10% من اللاجئين
الفلسطينيين بمعدل ألفَي ليرة سورية للعائلة. ومؤخراً رصدت المنظمة مبلغ مليون
دولار شهرياً لمدة ستة أشهر ستُوزع كشيكات وفق الترتيب الأبجدي، والنصيب الأوفر
منها هو 750 ألف دولار للفلسطينيين الذين آثروا البقاء في سوريا ومخيماتها،
والباقي لمساعدة الذين لجؤوا إلى لبنان، وتركيا، ومصر وقطاع غزة أيضاً. وقد طلبنا
من فخامة الرئيس أبو مازن العمل على رفع قيمة المبلغ باعتبار القيمة الشرائية
لليرة السورية بتدنٍ مستمر، من جهة، وبما يتناسب وعدد اللاجئين من جهة أخرى. كذلك
فلا ننسى أن الفلسطينيين في سوريا لم يتوانوا عن تحمُّل مسؤولياتهم برفـد الثورة
الفلسطينية بخيرة أبنائهم ولم يبخلوا أو يترددوا بمساعدة الأهل في قطاع غزة ولا في
الضفة الغربية، ما يستدعي المسارعة بمساعدتهم وشن حملة على مستوى الفلسطينيين في
الاغتراب وبأوساط مناصري القضية الفلسطينية أيضاً.
كيف تعاطت قيادة الساحة مع الذين آثروا
البقاء في المخيم؟
لقد آثر حوالي خمسين ألف نسمة البقاء في مخيم
اليرموك على مغادرته لعدَّة عوامل منها قلة الإمكانيات، والخوف من العوز بسبب
ارتفاع أجور السكن ومتطلبات الحياة في ظل انعدام فرص العمل بسوريا، إلى جانب
استفادتهم من دروس نكبة عام 1948. لذا فقد وجـدوا أنفسهم مجبرين على التعايش مع
المستجدات جرَّاء وقوع المخيم بدائرة القصف والقنص الذي أودى بحياة أكثر من 1500
فلسطيني، دون أن يقوم أحد بتبني عائلاتهم. ونحن لا زلنا نتواصل مع الجميع لتجنيب
المخيم ويلات الحرب. فالنظام يُبدي استعداده لإعادة الحياة الطبيعية إلى المخيم
شريطة انكفاء المسلَّحين وأقلُّه الكف عن التجوال بالشوارع الرئيسية والانخراط
بصفوف اللاجئين، وتحويل المخيم لمرابض قتالية. غير أننا ما أن نحظى بموافقة العديد
من مرجعيات المسلَّحين، فإن المسلَّحين سرعان ما ينكفئون عن التزاماتهم، وتعود
دوامة العنف من جديد.
من جهة ثانية، فقد تمَّ تشكيل هيئة وطنيـة
أهليـة قوامها 21 عضواً، وانحسر التمثيل السياسي الفلسطيني بحدود مندوبي فصائل
"م.ت.ف" وعدد من المستقلين، ومرجعيتها القوى الفلسطينية الـ 14 في دمشق.
وتراوحت المراتب الحزبية لأعضائها ما بين "قيادة منطقة، ولجنة مركزية، ومكتب
سياسي"، وانبثق عنها عدة لجان منها "لجنة نظافة وخدمات، ولجنة انضباط،
ولجنة تربوية، لجنة صحية، لجنة مالية". وقد قامت هذه اللجان بأدوار بغاية
الأهمية. فعلى سبيل المثال، وفَّرت اللجنة التربوية بالتعاون مع معلمي الأونروا
فرصاً لتعليم الطلبة وخاصة لإعداد المتقدمين لامتحانات الشهادَتين المتوسطة
والثانوية عبر البيوت وفي المساجـد، وقدَّمت لهم مساعدات مالية من
"م.ت.ف"، وعملت على تسهيل حركتهم وذهابهم لقاعات الامتحانات بالعاصمة
دمشق مع ضمان عودتهم للمخيم. أمَّا لجنة الانضباط فقد تولَّت تسهيل وصول كبار السن
والمرضى والمصابين إلى الحاجز وعودتهم إلى المخيم وفق المتاح لها. ولم تدخر لجنة
النظافة جُهداً بتنفيذ مهامها وتشكيل حملات التطوُّع لتنظيف وجمع القمامة، وحتى أن
البعض من مندوبي اللجان تعرَّض للإصابة وآخرون قضوا وهم يقومون بمهامهم.
ما الذي تمَّ التوصُّل إليه في موضوع تسوية
أوضاع الفلسطينيين من حملة السلاح؟
لا بدَّ أن ننوِّه إلى المساعي التي تُبذل
حيال متابعة ملف المعتقلين ولا تتوانى عن توسيط من تراه ذا سعة ونفوذ لمتابعة ملف
هذا المعتقل أو ذاك شريطة خضوع صاحبه للتحقيق. وعطفاً عليه تعمل قيادة الساحة هذه
الأيام على إنضاج مبادرة تسوية أوضاع حملة السلاح من الفلسطينيين أسوة بالإنجازات
التي حقَّقتها القوى الفلسطينية في مخيمات حمص، واللاذقية، وحماه، وأطلقت بموجبها
سراح 150 شخصاً بعد أن عملت على تسوية أوضاعهم. وتقتضي المبادرة التي حظيت بموافقة
جهات الاختصاص في سوريا عـودة المفرج عنه للانخراط بالحياة المدنية والتعهـُّد
بعدم حمل السلاح بوجه النظام وتسليم سلاحه. وبالتالي فإنضاج المبادرة يتطلَّب فتـح
قناة تواصل مع جهات الاختصاص في سوريا من السياسيين والأمنيين، إضافةً لاستطلاع
مناخات المسلَّحين ومواقفهم ومدى استعدادهم.
هل من كلمة أخيرة ترغب بتوجيهها؟
أرغب بالإشارة إلى أن سوريا استقبلت
الفلسطينيين منذ نكبة العام 1948، وتعاملت معهم أسوة بالسوريين. وبلقاءاتنا
المشتركة تُبدي المرجعيات السورية استعدادها وثبات سوريا على موقفها تجاه القضية
الفلسطينية، وتتعاون معنا كفصائل وتقدِّم لنا العديد من التسهيلات. ولكن استمرار
الأعمال القتالية يشكِّل تهديداً لسوريا القوية الممانعة ولدورها في المنطقة، ولا
يخدم سوى "إسرائيل" وأمريكا. لذا فالخروج من هذه الأزمـة يتطلَّب
الموافقة على عقـد مؤتمر جنيف 2 الدولي.
بقلم / مفوضية الإعلام والثقافة –
لبنان
المصدر : موقع فلسطيننا
6/8/2013