الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
فغالبا ما قرأنا وسمعنا عن قصص استشهاد الصحابة العظام رضي الله عنهم الذين سطروا في التاريخ أروع الأمثلة في الاستشهاد والتضحية فقد روي عن قصصهم أنهم كانوا يدعون الله بأن يرزقهم الشهادة في هذه المعركة أو تلك فيرزقهم الله تعالى ذلك.
ومن أمثلة هؤلاء الصحابي عمرو بن الجموح والصحابي البراء ابن عازب رضي الله عنهم أجمعين وغيرهم كثير فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ .
وها نحن اليوم مع قصة ما زالت ماثلة أمام أعيننا وما زال دمها لم يبرد في عروقنا ومخيلتنا إنها قصة الشهيد البطل بإذنه تعالى (أحمد إحسان مناع ) رحمه الله حيث يذكر أن الأخ احمد رحمه من مواليد1985بغداد-العراق، وترجع أصوله في فلسطين إلى مدينة الخليل من قرية زويته.
كان الشهيد احمد بإذن الله يتصف بشجاعة لا يخاف من إي شخص ويمتاز بأخلاق عالية فكان يحترم الكبير ويساعد الفقير وكانت عنده قوة قلب وشجاعة قل نظيرها وكان يحب المزاح ففي يوم من الأيام وقف على سطح العمارة وقال للناس انظروا إلي فاني سوف أقفز من سطح العمارة وغيرها من المزاحات التي كان يتمازح بها رحمه الله.
وينتمي أحمد لعائلة محترمة، سواء عائلة والده أو والدته ومن المواظبين على الصلاة في المسجد، وكانوا من الذين يحبون مساعدة الفقراء والمحتاجين، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)(سورة الحشر: الآية9).
قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أراد أن يتصدق بكل ما يملك ( ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن اهلك شيء فلقرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا) رواه مسلم .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم يتبع الميت ثلاثة ولده وماله وعمله فيرجع اثنين ويبقى واحد يرجع ولده وماله ويبقى عمله.
فإن هذه الصفات الجيدة كانت موجودة عند الأخ إحسان رحمه الله نسأل الله أن تنفعه في قبره ، فالشهيد إحسان بأذن الله تقبله الله وجعله من عداد الشهداء من الذين كانوا يسارعون لفعل الخيرات وترك المنكرات رحمكم الله يا أبا أحمد ويا أحمد وهنيئا لكم الشهادة أنت ووالدك بإذن الله، قال سهل بن حنيف رضي الله عنه:قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه رواه مسلم.
فإن أحمد ووالده من الذين سقطوا في سبيل الله نحسبهم شهداء إن شاء الله، وهذه قصة الشهيد بإذن الله أحمد إحسان حسين مناع الذي سقط هو ووالده واثنين من الفلسطينيين في بغداد باعتداء صاروخي من قبل ميليشيات حاقدة.
الشهيد بإذن الله أحمد قبل ساعات من استشهاده كان متواجدا في مسجد القدس في بغداد في مجمع البلديات الذي يعتبر أكبر تجمع يعيش فيه الفلسطينيون في العراق حيث كان يصلي المغرب في جماعة في المسجد وكنت أنا وشاب آخر معا نقف حراسة بين الصلوات في باب المسجد قبل الاعتداءات المتواصلة والمتكررة على أهل السنة وعلى شعبنا الفلسطيني في العراق من قبل الشيعة الروافض والأمريكان، حيث جاء أحمد رحمه الله وقال لي بكل ثقة وعزيمة يا أخي أبو حذيفة أريد أن أطلب منك أن تدلني على أحد لأجاهد معهم في سبيل الله فأنا أريد أن أجاهد بمالي ونفسي وأريد أن استشهد في سبيل الله، فلم يرق له هذا الوضع من احتلال الكفار لبلد من بلاد المسلمين يدنسون هذه الأرض أمام عينه لا سيما هذا البلد الذي عاش فيه وتعلم فيه وشرب من مائه.
هذا الكلام قبل موعد استشهاده بساعتين فقط والله على ما أقول شهيد وأراد مني أن أعطيه كلمة وعد ولكن أنا أبيت أن أعطيه وعدا ً بذلك وقلت له إن شاء الله وإذا بي وأنا واقف مع والده في نفس مكان الحادث قبل وقوع الصاروخ بخمس دقائق ثم ذهبت إلى المسجد لأنه كان يوم عرفات وثاني يوم كان هو أول أيام عيد الأضحى المبارك وإذا بي أسمع بصوت وقوع صاروخ هز العمارات السكنية وسقط بقرب إحدى العمارات الفلسطينية وذهبت إلى مكان الحادث وأنا اركض بجنون وأنا لا أعلم أين وقع الصاروخ ومن الذي استشهد ومن الذي جرح وإذا بي أرى أخي احمد قد جرح جسده وبترت قدمه فحملناه لنذهب به إلى المستشفى وجسده ينزف دما ووالده والفقيد جمال والفقيد سامي قد فارقوا الحياة بنفس اللحظة ونفس المكان الذي وقع الصاروخ به لأنهم كانت جروحهم بليغة وخطيرة.
