روايات من أتون الحرب على غزة( 3 ) – د. ناصر إسماعيل جربوع

بواسطة قراءة 7052
روايات من أتون الحرب على غزة( 3 ) – د. ناصر إسماعيل جربوع
روايات من أتون الحرب على غزة( 3 ) – د. ناصر إسماعيل جربوع

المواطن عبد الله محمد الغفاري استشهد وبقي وفاءه :-

عبد الله الغفاري ( 59 سنة ) رجل اعتاد علي الحياة البسيطة الشريفة كغيره من الفلسطينيين في مخيم البريج للاجئين في قطاع غزة ،كان مثالأ للأب الحنون الذي عاش علي أمل تحقيق سعادته المنشودة التي كانت حلمه طوال حياته ، رغم شظف العيش وقلة الوارد إلا انه كيف نفسه وصمم أن يعلم أولاده وبناته لينفع بهم أمته وشعبه ،لذا كان عبد الله لم يكل ولم يشعر بتعبه يوماً لأنه انتظر أن يذوق متعة نجاحه التي ستذيب آلامه ،،،،، تقول ابنته الثالثة ، وهي طالبة في السنة الأولي بجامعة الأزهر تخصص تربية - لغة عربية - كم كنت سعيدة يوم أن أعلنت نتائج الثانوية
العامة وحصلت علي معدل 93 % في القسم الأدبي عندما رأيت أبى وقد اغرورقت عيناه بدموع الفرحة ،،، لأنني شعرت أنى حققت حلم أبى المكافح من اجلنا ، ولكن يبدو أن أبي فرحته لم تكتمل لأن العدو الغاشم أراد أن يحاربنا حتى في أحلامنا ، وكان اللقاء الأخير لعبد الله الغفاري ببناته وزوجته وأولاده يوم السبت الأسود 2712-2008 ، ففي صبيحة هذا اليوم تفقد عبد الله شئون بيته وحاجاته واشتري خضاراً وكأنه كان يدرك انه الشراء الأخير وطلب من زوجته (أم محمد) إعداد وجبة من طعام اعتاد أن يرسلها يومياً لصديقه الضرير (حلمي حسين (الخوالده) الذي قدم إلي فلسطين حين عودة قوات الأمن الوطني من المنفى ولم يجد حلمي له صدراً حنونا وأخ لم تلده أمه في غزة إلا المواطن عبد الله الغفاري ،الذي اخذ علي عاتقه أن يتولي أمره واعتبره أخاً حقيقاً ، ركب الغفاري درجاته الهوائية ووضع خلفها ما صنعته زوجته الطيبة (أم محمد) ما جادت به من طعام، وقبل وصوله إلي صديقه (حلمي) ليتناولا طعام الغذاء كالمعتاد --- فاجأتهم طيارة ال إف 16 وقضى عبد الله الغفاري شهيداً مبتسما ،لأنه مات موفياً لعهده الذي قطعه علي نفسه عهد الوفاء الذي شربه من مياه فلسطين العذبة النقية ، استشهد عبد الله تاركاً لأولاده وبناته أن يكملوا الأمانة ويتبعوا وصيته وصية الوفاء واللحمة للدم الفلسطينى.

مأساة عائلة السمونى والشاي الأخير :

أن يقوم العدو الفلسطيني بعمليات القتل الممنهج للشعب الفلسطيني فهذا أمر معتاد علي مرأى ومسمع كل البشر ،ولكن أن يكون الموت بطريقة تشبع غريزة ونهم وحوش آدمية في القرن الحادي والعشرين فهذا أمر يثير علامات استفهام ، الكل سمع عن مأساة عائلة السمونى شرقي غزة ، واعتبرها البعض من وسائل الإعلام الصفراء أنها خبر عابر ! ولكن مأساة تلك العائلة تعتبر اخطر بكثير من خرافات الهولوكوست الصهيونية التي أثلها العدو في أساطيره المؤسسة لسياسته العنصرية .

اقتحم اليهود بيت لعائلة السمونى فوجدوا امرأة وزوجها وأطفالها يتربعون حول موقد من نار فيه قليل من الحطب وعليه وعاء بسيط لإعداد الشاي، فدخل النازيون الجدد ،وكان المشهد ! طلب احد الصهاينة من الرجل أن يشرب زوجته شاي وطلب في الوقت نفسه من الزوجة أن تفعل المثل وما أن قام كل منهم بإسقاء رفيق دربه الشاي أسقاهم النازيون زخات من الرصاص وتعانقا عناقهم الأخير وابنهم الطفل ينظر إلي ذبح والديه فاستغاث وصرخ ،،، فألحقوه بهم شهيدًا ثالثاً وتركوا الرابع ليتحدث عن المجزرة ! من المؤكد أن (48) فردا من عائلة السموني استشهدوا عندما انصبت قذائف الدبابات المتعمدة على مساكنهم الآمنة.