فذهبنا بهم إلى مستشفى الواسطي في بغداد وكان ممنوع التجوال بهذه الأيام وهذا الوقت مقرر من قبل قوات الاحتلال الأمريكي وخرجنا لأننا شعب لا نهاب الموت ولا نخاف من أي أحد كان بإذن الله لأننا على حق وأدخلنا أحمد إلى المستشفى وبنظرات نرتقب أحمد وهو في أنفاسه الأخيرة وسكرات الموت تقترب منه وإذا بالشهيد احمد بإذن الله ينطق بحديث النبي صلى الله عليه وسلم :(من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة )فإذا بأحمد تقبله الله وجعله من عداد الشهداء ينطق الشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) وتحلق وترتفع روحه الطاهرة الزكية إلى بارئها ويتوفى أحمد وعجبا ًلقاتلك يا أحمد كيف له أن يقتل نفساً حرق قلبه على هذا البلد.
وفي هذه الليلة كان موعد حراستي ليلاً في المسجد وقد وضعنا جثامينهم الطاهرة في في المسجد الشهداء الأربعة بإذن الله تعالى, فإذا بوالدته وجدته وجمع غفير من أهله جاءوا إلى المسجد فإذا جدته رحمها الله عندما رأت منظر ابنها وحفيدها فقالت عندما رأتهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، (اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها) ما أعظمها من كلمات تدل على عمق إيمان هذه المرأة وصبرها واحتسابها هذه المصيبة العظيمة عند الله تعالى.
فذهب كل شخص إلى بيتهم وبقيت أنا في المسجد لأنه كان موعد حراستي في تلك الليلة وأنا شاهد عيان على ما حدث، فقد كنت كل ربع ساعة تقريباً أذهب وأكشف على وجه أحمد وأنظر إليه فكان يتعرق عرقا شديدا وأمسح عرقه وأرجع مرة أخرى، وكان يتعرق عرقا شديدا ولحيته كانت قد نبتت وأخرجت بعض من شعره إلى أن أذن الفجر وصلينا صلاة العيد وذهبنا بهم إلى المقبرة لندفنهم.
وعندما جاء موعد تنزيل جثة الشهيد بإذن الله أحمد دفناه وأنزلنا جسده الطاهر بإذن الله في القبر وهو ينزف دما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من طلب الشهادة بصدق نالها ولو مات على فراشه).
فأخونا أحمد كان يتكلم بهذا الموضوع معنا قبل استشهاده بساعات قليلة والله عز وجل رزقه الشهادة بإذن الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبو هريرة رضي الله عنه قال:(ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم مس القرصة)رواه الترمذي. فإن أخينا أحمد رحمه الله تعالى كأنه لم يشعر بألم الجروح في جسده وقد بترت ساقه إلى أن فارق الحياة وانتقلت روحه إلى رحمة الله بإذن الله تبارك وتعالى.
فهنيئا لك الشهادة أخي أحمد قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ }الحجرات15.
أحمد كان قد نوى وصرح لي عن نيته بأن يجاهد بماله ونفسه في سبيل الله نطلب من الله تبارك وتعالى أن يكتب له ما تكلم به وأن يكون من عداد الشهداء إن شاء الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم:قال (من لم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية أو مات على شعبة من شعب النفاق) فقد كان يحدث نفسه بالغزو ويتمنى الشهادة في سبيله فرزقه الله الشهادة إن شاء الله.
من حديث المقدام بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: للشهيد عند الله ست خصال يغفر له من أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويؤمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين ويشفع لسبعين من أهله.
هذه بعض الأبيات الشعرية نهديها إلى جميع شهدائنا الذين قتلوا في سبيل الله
..قلت للريح ما هذه الرائحة الطيبة..
..ردت الريح وقالت هذه ريح الشهيد..
..فرحت الوالدة فهللت وكبرت وصبرت..
..وقالت يامرحبا يامرحبا يا ابني وزوجي الشهيد..
..وفرح الفتى الحفيد ..وقال اليوم اكتمل..
..عرسنا هذا عرس أبي وأخي الشهيد..
..سعيد بأختي وأخي كيف حال العراق بعدنا..
..فقال له جرحا نازفا ونار شهيد..
..دنسه محتل وعملاء أعاجم عبيد..
..جاءوا راكبين دبابة مع اليهود..
..يا إخوتي لا تحزنوا فقد تركنا فيه رجا ل..
..ونصرا قادم بإذن الله أكيد..
...سلاما سلاما إخوتي الشهداء..
..وهنيئا أيها البطل أحمد الشهيد..
..الجنة مثواكم بإذن الله وأدعوا الله الحميد ..
..بني لا تحزن فقد تركت فيه .. رجال ذوي بئس شديد..
مقاومة إسلامية عربية مستعرة .. ونصر قادم بإذن الله أكيد..
..سلاما سلاما أبا الشهداء .. وأيها البطل الصنديد
..الجنة مثواكم وأدعو الله ..أن يحشرني وإياكم في يوم الوعيد..
نسأل الله أن يحشرهم في جنات عدن إن شاء الله مع النبيين والصديقين في عليين والشهداء والأنبياء في الفردوس الأعلى وأن يحسن خاتمتنا وتكون خاتمتنا الشهادة في سبيله إن شاء الله والحمد لله رب العالمين
لمتابعة تشييع وجنازة الضحايا ليلة العيد
لمشاهدة الفلم عبر قناة " فلسطينيو العراق " في موقع اليوتيوب
عز الدين الأسعد
31/1/2010
موقع" فلسطينيو العراق " أول موقع ينشر هذا الخبر
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"