حلمي السموني :--- استشهدت زوجته مها وابنه الطفل محمد في الأسبوع الثاني من العدوان على غزة عندما قصفتهم القوات الصهيونية أثناء لجوئهم إلى مكان قريب مع عشرات آخرين من أقاربه استشهدوا صباح الاثنين 5-1 - 2009.

دمرت حوالي عشرة منازل في هذه المنطقة الصغيرة، ولم تترك أكثر من أنقاض على الرمال أمس. والحقيقة هي أن منزل حلمي السموني المكون من طابقين كان احد المنازل التي أصيبت بقذيفة دبابة كبيرة في جدار غرفة النوم. وخلال العملية الصهيونية احتل الجنود المنزل ودمروا الأثاث وأقاموا مواقع للقنص خلف أكياس رملية وضعت في كافة أنحاء المنزل.

ومن المؤشرات الحقيقية التي تبرز حقدهم ونازيتهم وعنصريتهم ، ما خلفوه من كتابات على حائط الطابق الأرضي لبيت السموني .. بعضها كتب بالعبرية، و الكثير منها كتب بلغة انكليزية منها 'يجب قتل العرب'، 'موتوا الآن'، 'انطلقوا للحرب لا للسلام'، وكان هناك رسم لقبور ، كتب عليها 'العرب 1948 – 2009'.إشارة منهم إلى موقف العرب من الفلسطينيين خلال هذه الفترة الممتدة بين التاريخيين ؟!.

و كانت هناك عدة رسومات لنجمة داود والى جانب احد تلك الرسومات كتبت جملة 'نحن
هنا يا غزة'.

وعلي بعد أمتار من أكوام بقايا منزل مدمر وقف صلاح السمونى (30 عاما) مذهولاً وقد جفت عيناه من الدموع فقد ذبح والده (طلال) ووالدته (رحمه) كما لم ترحم من القتل ابنته (عزه (التي لم تكمل العاميين من عمرها .

ويوم السبت 3-1-2009 م إي بعد أسبوع من القصف الجوي الصهيوني، انطلقت موجة من قذائف المدفعية الثقيلة سبقت العدوان البري على غزة. في تلك الليلة يقول صلاح السموني لجأنا إلى الطابق الأرضي مع 16 آخرين من أفراد عائلته. ومع بزوغ فجر اليوم التالي، الأحد 4 (يناير) كان كل الجيران يفتشون عن ملجأ حتى وصل العدد إلى حوالي 50 فردا[جميعهم في بيت واحد .

ويقول صلاح 'أطلقوا قذيفة على الطابق العلوي فأشعل حريقاً، طلبنا العون من الإسعاف والإطفاء، إلا أن أحداً لم يتمكن من الوصول إلينا'. ولم يمض وقت طويل حتى اقترب منا جنود الصهاينة. 'جاءوا واخذوا يدقون الباب وطلبوا من الجميع مغادرة المكان'. ومشى الجميع بضعة أمتار في طريق رملي ودخلوا إلى منزل كبير من طابق واحد يعود لابن عمنا وائل السموني. تجمع في هذا البيت 100) ) رجل وامرأة وطفل، دون طعام و قليل من الماء وكان جميعهم من المدنيين وأصبح الخطر يداهمهم من كل مكان،ومع انعدام وسائل الحياة الإنسانية في بيت (وائل) نتيجة الحصار المغلق .

قرر صلاح ومعه ثلاثة من أقاربه يوم الاثنين 5-يناير أن يخرجوا من البيت ، رغم يقينهم أن الموت بانتظارهم لإحضار أخشاب لاستخدامها في الطبخ، فاستشهد اثنان من الأربعة على الفور وأصيب الاثنان الآخران. منهم (صلاح ) بشظية في جبهته وظهره وساقيه، واكتمل المشهد المأساوي بقذيفتين أخريين أصابتا المنزل واستشهد وأصيب جميع من كانوا محتميين بمنزل (وائل السمونى) وغالبيتهم من النساء والأطفال ولم يتمكن من إنقاذهم وإسعافهم إلا بعد تدخل الصليب الاحمر.

أما فارس (59 عاما) أبو وائل السموني فكان يعيش في المنزل المجاور للمنزل الذي لجأ إليه أفراد العائلة. فضل البقاء في منزله ليكون شاهداً علي المجزرة وقال وهو يقاوم دموعه 'جثث الشهداء كانت ملقاة على الأرض البعض كان مصاباً—كانوا يحاولون مساعدة بعضهم البعض شاهدت الإيثارية والغيرية بين المصابين كانت( رزقه) 50 عاما زوجتي وزوجة ابني (حنان) وحفيدتي (هدى) 16 عاما من بين الشهداء ومن المستهجن أن المؤسسات الدولية وفرق الإغاثة التابعة لها لم تأت للمصابين إلا بعد ظهر اليوم التالي عندما وصل فريق من 'الصليب الأحمر وتم نقلهم إلىالمستشفيات .

ويقول المواطن فرج السموني (22 عاما) الذي كان يعيش مع عائلته قرب (حلمي وصلاح ) تجتمع 18 من أفراد أسرتي في غرفة واحدة خلال الليل وفي صباح يوم الأحد اقترب الجنود الصهاينة وصاحوا طالبين خروج صاحب المنزل ففتح والدي (عطية ) البالغ من العمر 46عاماً الباب وأثناء خروجه، أطلقوا عليه النار بشكل وحشي واستشهد على باب منزله علي الفور ؟!.

وفيما كانت جثة والدي على الأرض في أطلق الصهاينة مزيداً من الطلقات النارية نحو الغرفة التي نتجمع فيها فقتلوا أخي الأصغر احمد (4 سنوات) 000000ماساة عائلة السمونى لم تنتهى بعد! ولا يعتبر ما كتبناه إلا شواهد قليلة عن حجم معاناة هذه العائلة التي ستبقى مجزرتهم وصمة عار في جبين الصهاينة ومن والاهم ودعمهم بالمال والسلاح أليس كذلك يا أمريكيا وأوروبا ؟
الطفلة دلال أبو عيشة شاهدة علي العصر :

دلال طفلة بريئة تصنع غدها بأحلامها كغيرها من أطفال فلسطين أثناء العدوان

الغاشم علي غزة استشهد جميع أسرتها و لم يتبقى إلا هي لأن الله قدر أن تكون عند
بيت جدها أثناء قصف منزل أهلها رجعت إلي بيت أبيها تبحث بين الركام عن حضن أمها وحنان أبيها وشقاوة إخوانها ولم تكن تعلم أن والديها وإخوتها الثلاثة استشهدوا جميعا ًوبقيت هي لتكون شاهدة علي مجازر القرن الحادي والعشرين عصر العولمةعولمة الذبح والدمار بغطاء عالمي ودعم منقطع النظير لتزداد قوة وجبروت الجزار ويتفنن في ذبح أطفالنا معنويا وماديا.

اليهود يستهترون بالعالم ومؤسساته في غزة :

بلغت تجاوزات اليهود وتحيهم ورمى القرارات الدولية بعرض الحائط إلي أبعد الحدود فقد قاموا باستهداف أماكن كفلت بالقانون والاتفاقيات الدولية بشكل واضح كالمستشفيات والمدارس , مستشفى القدس  :

فقد قام بقصف وحرق ( مستشفى القدس -الهلال الأحمر الفلسطيني- ومستودع الأدوية التابع لها في منطقة تل الهوى في مدينة غزة أثناء تواجد عدد كبير من الأطباء والمرضى والمصابين في المستشفى ؟! واشتعلت َألسنة اللهب بالمستشفى والصهاينة يتلذذون علي دمار مؤسساتنا ليشبعوا

شهوة الانتقام من العرب .

مدرسة الفاخورة :

هناك في مخيم جباليا للاجئين تقع مدرسة الفاخورة التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين(الاونروا) لجأ المئات من الموطنين من شمال القطاع فارين من أتون الحرب علي غزة لينجوا بأنفسهم وأطفالهم من حمم الطائرات وقنابل الفسفور الابيض القاتلة المسرطنة، ولكن يبدو أن الاحتلال رفض ألا ان يثبت جبنه بعد عجزه عن اقتناص المجاهدين، وتغطية لفشله ، أطلق صواريخه وقذائفه علي صدور الأطفال والنساء اللاجئين إلى مدرسة الفاخورة !! فارتقى إلى العلي عشرات الشهداء والجرحى قدروا (45 شهيدا) جميعهم من النساء والأطفال .

إحراق مخازن وكالة الغوث الدولية والعالم يصفق لليهود :

في اليوم التي كانت فيه ما تسمى إسرائيل تقتل الأطفال في غزة خرج الآلاف من فرنسا يتظاهرون دعماً لها ؟! وانبرت وزيرة خارجية أمريكا والألمان وغيرهم من يبررون عدوان الصهاينة علي أطفال غزة ؟! فردت إسرائيل للغرب والعالم المنحاز لها جمايلهم، أن قامت بإحراق مخازن التموين التابعة لوكالة الغوث وأحرقت أطنان من الوقود ومواد التموين المخصصة للاجئين الفلسطينيين، وما النتيجة ؟ ازداد العالم إعجابا باليهود لأنهم شعب الله المختار الذي يجلب لهم السعادة والمطر .

عجباً لشعوب القرن الحادي والعشرون !! .

د. ناصر إسماعيل جربوع
كاتب باحث ومؤرخ فلسطيني